«نصف القمر» فيلم جديد لبهمن قوبادي... رحلة العبور إلى الحرية وقد تكلَّلت بالموت هوشنك أوسي |
صفحات خاصة
|
بات المخرج الكردي الإيراني، بهمن قوبادي، السينمائي الأشهر والأكثر رواجاً، ليس في إيران وحسب، بل في عموم أجزاء كردستان، للنجاحات والجوائز العالمية التي حصدتها أفلامه، لتمتعه بالحسِّ الفني العالي المرهف، في التعبير عن قسوة المعاناة التي يعيشها الأكراد سينمائياً، بمعالجة بصرية منحازة إلى الغوص في دقائق الأمور، الى درجة الإدهاش والتأمُّل، بعيداً من الملل والتثاؤب. ولفت قوبادي الانتباه العالمي الى موهبته كطاقة سينمائية مبدعة، بعد أن حققت أفلامه: «زمن الجياد الثملة» و «معزولون في العراق» و «السلاحف يمكنها الطيران»، نجاحاً، فاق التوقُّع، حيث حصل «زمن الجياد الثملة» على جائزة «الكاميرا الذهبية» في مهرجان «كان» السينمائي سنة 2000. وعرض فيلمه الجديد، الرابع «نصف القمر» في مهرجان روتردام السينمائي الأخير، وحصد ذهبية مهرجان سان سيباستيان السينمائي في الدورة 54، إلى جانب جائزة النقد وأفضل فوتوغرافيا. لا يخرج هذا الفيلم عن النسق التي اعتمده قوبادي في أفلامه السالفة، عبر تناول مأساة توزُّع الأكراد على بلدان عدَّة، وكيف أن حدود هذه البلدان مزَّقتهم ومزَّقت وطنهم، وما نجم عن هذا الواقع الأليم، من هموم معيشية يومية، غاية في الصعوبة، بخاصة، في المناطق الحدودية الوعرة، غير أنه أضاف الى هذا الفيلم الجديد مسحة من الخيال، أكسبته شفافيةً وشاعريةً وعمقاً صوفياً. أمَّا قصة الفيلم، فتدور حول رغبة موسيقي كردي مُسنّ، اسمه «مامو»، في السفر مع أسرته التي تشكِّل فرقته الموسيقية، من كردستان إيران إلى كردستان العراق، ليقدِّم ألحانه، في مهرجان كبير، عقب انهيار النظام العراقي السابق، بعد نيله موافقة السلطات الكردية على استضافته وفرقته في الإقليم. امرأة على الطريق «كاكو»، وهو ابن «مامو» يؤمِّن حافلة قديمة، يستعيرها من صديقه، ويبدأ بجمع أخوته. ولكن يضطر «مامو» لإخفاء مغنيته الوحيدة في الفرقة «هشو»، أثناء السفر، لأن ممنوع على المرأة الغناء في إيران. وفي الطريق تصادفهم الكثير من المفارقات والأحداث الدراماتيكية، غير المتوقَّعة، حيث يتعرضون للسرقة، وتجبر الشرطة بعض الأبناء على العودة، بحجة عدم حصولهم على إذن بالسفر، وتمنع المغنية من السفر، ثم يأتي مصادرة وتحطيم حرس الحدود لآلاتهم الموسيقية. والأشد إيلاماً وخيبة، هو معرفة «كاكو» بأن الكاميرا التي استعارها من أحد الأصدقاء، وصوَّر بها مجريات الرحلة، كانت لا تحتوي شريطاً. ومع هذا يبقى «مامو» مصرّاً على إتمام الرحلة، بغية تأمين مغنِّية أخرى وآلات جديدة، فيتجهون إلى قرية يسكنها موسيقي عجوز، هو صديق قديم لـ «مامو»، لكن، حال وصولهم الى القرية، يشاهدون سكان القرية يهمُّون بدفن الموسيقي المسن. «مامو» يشك بأن صديقه ما زال حياً، وأن حراكاً دبَّ في جسد، الموجود في الحفرة، بفعل موسيقى عذبة آتية من السماء، سمعها «مامو»، فيلح على الطبيب أن يخرج صديقه من القبر، وفحصه، ويستجيب الطبيب لطلبه، لكن دون جدوى. فيبدأ اليأس يكبس على أنفاس «مامو»، شاعراً بلا جدوى الحياة، بعد أن ذهب حلمه أدراج رياح «الاستبداد». مسائل شائكة عالج قوبادي قضايا إنسانية، غاية في الأهمية، أثناء طرحه لحلم «مامو» في عزف ألحانه على جزء من وطنه المحرر، وإصراره على تحقيق هذا الحلم. فإلى جانب التطرق للهم القومي الكردي، في شكل غير مباشر، تناول قوبادي قضية الصراع بين الطموح الجامح وعراقيل الواقع ومنغصاته، وبين الأمل واليأس، وقضية الرحيل نحو الحرية في كردستان العراق، والمفقودة على الطرف الآخر من الحدود، والذي قد ينتهي بالموت. وقضية الاستبداد الحاكم في إيران، خصوصاً حيال حقوق المرأة، ومسألة الخوف من مداهمة الموت، الذي يضع حداً لأي بصيص ممكن لتحقيق المبتغى، وفكرة أن الموسيقى هي ترياق الحياة، وذلك، أثناء سماع «مامو» للموسيقى النورانية، وظهور «المرأة الملاك» له، في أحلك لحظات اليأس لديه. وذلك إلى جانب قضايا إنسانية أخرى، متوخِّياً عدم المباشرة، التي يقع فيها الكثير من المبدعين الكرد. واستطاعت عدسة قوبادي «القنَّاصة»، وذائقته الحساسة المرهفة، توظيف سحر الموسيقى الكردية، وجمال طبيعة كردستان وقسوتها لمصلحة فكرة الفيلم، عبر مشاهد ضمن الطبيعة الجبلية الوعرة، في كافة الظروف المناخية كلها، إلى درجة يمكن القول: إن الطبيعة والموسيقى الكرديتين، كانتا بطلتين حقيقيتين من أبطال العمل. ذكر قوبادي إنه استلهم فكرة فيلمه من آخر مقطوعة موسيقية لموتزارت، المسماة «قدَّاس جنائزي». والجدير ذكره هنا، ان السلطات الإيرانية منعت عرض الفيلم في إيران، بحجَّة انه يحرض الأكراد على الانفصال عن إيران، ما نفاه قوبادي ذاكراً أنه لو كان يعلم أنهم سيمنعون فيلمه، لصوَّره، بعيداً من الرقابة الذاتية. مشيراً إلى ان قنوات التلفزة الإيرانية، لا تعرض أفلامه، لأنها باللغة الكردية، على عكس القنوات العراقية.وعن نزوع الشباب الكردي نحو السينما، نتيجة ما حققته أفلامه من رواجٍ عالمي للسينما الكردية، يقول قوبادي: «سابقاً، كانت الأيدي في كردستان إيران، تشتاق الى البنادق، لكن الصورة تبدلت، فالأيدي بدأت تتناقل الكاميرات. الكاميرات أصبحت أعظم سلاح ثقافي في عصرنا». الحياة اللندنية في 16 مارس 2007
|