سينماتك

 

د. وليد سيف يكتب عن فيلم خارج المنافسة

«أنا مش معاهم» يكشف المجتمع الممزق بين التزمت والانحلال

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

> الفيلم يؤكد أن أحمد عيد نجم متميز يفرض عليك أن تحترم فنه مهما كان الخلاف معه أو مع أفكاره

> من خلال وقوع شاب منفلت في غرام فتاة محجبة وملتزمة يطرح الفيلم الشقاق الخطير في مجتمعنا بين نمطين مختلفين في التفكير والسلوك والثقافة يحدثان عن الفرقة داخل البيت الواحد

> مواقف وحوارات الفيلم لا تخلو من طرافة وطزاجة وتعكس خبرات الكاتب ومعرفته بجيل الشباب الجامعيين بحكم أنه واحد منهم

> نهاية الفيلم التي يصلي فيها بطلا الفيلم مع طفلهما ثم يصطحبانه للسينما تشفع لصناع الفيلم الكثير من الأخطاء وتجعلنا نعقد آمالاً أكبر علي أحمد عيد في تقديم سينما جادة وممتعة  

بداية لا بد أن أعترف أنني ذهبت لمشاهدة فيلم ( أنا مش معاهم ) وأنا في حالة من التحفز ضد الفيلم لأسباب كثيرة ومعظمها شخصي أولها وبصراحة أن احمد عيد بطل الفيلم رفض أكثر من سيناريو شاركت في كتابته .. وارتفعت حالة الاستفزاز عندي من تصريحات أحمد عيد ضد النقاد وكتاب السيناريو التي تفتقر تماما لدبلوماسية النجوم المعتادة .. وكنت قد قررت عدم الكتابة عن الفيلم خوفا من أن يشوب رأيي فيه أي ظلال نفسية وهو ما أفعله عادة مع أي فيلم تحكم علاقتي بصناعه بعض الحساسيات .. ولكني وبعد خروجي من قاعة العرض قررت أن أكتب بمنتهي التحرر من حساباتي وحساسياتي .. وأن أضع يدي علي كل إيجابيات وسلبيات التجربه من وجهة نظري لأنها وبأمانة تجربة لنجم متميز يفرض عليك أن تحترم فنه مهما كان الخلاف.

 

تكشفت لي موهبة أحمد عيد منذ ظهوره في دور صغير جدا في فيلم (حلق حوش) كرجل أمن البنك المريض النحيف الضعيف ..وهو نموذج لرجال الأمن الخاص أصبحنا نراهم في بنوكنا الحكومية يثيرون شفقتنا عليهم وعلي أموال بلادنا التي أصبحت رخيصة علي أصحابها الذين لا نعرفهم . وبعد سنوات قليلة تواجد عيد في عدد من الأدوار الصغيرة والثانية في أفلام قليلة منها (شجيع السيما) و(إزاي البنات تحبك).. و (همام في أمستردام) حيث بدا لي كما وصفته في مقالي عن الفيلم بأنه ممثل جيد يؤدي دوره بشكل طبيعي تماما وتكاد تشعر من فرط صدقه أنه يؤدي شخصيته الحقيقية ..في أثناء مرحلة الإنتشار السريع هذه شارك عيد في بطولة ثلاثية في تجربة محمد أمين الأولي الهامة (فيلم ثقافي) مما أتاح له أن يقدم بعد ذلك بطولة ثنائية في فيلم (إوعي وشك) والذي فشل بكل المقاييس ..ووجد عيد البديل في بطولة فيلم محمد أمين الثاني (ليلة سقوط بغداد) وهو وإن كان لم يحقق النجاح التجاري المرجو إلا أنه عوضه عن فترات الصبر والغياب وحقق له مجدا أدبيا وصورة محترمه ومكانة خاص كنجم صاعد لا يسعي للتواجد كثيرا بقدر حرصه علي أن يقدم للجمهور فنا محترما وجادا ولا يخلو من التسلية والكوميديا في نفس الوقت ..

السينما المصرية لا تعرف جولييت

ومن المؤكد ان عيد انتظر لوقت طويل نسبيا حتي توصل لمشروع (أنا مش معاهم) ليبدأ به مسيرته الفعلية كنجم مسئول عن فيلمه .. ولا تملك وللوهلة الأولي إلا أن تحييه علي الفكرة التي اختارها والتي تعكس وعيا حقيقيا بالهم الاجتماعي فالسيناريو في خطه الأساسي يعتمد علي سؤال درامي مهم جدا وهو ماذا يحدث لو وقع شاب منفلت ومتسيب في غرام فتاة محجبة وملتزمة ؟ ..ومن خلال هذا السؤال يطرح الفيلم هذا الشقاق الخطير في مجتمعنا بين نمطين مختلفين تماما في التفكير والسلوك والثقافة يتوغل كل منهما في نسيج حياتنا وداخل رؤوسنا ورؤوس أبنائنا ويحدث حالة من الفرقة داخل البيت الواحد .. تتطورمراحل العلاقة بين الشاب والفتاة من التعرف إلي الارتباط إلي الحب إلي إكتشاف صعوبة التواصل إلي الانفصال ثم التصالح .. ولكن الفيلم يسير في خط آخر مواز للبطل الذي يشتبه فيه أنه متطرف ديني وإرهابي وهي مسألة كان يجب ألا تشغل مساحة كبيرة من الأحداث لأنها تعطل الخط الرئيسي للفيلم أو العلاقة بين البطل والبطله ولكن هل يقبل محمد عيد أن يكون فعلا مختلفا تماما عن زملائه نجوم الكوميديا ويقدم بطولة مشتركة مع نجمة شابه حتي لو كانت طبيعة القصة والموضوع تفرض ذلك ..

