سينماتك

 

رحلة من العذابات لثلاثة أبطال شباب    فيلم أحلام يؤرخ لعراق ما بعد صدام

عبد الرحمن الماجدي من أمستردام:

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

أثار فيلم "أحلام" للعراقي المقيم في بريطانيا محمد الدراجي تجاوبا طيبا من قبل متابعين ونقاد خاصة في الغرب حيث عرض الفيلم في معظم المهرجانات العالمية. وهو وإن لم ينل جوائز كثيرة لكن ما حملته قصة الفيلم والمشاهد التي ضمنها الدراجي اول افلامه الروائية تركت لدى المشاهد انطباعا إنسانيا مرهفا حول معاناة العراقيين قبل وبعد سقوط نظام صدام حسين. وقد اعتبر الفيلم نموذجا للمعاناة الانسانية فعرض مؤخرا في روتردام باقتراح من منظمة حقوق الانسان وحظي بتقدير الناشطين الحقوقيين.

فيلم أحلام يدور حول ثلاث عوائل بغدادية لا يربط بين ابطالها اي رابط سوى تقاسم المعاناة بينهم. غير ان تطور قصة الفيلم تجمع هؤلاء الابطال في مستشفى الامراض العقلية لسبب واحد وهو النظام السياسي في البلاد. فالبطل "علي" الذي جسده بشير الماجدي المجند الاجباري في نقطة مراقبة قرب الحدود السورية يلقى القبض عليه بتهمة الفرار من ارض المعركة قبيل سقوط النظام باشهر حيث كان يحاول إنقاذ صديقه الجريح فينتهي الى المصح العقلي بعد معاقبته بقص أذنه.

ومثله احلام الطالبة الجامعية (أسيل عادل) التي يتنهي بها الحال في المصح ذاته بعد اعتقال حبيبها أحمد في ليلة زفافهما لارتباطه بتنظيم سري يرتبط بالزعيم الديني محمد محمد الصدر؛ اذ يسلط الفيلم لقطة على نشاط أتباع الصدر قبل سقوط النظام. لكن اداء (احمد) كزعيم لمجموعة إسلامية مناوئة للسلطة لا يوحي من حيث مظهره وحواراته بما اراد الفيلم ان يوصله للمشاهد اضافة الى ضعف ادائه التمثيلي المبالغ به. فينتهي المقام باحلام بفستان الزفاف نزيلة المصح.
ومعهما الدكتور الجديد الشاب مهدي (محمد هاشم) الذي حرمه اعدام والده بسبب انتمائه إلى الحزب الشيوعي العراقي من إكمال دراسته الطبية العليا، فكان وجوده في المصح العقلي كطبيب عقوبة له كابن لاحد المعدومين ومعينا للبطلين احلام وعلي.

لكن نشوب الحرب عام 2003 تسبب بإنقاذ احلام من شهوة مدير المستشفى الجنسية (بهجت الجبوري) بتعرض بناء المستشفى للقصف لكنه تسبب ايضا بهروب عدد كبير من النزلاء (بينهم أحلام وعلي) وقتل بعضهم الاخر. وكان على الدكتور مهدي عناء اعادة الهاربين وحماية المصح من النهب والسلب.

اداء الابطال الثلاثة تفاوت بشكل واضح. فكان (علي) الذي نال جائزة افضل ممثل ثانوي في مهرجان قرطاج يستحق الثناء، ويبدو ان تميز هذا الممثل تأتى من تماهيه مع الدور المسند له واقترابه مما ناله من سجن ابان فترة النظام السابق نحو 12 عاما وفق ما صرح به مؤخرا. تلته (أحلام) التي امتاز اداؤها للدور صعودا وهبوطا في بعض الاحيان ثم (الطبيب مهدي) الذي ربما وجد حريته على المسرح بشكل اكبر قبل ان يعتاد على السينما بوصفها القادم الجديد للواقع الفني العراقي.

الفيلم اعتمد على كادر معظمه لم يكن محترفا للتمثيل بل ادخلهم المخرج في دورة تدريبية قصيرة باشرافه لمدة اسبوع.

وهو ما اثر في اداء هذا الكادر لجهة المبالغة في حركة الجسد حتى اصابت تلك المبالغة الممثلين المحترفين بالعدوى مثل بهجت الجبوري (مدير المصح) وطالب الفراتي (والد احلام) الذي توفى بنوبة قلبية اثناء إنهاء المراحل الاخيرة من الفيلم. ويمكن إرجاع سبب اداء هذين الممثلين لكونهما ممثلين تلفزيونيين ومسرحيين اساسًا. ولعدم شيوع صناعة السينما في العراق والتعامل مع الكاميرا السينمائية كما هو الامر مع كاميرا التلفزيون او الفيديو. ولقلة سنوات خبرة المخرج السينمائية.

لكن ذلك كله لم يمنع من تقديم قصة سينمائية عراقية لافتة تنطوي على جانب من الإثارة وجوانب كثيرة من الشد

النفسي من خلال عذابات الابطال المتواصلة، وتسليط لقطة مكبرة على فترة من تاريخ العراق. على خلاف فيلم (غير صالح) لعدي رشيد اول فيلم عقب سقوط النظام الذي اعتمد على سكيتشات لا رابط بينها وفوّت على المشاهد وعلى نفسه توثيق لحظات مهمة مرت بها بغداد والعراق كله. وهو ما تنبه له محمد الدراجي في فيلم احلام حيث ارخ فترة سقوط النظام وما قبلها خلال قصة سينمائية وقعت احداثها فعلا في بغداد تمكن المخرج من جمعها معا. فالفيلم يدور زمنيا في ثلاثة ايام من شهر نيسان 2003 معتمدا على العودة بذاكرة ابطاله للخلف (فلاس باك) لينتهي منفتحا على العراق الجديد وما حصل فيه منذ عام 2003 حتى يومنا هذا مستشرفا مشاهد الجثث في أحياء بغداد والقنص العشوائي من قبل ميليشيا فدائيي صدام سابقا التي توزع مقاتلوها في ميليشيات متعددة بعد سقوطه.

وقت الفيلم 110 دقائق تخلل بعض مشاهده تطويلا لا فائدة منه تسبب بترهل تلك المشاهد بما فيها مشهد نهاية الفيلم.

وتميزت مشاهد الفيلم الخارجية عن مشاهده التي صورت داخليا بتلقائية الأداء. وقد نجح المخرج، وهو مصور في الاساس، باقتناص لقطات حية تلقائية في توظيفها في الفيلم.

المخرج جمع في بداية الفيلم الابطال الثلاثة في زورق يعبر دجلة دون ان يعرف احدهم الاخر اراد ان يوحي بان العراق هو هذا الزورق المترنح في دجلة الذي انتهى الفيلم بمشهد طويل له وقد لاذ بجانبيه الشجر ودخان الحرب.

ثمة تساؤل ان كانت الادانة الكبيرة التي يحملها الفيلم لنظام صدام حسين حول ما حصل ويحصل في العراق سببا في عدم عرضه في دور السينما العربية؟

فيلم محمد الدراجي (أحلام) حمل الرقم 101 في السينما العراقية. انها الصدفة الجميلة التي وضعت الفيلم في هذا الرقم الفاصل بين زمنين متفاوتين. لعله يجلب للسينما العراقية تجارب تختلف عما كانت عليه ولم يبرز منها لحد الان سوى صمت او انتقاد فحسب.

almajedi@elaph.com

نشر في إيلاف دجتال يوم الخميس 15 اذار 2007

موقع "إيلاف" في 15 مارس 2007