سينماتك

 

أيامنا الحلوة

عودة إلي قراءة أيامه وأيامنا الحلوة

بقلم : خيرية البشلاوي

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

ليس من الممكن أن استعيد تأثير 'أيامنا الحلوة' عندما رأيته لأول مرة، الزمن بعيد جدا، والايام كانت غير الايام، وأنا لست ذلك الشخص نفسه الذي شاهد الفيلم، وقتها كان سحر السينما فوريا، الضحكات صافية، والدموع حاضرة، والدهشة جاهزة، ومشاعر النشوة لايوقفها صوت العقل، وصوت عبدالحليم يطغي علي كل ما عداه.. كانت الدنيا ربيع والجو بديع، والحياة محدودة والليل لسه في أوله والتفاؤل بالمستقبل لم تصده السدود.

أيامنا الحلوة ­ الفيلم والواقع ­ كان أوهاما وأماني عشنا بها زمنا تخيلناه رغدا، فلم يبق منها سوي صوت عبدالحليم وأغنياته التي سجلت لحظات رائقة من الفرح والحزن والحلم علي المستوي الشخصي، وعلي مستوي الوجدان الشعبي العام، القلب بخيره والوطن يعيش ثورته وينتشي بفرسان من أبنائه الذين حملوا راياته واضاءوا اسمه من أعالي السماء.. فما أبعد الامس.. وما أبعد الحلم وما أبعد أيامنا الحلوة.

صوت المغني مازال رغم مرور ثلاثين عاما علي الفراق مسموعا وسط براري وأحراش الفيديو كليبات .. صوته هنا في 'أيامنا الحلوة' يطربنا وهو يغني لفتاة السطوح الفقيرة الجميلة، جارته الجديدة التي يصارع من أجل الفوز بها صديقيه اللذين يشاركانه نفس الحجرة المقابلة لحجرتها.

كانت بنت الجيران، وابن الجيران في ذلك الزمن الطربي هما مركز الاهتمام علي الشاشة وخارجها، هما شماعة الحب التي علقنا فوقها أمنيات القلب وأحلامه الوردية، يشعلان الخيال ويشغلان البال.. فلم تكن الدنيا متاهة مثلما هي الآن.

اتذكر أيام العدوان الثلاثي والظلام يكسو ساعات الليل وأنا افتش وسط محطات الاذاعة عن خبر يطمئن وابن الجيران الضابط غائب في ميدان الحرب، واذا بي انتبه علي صوت حليم يصدح من اذاعة بعيدة يغني قصيدة 'لقاء' 'بعد عامين التقيناها هنا' ولم اكن قد سمعتها من قبل، فانتزعني الصوت من حالة الخوف وألقاني وسط بحر من التفاؤل والفرحة، تصورت ان الاغنية رسالة خاصة أو اشارة بأنه سيعود وان الحرب سوف تنتهي!

مازال عبدالحليم يثير الشجن والحنين الي 'أيامنا الحلوة' وان كان من غير الممكن أن يكون للفيلم نفسه تأثيره القديم الذي شعرناه منذ أكثر من نصف قرن عندما نزفت عيون الجمهور حزنا علي فراق 'هدي' وعلي احزان الشبان الثلاثة الذين احبوها.

في المشهد الاخير من الفيلم نتابع من زاوية مرتفعة ومن وجهة نظر هدي مسيرة الثلاثة الذين احبوها بعد ان فارقوا المستشفي في آخر زيارة لها فارقوها علي وهم اللقاء، و'هدي' في حجرتها تطل من النافذة تلقي نظرة وداع في نهاية ضمنية ليست سعيدة تنبيء بحتمية الفراق ولعل هذا المشهد الاخير من أجمل المشاهد المعبرة علي المستوي البصري عن مضمون الفيلم وعن مصير علاقات الحب والصداقة والمودة التي جمعت أبطاله.

في أيامنا الحلوة كانت 'هدي' هي بؤرة الاهتمام، المحرك لألوان من المشاعر متابينة عند أحمد 'عمر الشريف' وعلي 'عبدالحليم حافظ' ورمزي 'أحمد رمزي' الذي كان يلعب أول ادواره علي الشاشة ويجسد شخصية الرجل الخشن القوي الجسور 'البرم' الذي يوقع البنات برمش من عينيه وهي نفس الصفات التي رسمت صورته السينمائية طوال مشواره السينمائي وذلك قبل أن تظهر 'طبعات' أخري بنفس المواصفات.

كريمة الكعكة

أبطال الرواية الاربعة فاتن وعمر وحليم وأحمد رمزي كانوا يمثلون الكريمة التي تعلو الكعكة في هذه المرحلة من تطور صناعة الفيلم، ووجودهم معا في مباراة رومانسية من أجل الفوز بقلب بطلة الرواية يعتبر في حد ذاته عرضا تمثيليا مبهرا وجذابا.

