سينماتك

 

بين الفرار من الداخل والانجذاب إلى الخارج

رمضان سليم

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

أفلام كثيرة أنتجتها الشركات الأمريكية أو أسهمت فى إنتاجها فى السنوات الأخيرة، وكان محورها الرئيسى أفريقيا، وبالطبع لا يمكننا أن ننسى الفيلم الشهير فندق رواندا – 2005 أو فيلم جنائنى الأمين – 2005 أو فيلم صحارى – 2004 أو فيلم المترجمة – 2005 أو فيلم الماس الدامى 2006 وغير ذلك من الأفلام التى تقترب وتبتعد عن الموضوعات الأفريقية بحسب المتغيرات السياسية، هذا فضلا عن أفلام أخرى لها طابع سياسى ودعائى واضح لا مجال لذكرها.

هذا الفيلم آخر ملوك اسكتلندا – 2006 يقترب من السياسة ولكنه يبتعد عنها فى نفس الوقت، والسبب يعود إلى أن الأصل له طابع فردى يمس شخصية معينة واحدة، فقد اعتمد الفيلم على كتاب بنفس العنوان وهو أقرب إلى المذكرات والتى كتبها فى صيغة روائية الصحفى جايل فودن عندما عاش فى أوغندا لمدة عشرين عاما، كانت كافية لتقديم وثيقة متخيلة تعكس الحدث السياسي، ولكن من زاوية نظر شخصية.

إن افريقيا تبدو مختفية إعلاميا مقارنة بغيرها من القارات ولاسيما من خلال وسائل الإعلام الغربية، وبسبب اعتبارها مادة خام تحتمل الكثير من الإضافات التى تشد الجمهور يكون الإقبال السينمائى عليها أكثر مع العلم بأن المنظور الغربى يبقى دائما هو المنطلق والهدف، ولذلك كان تواجد الشخصية الأوروبية أو الأمريكية على المسرح الإفريقى هو أساس كل فيلم تقريبا من الأفلام التى تصور فى أفريقيا.

فى هذا الفيلم آخر ملوك اسكتلندا لمخرجه كيفن ماكدولاند نرى أمامنا شخصية مجردة تدعى نيكولاس تجد نفسها فى أوغندا مع بداية حكم عيدى أمين 1971 لتعود فى النهاية بعد ذلك إلى بلدها فى عام 1992، وهذا هو عمر التجربة التى مرت بها هذه الشخصية، غير أنه شتان بين بداية الرحلة ونهايتها، ليس على صعيد تقييم التجربة عند عرضها سينمائيا بزاوية نظر مجردة، بل بحكم النتائج التى فرضت نفسها من داخل التجربة وليس من خارجها.

يبدأ الفيلم وقبل إظهار العناوين بثلاثة مشاهد منفصلة يجمعها شخص واحد وهو نيكولاس الاسكتلندى الذى نجح فى تجاوز الامتحان النظرى والعملى فى مجال الطب العام ونال الشهادة التى تنتظرها أسرته. يمثل المشهد الأول عددا من الأصدقاء ومن بينهم نيكولاس فى حالة مرح بسبب النجاح، ولقد تم التعبير عن ذلك بالاندفاع نحو الماء للسباحة.

المشهد الثانى يجمع بين نيكولاى وأبيه وأمه على طاولة الأكل وهو المشهد الوحيد الذى يظهر الأب، حيث يبدو صارما ولا يحمل الرضى الكامل على نجاح الابن، والاهم أنه يقول بعض الكلمات التى تجعل من الابن تابعا لأبيه فى كل شيء مثل: نخبنا نحن الاثنين – أنا وأنت – مستقبلنا سويا – نجاحنا. هناك مبالغة فى حب السيطرة من قبل الأب، وخصوصا وأنه طبيب أيضا يكاد يقبض على ابنه فى كل كبيرة وصغيرة.

المشهد الثالث يطلق فيه نيكولاس صرخة قوية داخل غرفة البيت ثم يتوجه نحو الكرة الأرضية المجسمة أمامه ويجعلها تدور، وتكون البقعة التى يتم اختيارها عشوائيا هى المكان المستقبلى له، وبالتالى كانت أوغندا.

الإقبال محل المغامرة

إن المشاهد الأولى تدل على أن الابن مزهو بنفسه ومقبل على المغامرة ويحب المرح والبهجة على عكس ما تفرضه عليه شرنقة العائلة، فهو عندما يركب مركبا عشوائيا، فهو ينطلق من اسر التقاليد العائلية نحو المجهول.

