سينماتك

 

"أنا مش معاهم"

كوميديا بطعم مختلف

ياسر علام

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

"هذا ما جناه أبي عليَّ"؛ صرخة هازئة يوجهها صناع فيلم "أنا مش معاهم" عبر تجربة فنية تصيب المتلقي بمزيج من الدهشة والبهجة والشجن، غير أنها -وفي الوقت نفسه- تصيبه قبل كل ذلك وفي أثنائه وبعده بحيرة لا تكاد تنتهي حتى تبدأ.

وإن كان الارتباك هو النعت الأقرب إلينا في توصيف تلك التجربة -وبعيدا عن كونه ارتباكا متعمدا أو عفويا- فإنه لا يمكن أن ننكر أنه ارتباك يشف ويعكس ارتباكا واقعيا يسود مجتمعنا المعاصر، هنا والآن، واقع يصرخ بسببه صناع الفيلم نيابة عن الشباب بأنه ليس من صُنع أيديهم لكنهم حصاده، وعليه نذهب إلى أن السخرية المريرة من الذات في الفيلم ليست إلا غطاء يخفي أبخرة السخرية القاسية من مجتمع الآباء ونظرتهم، بل من أي نظرة للواقع تدعي الاكتمال أو النضج أو التبلور أو حتى الفهم.

ويظهر أن مهمة تعرية منطق الكبار الحكيم الحصين الواثق لا تتم إلا عبر نزق شبابي صادق، لكنه غير ناضج مع سبق الإصرار والترصد.

أخطاء صغار

الفيلم يدور حول طالب كلية الطب الشاب عمرو (أحمد عيد) ابن أحد كبار تجار الأقمشة، هذا الطالب يمثل نموذجًا يعرفه مجتمعنا معرفة وثيقة؛ فهو لطالب جامعي متكرر الرسوب، يحيا وسط شلة رفاقه حياة يغلفها الاستهتار الهازئ ما بين تعاطي المخدرات إلى الظفر باللذة الجنسية العابرة المختلسة.

وحياة عمرو إذ تسير في هذا السياق لا يتم بروزتها في دراما الفيلم في إطار نقدي صارم، أي أن زاوية النظر إليها من لدن فعل التلقي المرجح بناء على شكل عرضها الذي يخرج بها وبنا في نعومة عن حدود النظرة المحافظة والرؤية التربوية الإرشادية لعالم الآباء.

أي أن تلك الآثام التي يرتكبها عمرو -وهي تعرض في حبائل خفة الدم، وعبر نسيج عماده سوء الفهم وسوء الحظ وسوء التربية- تجعلها (أخطاء صغارا) بالمعنى الحقيقي والمجازي للكلمة.

الفيلم إذًا لا يخاطب جمهوره من الشباب بلهجة المعلم أو الواعظ أو الداعية، إنه قبل كل شيء منهم وبهم، يتفهم عثراتهم ليضحك الجمع كشلة رفاق معا، يضحكون على خطايا مشتركة ما بين الحياء وقلة الحياء، ولنبدأ من الأول.

مفارقة سوء الفهم

كنتيجة طبيعية لسوء الظن من قبل عالم الآباء، يظن أولياء أمر هذا الطالب أن حديثه عن (واحدة) سيأخذها هو وشلة الرفاق إلى مكتب الأب؛ ليتدربوا عليها ليس إلا عن فتاة ليل قد تم استئجارها لذاك الغرض، في حين الحقيقة أن مكالمة الشباب التي استرق الكبار السمع إليها لم تكن إلا حول جثة يريدون إجراء المراجعة النهائية عليها.

فيلعب سوء الفهم دوره في صنع المفارقة الكوميدية، وبعيدا عن كون الأمر لم يَعْدُ أن يكون سوء ظن هذه المرة، فإنه يبقى سوء ظن استحقه الشباب عن جدارة بما سلف من سلوكياتهم، وعليه يتم محاصرتهم في مكتب الأب لتتكشف المفاجأة، ومن قلب هذا النسيج الدرامي ذاته يحدث التصاعد حين "يهلل" الشاب في لجنة الامتحان في اليوم التالي رغبة منه في التستر على الغش الذي يقوم به، مساواة له بغيره من الغشاشين من أبناء هيئة التدريس.

والموقف السابق -بنزر يسير من التحليل- يوضح لنا كيف أن حضور عالم الآباء –ولو مستترا- هو حضور فاعل وجاثم، فها هو الشاب يسقط بين مطرقة أولي الأمر الحقيقيين (أبيه وأمه)، وهما من حالا بشكهما دون أن يقوم بالمراجعة النهائية ليلة الامتحان، وسندان أولي الأمر المجازيين (أعضاء هيئة التدريس) الذين يسمحون لأبنائهم بالغش دونه، كل هذا لا يعفيه من الاستهتار؛ حيث لا يعرض بوصفه الضحية بين هذا وذاك، بل يكون بحق ابنا جديرا بأب كهذا.. ومولى جديرا بأولياء كهؤلاء.