فالحكاية لو جردناها سنري أنها معالجة عصرية ومبتكرة لروميو وجولييت أو عمر وفرح ولك أن تتصور أن يتم تحجيم دور جولييت لحساب دور روميو .. وكان من عواقب ذلك أن يتحكم الموقف الكوميدي في بناء مساحات كبيرة من الفيلم ..فالأم التي تتنصت علي مكالمات ابنها عمر طالب الطب مع أصحابه تتوهم أنهم سيأتون بفتاة ليل إلي مكتب الأب ولكنها تكتشف أنهم كانوا يتفقون علي إحضار جثة للمذاكرة ..وفي مقابل ذلك لابد بالطبع أن نري الشاب وأصحابه يدخلون إلي البيت بعد ذلك حاملين فتاة ليل ياعتبارها جثة دون أي اعتراض من الأم .. لا تخلو معظم مواقف وحوارات الفيلم من طرافة وطزاجة وبوجه خاص في مشاهد تعكس خبرات خاصة للكاتب ومعرفة حقيقية بجيل من الشباب الجامعيين بحكم كونه واحدا منه

فرح كوميدي يكشف عن مأساة مجتمع

ولكن أكثر المواقف أهمية هي تلك التي اقتنصها المؤلف لتعكس تناقضات مهمة في صميم حياتنا وترتبط بشكل أساسي مع موضوع الفيلم.فعمر يتشكك في صحة عنوان فيللا فرح التي جاء لخطبتها متسائلا (هي فيللا 16 أ ولا ب) ويتأكد من أنه في المكان الصحيح عندما يري الدادة المحجبه ولكنه يعود ليشك مرة أخري عندما تأتي الخادمة بردائها القصير العاري.وكذلك في مشهد الفرح الذي يضطر أصحابه إلي تأجير قاعتين واحدة تقدم التواشيح والأغاني الدينية والأخري تذيع موسيقي الديسكو وتستضيف عمرودياب ونانسي وهيفاء .. في تلك المناسبات والظروف نكتشف أننا لا نجتمع حتي ولا في الأفراح وأننا ننقسم إلي فريقين ..أحدهما لا يقرب الصلاة ولا يتورع عن ممارسة كافة أنواع المحرمات والآخر يغالي في تشدده فيعتبر السينما حراما والكورة مضيعة للوقت ..