ليس هناك هدف محدد ولا اختيار واضح ولا مهمة معينة، بل إن المنطلق كان ذاتيا وفرديا، وهذا يمنح الفيلم بعدا مختلفا نجده يتكرر كثيرا عند الوصول إلى أوغندا.

يحاول الفيلم أن يؤكد على فكرة المغامرة والمتعة لدى نيكولاس عند بلوغه أوغندا نفسها، فهو يتنقل بالحافلة ويؤجل وصوله إلى العيادة التى تقرر أن يعمل بها مساعدا للطبيب الرئيسى ليوم كامل بسبب فتاة أفريقية يندفع فى مغامرة جنسية معها، إنه أيضا يتجه نحو الخارج دائما بعكس من سبقه من الذين يختارون الشرنقة الداخلية داخل أفريقيا، وهذه المغامرة تقوده إلى حفل كبير يقام بمناسبة تسلم عيدى أمين الحكم، بعد أن ظهرت مشاهد عديدة لحركة الجنود والدبابات فى الشوارع مؤكدة على أن هناك استقبالا جيدا لهذه الحركة العسكرية عدا عند القلة الذين يرونها مجرد حركة سوف تكشف عن سلبياتها لاحقا.

يحاول نيكولاس أن يدخل فى مغامرة أخرى مع سارة الطبيبة التى تعمل فى المركز الصحى وهى زوجه ميرت المسؤول على هذه المصحة وقد قامت بالدور الممثلة سيمون ماكبيرنى وهو دور قصير لكنه متميز ولكن فى حدود ضيقة جدا.

يكاد يرجع الفيلم إلى الأب "والد نيكولاس" عندما تعتبر سارة ان زوجها جيد ولا تستطيع خيانته، رغم أن جودته هذه تعد من السلبيات وليست من الايجابيات وهو يتشابه مع الأب فى ذلك، غير أن الزوجة تنقصها روح المغامرة، ولذلك تراجعت وأسهم انتقال نيكولاس إلى مرحلة جديدة مغايرة فى فك العلاقة منذ بدايتها، مع انتقال فى نوعية المكان أيضا.

أهم مشهد

إن أهم مشهد افتتاحى يخدم مضمون الفيلم هو مشهد لقاء عيدى أمين مع الجمهور لأول مرة، ولقد شهد نيكولاس بنفسه مدى تأثير الحاكم الجديد على الناس وقدرته على تقديم الوعود الكبيرة وتملق كل من يسمعه بكلمات مبالغ فيها، مثل قوله بأن الإغريق قد تعلموا من أهل أوغندا وأن الحضارة العربية قد مرت من هنا، ثم وهو الأهم يتحول عيدى أمين إلى راقص على الأنغام الأفريقية.

هذا المظهر الخارجى البراق يجد أصداء عند نيكولاس وهو مظهر يفتقده شخصيا ويتوافق مع نوعية الشخصية والمتناقضة مع التشكيل الصارم لإجراءات التطبيقية الأسرية ونوعية الحياة فى اسكتلندا. هذه الجاذبية الخارجية هى التى قادت الفيلم ورغم أننا لا نتعرف على الأحداث إلا عن طريق وجهة نظر نيكولاس، إلا أن التقاء الدوافع الخارجية والداخلية قد قادت إلى أن تدخل هذه الشخصية فى دائرة عيدى أمين فهو جزء من مغامرة جديدة مرتقبة.

يتأكد ذلك بعد وقوع حادث طريف لموكب عيدى أمين مما يتطلب استدعاء أقرب طبيب، وكان هو نيكولاس الذى يعالج يد الرئيس فيتعرف عليه ويقترب منه أكثر وخصوصا عندما يسحب نيكولاس مسدس أمين ويقتل البقرة التى تحتضر، بل يتم تبادل القمصان بين الشخصيتين، ويصل التقارب ذروته عندما يقول عيدى أمين لصديقه الجديد بأنه لو لم يكن أوغنديا لتمنى أن يكون اسكتلنديا.

يتحول نيكولاس إلى طبيب عيدى أمين الخاص، ويختار مصحة جديدة ليعمل فيها، وخصوصا وأنه يدعى دائما بأن هدفه هو خدمة عامة الناس وليس الخاصة بتقديم اللقاحات والمعالجة العامة وهنا ندرك لماذا اختار الفيلم للممثل مهنة الطبيب العام لأن نيكولاس يقوم بكل أنواع العلاجات والمداواة من الكسور إلى الإجهاض.