من واقع ارتباكه كغشاش مغبون ترتفع صرخاته الفاضحة للغشاشين المحميين؛ فيكون الحل بإزاحته إلى لجنة خاصة مخصصة للمعتقلين، وكلهم من المنتمين للتيار الديني (!!!)، ويستأمنه أحدهم على رسالة لأهله يؤديها الشاب من باب "الجدعنة" التي يفعلها غافلاً عن متابعة العيون له؛ سواء أكانت العيون الأمنية أو عيون المتعاطفين من الجماعات الدينية، أو حتى عيون أصدقائه، ليتم بذلك وضعه في قوائم المحسوبين على التيار الديني، وتكشف التحريات ببراعتها المعهودة عن كونه ينتمي لعالم هؤلاء وهؤلاء، مع أن الحقيقة ليست إلا مصداقًا لاسم الفيلم أنه (مش معاهم).

عن طريق الخطأ

هذه العقدة يمكن أن تحل ببساطة لو أن الشاب استكمل نمط حياته السابق، لكن خطا دراميا يضاف من هذا الموضع -تم التمهيد له من قبل- ويمد العقدة بمقومات الاستمرار؛ ففي منزل المعتقل الذي استأمنه على رسالته لآل بيته، يفاجأ الشاب بوجود (بشرى)، وهي الفتاة المحجبة التي يميل إليها، ويكن لها إعجابا حال دون تفعيله إلى وصال كونها تنتمي إلى الفصيل المتدين من الكلية الذي لا يعرف هو كيفية اختراقه أو التعامل معه، غير أن الفرصة تكون مواتية حين يحسب هو بطريق الخطأ على هذا الفصيل فيستمرئ ذلك.

قد يرى البعض صدفة لقائه بها هي بالذات في بيت المعتقل ضعفًا في النسيج الدرامي، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، حيث إنه تم التمهيد بالفعل إلى كون الفتاة تنتمي لهذا التوجه، إضافة لكونها تنتمي لنفس الجامعة، وكونها تلميذة المعتقل على نحو ما، وكونها في لجنة تشبه لجان التضامن مع أهالي المعتقلين، فيبقى لقاؤه بها هناك مقبولاً.

يستثمر بطلنا هذا الخطأ لمصلحته فيستمرئ حالة المناضل، ويستخدمها لكونها الآلية المتاحة للتقرب من الفتاة، ويمكن لنا أن نعتبر هذا الاستمرار في دور غير دوره الحقيقي بمثابة تنكر، وما دمنا نعرض لحالة تنكر في عمل كوميدي دعنا نبطئ قليلاً في هذا الموضع، بل دعنا نتوقف، ولو إلى حين.

التنكر واحدة من آليات الإضحاك الأقدم والأكثر شهرة في تاريخ الكوميديات، والمضحك فيه هو معرفة الجمهور بالجانبين: حقيقة الوجه وطبيعة القناع، ثم تلقيه بفهم متفوق لاستجابات الطرف الآخر بناء على نقص فهمه أو قلة معرفته مقارنة بالجمهور، وبتطبيق هذا الشرح النظري على الفيلم تتضح المسألة أكثر:

الفتى (الروش) حين يرتدي قناع (الملتزم) –وثنائية (الروش/الملتزم) بألفاظها المستخدمة فيها تفرض نفسها من بين القاموس الشبابي الرائج- يدع الفتاة تتعامل بداهة مع القناع لا الوجه، هو إذًا يخدع.. تتعامل الفتاة مع القناع بجدية وحفاوة، ويعلم الجمهور جيدا أنه لا يستحقها.

لكن الفتاة المخدوعة في عمرو خدعت من مكمن طمعها، طمعها في نموذج يحقق لها تصوراتها عن الشريك المثالي، وليس عن ارتباط إنساني يستهدف تقبل الحبيب على حقيقته.. والسير في مسار التغير، والتنازل من طرفي العلاقة للتواصل.. وقاعدة الاحتيال تقول: "إنه في مقابل كل نصاب نجد طماعا".

والْتَهَمَ القناعُ الوجه

نعود للعبة الدرامية في الفيلم، والتي تقتضي توازنا دقيقا؛ فالجمهور حين يضحك هو بداهة يضع نفسه في حيز الأذكياء/ غير المخدوعين مثل الفتاة (بشرى).. يضحك حين يطمئن على أنه غير مخدوع.. غير خائب.. غير مغرر به.. إنه منتبه.. إنه نفسيا في دائرة من يضحك مع المحتال/ الذكي/ المنتصر/ المرن، وليس مع المغفل/ الغبي/ المهزوم/ المتصلب.

