مؤسسة فنية تتبنى أهدافا سياسية أوروبية!! حكاية كادر غير سينمائى وائل الجندى |
صفحات خاصة
|
منذ أيام احتفلت مؤسسة كادر -تنمية الوسائل السمعية والبصرية- التى يترأسها الناقد المعروف سمير فريد بعقد مهرجانها السينمائى الثانى سينما المرأة، وقد جدد الحدث هواجس أقلقت الكثيرين وأنا منهم حول طبيعة الأجندة الفنية السياسية لمؤسسة كادر.. وأجبرنى على محاولة البحث المتأنى لسبر أغوار القضية دونما أحكام مسبقة متسرعة. عدت بداية إلى البيان التأسيسى للمؤسسة كادر التى تم إنشاؤها منذ عام أو يزيد قليلا فرصدت اضطرابا غريبا فى المجموعة الأولى من أهدافها وهى المنتمية للمجال الثقافى حيث يقول البيان: إن المؤسسة تهدف إلى تأكيد الهوية الثقافية، ويفهم من ذلك تمسكها بالهوية الوطنية وتلك القومية.. ثم إذا بالبيان يردف: مع دعم حرية التعبير والتنوع الثقافى والإنتاج المشترك!! والأخطر هو ما تمثل فى المجموعة الثانية من الأهداف: نبذ العنف ونشر ثقافة التسامح مع الآخر.. هذان البندان يستحيل قبولهما ضمن مبادئ مؤسسة ذات أهداف فنية وإنما يفترض أن نراهما على لافتة مؤسسة حقوقية أو منظمة سياسية..وشعرت بأننى أسير فى طريق شائك محير يمنعنى تقديرى للناقد المعروف وتاريخه من اتهامه مجانا بلعب دور ثقافى اختراقى ولكن ظل يرن فى أذنى صدى مفردات البيان التأسيسى التى أخذت أرددها بينى وبين ذاتى وهى تثير المزيد من هواجسى وشغفى للوصول إلى الحقيقة، وواصلت الطريق. منذ عامين تقريبا كتب الصديق الناقد د. وليد سيف مقالا أكد فيه أن السينما الأوروبية تسعى إلى استعادة الأرض التى فقدتها فى مصر بعد غياب أفلامها عن دور العرض، وأشار إلى إقامة أسبوع الفيلم الأوروبى ثم مهرجان سينما الاتحاد الأوروبى، ولفت أخيرا إلى قيام الناقد سمير فريد بإعداد موسوعة شاملة عن السينما الأوروبية بتكليف من المفوضية الأوروبية توطدت العلاقة إذن بين فريد والأوروبيين والحق أن تصريحاته فى تلك الفترة كانت تؤكد إعجابه الحقيقى بالسينما الأوروبية ورغبته فى دعمها لمواجهة سيطرة الفيلم الأمريكى ومن ذلك قوله سياسات الاتحاد الأوروبى تعد نموذجية فى مجال دعم الإنتاج المحلى ويجدر أن تحتذيها الدول الأقل نموا فى العالم حتى لا تصبح مجرد أسواق للأفلام الأمريكية، بما فى ذلك الأسواق الأوروبية، وتجاوز فريد حد الإعجاب إلى محاولة الإسهام برأيه فى سبل دعم السينما الأوروبية ونشرها فى العالم. شعر الأوروبيون بمدى حماس الناقد الكبير للسينما التى يقدمونها وأحست المفوضية بأنه أحد أولئك الشخوص الذين تحدث عنهم الناقد كمال القاضى، فى الموقف العربى قائلا: انطوت الحقيقة على وقائع مرة ترجع إلى لعبة البيزنس الكبرى بين المفوضية الأوروبية التى تدعم أنشطتها الثقافية السياسية عبر شخوص تثق فى قدراتهم الفنية والإعلامية فأوكلت إليه مهمة التنظير والتبشير بالثقافة الأوروبية الوافدة من بلاد الثلج بالطبع كان القاضى يشير إلى قيام مؤسسة كادر بتمويل من المفوضية الأوروبية وبرئاسة سمير فريد والذى أعلن أن المؤسسة ستنظم أربعة مهرجانات فنية سنويا!! بدأت المؤسسة نشاطها بمهرجان سينمائى حمل اسم حوار الثقافات وبالإضافة إلى المغزى السياسى الطاغى للعنوان فقد تم اختيار يوم 11 سبتمبر 2006 لحفل الافتتاح وهو الأمر الذى بدأ يؤكد ذلك التقاطع بين فكر القائمين على المؤسسة ورؤى الغرب السياسية، استكمال المشهد