سينماتك

 

(جورج ميليه).. أول سحرة السينما

رجا ساير المطيري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

كانت السينما في بدايتها بسيطة التركيب خالية من التعقيد، فكان كل ما يتكلفه المصور - او المخرج - آنذاك هو الاتيان بفكرة صالحة للتصوير، ثم يقوم بتنفيذها وتصويرها كما هي في مكانها الحقيقي في الطبيعة، دون تدخل في الخلفية المكانية أو الزمانية للحدث المصور، وهذا ما تم فعلا على يد الأخوين (لوميير) في فرنسا حين بعثوا بالمصورين الى أنحاء العالم لتصوير أفلام قصيرة مكونة من مشهد واحد فقط، يصورون فيها الناس وهم ينتظرون القطار او هم خارجون من مصنع وهكذا، ولأن العالم كان حديث عهد بآلة التصوير السينمائي، كان الجميع منبهرا بامكانات هذه الآلة وقدرتها على عكس الواقع وترجمته الى صور متحركة تطابق الأصل، لذلك كان تركيز المخرجين والمصورين على الآلة نفسها وعلى صورها أكثر من تركيزهم على ما يمكن أن تخلقه هذه الصور من رموز ومعان وما يمكن ان يضيفوه هم من اثر عليها، لقد كانوا يتعاملون معها بسطحية مبررة! فلم يكن يهمهم وقتها الا مجرد عرض الصور، ولأي شيء تكون.

لكن مع انتشار السينما السريع، ومع ازدياد عدد الأفلام ووصول المنتجين الى أقصى ما يمكن ان يسمح لهم المتاح وقتها، ظهرت الحاجة للابتكار والتطوير في طبيعة المادة المصورة، وظهر معها جيل من رواد السينما المجددين كان من بينهم الفرنسي (جورج ميليه) الذي عرف بأنه اول سحرة السينما، والفنان الذي وضع اللبنة الأولى للتصوير السينمائي وتقنيات المونتاج من قطع ومزج والسيناريو والديكور والمؤثرات البصرية.

ولد (ميليه) لعائلة غنية في باريس في الثامن من ديسمبر من عام 1861م، ومنذ طفولته أظهر ولعا وشغفا بالرسم وصناعة الاسكتشات لمناظر طبيعية أشبه ما تكون بمناظر مسرحية، وعند توليه المسؤولية في أحد مصانع والده، عكف على دراسة الآلات حتى أصبح ميكانيكيا بارعا، سافر بعد ذلك الى لندن بغرض تعلم اللغة الانجليزية، وهناك كان يتردد باستمرار على مسرح الساحر العجيب (ماسكلين) ولما عاد الى باريس اصبح متابعا لساحر آخر يدعى (هوديني) في مسرحه المسمى باسم صاحبه (مسرح هوديني) وفي العام 1888م اشترى (ميليه) هذا المسرح الصغير، ومن خلال الاعتكاف فيه تمكن من ابتكار اساليب وحيل سحرية عديدة، كانت السبب في اقبال الناس على مسرحه بشكل كبير، ولكيلا يقف عند مستوى معين أخذ بصناعة كل ما يلزم من مناظر وديكورات تساعده على تطوير حيله باستمرار.

وبينما كان التنافس محموما بين امريكا وفرنسا حول من ينال شرف السبق في صنع الآلة الأفضل للعرض السينمائي، كان الأخوان (لوميير) يعدان العدة لأول عرض سينمائي حقيقي عبر آلتهما (السينماتوغراف) وتم تحديد يوم 28ديسمبر 1895م موعدا لذلك، وفي غرفة صغيرة في بدروم جراند كافييه في المقهى الهندي في باريس كان العرض السينمائي الأول في العالم، وكان (جورج ميليه) من ضمن الحضور.

لقد بهر (ميليه) تماما بآلة السينماتوغراف، ورأى فيها وسيلة لتوسيع نطاق الترفيه في مسرحه الصغير، وبديلا ناجعا لشاشته المتواضعة التي يعرض فيها مجموعة من الصور عند نهاية كل عرض يقدمه، فقام على الفور في مخاطبة الأخوين (لوميير) بغرض شراء او استئجار هذه الآلة، لكن الأخوين رفضا هذا العرض كما رفضا غيره بحجة ان اباهما رأى انه من غير الأمانة ان يبيعا سلعة ليس لها أي مستقبل تجاري!

