سينماتك

 

قصة صعود

بقلم :مصطفي درويش

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

في الذكري الثلاثين لرحيل 'العندليب الأسمر' عبدالحليم حافظ وليس له من العمر سوي ثمانية وأربعين عاما، انتقل المجتمع المصري من حالة التحلق حول المذياع لسماع صوت العندليب أو حول التلفاز لمشاهدته مع سماع صوته في فيلم أو حفلة، أقول انتقل المجتمع من تلك الحالة الراقية، الي حالة التعلق بمكوجي الفن 'شعبان عبدالرحيم'.

وجنح بنا الظن الي ان شعبولا هو نهاية الخط البياني النازل، حتي فاجأنا سعد الصغير ب'سيب وسطك خالص، وبالتغني بحب الحمار، مؤشرا صارخا علي هبوط الذوق العام.

وعلامة واضحة علي اننا دخلنا حقبة المنافسة علي الحضيض في مجالي الأغنية والسينما.

وليس أدل علي ذلك من أفلام موسيقية غنائية مثل 'ايظن' و'قصة الحي الشعبي' و'عليٌ الطرب بالتلاتة'.

والسؤال في ذكري رحيل العندليب. لماذا حدث ما حدث، خلال مدة من عمر الزمان لم تزد عن ثلاثين عاما.

ولماذا ذلك التنافس في الهبوط سريعا نحو الحضيض.؟

وقد يبدو من السؤال انني أسعي الي توصيف الحال، أو الي تعليله والبحث عن أسباب الهبوط الي الحضيض.

غير انني في حقيقة الأمر، لا أسعي الي شيء من ذلك كل ما اسعي اليه هو القاء بعض الضوء علي الزمن الذي كان يعيش فيه العندليب، زمن عمالقة الطرب أم كلثوم وعبدالوهاب والأطرش وعمالقة الأدب طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم ويحيي حقي وغيرهم من عمالقة الفنون الأخري كثير.

ففي وهج ذلك الزمن نشأ العندليب وترعرع وتأثر بأجمل ما فيه، فتمثله حتي أصبح رحيقا من صوت وأنغام، تقطر شجنا وحنانا وانينا.

فعبدالحليم 'شبانة'، كما عرفناه بعد ذلك 'حافظ' الاسم الذي منحه اياه حافظ عبدالوهاب الاذاعي القديم الذي احتضنه، متوسما فيه موهبة سيكون لها شأن في مستقبل الأيام، ثم عرفناه وقد جاءته الشهرة تسعي، بالعندليب الأسمر، لم يأت من فراغ.

ولد فقيرا في ريف فقير، وبعد كفاح مرير نجح في الالتحاق بمعهد الموسيقي في عاصمة البلاد، حيث تخصص في عزف آلة الأبوا.

وتخرج من ذلك المعهد مع زميله الملحن 'كمال الطويل' هو من قسم الآلات، و'الطويل' من قسم الأصوات!!

وظل الصوت العذب، الحزين، مع صاحبه مجهولا لايجد فرصته في الغناء الا بدلا من الممثل الهندي 'سابو' في الدبلجة العربية لفيلم 'علاء الدين والمصباح السحري' الذي تولي اخراج نسخته الناطقة بلغة الضاد 'أحمد كامل مرسي'.

أو متواريا وراء صورة الممثل الفرنسي الشهير 'فرناندل' في فيلم 'علي بابا والأربعين حرامي'.

ومن الأفلام الأجنبية انتقل بصوته فقط الي الأفلام المصرية حيث سمع صوته مصاحبا لصورة 'كمال الشناوي' في فيلم 'ظلموني الناس' للمخرج 'حسن الإمام'، (1951) وتكرر سماع صوته بدون صورته في ثلاثة أفلام اخري، هي 'بائعة الخبز' لحسن الإمام (1953) حيث غني اغنية ثنائية مع المطربة 'برلنتي'، مطلعها 'أنا هو'. وفيلم 'الوداع' للمخرج 'أحمد ضياء الدين' (1953) حيث غني 'ليه نحسب الأيام'. ثم فيلم 'فجر' للمخرج 'عاطف سالم' (1955) حيث غني 'لو كنت يوم علي قلبي تهون'.