والضربة القاضية التي حسمت هذه المباراة لصالح 'أحمد' تحققت بفعل أسطورة 'الحب من أول نظرة' فالتفاعل الكميائي الفوري الذي جري عند تبادل النظرات حين ظهرت هدي لأول مرة أمام حجرتها فوق السطوح، ولم تكن هي المرأة 'الكركوبة' العجوز التي تمنع الخميرة من البيت.. مثلما توقع الثلاثة ولم تكن تستحق بالتالي 'قلة الادب' التي مارسوها من اجل تطفيشها كما اعتادوا ان يفعلوا مع سكان الحجرة السابقين، وعلي غير ما توقعوا جاءت شابة حلوة بل حلوة قوي كمان، هي ست الحسن في الحواديت وأحمد هو 'الشاطر حسن' 'الألفة' كما وصفته 'زنوبة' 'زينات صدقي' صاحبة البيت، فهو الطالب المجتهد، المهذب، اليتيم، الذي ينتمي الي أسرة ريفية عريقة، وهو الذي يتصدي 'لقلة أدب' صديقيه علي ورمزي.

و'هدي' نفسها فتاة مصرية 'مؤدبة' بمعايير ذلك الزمن، ومعدمة لم تكن تملك أي شيء عندما جاءت تستأجر حجرة السطوح لا سرير ولا كنبة اسطمبولي، ولا حاجة ابدا، ولولا عطف 'زنوبة' لنامت علي الارض، لكنها بحسب الصورة الشعبية التي روج لها حسن الامام 'فقيرة المال غنية الشرف' تكسب قوتها من عرق جبينها وتكسب قلب جمهور السينما وبطلة واحدة منها.

وأيامنا الحلوة يجمع بين بطلين 'فاتن وعمر الشريف' ندين وفي نفس الوقت يربط بين نجمين ارتبطا خارج الشاشة بقصة حب شاعت علي صفحات الفن وفي مجالس النميمة ولم يكن الجمهور حتي ذلك الحين يستطيع أن يلتقي بنجومه المفضلين الا من خلال الشاشة الكبيرة فلم تكن هناك شاشات صغيرة ولا فيديو ولا 'دي في دي' ولا فضائيات بالعشرات تجعل منهم مادة متاحة ومستباحة.

وكانت مسألة التركيز علي 'الابطال' الجماهريين جزءا من نجاح الفيلم بغض النظر عن قيمته الموضوعية والفنية، فالنجوم سوف يظلون علي أي حال معيارا لذوق الجماهير في عصرهم ودلالة علي مستوي ثقافتهم وكان عبدالحليم 'صوتا' لعصره وصورة محبوبة تجاوز تأثيرها زمانه ووصل الي أجيال بعده.

عضلات تمثيلية

في 'أيامنا الحلوة' اجتهد الممثلون الثلاثة ورابعهم نجمة السينما العربية فاتن حمامة من اجل كسب قلب الجمهور أثناء التعبير عن خططهم ومقالبهم وشقاوتهم وعند الكشف عن مشاعرهم للايقاع بالبطلة، وعندما تختار 'هدي' احدهم 'أحمد' تظل الصداقة قائمة وقوية ويتسابقون أيضا للتعبير عنها، فالصداقة عاطفة لا تقل قوة عن الحب في السيناريو الذي كتبه علي الزرقاني عن قصة لحلمي حليم المخرج وهذه الصداقة بقيت ضمن عناصر الجذب بالاضافة الي قيم الخير والمودة والالفة التي عبرت عنها صاحبة البيت 'زنوبة' فالفقر لم يفسد لهم قضية، ولا الصراع حول المحبوبة، ولا أي شيء سوي الموت.

هناك لاشك عفوية وسذاجة وبدائية في التعبير عن المعاني وتصوير حالات الجنون 'عزيزة حلمي' أو عند توصيف مرض السل وجهل في المعلومات حول المرض الذي لا يعالج بعملية جراحية استهلك الفيلم في الحكي عنها اجزاء من نهاية الفيلم.

وعند التعبير عن ذوق وثقافة الشخصية الشعبية 'المعلم جمعة السمكري' الذي جاء يطلب الزواج من 'هدي' ولم يعجبه قوامها لانه 'الافرنكة' بينما هو يريد الزواج من امرأة 'جتة' أي طول بعرض، والمشهد يقدم صورة نمطية لشخصية المعلم في أسلوب الاداء وفي الحوار وفي مظهره وملبسه وحركاته، ظلت هي الصورة نفسها تقريبا حتي الآن لكن رغم ذلك فقد حقق قدرا شحيحا من الفكاهة وقدم في نفس الوقت مفارقة كبيرة بين الرجل الذي رفض الزواج من هدي التي احبها الابطال الثلاثة وغني لها احدهم أجمل الاغنيات.

ظهرت الحارة وسكانها بنفس التصور النمطي عندما اشتبكت جموع أهل الحارة بالايدي مع رمزي معترضين علي سلوكه مع 'هدي' عندما ظن بها احدهم الظنون واتهموها ظلما بما ليس بها.

