سينماتك

 

الصحافة فى المغرب

تراكم النقد على القليل من الأعمال الفنية

د. جميل حمداوى *

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

إذا كانت تجربة الإبداع السينمائى المغربى حديثة، فإن تجربة النقد المغربى السينمائى كذلك حديثة ارتبطت بالأندية والجمعيات السينمائية أو الجامعة الوطنية للأندية السينمائية أو الملتقيات والمهرجانات المحلية والوطنية والدولية، ويمكن كذلك القول بأنها ارتبطت بالجامعة والمعاهد الثقافية ومستلزمات الإعلام والصحافة.

ويلاحظ على النقد السينمائى المغربى أنه تغلب عليه الكتابة الصحفية التى ترصد الأفلام بطريقة موجزة ومبتسرة دون احترام خصوصيات الكتابة السينمائية أو قواعد الجنس. لذلك نرى أن كل ما كتب فى الجرائد والمجلات مقالات تهتم بسرد الحكاية وتأويلها حسب معتقدات الكاتب وانتماءاته السياسية أو الحزبية أو التعريف بالمخرج أو الممثل وذكر صيته فى مجال السينما. أى أن هذه المقالات تنصب على تلخيص الأفلام وتأويلها حسب مقاصد وإيديولوجيات معينة أو الاقتصار على حوارات مع بعض المخرجين والممثلين دون الاهتمام بالجوانب الفنية والأسلوبية والتقنية والجمالية.

وقد حقق هذا النوع من الكتابة الصحافية تراكما كميا أكبر من الإنتاج السينمائى نفسه، ويمتاز كذلك بالانطباعية والتسرع فى تعميم الأحكام والافتقار إلى القراءة الفيلمية الممنهجة واللجوء إلى مقاربة هذه الأعمال السينمائية على ضوء مفاهيم النقد الأدبى دون تشغيل مفاهيم السينما وأدواتها التقنية وهذا راجع إلى كون هؤلاء الدارسين هواة وصحافيين وليسوا متخصصين فى مجال الفن السابع.

وعلى الرغم من ذلك، فهناك مؤلفات وكتب حاولت مقاربة السينما ولكن من وجهات منهجية مختلفة "ببليوغرافية- تاريخية- فنية- قراءة فيلمية- فلسفية- انطباعية- إيديولوجية...".

ومن أهم هذه الكتب النقدية نذكر على سبيل التمثيل:

1- الخطاب السينمائى بين الكتابة والتأويل لمحمد نور الدين أفاية "1988".

2- موقع الأدب المغربى من السينما المغربية لخالد الخضرى "1989".

3- السينما بالمغرب لمولاى إدريس الجعيدى "1991".

4- دليل المخرجين المغاربة لخالد الخضري"1999".

5- المغرب السينمائى "معطيات وتساؤلات" لأحمد سيجلماسى "1999".

6- سينما البلدان النامية لعز الدين الخطابى وعبد الإله الجواهري، "2000".

7- السينما المغربية:الواقع والآفاق "رصد نظرى لمظاهر الأزمة: دراسة تطبيقية" لإبراهيم أيت حمو"2001".

8- أبحاث فى السينما المغربية لمصطفى مسناوي"2001".

9- مادة التعبير الفيلمى لبوبكر الحيحي"2003".

10- سيناريو المدينة لعبد العزيز فيلالى صدوق وعبدالحفيظ حمدوش"2003".

11- دراسات فى السينما لبشير قمري"2005".

12- لعبة الظل- لعبة الضوء- كتابات سينمائية لعز الدين الوافى "2005".

وكان عز الدين الوافى حاول فى كتابه "لعبة الظل- لعبة المرايا" وضع مقاربة فيلمية لمجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة.

ويقع الكتاب فى أكثر من مائة صفحة من الحجم المتوسط الجيبي. وينقسم إلى مقدمة وفصلين.