ورغما عن بلاغة التعبير في مشهد الفرح إلا أنه يعكس مشكلة أساسية في بناء المشاهد في سيناريو الفيلم التي تفتقد في معظمها لأي تفاصيل أو أحداث أو تطوير للمشاعر والعلاقات .وهذا ما يجعل شخصية فرح غريبة بالنسبة لنا ولا نري فيها ما يكفي ليجعل الشاب يغير من نفسه من أجلها ولا نتفاعل معها بالقدر الكافي عندما تتشتت وتتخبط..وهو ما ينطبق علي بعض الشخصيات التي أحالها الفيلم إلي أنماط تتواجد لملء فراغ في المشهد ثم تختفي دون أن تلعب أي دور فعلي في الأحداث وهو ما يبدو واضحا مع شخصية ضابط مباحث أمن الدولة صديق والد البطل الذي أداه أحمد راتب والذي لا أري مبررا لوجوده إلا في المشهد الذي يذهب فيه لمقابلة عيد فيجده وسط أصحابة في جلسة تعاطي .. فيهم الأصحاب بإخفاء المخدرات ولكن طارق يقول لهم (أقعدوا ما تخافوش دول عايزينا طول الوقت كده) وعندما يطلب منه الضابط مساعدته في خدمة لمصلحة البلد يرد عليه (إذا كنت مش عارف مصلحة نفسي !) ..أما شخصية حلواني التي أداها باسم السمرة المبتسم دائما بلا مناسبة فتعكس حالة من التشتت غير المفهوم ..فعلي الرغم من أنه يتحدث في بداية الفيلم عن القيادات والتنظيمات ويقود المظاهرات نراه في النهاية يقول لعزة بمنتهي البراءة والصدق (إحنا مش تنظيم ولا جماعه إحنا ناس متدينين وملتزمين) ثم يتمادي في حكمته التي يختال بها علينا فيقول ان هناك شعرة صغيرة بين التدين والتعصب وأخري أصغر بين التعصب والتطرف .وهي حكمة بليغة ولكن ليس من المنطقي ولا المؤثر لأن نستمع لها من الأخ حلواني . وبوجه عام هناك بعض أحداث السيناريو ومواقفه وشخصياته لا يحكمها المنطق الد رامي بقدر كونها أدوات يتعسف الكاتب في تطويعها لصالح أهدافه وإلقاء مقولاته وإفيهاته .. والحقيقة أن الفيلم مليء بالإفيهات والمواقف الكوميديه والتي عجز معظمها عن إثارة الضحك لأنها كانت تستلزم تفاصيل وإيقاع ومنطق في البناء وأسلوب في الأداء والإلقاء بل والإخراج وهي أشياء غاب معظمها كثيرا عن الفيلم ..وبوجه خاص الإخراج ..فمن الواضح أن أحمد البدري تلقي السيناريو من النجم بعد أن وصل إلي حالة من الرضا المطلق علي كافة التفاصيل وهي مسألة أصبحت تعني بالنسبة لمعظم المخرجين حاليا أن مهمتهم تبدأ مع بداية التصوير وأنه لا يجوز لمخرج أن يتدخل بالحذف والإضافه لأي تفصيلة لأن النجم وصل إلي المعادلة النهائية التي ترضيه .. ويمكنك عزيزي القاريء أن تتأكد من ذلك من تقيد حركة الكاميرا الشديد والتزامها بكل تفاصيل الحوار بل ووصف الموسيقي التصويرية وشريط الصوت الذي لا يتضمن أي أصوات أو أغاني في الخلفيه إلا لو كانت مذكورة في حوار الفيلم ..

كيف تصنع فيلما في غياب المخرج؟

أدرك يقينا أن أحمد عيد سوف يستفيد من تجربته الأولي وسوف يحقق تقدما ملحوظا في فيلمه القادم من حيث التماسك والبناء الدرامي وتفاصيل المشهد.. ويشرفنا بالطبع أن ينضم لكتاب السيناريو نجم دارس للدراما أو أن يقدم وجوها جديدة في مجال الكتابة و لديهم أفكار جديدة ومبتكرة ومهمة مثل فيصل عبد الصمد ولكن الأهم من هذا أن يتعاون عيد مع مخرج مبدع وخلاق وقادر علي إضفاء قيمة ومعني للصورة بدلا من أن يحيلها إلي كروت بوستال علي طريقة ستوديوهات الفوتوغرافية في الأقاليم فيضع صورة فرح مرة في إطار من الورود الملونة ومرة أخري في وسط قرص الشمس ويا عيني علي الإخراج..

وعلي الرغم من أن أفيش الفيلم يتضمن العديد من الأسماء المعروفة وضيوف الشرف إلا أنه يمكنك أن تجد ممثلا محدود الإمكانيات جدا مثل سيف عبد الرحمن في دور مهم هو أبو فرح وأن تجد الصبي الذي قام بدور شقيق فرح يفسد جميع المشاهد التي ظهر فيها بتمثيله الرديء.علي الجانب الآخر تثبت بشري تقدما ملحوظا وتجيد تقديم الشخصية في مختلف مراحلها أو تحولاتها، أما سليمان عيد فأصبح مثل ملح الأفلام يضيف لها الطعم ولا يمكن الاستغناء عنه ..كان رائعا بأدائه البسيط ولمساته الضاحكة الهادئه في دور الخادم الجاسوس ..وعلي الرغم من أنه أثار الضحك بقوة في مشهد النهاية عندما رأيناه يجلس بين الجماهير الأفريقية في مباراة نهائي الكأس ضد مصر مبررا موقفه ببساطة للبطل قائلا (مش أمي طلعت من كوت ديفوار) إلا أن هذا الإفيه وغيره كادوا أن يفسدوا مشهد ما قبل النهاية الذي كان يجب أن تغلفه لمسه شاعرية هادئة حيث يبحث فيه عمر وفرح عن بعضهما وسط زحام جماهير الإستاد ليلتقيا مرة أخري بعد انفصالهما في موقف كان يمكن أن يحقق تأثيرا أفضل لو أضيفت له مزيدا من التفاصيل ولو توافر له الإيقاع المناسب فهو مشهد بارع دراميا ولا يفوقه إلا مشاهد الفوتومونتاج التي لحقته والتي رأينا فيها عمر وفرح بعد الزواج والإنجاب يؤديان الصلاة مع طفلهما ويصطحبانه معهما إلي السينما أيضا .. وهي نهاية تشفع لصناع الفيلم الكثير من الأخطاء وتجعلنا نعقد آمالا أكبر علي أحمد عيد في تقديم سينما جادة وممتعة في نفس الوقت .

جريدة القاهرة في 20 مارس 2007