هذا الجزء كان مجرد مناسبة لتقديم مشاهد 'أكشن' حيث تمثل الحركة في الافلام الشعبية عنصرا مهما في توليفة الفيلم وربما كانت في هذا الفيلم مقدمة لمشهد انفعالي قوي يؤديه عمر الشريف وهو يعلن عن غضبه من سلوك 'هدي' ورفضه لها الي أن اتضحت له براءتها.

ثاني محطة

وربما كان هذا الفيلم من بين الافلام القليلة جدا التي يظهر فيها عبدالحليم بكامل الصحة البدنية والنفسية دون أن يكون شخصية تعاني من المرض أو الفقر، أو مطربا محترفا أو هاويا، فهو هنا طالب في كلية الطب البيطري ومن أسرة ريفية ميسورة وشاب وسيم وان كان يهوي الموسيقي، ويمتلك 'عودا' يظهر ضمن ديكور الحجرة ويغني خمس أغنيات من أشهر أغانيه في الفيلم.

فقد كانت 'الاغنية' وشعبية المغني تأشيرة الدخول لعالم السينما والتمثيل ولمزيد من الشعبية خصوصا قبل عصر التليفزيون مع مطلع الستينيات.

وكانت أفلامه تفصل تفصيلا بحيث تتسع لعدد من الاغاني حتي ان لم تكن حاسمة أو ضرورية لتطور الاحداث مثلما نري في هذا الفيلم.

و'أيامنا الحلوة' الفيلم الثاني في قائمة أعمال عبدالحليم حافظ بعد 'لحن الوفاء' 'مثل 16 فيلما' والفيلم من اخراج حلمي حليم الذي اخرج له أيضا فيلم 'حكاية حب' بعد ذلك بأربع سنوات.

وينتمي 'أيامنا الحلوة' من حيث الانتاج الي أزهي سنوات اشتغاله بالتمثيل فقد شهد عام 1955 أربعة أفلام له اعتمدت في جانب منها علي شعبيته كمطرب ومع ذلك فالاغنيات هنا كانت معوقا لحركة الكاميرا وتثبيتا للصورة يخل بالايقاع ولكن الحكاية في 'أيامنا الحلوة' أهم من أي شيء والسرد والاغاني جزء مهم من عملية صياغتها.

ورغم ذلك فقد استغل المخرج كثيرا من مشاهد الديكور لتكون زاوية أساسية عند روايته لاحداث أغاني الفيلم، وبالذات 'السلالم' اقصد سلالم البيت و'الدرابزين' الحديد المشغول الجميل والمساحة الواسعة نسبيا لبير السلم التي تتيح للممثل حركة تعبر عن الفرحة أو الاجهاد أو الحيرة، أو الحزن وصعود الممثل أو نزوله يدخل ضمن اللغة التعبيرية للمخرج.

وشكلت 'السلالم' بالنسبة لمهندس الديكور انطون بوليزيوس 'تيمة' مكررة ظهرت في منزل الابطال الرئيسيين وتم استغلالها في مواقع كثيرة من الفيلم في البيت وفي الفيلا التي تسكنها سلوي ابنة خال أحمد 'زهرة العلا' التي تحبه وتسعي للزواج منه والتي تحولت بقدرة المخرج والمؤلف الي صديقة لغريمتها اللدودة التي يحبها أحمد 'هدي' في حركة انسانية ملائكية.

ويلفت النظر محاولات مدير التصوير وحيد فريد في استغلال الاضاءة والتعبير بالنور والظل باستخدام شباك الارابيسك في حجرة هدي وعند تصوير هدي نفسها في اشارة الي المظهر والمخبر وربما الي فكرة الظاهر وما تخفيه الاقدار لها.

فأيامنا الحلوة لم يكن مناسبة لمطرب 'عبدالحليم حافظ' يشجينا بأغنياته من خلال حكاية رومانسية وانما محطة سينمائية قوية في مشواره علي الشاشة الفضية مثلما هي محطة انطلاق لأحمد رمزي ومواصلة لصعود عمر الشريف سينمائيا ولاستعراض 'لمز' زينات صدقي التي لا تفقد مفعولها ابدا رغم تكرارها هناك مشاهد لها بعينها تكررت في فيلم 'شارع الحب' وطريقتها في الاداء لم تختلف ابدا في فيلم عن آخر ومع ذلك فحضورها الكوميدي وخفة روحها وفطرتها التي تقنعنا بها رغم الصنعة في التعبير كلها عوامل تجعل منها كوميديانة لكل العصور لان حضورها وحده يضغط علي صمام الضحك فتجعله يعمل.

نلاحظ في عناوين الفيلم عدم ذكر اسم نعيمة وصفي وهي ممثلة ممتازة وكانت مشهورة علي المسرح وقتئذ وأدت في الفيلم دور رئيسة دار الايتام ولم تتضمن العناوين مؤلفا أو معدا للموسيقي التصويرية التي لفتت انتباهنا في مشاهد الخوف والتوتر عند لقاء هدي مع المريضة المجنونة.

لكن ألا يكفي ألحان كمال الطويل ومحمد الموجي وكلمات مرسي جميل عزيز وصوت عبدالحليم حافظ؟!

أخبار النجوم في 24 مارس 2007