محاولة للإقتراب من واقع المجتمع المصري وشخوصه الحقيقة
طارق سعدالدين |
صفحات خاصة
|
رغم أن الفيلم بدائي الصنعة في تكوين شخصياته وعلاقاتها وتحولاتها.. ورغم بساطة قصته وخلوها من أي عمق فكري أو فلسفي أو حتي تعقيد درامي، رغم كل ذلك فالفيلم مهم ويستحق الوقوف أمامه بالنقد والتحليل وأمام بطله والمشارك في كتابته أحمد عيد بالتقدير والتشجيع. أهمية الفيلم الأساسية هي أنه يقدم شخصية المتدين العادي التي يمكن أن نصادفها في حياتنا والتي تمثل نسبة كبيرة من المصريين، ومع ذلك لم تجرؤ السينما المصرية علي تقديمها لأكثر من سبب. فالغالبية العظمي من السينمائيين المصريين يرون أن الحديث عن الدين والتدين ليس مجاله أفلامهم وإن كان، فمن باب تصوير المتطرفين والإرهابيين والخلط الشديد بينهم وبين الإنسان العادي الذي يواظب علي الصلوات ويراعي الله وضميره في سلوكه وتصرفاته هذا من جهة. أكاذيب سينمائية ومن جهة أخري فهذه السينما صاحبة تاريخ طويل في تقديم الشخصيات الغريبة عن المجتمع وعاداته باعتبارها شيئاً عادياً وطبيعياً فيه، فكان علينا دائما في هذه السينما أن نجد المبرر لتلك الفتاة الفقيرة المسكينة التي تضطرها ظروفها العائلية للعمل في كباريه كراقصة أو مطربة أو حتي تفتح زجاجات الخمر مع الزبائن لتربي اشقاءها الأيتام أو لتصرف علي أمها المريضة وتفعل ذلك بشرفها، فهي بنت مستقيمة من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت. وكان علينا أيضاً أن نهضم ونتقبل تصوير الأسر المصرية العادية التي يمثل البار ركنا أساسيا في بيتها حيث يشرب منه البطل والبطلة وضيوفهما بمناسبة وبدون مناسبة رغم أن بيوتنا المصرية في أغلبها من أول المليارديرات وحتي أفقر فلاح في أصغر قرية لا تعرف شكل زجاجة الخمر.. نعم هناك من يشربون الخمر وهناك من توجد البارات في شققهم ولكنهم بالفعل ليسوا الغالبية العظمي للمصريين، وانسحبت حمي الكذب إلي الديكورات الضخمة الفخمة لشقق المصريين، فتري الأسرة الفقيرة في السينما تعيش في بيت مساحته آلاف الأمتار والغني يعيش في قصر منيف هو في الحقيقة مدخل ستديو نحاس كما عرفت بعد ذلك عندما دخلت الاستديوهات بحكم عملي الصحفي، والآن توجد في مصر قصور أفخم وأضخم من التي جمح إليها أكبر خيال سينمائي زمان لكن اعتدنا المبالغات في السينما ومجافاتها لتصوير الشخصيات وبقائها بشكل حقيقي وقابل للتصديق، وكان علينا أن نصدق أن فتاة يمكن أن تعيش في بيت به أكثر من شاب وكلهم عزاب، ولكنها تعيش معهم بشرفها وهم يحترمونها ويحبونها كلهم حتي يتزوجها أحدهم. واستمرت هذه الصورة من عدم إدراك السينمائيين لمجافاة ما يقدمونه للتصديق عند المشاهدين، ناهيك عن التعبير عن المجتمع وناسه ومشاكله بصدق وموضوعية. متدينو السينما وكانت صورة المتدين في السينما بداية من الثمانينات هي صورة الإرهابي المعادي للمجتمع أو المعقد الذي أصيب بصدمة فكره الحياة واعتزلها وتفرغ للعبادة انتظارا لمن يعالجه مما يعانيه.. وزاد من قتامة الصورة محاولات البعض مقاومة الإرهاب بالدراما فغالوا في هذه الصورة وأهملوا تماما صورة الإنسان المصري العادي البسيط الذي يعبد ربه ويتوخي الحلال في كل سلوكه وتصرفاته، في الوقت الذي أصبح المقابل له الإنسان الطبيعي الذي