عبدالحليم يعترف في مذكراته: رجل غليظ القلب يطاردني في المستشفي! تكتبها: إيريس نظمي |
صفحات خاصة
|
هل حقيقة كان حليم نحسا كما قالوا؟ لقد عرف عبدالحليم حافظ المستشفيات وهو لم يصل بعد الي سن العاشرة.. وكان المستشفي الميري هو مصدر العلاج في القرية.. وقف كثيرا في الطابور الطويل.. وكان أصغر الموجودين ..
فحصه
الطبيب قائلا بمنتهي الثبات وكأن هذا شيء يقع كل يوم في
القرية: بلهارسيا فحصني الطبيب جيدا.. ثم نظر الي خالي ثم قال كلمة واحدة: بلهارسيا ولم اكن اعلم ان هذه 'البلهارسيا' خطيرة الي هذا الحد.. وانها المسئولة عن هذه الدماء التي تصيبني بحالة دوار وذعر كلما دخلت الي دورة المياه. وبدأ خالي يوبخني ويلومني بشدة: لقد حذرناك من هذه الهواية الخطيرة.. هواية الاستحمام في مياه الترعة. نصحناك الا تغوص ابدا في مياهها الملوثة.. لكنك لم تسمع ولم تفهم .. وهذه هي النتيجة.. بلهارسيا. وبدأت أشعر بالخطر مع كلمات خالي الغاضبة الملهوفة علي صحتي وحياتي. وتدخلت أختي علية لتخفف عني سيل التوبيخ واللوم. انه لم يكن يعرف .. وهو لم يكن وحده الذي يخلع ملابسه ويلقي بنفسه في قلب الترعة.. كل الاطفال الآخرين فعلوا ذلك.. كانوا يريدون أن يلعبوا.. نوع من اللهو البريء.. انهم أطفال لا يعرفون شيئا.. وقال خالي بحزم: لابد أن يبدأ العلاج فورا ومن الغد قبل أن تحدث مضاعفات أخري.. ان جسده ضعيف ولا يحتمل كل هذه المتاعب. لابد من الذهاب غدا الي المستشفي الميري. هذه الحقنة اللعينة! وفي الصباح الباكر كنت اقف في ذلك الطابور الطويل.. واتفرس في وجوههم الشاحبة.. هل كل هؤلاء مرضي؟ هل استحموا وغاصوا كلهم في مياه الترع؟ لكن بينهم رجالا كبارا.. وان كان الاطفال يلعبون ويمرحون في الترعة.. فلماذا يفعل الكبار ذلك.. لماذا يفقدون عقولهم وينسون ان لهم شوارب كثيفة ويقذفون بأنفسهم وسط مياه الترع مثل الاطفال. واسمع الرجل صاحب الشارب الكثيف الذي يقف ورائي وهو يحكي قصته الطويلة مع البلهارسيا.. لقد كان من المغرمين باللعب في ترعة قريتنا عندما كان طفلا صغيرا.. كان يهرب من العمل في الحقل ويذهب الي الترعة القريبة وينسي كل همومه في مياهها وهو يستعرض مهارته في القفز والغوص.. ومنذ ذلك الوقت وهو يتردد علي المستشفيات.. وغالبا ما تكون المستشفي الاميري.. انه نادم جدا الآن ويلعن ذلك اليوم الذي فكر فيه في خلع ملابسه والقاء نفسه في مياه الترعة.. وشعرت بالرعب وأنا اسمع قصة ذلك الرجل. اذن فالعلاج صعب وطويل وليس سهلا كما كنت اتصور.. كان الطابور يتحرك ببطء شديد.. والطفل الواقف أمامي مذعورا جدا من الحقنة.. ويزداد ذعره وذعري أنا أيضا كلما رأينا مريضا خارجا من غرفة الطبيب. وهو يتألم ويتحسس مكان الحقنة.. هل هي مؤلمة إلي هذا الحد؟ ووجدت نفسي وجها لوجه أمام طبيب المستشفي الميري. قال الممرض: اكشف ذراعك.. ولما تأخرت لشعوري بالخوف قام هو بالمهمة.. وكشف ذراعي بلا رفق.. كنت قد قررت الا انظر الي الحقنة ابدا حتي لا أري طرفها المدبب وهو يخترق جلدي وينغرس في لحمي.. وقلت لنفسي سأعطيهم ذراعي وانظر بوجهي بعيدا عنهم. المهم الا اري هذه الحقنة اللعينة.. لكن نسيت هذا القرار ووجدتني اركز نظراتي عليها.. ان حجمها كبير جدا.. وطرفها المدبب سميك كنت اظنه ارفع وارق من ذلك.. ان الطبيب يضع بداخلها المصل دفعة واحدة حوالي عشرة سنتيمترات. ثم يفرغ في ذراع كل مريض سنتيمترا واحدا.. ولا يغير الابرة المدببة أو حتي لا يعقمها.. انه يخرجها من ذراع الواقف أمامي ليضعها بسرعة في وريدي أنا.. ثم يخرجها من وريدي ليضعها في ذراع أخري ووريد آخر. ان الابرة المدببة المختلطة بدماء من سبقوني ستغرس في ذراعي وتختلط دماؤهم بدمي.. وشعرت بالقشعريرة تسري في جسدي وكدت ان اتراجع هاربا من الطابور. لكن الممرض جذبني بغلظة.. وشعرت بطرف الحقنة اللعينة وهو يخترق بقسوة جلدي ويغوص في لحمي.. وكتمت الصرخة حتي لا يضحك علي الآخرين.. لا أعرف كم من الوقت ظل طرف الابرة السميك في ذراعي.. وتصورت انه كان دهرا كاملا.. وانتزع الطبيب طرف الحقنة من ذراعي ليغرسه بسرعة في ذراع صاحب الشارب الطويل الذي كان واقفا خلفي.. وشعرت بطمأنينة لأني تخلصت من هذا الكابوس الثقيل.. من هذه الحقنة اللعينة.. كنت اظن انها حقنة واحدة واني لن أعود مرة أخري الي هذا الطابور.. لكني فوجئت بالممرض الغليظ القلب يقول.. الحقنة الثانية غدا.. فاهم؟ ومرت الايام ثقيلة والحقنة اللعينة تفتش بقسوة في ذراعي علي وريد واضح. وكانت هذه بداية رحلتي مع الألم مسكين هذا الوريد الذي كتب عليه ان يحتمل هذه الابر المدببة التي ظلت تلاحقه سنوات أخري طويلة!! أخبار النجوم في 31 مارس 2007
|