سينماتك

 

 السينما التسجيلية...

بحث في الواقع والحقيقة

محمد عبيدو

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

 

عندما قرأ "بازيل رايت" الفيلم التسجيلي على أنه الحياة في تجددها وسطوعها، كان يبحث عن دهشة مخبأة في واقع مجهول... وعندما قدم "ايزنشتاين" تجربته عبر "ايفان الرهيب" و"اكتوبر" كان يقدم مزيجاً خلاقاً لحياة الإنسان الروسي في مطلع القرن الماضي.  وأما "روبرت فلاهرتي" فقدم عبر "نانوك من الشمال" قراءة خلاقة للإنسان والطبيعة. كان ذلك قبل  80 عاماً ولكن ما زال هذا الفيلم يدرّس في معاهد السينما، ولا يكاد يوجد سينمائيٌّ في العالم لم يشاهده، أو على الأقل أن يقرأ تغطيات موسعة عنه....

إن الأفلام التسجيلية أكبر من طرف محايد، يبتغي الغوص في جرح أو أفراح المجتمع، بل هي أيضاً فن رفيع وأهميتها تنبع من الحاجة لاكتشاف الواقع والتعرف عليه. وعلى الرغم من أن التعرف على الواقع هو بشكل أو بآخر هدف لكل الفنون، إلا أنه يكون أكثر وضوحا في السينما التسجيلية والفيلم التسجيلي قادر في الأساس على خلق علاقة مباشرة وغنية بالواقع في كل إيقاعه وطاقاته الشعرية الأصيلة، دون أن يستعين الفنان بصور مماثلة ومصطنعة عن الواقع ذاته إعادة بناء الواقع وفق مونتاج الحياة كما هي. وتوليف العالم الفعلي وفق إدراك يتجانس مع الأسلوب الفني الفعال الذي يتوصل إلى كشف الواقع اليومي بوسائل فنية حسية، وعن طريق تثبيت وقائع جديدة تبقى في الحالات العادية خفية أمام عيون الناس ولا يمكن الوصول إليها  ..

عند الحديث عن الميدان الحقيقي للسينما التسجيلية فإننا نقارن بين نوعين من العمل السينمائي التسجيلي:

 الأول الذي يهتم بنقل الحدث مباشرة، أي يهتم باللحظة تماما كما تم مع إحداث الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين والأفلام التي التقطت يومياتها وتفاصيلها... مثل هذا العمل له أهميته البالغة وهو يتعلق تماما بالحاضر ثم بعد ذلك يتحول هذا الفيلم إلى الأرشيف.

أما الفيلم التسجيلي الثاني فهو الذي يتخلص من تصوير اللحظة إلى عمل يقوم بالدرجة الأولى على دراسة وعلى بحث ميداني أو مسح اجتماعي شامل كامل.

أيُّ الفيلم التسجيلي يستطيع أن يحمل وبجدارة مكان البحث في مئات الصفحات، وينفتح بشكل أساسي على عدة أنواع (السياسي- الاجتماعي- الشاعري).

إن البشر الواقعيين  والظواهر الحقيقية وأحداث التاريخ يعاد تجسيدها هنا وفق خصائص السينما التسجيلية ذات المناخ الإبداعي.

إننا إذا أعدنا للأذهان التجارب في نطاق السينما بالعالم وجدنا أن الفن السينمائي الأصيل والعظيم والمعبر عن روح العصر ومشاكله الملحة تطور ببدايات تسجيليَّة مهمة وجادة سبقت السينما الروائية وصاحبتها على طول الخط، وإن تاريخ السينما يدلنا على أنَّ التجربة التسجيلية الغنية مارست تأثيراً عظيماً على تطور السينما والفيلم الروائي بشكل خاص. كما أن النقد المفعم بالحماس من قبل أتباع الفيلم التسجيلي تحول إلى ينابيع لانهائية لاتجاهات خلاقة في مجال الفيلم الروائي، مما جعله يستعين ويوظف وسائل وعناصر شكلية مدهشة، هي بالأساس مستعارة من الإنجازات الفنية للفيلم التسجيلي .