ذى المغزى جرى مع أزمة فيلم الافتتاح الذى كان من المفترض أن يضم 11رؤية سينمائية لأحد عشر مخرجا عن أحداث 11/9، وكان من بين تلك الرؤى عمل إسرائيلى إخراج عاموس جيتاى أصرت مؤسسة كادر على عرضه بدعوى أنه لمخرج يؤيد حقوق الفلسطينيين فى الوقت الذى أمر فيه فاروق حسنى وزير الثقافة بمنع عرض العمل باعتباره محاولة للتطبيع، ثارت ثائرة بعض أعضاء كادر ومنهم المخرج يسرى نصر الله، وأصروا على اتخاذ موقف صارم.. إما عرض ال 11 رؤية بما فيها فيلم جيتاى أو عدم عرضها جميعا وهو ما جرى فى النهاية حيث لجأت كادر إلى عرض العمل كاملا متضمنا الفيلم الإسرائيلى فى مكتبة الإسكندرية فى ظل تحمس رئيسها د.إسماعيل سراج الدين لفلسفة كادر! الأهم أن جميع الأعمال التى تم عرضها من خلال مهرجان حوار الثقافات أدانت العنف والحرب بشكل مطلق وانسحب ذلك على التحفظ على جميع أشكال المقاومة الإسلامية سواء فى كشمير أو الشيشان وغيرهما.. إلا أن كادر أحجمت بالقطع عن اختيار أى عمل سينمائى يدين المقاومة الفلسطينية!. أما المهرجان الثانى والذى أقامته كادر تحت عنوان سينما المرأة فقد اختار هو الآخر فيلما بعنوان أسامة أفغانى ليتصدر أعمال المهرجان منتقدا تشدد فكر وسلوك طالبان وبن لادن. المفارقة أن تعالى صوت كادر للمطالبة بنشر التسامح والعفو مع الآخر فيما كان العرب يتابعون يوميا أنباء سقوط شهدائهم فى فلسطين ولبنان على أيدى الصهاينة وفى العراق على أيدى المارينز من الأمريكيين، والعرب مما دفع أقلاما غيورة مثلما فعل الزميل ماهر زهدي- إلى اتهام سمير فريد رئيس كادر بأنه صار واحدا من أولئك المارينز العرب وهو بالمناسبة مصطلح جديد فسره المفكر فهمى هويدى بأنه يشير إلى أشخاص يعيشون بيننا لكنهم يقفون فى معسكر الضد لمقاصدنا وأحلامنا، وبرأيى أن سمير فريد ورفاقه هم المسئولون عن منح الفرصة لتلك الأقلام لاتهامهم بتلك الاتهامات القاسية.. ببساطة لأن تقاطع أفكار وأهداف ونشاط كادر مع سياسة المفوضية الأوروبية لم يحدث على أرض ثقافية وإلا لاقتصر جهد كادر على تقديم الأعمال الأوروبية أو غير الأوروبية على أسس فنية محضة وليس استنادا إلى مرجعية أفكار سياسية تشكل أخطر أهداف الأوروبيين المتصلة بمنطقة الشرق الأوسط وتتمثل أولا فى تهدئة الأوضاع المتفجرة بسبب الصراع العربى الصهيونى عبر محاولة فرض استقرار مجانى عبر تغيير ثقافة المقاومة لدى العرب والاستعاضة عنها بمفاهيم التسامح وقبول الآخر دون اشتراط التوصل إلى أية تسوية تمر حتما عبر الضغط على الطرف الآخر الأقوى للتسليم بأقل الحقوق الفلسطينية، وهناك هدف ثان يرتبط باستئصال جذور الفكر الدينى المتشدد ذات الصلة الوثيقة بالسلوك المقاوم بالأرض المحتلة كما أنها مثير تاريخى لهواجس الغرب ومخاوفه وتتجسد آليات تحقيق هذا الهدف هو الآخر فى نسخ مفاهيم الجهاد والمقدس والشهادة إلى آخره لتحل محلها قيم مطلقة تجريدية كحب الحياة والسلام والعفو، إننى لا اتهم كادر بالعمالة بل إننى أصدق أبناءها حينما يؤكدون أنهم لا يقصدون التواصل مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، فقد صار مفهوما تماما أن مقصدهم أوروبا إلا أن الأمر لم يعد مجرد محاولة للتواصل الثقافى وإنما تنفيذ واضح لأجندة سياسية مناهضة لمصلحة الوطن وهو الأمر الذى مازلنا نأمل فى تراجعهم عنه احتراما لوطنهم ولتاريخهم. العربي المصرية في 18 مارس 2007
|