فى المقدمة، يحدد الكاتب منهجيته فى القراءة التى تتمثل فى المقاربة الفيلمية الراصدة للجوانب الموضوعاتية والجمالية والتقنية بعيدا عن الانطباعية والارتجالية فى إصدار الأحكام.

المقاربة الفيلمية هى خلاصة مناهج عدة: سيميائيات وبنيوية ونقد أدبى وتواصل جماهيرى وعلم نفس وعلم اجتماع.. أى أنها تدرس المحكى كصورة مرئية مشخصة فى لقطات فيلمية مؤطرة encadrée، كما تستعين بالحوار والموسيقى والتشكيل البصرى والنحت والصباغة ووسائل الإعلام المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة. ويستلزم هذا أن ندرس الأفلام من وجهة سينمائية بعيدا عن الإيديولوجيا والقراءات الذاتية والانطباعية.

وينبه الكاتب إلى أن السينما مهما كانت فردية "الشاشة الصغيرة" أو جماعية "الشاشة الكبيرة"، فنا أو تجارة أو صناعة فلا بد أن تكون جادة وهادفة فى أبعادها الجمالية والموضوعاتية والتقنية. كما يطمح الكاتب إلى سينما عربية ذات جودة عالمية وذات فنية تقنية متميزة، وخصوصيات متفردة فى وسط المدارس والاتجاهات السينمائية العالمية.

وتستحضر المقاربة الفيلمية كما هو معلوم بيداغوجيا ثلاثة عناصر أساسية، وهي:

1- كتابة السيناريو: تحويل الأفكار والمشاعر والقصة اللفظية إلى صور ولقطات مرئية عن طريق التقطيع "الديكوباج".

2- مرحلة التصوير: تسجيل الصور المرئية على شريط الفيلم.

3- مرحلة المونتاج: مرحلة توليف اللقطات والمتواليات الفيلمية

ويمكن قراءة النص الدرامى فيلميا من خلال ثلاثة أبعاد متكاملة تجمع بين مفاهيم النقد الأدبى والتقنيات السينمائية على هذا النحو:

1- قراءة المحكى الفيلمي:

ويتم التركيز على هذه العناصر التالية:

- البنية الدرامية وتأثيراتها.

- الزمن.

- الفضاء.

- وجهات النظر أو التبئير الفيلمي.

- الشخصيات أو الممثلون.

- الحوارات.

- النص الموازى "العناوين، العناوين الفرعية....".

- المقاطع-المفاتيح: البداية، العرض، النهاية...

2- القراءة الأسلوبية:

- تنظيم الصور.

- المونتاج.

- تنظيم العناصر الصوتية "ضجيج، موسيقى، كلام".

- العلاقة بين الصورة والصوت.

- نوع السجل وتنغيمه "ملحمي، هزلي، درامي....".

- مظاهر الجنس ومكوناته وسماته.

3- قراءة السياق والتناص:

- حياة المخرج وأعماله.

- موقع الفيلم فى تاريخ السينما المعاصرة "التيارات و المدارس والاتجاهات".

- السياق التاريخى لإخراج الفيلم.

- العلاقة الجمالية والتناصية بين الفيلم ومصادره: المؤلفات الأدبية والصور التشكيلية والموسيقية والسينمائية.

- مراحل الفيلم وخطوات تصويره وإنتاجه: الملخص، السيناريو، الرسومات الأولية، الصور المسجلة والمنقولة، المشاركون.

وعليه، فلقد انتقل الوافى إلى بعض التقنيات الفيلمية لمقاربتها ودراستها نظريا وتطبيقيا فى الفصل المخصص لخصوصيات اللغة السينمائية كلغة الإخراج السينمائى حيث ميز بين المخرج الواقعى الموضوعى والمخرج الانطباعى الذاتى كفيلينى فى أفلامه. كما أن هناك المخرج التعبيرى الذى يركز على تعابير الوجوه ودلالات الأشياء بالإضافة إلى المخرج الرومانسي. وبعد ذلك انتقل للحديث عن بعض المفاهيم السينمائية التقنية بالشرح والتوضيح والتمثيل مع ذكر الوظائف الجمالية والسينمائية والإيديولوجية مثل: التأطير Encadrage وهندسة الزوايا أو ما يسمى بالتبئير Focalisation والإنارة والحوار والتقطيع المشهدى واللقطة ولغة الكاميرا والتوازن بين اللغة السينمائية والطرح الفكرى والجمالي، والانتقال لدراسة السيناريو و الملخص الفيلمى "السينوبسيس" ومواصفات السيناريو الجيد الذى يعد أساس الإبداع والعمل السينمائي.

