فيلم «اسم متشابه» للهندية ميرا نائير الإبداع النابض من عمق البساطة نديم جرجورة |
صفحات خاصة
|
بدأ، أمس الأول الخميس، العرض المحلي لفيلم «اسم متشابه» (ترجمة للعنوان الإنكليزي: "namesake") للمخرجة الهندية ميرا نائير في صالة «سينما 6 صوفيل» (الأشرفية). هذه متعة بصرية يُمكن لمحبّي السينما الجميلة أن يشاهدوا فيها «نقاء» سينمائياً بديعاً. أقول النقاء، وأعني بهاء الصورة واللغة والنصّ والمادة الدرامية (التي يُمكن أن تكون عادية ومتداولة، فهي ليست خاصّة، والفيلم لم يتفرّد بطرحها وأسلوب المعالجة وأداء الممثلين ورسم الشخصيات والعلاقات الإنسانية والحضارية والاجتماعية بين ثقافتين متناقضتين. أقول النقاء، وأعني قدرة الفيلم على منح المرء فرصة الإبحار في الجماليات الفنية والإنسانية معاً، على الرغم من أن المأزق الإنساني عنيفٌ في مواجهته القدر. والنقاء ليس حكراً على الفيلم الجديد هذا، بل على عدد من الأفلام المعروضة حالياً في الصالات اللبنانية، والتي يُمكن أن تُعرض قريباً. ذلك أن المشهد السينمائي اللبناني يُقدّم لمحبّي السينما، منذ أسابيع قليلة، تنويعاً لافتاً للنظر، وغنياً بمعطياته الفنية والجمالية القابلة لنقاش نقدي سوي: «امبراطورية إنلاند» لديفيد لينش و«فتيات الحلم» لبل كوندون و«الملك الأخير لاسكتلندا» لكيفن ماكدونالد و«المرحّلون» لمارتن سكورسيزي مثلاً، بانتظار «داليا السوداء» لبريان دي بالما وفيلمي كلينت إيستوود «رايات آبائنا» و«رسائل من إيو جيما». إطلالة جميلة تأتي المخرجة الهندية ميرا نائير لتضيف، بفيلمها هذا، إطلالة سينمائية جميلة على مآزق الفرد وصراعاته اليومية في عالم متغيّر (أعوام طويلة من السرد التاريخي بدءاً من السبعينيات المنصرمة). تختار حكاية تقليدية (الهجرة إلى الولايات المتحدّة، قبل جريمة الحادي عشر من أيلول وبعيداً عن تداعياتها وآثارها المختلفة، والصراع الإنساني بين ثقافتين وحضارتين وتربيتين اجتماعيتين)، كي ترسم لوحة بصرية بإيقاع هادئ يعكس عمق الغليان في الذات، وكي تروي بعضاً من سير أناس ذاهبين إلى اكتشافاتهم الجديدة في هذا العالم نفسه. تحيك النسيج الاجتماعي والإنساني بعمق ثقافي وانفعالي صادم، وتذهب إلى الأعماق كلّها كي تنبش منها تلك الحكايات الصغيرة والبسيطة التي تصنع مساراً حياتياً غنياً بالتجارب والمغامرات. ترتكز على «المعطف» لغوغول (ليس في كتابة النصّ السينمائي، بل في يوميات الشخصية الرئيسة والعالم الإنساني الذي يبنيه تدريجاً منذ نجاته من الموت)، كي تفتح نوافذها الخاصّة من داخل بلدها إلى رحاب الدنيا. فهي، بروايتها سيرة شاب هندي درس في الولايات المتحدّة وتزوّج بنغالية وعاش معها في الغرب الأميركي، سعت إلى تبيان مكامن الصراع الثقافي بين مجتمعين مختلفين، من دون أن تُغرِق فيلمها في هذيان الخطابية الساذجة والحكم المسبق، بل بحسن استخدامها الصُوَر المعبّرة والحوارات المعجونة بالتفاصيل التي تسلّط ضوءاً على لحظة أو لقطة أو حكاية ما بمواربة خفية. وهي، بانتقالها الدائم بين زمنين (الماضي والحاضر) ومجتمعين (الهند والولايات المتحدّة) بخفّة جميلة وسرد درامي مشوّق، حوّلت القصّة التقليدية إلى مناخ إنساني مفتوح على الأسئلة التي تصنع يوميات المرء وعلاقاته بذاته وبالآخرين. لم تكن حكاية آشوك غانغولي (إرفان خان) مختلفة عن حكايات كثيرين واجهوا الموت وبدأوا، بعد نجاتهم منه، حياة جديدة ومختلفة. لم تكن حكاية آشيما غانغولي (تابو) مميّزة أو خاصة، لأنها تشبه حكايات كثيرات وجدن أنفسهنّ في زواج مدبّر، وفي غربة مطلقة عن البيئة التي عشنَ فيها طويلاً، قبل أن يتدرّبن على ممارسة حياة مختلفة لا تنفصل عن الجذور ولا تعاند في اكتشاف الجديد. لكن المميّز في فيلم «اسم متشابه» كامن في أسلوبه المبسّط في رواية التفاصيل، وفي متابعة التطوّر الإنساني والاجتماعي الذي عاشته الشخصيات كلّها، بأشكال مختلفة. فالأسلوب المستخدم جمع قوة التعبير البصري المفتوح على دلالات ورموز بالكلام المكثّف القادر على الاختزال بدل الوقوع في التنظير المملّ. والمناخ عابقٌ بتلك الجمالية التي صوّرت سحر الشرق ومادية الغرب من دون افتعال أو تصنّع أو ادّعاء. في حين أن الأداء التمثيلي ساهم في بلورة العلاقة القائمة بين الكاميرا والممثلين والشخصيات المكتوبة بسلاسة وعمق إنساني واضح، وفي تحسين شروط النصّ البصري. لهذا كلّه، تحوّل الفيلم الأخير لميرا نائير من مجرّد احتفال بجماليات الصُوَر والسرد الدرامي (وهذا حسن بحدّ ذاته)، إلى تمرين بصري على كيفية ابتكار الإبداع من عمق البساطة والهدوء (وهذا جميل في إعادة صوغه المشاعر والعلاقات والسلوك). السفير اللبنانية في 17 مارس 2007
|