سينماتك

 

يعرض الآن على شاشات الكويت

"علي الطرب بالتلاتة" بين السينما الشعبية وتوليفة العنب والحمار

عرض وتحليل: عماد النويري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

منذ سنوات طويلة والمرء يعرف جيدا انه من الصعب ان تكون كل الأفلام على شاكلة واحدة وانه من الصعب ان يقدم الإنتاج السينمائي كل عام نتاجات سينمائية على شاكلة 'الفتوة' و'الأرض' و'صلاح الدين' و'وقائع سنوات الجمر' و'سهر الليالي' ومنذ سنوات طويلة ادرك المرء ان الفنون في العالم كله تنقسم الى نوعين نوع شعبي يميل الى تقديم تيمات سهلة ومحببة بعيدا عن التعقيد والتجريب والنوع الثاني وهو الفن الذاتي الذى يقدم التجارب الخاصة للفنانين، وينفتح هذا النوع على العديد من المدارس والتيارات الفنية التي تنتمي الى الحداثة والى ما بعد الحداثة. من هذا المنطلق فان 90% من الإنتاج السينمائي الأميركي ينتمي الى الفن الشعبي بمعنى انه يقدم توليفات جاهزة ومدروسة جيدا لتتلاءم واحتياجات المشاهد في اميركا وفي بقية بلدان العالم. وهذه التوليفات تدور أحداثها حول أبطال مقولبة ولها ملامح لا تختلف كثيرا عما طرحته الكلاسيكية الجديدة في القرن الثامن عشر الميلادي عندما وضعت بعض الشروط الواجب توافرها في كل شخصية ولعل أهم هذه الشروط هو ان تكون الشخصية متوافقة تماما مع واقعها وان تتحدث بلغة مفهومة وان تكون صراعاتها واضحة ويعني ذلك ان السينما الشعبية تعود بجذورها الى دائرة مغلقة من الأفكار والشخصيات والصراعات لكن يمكن التعرف على مايوجد بداخل هذه الدائرة بسهولة وسرعة عند المشاهد الذي يحب هذه النوعية من الأفكار والشخصيات والصراعات. في اغلب الأحوال تقدم السينما الشعبية توليفة سهلة الهضم ليس فيها ما يعكر صفو المشاهد اوما يزيد احساسة بالقلق. ولأن السينما قد بدأت في الأصل كمشروح تجاري يهدف الى الربح فان السينما الشعبية انتقلت الى معظم النتاجات في اغلب دول العالم باعتبارها تخضع للمواصفات القياسية التي يطلبها المشاهد في سوق الأفلام.

تشويق ومؤامرات

كما في أميركا فان السينما الشعبية سيطرت على اغلب النتاجات في السينما المصرية على مر تاريخها وإذا رجعنا الى الإنتاج السينمائي في فترة الثلاثينات والأربعينات والخمسينات سنجد ان غالبية الأفلام التي انتجت يمكن حصرها في دائرة السينما الشعبية التي تقدم مثلت العشق الدرامي المعروف حيت يتصارع رجلان على امرأة او امرأتان على رجل مع بقية الإضافات و'التحبيشات' المعروفة في السينما الشعبية مثل وجود ملهى ليلي او بار ليسكر فيه البطل عندما تهجره البطلة ووجود راقصة لولبية في الملهى لكي تقدم وصلة رقص شرقي ومن ثم ينشغل بها البطل قليلا حتى يكتشف انه قد ظلم حبيبته، ولا بأس من وجود عصابة تقوم بخطف البطل او البطلة او ابنة البطلة او حتى أمها للدفع بالأحداث الى دائرة الإثارة والتشويق. في نهاية الفيلم سيعود البطل الى حبيبته بعد ان تقتنع الام او الاب ان 'الفلوس مش كل حاجة' وان الحب لابد ان ينتصر في النهاية على حواجز الحسب والنسب، وعلى كيد العزال، وعلى مؤامرات ابن العم او ابن الخال. في السينما الشعبية لا مجال لشخصيات غامضة او صراعات مشوشة او حبكات تجريبية او توليفات سريالية آو نهايات مفتوحة. في السينما الشعبية كل شيء واضح من المشهد الأول الى المشهد الأخير ويتميز فيلم عن الاخر بالمقدرة على خلق الافيهات والمواقف الكوميدية وتقديم البهارات التي تدغدغ حواس المشاهد وتجعله دائما في حالة انبساط.

شخصيات ونجاح

في 'علي الطرب بالتلاتة' يمكن فتح المدافع النقدية من العيار الثقيل واتهام الفيلم بأنه سوقي ومبتذل، وليس فيه قصة ولا شخصيات، وانما مجموعة من المشاهد المسروقة من بعض الأفلام القديمة جرى تجميعها بحضور مطرب يمثل بمؤخرته وراقصة تحكي بصدرها. ويمكن الإشارة الى ان الفيلم يتمحور حول شخصيات رسمت بعناية لتتلاءم وبعض نجوم الصف الثاني في التمثيل والغناء. لكن لابد من الاعتراف ان مثل هذه الأفلام لا تلقى اي اعتبار الى اي نوع من النقد سواء كان من العيار الثقيل او العيار الخفيف لانها ـ هذه النوعية من الأفلام ـ أصبحت متجذرة ومتأصلة في واقع الإنتاج السينمائي في العالم كله وقد وجدت لتبقى وهي قادرة دائما على تحقيق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر على رغم انف النقاد الذين يعيشون في أبراج سينمائية صنعوها من خيالهم ليشاهدوا فيها ما يحبون من أفلام. والواقع غير ذلك.

قد تكون هناك أسباب كثيرة لنجاح الفيلم ويمكن فتح باب الاجتهاد للبحث عن الأسباب بداية من وجود الراقصة دينا ولها جمهورها الكبير المتشوق لمشاهدتها بعد غياب، ويمكن الإشارة الى أغنيتي العنب والحمار الشهيرتين اللتين غزتا الفضائيات قبل ان يغزو الفيلم دور العرض، ولا ننسى أيضا شريحة الشباب التي حضرت لمشاهدة نجمها ونجم ستار أكاديمي محمد عطية، ولكن...

الذوق العام

هل يكفي ذلك لنجاح الفيلم؟! أتصور ان الاجابة ستجرنا الى أبواب كثيرة لابد ان نطرقها وستجرنا أيضا الى كتابة لا تخلو من التحليل والتنظير، وسيتطلب الأمر أحيانا تدخل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد، هذا ناهيك عن الوضع الثقافي المتردي والوضع السياسي المتأزم. لكن يمكن الوصول بسرعة الى خلاصة تقول ان الغناء الموجود في الفيلم ليس بغناء وان الرقص الموجود في الفيلم ليس برقص. وان التمثيل ليس بتمثيل. ويمكن القول ان الفيلم 'كله على بعضه' ليس بفيلم وانما مجموعة من الاسكتشات المنفصلة المتصلة التي يمكن ان تقدم في ملهى ليلي من الدرجة الثالثة من اجل جمهور لا يرغب في شيء سوى البعد عن الهموم وقضاء وقت في حالة انبساط. وكل هذا في حد ذاته هدف يسعى إليه جمهور خاص غارق في بحور السينما الشعبية حتى أذنيه. السينما الشعبية ليست مكروهة في حد ذاتها انما المشكلة تأتي عندما تصر هذه السينما على التوقف عند المواصفات التي تعجب الجمهور من دون اي محاولة جدية لتعديل هذه المواصفات للارتقاء قليلا بالذوق العام.

القبس الكويتية في 20 مارس 2007