سينماتك

 

فيلم «تسلل  Offside »

للمخرج الإيراني الشهير جعفر بناهي

«اللعب في الممنوع».. بين منتخب البحرين ومنتخب إيران

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

تأسست شهرة المخرج الإيراني الشهير جعفر بناهي منذ أن بدأ يخرج الأفلام بنفسه قبل أكثر من 15 عاما، وبعد أن عمل فترةً، مساعدا للمخرج الإيراني الأشهر عباس كياروستامي. ولعل شهرة بناهي قد تضاعفت في العالم الخارجي بعد أن منعت الحكومة الإيرانية، الفيلمين الأخيرين من أفلامه وهما ‘’الدائرة’’ ‘’The Circle’’ و’’الذهب القرمزي’’ ‘’Crimson Gold’’ بسبب ما رأته من إشارات اعتبرتها انتقادات للنظام الحالي، وكما كتب المحرر السينمائي في موقع ‘’بي بي سي’’ الالكتروني ‘’ ان أبرز ما يميز الأسلوب السينمائي لبناهي منذ فيلمه الروائي الأول ‘’البالون الأبيض’’ The White Baloon الذي أخرجه عام ,1992 هو الطابع التسجيلي لأفلامه، والاعتماد على ممثلين غير محترفين وبالتالي على قدر من الارتجال أثناء التمثيل، وعلى التصوير الخارجي المباشر، والكاميرا المتحركة المحمولة على اليد، والقدرة المدهشة على التقاط التفاصيل من وحي اللحظة، ودون تخطيط مسبق في السيناريو’’.

وقد تبدت كل هذه المعالم المميزة لطريقة بناهي في فيلم ‘’تسلل’’ او ‘’Offside’’ الذي يقوم على تصوير حدث أثناء حدوثه في الواقع على مدار يوم كامل، ودون وجود سيناريو تفصيلي محدد، وينطلق من حدث بسيط لكي يناقش قضية مركبة متعددة الأوجه هي قضية الحرية. والحدث يدور في عام 2005 أثناء مباراة كرة القدم بين المنتخب الإيراني ومنتخب البحرين، وهي المباراة الفاصلة التي كانت نتيجتها ستحدد المنتخب الذي سيصعد لنهائيات كأس العالم في ألمانيا في العام التالي. وقد انتهت نتيجة المباراة كما هو معروف بفوز منتخب إيران 1- صفر.

يستخدم بناهي أجواء المباراة لكي يصور كيف تتسلل فتاة إيرانية رسمت على وجهها ألوان العلم الإيراني في محاولة لإخفاء ملامح وجهها الأنثوي، كما ارتدت سراويل الرجال ووضعت فوق رأسها قبعة لعبة كرة البيسبول الشهيرة. وهي تتمكن من شراء تذكرة من السوق السوداء بأربعة أضعاف ثمنها، وتحاول النفاذ مع المشجعين عبر البوابة لكن الشرطة تضبطها وتلقي القبض عليها، فالسلطات الإيرانية تحظر على الفتيات والنساء حضور مباريات كرة القدم. ونكتشف بعد قليل، بعد أن يقتادها جندي إلى مكان منعزل خارج المدرجات، أن هناك 6 فتيات أخريات غيرها سبقنها، بعد أن تنكرن في ملابس الرجال، ومنهن واحدة تخفت في ملابس جندي من جنود الجيش. الفتيات الست لكل منهن بالطبع حكاية: هناك من فقدت صديقا لها في حادث انهيار مدرج في الاستاد نفسه قبل سنوات وجاءت لكي تحيي ذكراه، وهناك تلك التي تمارس لعبة كرة القدم وترغب في مشاهدة مباراة فريق بلدها القومي، وهناك التي غافلت والدها وتسللت داخل الملعب.. وغيرهن.

الفتيات يعبرن عن أشد أنواع الاحتجاج، ويعربن بوضوح عن حقهن المشروع في مشاهدة المباراة، ويأخذن في الإلحاح على الجنود أن يتركوهن يشاهدن المباراة التي أوشكت أن تبدأ. ولكن الجنود الذين يقومون بحراسة الفتيات ‘’المخالفات’’ إلى حين حضور الضابط الذي سيقودهن إلى قسم الشرطة، لا يقلون إحساسا بالقهر عن الفتيات. وهم ضحايا لظروفهم الحياتية، فهم يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، مضيفا أنه إذا ترك الفتيات يذهبن فسوف يعاقب بتمديد مدة خدمته لسنوات أخرى!

وهو يرتجف ويشعر بأن السماء انطبقت على الأرض بعد أن تذهب إحدى الفتيات إلى دورة المياه لقضاء حاجتها، لكنها لا تعود بعد أن تغافل حارسها وتذوب في الزحام. لكن الفتاة سرعان ما تعود التزاما بوعدها الذي قطعته على نفسها للجندي. مشهد دورة المياه صوره بناهي بعبقرية حقيقية في إخلاصه الشديد لكل مبادئ السينما التسجيلية، فالمشهد يدور داخل دورة حقيقية في الاستاد مخصصة بالطبع للرجال. ويتولد عن الدراما المأساوية الساخرة حس كوميدي لا يمكن إغفاله طوال الفيلم. وتصر الفتيات على أن يقدم لهن أحد الجنود وصفا تفصيليا للمباراة من حيث يقف. ولا شك أن المخرج يترك العنان هنا للممثلات من غير المحترفات، للتعبير الحر المتدفق الذي يعكس بحرارة واضحة ما يجول في داخلهن من تمرد وغضب واحتجاج على ما هو قائم من تفرقة. وينجح المخرج في خلق إيقاع متدفق مشحون، على رغم محدودية المكان، كما يستفيد استفادة درامية هائلة من شريط الصوت الحي: أصوات المشجعين وزئيرهم في المدرجات كخلفية قريبة مدوية تضفي على الصورة ديناميكية لا شك فيها.

في الحافلة التي تنقل الفتيات إلى قسم الشرطة، يرضخ جندي لمطلبهن فيدير المذياع للاستماع إلى ما تبقى من المباراة. وعندما تنتهي المباراة بالفوز، تتحول الفرحة إلى هستيريا احتفالية تملأ الشوارع والساحات. ونكون قد انتقلنا من الملعب إلى وسط المدينة، ومن النهار إلى اللي.  ويستعيد الجمهور الذي يملأ شوارع طهران النشيد الوطني القديم، وهو نشيد كان قد ظهر كلحن في الأربعينيات من القرن الماضي، واستُخدم في إيران في الفترة ما بين مغادرة الشاه البلاد عام 1979 وقبل إعداد نشيد وطني جديد للجمهورية الإسلامية. والدلالة التي يشير إليها استخدام هذا النشيد أن الجماهير الإيرانية تستلهم هنا الروح الوطنية المباشرة، فكلمات النشيد القديم لا تحوي أي مضامين سياسية أو عقائدية بل يتغنى بإيران الوطن. ويستخدم بناهي كاميرا واحدة محمولة على اليد، تأكيدا على واقعية الصورة، كما يستغل المصدر الطبيعي للضوء إلى أقصى درجة، وفي إطار جمالي رقيق.

الوقت البحرينية في 17 مارس 2007