وتلك واحدة من مشكلات صناع الفيلم؛ فالخطاب الدرامي العام لا يموضع -ولا يريد أن يموضع- الفتاة في تلك المساحة (المغفل والغبي...) بل يكسبها صلاحيات القدرة على التأثير عليه بالفعل للحد الذي يجعل القناع يلتهم الوجه.. ويصير هو الحقيقة لا الزيف.

وبقول آخر: يلتهم (الملتزم) (الروش)، فيتحول المخادع إلى ملتزم، وهنا اللعب دقيق وحساس ومفصلي؛ فاللعب على منطق أنها تستحق الخديعة وفقط سيجعلها مطالبة كممثلة أن تقوم بدور البلهاء الجوفاء المغفلة، لكن (بشرى) كممثلة تخيرت من جوانب الغفلة فكرة التصلب أو الآلية فأحسنت الاختيار، واللعب على فكرة أنها أبدًا لم تكن لتستحق هذه الخديعة سيجعل من الفتى (عمرو) هو المجرم الماكر اللعوب ببنيته الجسدية حديثة التعديل، لكنه في ثوبه القديم كان سيبدو أكثر ملاءمة.. غير أنه من الغبن أن ننكر أنه قد عوض ذلك بأداء داخلي طمس جسد عمرو الجديد في مقابل روحه المزهوة البهلوانية التي ألفناها.

مجاهدة للإفلات

لنفرّ من الممثلين ونعود للشخصيات.. دراميا الانتصار النهائي لطرف على طرف واستقطاب الآخر إليه هو أمر يجاهد الفيلم للإفلات منه بانحياز واضح (للديني)، لكنه يبقى انحيازا غير نهائي.. حيث إنه في طبيعة تكوينه يجافي الحكمة الكلية وفصل الخطاب كما أسلفنا.

فإن كان التغيير يبدو للعين المجردة في سلوكياته للأفضل بالرغم مما يجره من متاعب مع الأمن، لكن المغالاة في الالتزام الظاهري بالقناع يخلخله ويسخر منه، فهو يعوقه مرة عن مشاهدة مباراة كرة قدم، ويحول حتى دون مصارحته لحبيبته بحبه، بل يجعل من الإسرار بالإعجاب أمرا يستحق عقابا جسديا هستيريا من قبل الجماعة ضد شاب آخر أقدم على هذا الفعل، فكان لبطلنا نصيب الأسد في الإجهاز على ذلك المتجرئ.

أضف إلى ذلك مشاركته في الندوات والتصريحات والفعاليات كقيادي فور وضعه على القائمة بما يحيل -بشكل ما- إلى حسن ظن الفصيل المحيط به، وعدم دربتهم لحد يصل إلى السذاجة.

يمتد الأمر إذا ما حاولنا تجميع صورة الوجه المقابل لهذا الفصيل، لدينا (سيف عبد الرحمن) كأب للفتاة، تحيط به زجاجات الخمر، والزوجة شبه العارية، وبخادمة أجنبية تتعامل مع الملابس بوصفها ضرورة يجب الأخذ بها في أضيق الحدود، فإذا ما أضفنا رصيد المخدرات، و"الهلس" الذي يحيط بالشاب سابقا، لرأينا أي مقابل يوضع في مقابل كتلة الالتزام الديني، وكأن عدم الالتزام بهذا لا يعني سوى الوقوع في ذاك؟!.

الخطاب المنقوص

حدثني إذًا عن الوسطية الغائبة، والتي لم يمثلها أحد في الفيلم بأي مقدار، وهو ما جعل خطاب أي طرف حولها خطابا منقوص الأهلية؛ فنصائح الأب في النهاية -له أو لها- ليس لها من حصانة في السياق الدرامي، نفس الأمر يتكرر مع نصائح الأخ (باسم السمرة) لها، الوسطية الغائبة لا نذهب إلى وجوب ظهورها على لسان شخصية درامية تحمل صوت المؤلف، فهي صيغة ندر أن تقدم بشكل لائق فنيا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (حسين الشربيني) في "جري الوحوش"، (أحمد راتب) في "طيور الظلام".

ولا أحد هنا يطالب بالمباشرة.. ولست بالناقد الذي يفرض الحل.. لكن المعادلة تبقى ناقصة نقص الحل الدرامي المنبثق من صدفة اللقاء في مباراة المنتخب في ختام الدورة الأفريقية.

وبالرغم من كون اللحظة إنسانية وطنية أثيرة، فقد خلدها الفيلم على طريقته.. حين حشد طرفي اللعبة الفنية في الإستاد مع أعلام مصر ليراهن على المواطنة بعبارة مقتضبة وقصيرة.. عبارة رأينا فيها الفعل والمفعول، وغاب عنها الفاعل.. فكان حلا دراميا مبنيا للمجهول.

إسلام أنلاين في 17 مارس 2007

 

مقالات ذات صلة