سينماتك

 

سينما قديمة وموسيقا متجددة

الياس سحّاب

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

كلما أطل علينا شهر مارس/ آذار تسابقت الإذاعات والفضائيات العربية في إحياء ذكرى ولادة موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب، وهذا ما يفسر الظهور المكثف لأفلامه (وهي قليلة لا تتجاوز السبعة) على مختلف الفضائيات العربية في منتصف هذا الشهر.

إن اعادة مشاهدة هذه الأفلام في العام السابع من القرن الحادي والعشرين، وقد انتجت كلها فيما بين 1933 و،1946 تضع أمامنا بوضوح شديد ذلك التناقض، الذي كان معروفاً ومحسوساً منذ البداية، بين المستويين السينمائي المتواضع لأفلام عبدالوهاب، والموسيقي والغنائي الراقي لها.

لقد كان هذا التناقض، كما قلت، بادياً للعين وللإحساس منذ البداية، لكنه يبدو لنا اليوم بالذات، تناقضا شديد الوضوح، بالغ المعاني. كنا سابقاً (حتى من كان منا متيماً بموسيقا وغناء عبدالوهاب) نتندر بضعف أدائه التمثيلي. علما بأن هذا الاداء تحسن قليلا في فيلميه الأخيرين: “رصاصة في القلب” (1944) و”لست ملاكا” (1946)، خاصة في الأول، لكن المسألة تبدو اليوم أشد وضوحاً، فضعف المستوى السينمائي في أفلام عبدالوهاب لم يكن محصورا في ادائه التمثيلي، بل كان يشمل كل جوانب الفن السينمائي، من قصة وإخراج وتصوير وسيناريو ومونتاج. لكن عنصراً واحداً في هذه الأفلام لم يكن مشمولا بمستوى الضعف هذا، وهو عنصر الموسيقا والغناء، من أول فيلم إلى آخره.

إن من يشاهد اليوم، في العام ،2007 أياً من أفلام محمد عبدالوهاب، يشعر فورا بأنه أمام عمل سينمائي من النصف الأول للقرن العشرين، لكنه يشعر أيضاً بأنه أمام تطور موسيقي وغنائي، يصلح للاجيال العربية الطالعة واللاحقة، في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين وفيما بعد ذلك.

ويمكن ان نرصد في مسيرة عبدالوهاب الفنية الطويلة على عرش الموسيقا والغناء العربيين المعاصرين منذ منتصف عقد العشرينات حتى بداية عقد التسعينات، فترة تفرغ عبدالوهاب فيها تفرغا شبه كامل للسينما (بين 1933 و1939)، وهي الفترة التي كان يكرس فيها كل جهده التجديدي في الموسيقا والغناء من خلال أفلامه السينمائية فقط، وهذه مرحلة خطيرة في تطور عبدالوهاب الفني بين مرحلته الذهبية الأولى (1927-1932) ومرحلته الذهبية الثانية (1939-1951).

ومع أن عبدالوهاب واصل إبداعه الغنائي والموسيقي السينمائي في الاربعينات من خلال ثلاثة أفلام اخيرة، فإن ابداعه من خلال كل أفلامه، قد لا يوازي (في القيمة والعدد) خمس رصيده الفني العام. ولو اجرينا استعراضاً سريعاً وموجزاً لأهم انجازاته الفنية التجديدية، من خلال أفلامه السبعة، وجدنا أمامنا كنزا ثمينا لاجيالنا الجديدة، من المستمعين الذين يبحثون عن المتعة الفنية الرفيعة، ذات القيمة الفنية الباقية على مر الزمن والأجيال، ومن الدارسين والباحثين الذين يسعون لامتلاك معرفة كاملة بكنوز الموسيقا العربية المعاصرة في نهضتها الأولى (في القرن التاسع عشر) ونهضتها الثانية (في القرن العشرين)، ومن المبدعين الذين يبحثون عن قاعدة صلبة يقفون عليها للانطلاق نحو ابداع موسيقا عربية جديدة، تعبر عن الزمن المعاصر والإنسان الحالي.

ففي اول أفلامه، الوردة البيضاء (1933) نقف أمام تحف جديدة ومتجددة حتى يومنا هذا، مثل قصيدة “جفنه علم الغزل”، والمونولوجين المدهشين “النيل نجاشي”، و”يا اللي شجاك الأنين”.

أما في فيلمه الثاني، دموع الحب (1935)، فنقف امام قصيدة مدهشة أخرى: سهرت منه الليالي، وأمام الحلقة الأخيرة من مواويله التاريخية الخالدة: “في البحر لم فتكم”. وأمام المونولوجين المدهشين: كروان حيران، ويا ما بنيت قصر الاماني، والنشيد الوطني الذي لا يزال ينبض حداثة ومعاصرة وعظمة تاريخية حتى الآن: أيها الخفّاق (نشيد العلم)، وديالوج محلا الحبيب مع نجاة علي.

أما في الأفلام الخمسة الأخيرة، فمن العسير ان نخص بالذكر أعمالا محددة، ونهمل أخرى، وان كانت بعض ألحانه دائماً في هذه الأفلام، تتفوق على سواها، وتعتبر من كنوز الموسيقا العربية المعاصرة، منها مثلا في فيلمه الثالث “يحيا الحب”: ديالوج طال انتظاري وديالوج يا دي النعيم، ومونولجات تاريخية مثل أحب عيشة الحرية، والظلم دا كان ليه، ويا دنيا يا غرامي، وقصيدة عندما يأتي المساء، ولحناه الخالدان لليلى مراد: يا قلبي مالك، ويا ما أرق النسيم.

ونكتفي من أفلامه الأربعة الأخيرة بالإشارة إلى شوامخ تاريخية مثل: “طول عمري عايش لوحدي، يا ناسية وعدي، ايه انكتب لي، مجنون ليلى، وقصيدة الصبا والجمال من فيلم يوم سعيد. ويا مسافر وحدك وردي علي وما كانش عالبال (ممنوع الحب) وكل أغنيات فيلم رصاصة في القلب، وعلى الأخص قصيدة “لست أدري” الخالدة، ثم قصيدة الخطايا المدهشة حتى يومنا هذا من فيلم “لست ملاكا”، مع لحن القمح المعاصر حتى يومنا هذا أيضاً”.

كلمة أخيرة تبدو ضرورية لاستبعاد اي سوء فهم لمقصد هذا المقال، فبعد أن هضم عبدالوهاب أعمال كل أسلافه، حتى سيد درويش، انطلق يجدد في الموسيقا العربية المعاصرة تعبيرا عن جيله وزمانه وشخصيته الفنية الخاصة. هذا بالضبط فقط، ما ندعو اليه أجيالنا الجديدة من المبدعين، فليبدأوا بالاستماع إلى كنوز أسلافهم العظام، ويهضموها تماماً، وينطلقوا منها للتجديد، بدل الفراغ الذين يخوضون فيه منذ ثلاثة عقود، فيدوخون ويدوخوننا معهم، باسم تجديد لا يأتي.

العربي المصرية في 18 مارس 2007