ثم صمم على أن يصنع بنفسه آلة عرض سينمائية، الا انه علم بمقدم التاجر (روبرت بول) الى باريس محملا بعدد من أجهزة (البيوسكوب) فاشترى منه جهازا وعددا من أفلام العالم الامريكي (اديسون) وافتتح بذلك اول دار للسينما في العالم في مسرح (هوديني)، وبعد فترة من عرض افلام غيره، قرر تصوير الافلام بنفسه، فقام بناءً على خلفيته الميكانيكية التقنية بعكس آلية جهاز (البيوسكوب) ليقوم بالتصوير بدلا من العرض، واشترى كمية كبيرة من الفيلم الخام ثم اخترع آلة تخريم بدائية وجهازا خاصا لتحميض الافلام، وفي عام 1896اخرج اول افلامه فأتبعه بفيلم (A Game of cards) اللذين كانا خاليين من الخدع والحيل البصرية بعد ذلك اخرج فيلم (السيدة المختفية) وفيه بدأ اولى خطوات ما سيعرف لاحقا بالمونتاج، اذ عمل على اخفاء الشخصية البطلة في الفيلم باستخدام الكاميرا، وقد جاء اكتشافه لطريقة الاخفاء بالصدفة، ففي يوم من ايام عام 1896م كان يقوم بتصوير حركة المرور في ساحة الاوبرا في باريس، واثناء ذلك اصاب الكاميرا عطب بسيط اوقفها عن العمل مدة دقيقة، وعندما أصلحها واستأنف التصوير، ثم شاهد ما صوره هناك، لاحظ ان صور بعض السيارات تتبدل فالباص يختفي وتحل محله سيارة اسعاف، والرجال يتحولون الى نسوة، وهكذا، تم اخفاء السيدة بهذه الحيلة المبتكرة، حيلة القطع، ولقد استغل هذه الحيلة في افلامه اللاحقة ففي فيلمه (مغامرات وليام تل - 1898) نرى بدلة مدرعة تدب فيها الحياة.

وقد أدت معرفة (ميليه) بالتصوير الفوتوغرافي الثابت وخبرته بالكاميرا السينمائية الى اكتشافه طرقا جديدة تقوم فيها الكاميرا نفسها بالحيل، ومن بين هذه الطرق (المزج) وخاصيتي الظهور والاخفاء، كما استخدم في السينما تكنيك التصوير الفوتوغرافي في لقطة متلاشية الأطراف، والتصوير على أرضية سوداء، وهذه الأساليب تعبر عما كان يعنيه ميليه عندما قال (في السينما.. يمكنك ان تصنع المستحيل) في العام 1897م قام (ميليه) ببناء استوديو كامل مجهز بكل ما يحتاج اليه من مناظر كما لو كان في مسرحه تماما، وفي هذا الاستوديو امكنه أن يصنع (المستحيل) فعلا وان يصور الأحداث والوقائع التاريخية كما لو كانت حية تجري الآن وبخلفيات تقارب مثيلاتها الحقيقية كما فعل في (مسألة دريفوس - 1899) و(تتويج ادوارد السابع - 1902).

في العام 1902م أخرج ميليه واحدا من أفضل افلامه على الاطلاق، فيلم (رحلة إلى القمر) الذي اعتبر بحق أول فيلم خيالي علمي في تاريخ السينما، فهذا الفيلم يعتبر سابقا لعصره، في طريقة التصوير، ونوعية اللقطات، وفي أجوائه المبتكرة، وديكوراته وازيائه، وفي موسيقاه التي صنعت خصيصا له، وكذلك في اسلوبه التهكمي الساخر الذي لم يكن مألوفا آنذاك، اما فكرته فهي تدور حول رحلة يقوم بها مجموعة من العلماء الى القمر ذهابا وايابا ويتعرضون خلال رحلتهم هذه لصدامات عديدة من سكان القمر، والفكرة مستوحاة من قصة الروائي الفرنسي الشهير (جول فيرن) (من الأرض الى القمر).

ونتيجة لتوسع نشاطه وتطوره ونجاحه، قرر (ميليه) توسيع الاستوديو الخاص به، فقام بتشييد جناحين حول مكان التمثيل، وخصص المساحة الخلفية للمناظر وغرف الأبواب، كما شيد فوق مكان التمثيل بناء يسمح بتغيير المناظر والمؤثرات الخاصة، وتحت مكان التمثيل اقام قبوا عمقه ثلاثة أمتار لاستعمال الأبواب المسحورة، وفي الاستوديو صنع من جديد كل المناظر وقطع الأثاث ولوازم الحيل السحرية، وكان الاستوديو يحتوي على كمية هائلة من الملابس من جميع الأنواع، لعهود وبلاد مختلفة، مع الملحقات الأخرى كالقبعات والشعر المستعار والأسلحة وغيرها.