يمكن أن يشرب له كأسين أو أن تكون أخته موديل اعلانات تلعب الرياضة في بيتها بملابس رياضية عارية رغم وجود رجل غريب في البيت.. «فيلم الإرهابي» وغيره من الأفلام . وعندما ظهر تيار السينما الجديدة بأبطاله الجدد وقصصهم السطحية التافهة ورفعوا شعار السينما النظيفة حيث لا للقبلات ومشاهد الجنس. سينما الأسرة حارب هذا الشعار تيار آخر من السينمائيين الأكبر سنا ومقاما وأصحاب أفلام المهرجانات والجوائز الدولية، لأن السينما لديهم يجب أن تكون ككل سينما العالم تقدم الحياة الإنسانية بكل جوانبها بما فيها من جنس، ونسي هؤلاء جانبين مهمين هو أن هناك سينما عالمية تتناول موضوعات الجنس والخيانة دون أن تصور المشاهد العارية بكل الصراحة والوضوح الذي يريدونه، لأن السينما اختيار ويمكن للمخرج أن يعبر عن الجنس أو العري دون أن يقدمه باللقطات المقربة والحوار، والجانب الثاني هو وجود نوع من الأفلام في كل سينمات العالم حتي أشدها تحررا اسمه أفلام الأسرة حيث تناقش الموضوعات التي تهم الأب والأم والأطفال أو أن تكون كوميدية أو مغامرات مسلية دون أن يقتحمها حشد جنسي أو عار، ونسي هؤلاء المخرجون أن تطرفهم يؤدي إلي تطرف الآخرين حيث يكفر البعض السينما والسينمائيين والممثلين لأن النماذج التي تقدمها بعيدة عن الواقع، مغالية في الانحلال والعري والكباريهات وتقدم مثل هذه النماذج باعتبارها هي النموذج العادي والطبيعي للمصريين وبيوتهم وأسرهم. ولأن السينما المصرية وسينمائيوها لا يعرفون ذلك أو يعرفونه ولا يعترفون به تظهر أهمية فيلم مثل «أنا مش معاهم» الذي يقدم شخصية الفتاة المحجبة المتدينة التي يمكن أن نصادفها في أي بيت مصري عادي والتي ترفض الخروج مع خطيبها وحدهما في خلوة. كما يقدم الفيلم شخصية الأستاذ الجامعي المتدين - باسم سمرة - الذي يحض طلبته علي ممارسة الشعائر الدينية ومساعدة الغير مع تأكيده علي أن هناك شعرة بين التدين والتعصب وبين التعصب والإرهاب.. وهذا حقيقي في رأيي. ولا ينسي الفيلم أن يتهكم علي الدولة التي يمكن أن يتغاضي أمنها عن كونك تحمل مخدرات في جيبك أو أن تكون فاشلا في دراستك صاحب علاقات نسائية، ولكنه لا يتغاضي عن كونك مجرد مشتبه فيه بالانضمام إلي الجماعات الدينية. وبعيدا عن ضعف السيناريو وسذاجة حبكته والانقلابات غير المبررة في سلوك بطليه من التحرر الشديد إلي التدين الشديد بالعكس، وسذاجة تنفيذ المغامرة التي ينقذ فيها البطل البطلة وعدم تبريرها دراميا، فلا نعرف من الذين ارادوا وضع قنبلة في محطة مصر ولا لماذا، إلا أن الفيلم انتصار للسينما التي تقدم شخصيات حقيقية من المجتمع المصري تجاهلتهم الدراما عامدة متعمدة، وعندما فكرت أن تقدمهم قدمتهم بلا فهم أو شوهتهم عن عمد، وأخيرا هذا الفيلم هو ميلاد لتيار جديد في السينما اسمه سينما الأسرة تستطيع أن تصطحب زوجتك وشقيقتك واطفالك لتشاهده دون أن تخجل أو تخاف أن يصدمهم مشهد جنسي أو حوار مبتذل، تماما مثل فيلم «الآباء الصغار» لدريد لحام الذي ينتهي الفيلم بالبطل أحمد عيد المشارك في كتابته كدريد لحام المشارك في كتابة فيلمه وهو يصطحب زوجته وأولاده لمشاهدته ربما للتأكيد علي الانتماء لهذا النوع المحترم من السينما التي تحترم جمهورها. جريدة القاهرة في 13 مارس 2007
|