يقول المخرج "ميخائيل روم" : إن الحدود بين السينما التسجيلية والروائية في الوقت الحاضر تسير نحو الانمحاء، وإننا نرى أكثر فأكثر عناصر الوثائقية في الأفلام الروائية التمثيلية.. الكاميرا المخفية.. الحياة الحقيقية بدلا من الجموع المستأجرة. التصوير في الأماكن الطبيعية وليس في البلاتوهات، الاستغناء عن المجازية بالنسبة للضوء السينمائي "للميزانسين"و لنظام الارتجال عند الممثلين، كل ذلك من دلائل البحث عن التسجيلية. الاقتراب من الحياة الحقيقية في الفيلم الروائي، الذي يحتاج بدوره إلى تجديد جذري..

إن عملية التداخل والتقابل الجدلية بين السينما الروائية والتسجيلية في التعبير الفني ستغني عملية الخلق الفني ذاتها وتغني صلة الفن بالواقع .

الأفلام التسجيلية لا تبتغي الربح في الغالب، فهي ممولة من قبل أصحابها أو عبر رعاية مؤسسات ثقافية، وأكثرها ممول من دول أو منظمات، وعليه لا يلهث صنّاع هذه الأفلام لإرضاء الجماهير وأذواقهم كما يقتضي منطق السوق، مع ذلك تواجه الأفلام التسجيلية العديد من المشاكل، منها ما هو مادي، حيث صعوبة إيجاد الجهات الممولة، ومنها ما هو إعلامي، حيث انكفاء وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، عن تغطية ومتابعة ونقذ هذا النوع من الأفلام، بحجة أنها مادة غير جماهيرية.

ترى كيف يُنظر إلى الفيلم التسجيلي عربياً؟ سؤال قديم، يتجدد بتجدد وسائل الاتصال السمع بصرية (وثورة) الاتصالات. إن ندوات عدة وحلقات دراسية عقدت لمناقشة موقع السينما التسجيلية في مجمل المنجز السينمائي العربي مشرقاً ومغرباً. كما يعقد كل عام واحد من أهم مهرجانات السينما التسجيلية في الإسماعيلية بمصر.. ولكن لم يخرج حتى الآن الفيلم العربي التسجيلي الذي يسجل حضورا عالمياً.. ربما كان هذا التغييب القسري للسينما التسجيلية سبباً في غياب أثر جمهور سينمائي مهتم بهذا النوع، فضلاً عن غياب الصحافة السينمائية التي تسلط الضوء عليه. ولهذا تعددت الأسباب التي تطوق السينما التسجيلية وتترك بينها وبين مستحدثات التجارب العالمية فاصلة واسعة. وفي واقع الأمر إن التراكم الإبداعي الذي خلفه سينمائيون عرب كثيرون مثل: "شادي عبد السلام" و "عمر أميرالاي" و"خيري بشارة" و "نبيهة لطفي" و"هاشم النحاس" و"عطيات الأبنودي" و"ميشيل خليفي"، و"رشيد مشهراوي" و"محمد شكري جميل" و"محمد توفيق" و"قاسم حول" و"مفيدة التلاتلي"، و"جان شمعون" و"مي المصري" وحشد آخر من مخرجي السينما العربية، كل هذا يملك قوة تأثير وفعل في القراءة الموضوعية لهذه التجربة المتنوعة.

إن أهمية أفلام هؤلاء المخرجين التسجيلية أنها صُنعت في بيئتها الحقيقية ومع ناسها الطبيعيين ولقد تم التصوير بالمعايشة وبالعين السينمائية التي تلتقط الحقيقة الواقعية انطلاقا من بحث دائم في الواقع؛ إذ تقدم السينما التسجيلية العربية خلاصات مهمة لواقع حافل بالتفاصيل، واقع اجتماعي وثقافي وحياتي، صورة أخرى لحياة يومية تتغلغل فيها آلة التصوير في المجهول الذي يجب أن يعرفه الآخر بموضوعية وبتوازن وبرؤية إبداعية.

موقع "أوراق 99" في 17 مارس 2007