وبعد ذلك انتقل للحديث عن الفيلم القصير من خلال نماذج مغربية "الصمت المغتصب" لمحمد عهد بنسودة و"ظل الموت" لمخرجه محمد مفتكر وفيلم "رباط" لليلى التريكى لتشخيص صعوباته وإشكالية المعنى بين الزيادة والنقصان وبين السهولة والامتناع.

ولم يكتف بهذا بل قدم مقاربة تشخيصية نقدية للفيلم المغربى من خلال التركيز على السيناريو والحوار والإنارة والكاستينغ: Casting مراحل اختيار الممثل الكفء والموسيقى التصويرية.

كما تعرض للفيلم النسائى الذى تتوفر فيه خصوصيات الكتابة النسائية كما هو الحال فى فيلم نرجس النجار "العيون الجافة" والأفلام التلفزيونية كـ"الدويبة" لفاطمة بوبكدي، و"كيد النساء" أو "باب السماء مفتوح" و"النية تغلب" لفريدة بليزيد.

وتناول الوافى أفلاما من دول مغربية وأوربية وآسيوية بالدراسة والنقد. فقد ركز على السينما التونسية المشاغبة من خلال نموذج "عرائس من طين" لنورى بوزيد الذى حلل فيه المخرج الطفولة المغتصبة وعلاقتها بالفقر والدعارة والسياسة على غرار المخرج المغربى عبد القادر لقطع عن الطفولة المغتصبة وفيلم "صندوق عجب" للمخرج التونسى كذلك رضا الباهى عبر أفلمة السينما لتتحدث عن نفسها دراميا وذاتيا، وينتقل بعد ذلك إلى الفيلم الجزائرى "رشيدة" للمخرجة يمينة بشير الشويخ الذى يركز على يوميات العنف والإرهاب فى الجزائر من خلال تقاطع دلالى وفنى فيلمي.

ولم يقتصر الباحث على السينما المغاربية بل انتقل إلى السينما الأوروبية من خلال نموذج إسبانى بيدرو ألمودوفار فى فيلميه "كعوب عالية" و"نساء على حافة الانهيار العصبي" حيث تتداخل الحبكة البوليسية مع العبث الوجودى والشبقية والخيانة والثأر ضد الذكورة.

وفى الأخير يقارب فيلم "مهووس بالنساء والرسم" للمخرج الكورى الجنوبى إيم كونغ تايك، وذلك بالتركيز على الخطاب الشاعرى وسحر العيون والتشكيل الآسيوى الشرقي.

ونصل بعد هذا الى التأكيد بأنه من الدراسات النقدية السينمائية المغربية الجادة التى تسلحت بأدوات سينوغرافية فيلمية إجرائية، مركزا فى مقاربته الفيلمية على الأبعاد المنهجية السينمائية الثلاثة: الموضوعية والأسلوبية والسياقية.

وإذا كانت أغلب الدراسات النقدية السينمائية المغربية تسقط فى التأريخ والببليوغرافيا والقراءة الانطباعية والتشخيصية لمظاهر الأزمة فى السينما المغربية فإن دراسة الوافى من الأعمال النقدية التطبيقية الأولى التى تجرب المقاربة الفيلمية بمصطلحاتها ومفاهيم الجنس السينمائي.
* كاتب واستاذ جامعى من المغرب

العرب أنلاين في 13 مارس 2007