والغريب ان أحدا من المخرجين الثلاثة لم يفطن الي أن صاحب الصوت قد يكون من حقه ان يظهر علي الشاشة، ولو لثوان! ذلك الصوت الذي وصفه الموسيقار 'مدحت عاصم' قائلا 'انه يجمع بين الحديث والغناء'.

وعلي كل، فقد كان لابد لصاحب صوت العندليب في نهاية المطاف، ان يكتب له الانتصار. فمع اغنيتين شدابهما صوته 'علي قد الشوق' تلحين زميله 'كمال الطويل' و'صافيني مرة' تلحين 'محمد الموجي'، وبفضلهما، جاءته الشهرة، وفتحت له أبواب الصعود والارتقاء.

وهاهو ذا نجم ساطع بالصوت والصورة خلال عام واحد (1955) في أربعة أفلام. 'لحن الوفاء' للمخرج ابراهيم عمارة و'أيامنا الحلوة' للمخرج 'حلمي حليم' وليالي الحب 'للمخرج حلمي رفلة' و'أيام وليالي' للمخرج هنري بركات.

بعد ذلك ظهر في اثني عشر فيلما، آخرها 'أبي فوق الشجرة' (1969) عن قصة للأديب احسان عبدالقدوس، واخراج حسين كمال وهو واحد من أنجح الأفلام في تاريخ السينما المصرية، بقي عرضه في دار سينما ديانا بالقاهرة أكثر من عام فكان والحق يقال، مسك الختام.

وصعوده وارتقاؤه الي مصاف النجوم في فترة قصيرة لم تزد علي ربع قرن من عمر الزمان، انما يرجع الي ذكاء وصبر ومكر ومعاناة ودهاء.

فصعود صوته اعتمد بداية علي ألحان الموسيقار المخضرم 'محمد عبدالوهاب' مطرب الملوك والامراء.

ومع التحولات الكبري في بر مصر اعتمد علي اعمال ملحنين من جيل جديد، صاعد واعد اذكر من بينهم كمال الطويل ومحمد الموجي وعلي اسماعيل وبليغ حمدي.

واعتمد علي اشعار أدباء ذاع صيتهم من الخليج الي المحيط، اذكر من بينهم علي سبيل المثال 'نزار قباني' وصلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الأبنودي وعندما لم تلق اغانيه العاطفية، مثل 'أحبك' و'حبيبها' و'ضي القناديل' بعد التحولات الكبري عام 1961، نجاحا مماثلا للنجاح الذي كانت تلقاه من قبل.

وأحس ان ثمة تعطشا لنوع آخر من الغناء يتمشي مع المناخ السياسي والشعبي الجديد.

ساير التيار باغان شعبية من نوع 'التوبة' و'الزين سلامات'.

ومما يعرف عنه انه كان قارئا واعيا له آراء نافذة في أدباء وكتاب مثل 'نجيب محفوظ'، و'يوسف ادريس' و'يوسف السباعي' و'احسان عبدالقدوس' و'مصطفي محمود' و'انيس منصور' و'مصطفي أمين'.

والأكيد.. الأكيد انه مغني ثورة يوليو، فالأحداث الكبري، علي امتداد خمسة وعشرين عاما تحولت الي مشاعر وأفكار، تغني بها بصوته الذي أصبح علامة مميزة من علامات عصر مشحون بالافراح والأحزان فشدا صوته متغنيا 'بالرجال علي الجرار' و'قصاد لهاليب الصلب' و'الجندي الأسد اللي شايل علي كتفه درع الأوطان'.

وبقي عندليبنا يشدو الي ان اسلم الروح قبل ثلاثين سنة بعد ان اكمل رسالته مخلفا تركة لاتقدر بثمن من اغان، قل ان يجود بها الزمان.

أخبار النجوم في 24 مارس 2007