هذا الجهاز المقعد الذي اقامه (ميليه) في فناء منزله بضاحية مونتريل كان نموذجا مصغرا لما ستكون عليه الاستوديوهات السينمائية فيما بعد: الاستوديو الرئيسي وبه مكان للتمثيل مجهز بكل ما يلزم لذلك، وغرفة الملابس، والاستوديو الخاص بصنع المناظر والأجهزة، ومعمل للتحميض في باريس، وثان، فيما بعد في مونتريال نفسها، ومعمل لتلوين الأفلام، ومكاتب الادارة في ممر الاوبرا بباريس.

كانت السينما عند (ميليه) وسيلة يقدم من خلالها الترفيه الذي كان يقدمه على مسرح هوديني، لذا كان ينظر للسينما بالنظرة ذاتها للمسرح، وعليه فقد ادخل الى السينما التنظيم المسرحي، وبالتالي فكرة المخرج بوصفه الفنان الذي يوحد كل الجهود، وكان شديد التدقيق في عمله، واذا كان (د. و. جريفث) هو اول مخرج سينمائي قام بعمل البروفات، فقد كان من المألوف لدى (ميليه) ان يقضي ثماني ساعات او تسعا يعد منظرا لا يستغرق عرضه على الشاشة اكثر من دقيقتين ول (ميليه) ادوار اخرى رائدة كانت السبب في استمرار تدفق هذا الفن الناشئ والعناية به، فلقد أسس في العام 1900م (اللجنة التجارية لمخرجي السينما) وكان مقرها بهو (مسرح هوديني) وانتخب (ميليه) رئيسا لها وظل كذلك حتى عام 1912م وفي عامي 1908و1909م رأس المؤتمرين الدوليين الأول والثاني للسينما، وفيهما شدد (ميليه) على ضرورة توحيد تقنيات الفيلم الخام على المستوى الدولي، كما أحبط محاولة توحيد أسعار الافلام المصورة نظرا لأن ذلك سيتسبب في فتور مسيرة السينما.

وقد استمر (ميليه) في إنتاج الأفلام حتى عام 1914م، وهو العام الذي بدأ فيه مسيرة الانحدار، فكأثر مباشر لقيام الحرب العالمية الأولى، أغلق (ميليه) مسرح هوديني، واكتفى عنه بمسرح صغير للمنوعات الفنية، ظل يقوم فيه بالتمثيل فيه مع ابنته وابنه وفرقة من ممثلي باريس حتى عام 1923م. بعد ذلك تكاثرت نكساته التجارية والفنية فأعلن افلاسه وباع كل مخصصاته من منزل ومسرح وأستوديو ومناظر قام بصنعها بنفسه، ولم يتبق له شيء من ذلك سوى اصول افلامه، والتي - في لحظة يأس - أمر بإحراق معظمها، ثم اختفى تماماً.

في العام 1929م اكتشف الصحفي (ليون دروهوت) رئيس تحرير صحيفة Cine Journal بالصدفة الموقع الذي عمل فيه (ميليه) سنوات اختفائه، وهو كشك صغير ومتواضع لبيع الدمى والحلوى، وبعد حملة اعلامية مكثفة قام بها (دروهوت)، سلطت الأضواء من جديد على (ميليه) فاستعاد شيئاً من شهرته وبريقه، وفي المأدبة السنوية لاتحاد السينما الفرنسي اعلن رئيس الاتحاد ان صناعة السينما مدينة لهذا الساحر المبدع وعليها ان تكرمه وأن تعد له بيتاً، ولكنه لم يتسلم هذا البيت أبداً، بل لقد انقضى عامان قبل ان يتسلم معاشاً، بعده استطاع ان يترك كشكه وأن يقيم مع زوجته وحفيدته في قصر كانت تملكه هيئة تبادل التنظيم المسرحي بضاحية اورلي بالقرب من باريس. وعاش هناك حتى قضى نحبه في 21من يناير عام 1938م.

اسهامات (جورج ميليه):

1.       قام بتحويل الأفلام من صيغتها الإخبارية الى الصيغة الروائية.

2.       اول من قام بصنع المناظر والديكورات خصيصاً بغرض تصويرها، فقبله كانت الاشياء تصور على طبيعتها.

3.       ابتكر اساليب وخصائص سينمائية كانت إرهاصاً لما عرف لاحقاً بالمونتاج السينمائي.

4.       اول من ادرج الموسيٍقى في الأفلام.

5.       طور تكنيك التصوير كما طور الآلات نفسها وابتدع بعض خصائصها المعروفة اليوم.

6.       ارسى قواعد الإنتاج والاستوديوهات السينمائية.

7.       منح السينما الصبغة العالمية رسمياً من خلال انشائه الاتحادات السينمائية وسن القوانين التي تحكم شركات الإنتاج العالمية.

8.       مؤسس اول دار للسينما في العالم.

المراجع:

·         (السينما آلة وفن) آلبرت فولتون.

·         (تاريخ السينما في العالم) جورج سادول.

الرياض السعودية في 29 مارس 2007