النصف الأول

إن النصف الأول من الفيلم يسير فى اتجاه تأكيد العلاقة بين الرجلين فالمبتدئ الغر نيكولاس يجد فى الآخر الأب المفقود لديه او المرغوب فيه، الأب المرح والمغامر والذى يمدح ابنه ولا ينتقده دائما ويعطيه الفرصة ليؤكد ذاته الخاصة لهذا السبب تأثر نيكولاس كثيرا عندما اعتبره عيدى أمين ابنا له يحتاج إليه ليكون مستشارا وخصوصا بعد تعرضه لحادث اعتداء من قبل المناوئين، وكان نيكولاس أيضا هو المنقذ أو المساعد فى عملية الإنقاذ. إن الفيلم تقليدى بامتياز وبالتالى فهو يسمح للكاميرات بأن تستعرض خلفية الحدث فى كل الأوقات المناسبة ولا سيما أثناء التصوير الخارجي، والذى يشعرك أحيانا بأنك أمام فيلم تسجيلي، ولقد كان لاختيار مواقع التصوير فى أوغندا نفسها فعالية فى دمج المشاهد بالأحداث بواقعية تتأكد أكثر بواسطة حسن اختيار الممثلين.

يمثل النصف الأول من الفيلم مرحلة صعود نيكولاس وانجذابه إلى عالم جديد لا يعرفه، وخصوصا وأن عيدى أمين قد أغدق عليه كثيرا فمنحه مسكنا وسيارة خاصة، وجعله يعيش فى عالم الحفلات وحقق له بعض المصالح الطبية عندما تلقى مساعدة كبيرة لتنفيذ مصحة علاجية كبيرة تخدم الجميع، يعاونه فيها الطبيب جونجو. ولقد قام بكل ذلك وحيدا، والعزلة هنا لها دورها فى الاندفاع نحو التأثر بالمظاهر الخارجية كما أن مرحلة الصبا التى عاشها نيكولاس جعلته أقرب إلى المراهق قليل الخبرة، فى مقابل رجل ناضج وهو عيدى أمين الذى يستخدم خبرته الطويلة وقدرته على التزلف للإيقاع بالآخرين بواسطة الكلام والكلام وحده، حتى أن الفيلم يقدمه على أنه كائن متكلم.

النصف الثاني

فى النصف الثانى من الفيلم تتغير المعادلة بالتدريج فى البداية وبعد أن يتحول نيكولاس إلى مستشار خاص للرئيس لا نرى الوجه الآخر الخفى لعيدى أمين لأن السرد يقودنا من وجهة نظر معينة عنوانها العمل من أجل البلد ولو كان ذلك يتحدى الكلمات البراقة.

وفى نفس الوقت يلعب الفيلم على الخلافات الكامنة بين الانجليزى والاسكتلندى فالمفوض الانجليزى فى أوغندا يحاول التقرب من نيكولاس لكى يحصل منه على بعض المعلومات وخصوصا وأن القوة العسكرية الانجليزية هى التى أوصلت عيدى أمين إلى السلطة وهو أمر يخفيه الحاكم الجديد، بل يسرد بداياته الأولى منذ أن كان عاملا فى مطبخ فى ثكنة عسكرية انجليزية الى أن صار ضابطا فجنرالا ثم رئيسا.

النقطة الحاسمة

هذه الرغبة فى التحرر من قيود السلطة الأوربية الانجليزية هى التى دفعت نيكولاس إلى الالتحام بعيدى أمين رغم أن هناك اعتراضات كثيرة لمسها من كيفية تعامل "سارة" مع المتغيرات الجديدة، حيث أن هناك رأيا يقول بأن الأمور فى أفريقيا لابد لها أن تكون سيئة دائما وأنه لا يوجد اختلافات كثيرة بين الحكام والأنظمة وأن العنف ظاهرة جماعية. إن السبب الرئيسى فى التعبير أو النقطة الحاسمة الفعلية للاتجاه نحو مسار مختلف بالنسبة للشخصية الرئيسية هو الوزير ماسنغا وهو وزير الداخلية الذى يصاحب الرئيس دائما فى تنقلاته ويبدى أحيانا بعض التحفظ الظاهرى فيما يشبه الإيهام الممارس ضد المتفرج، وهو آمر نجده عند نيكولاس أيضا الذى توهم بأن ما يسمعه هو حقيقة فعلية، كما أن هناك وهم يجسده سلوك الوزير فى تصرفاته الظاهرية، إلى أن يلحظه نيكولاس فى أحد الفنادق الكبيرة فى جلسة خاصة مع أحد الأشخاص الغرباء ويكشف لرئيسه عن ذلك اللقاء دون أن يسمى الأشياء فعليا، وهو ما يكمله الرئيس عندما يقبض على وزيره ويخفيه لأيام كثيرة إلى حين موعد قتله، ليرى نيكولاس بأنه السبب الرئيسي، فقد تصور أنه باشر عمله باعتباره مستشارا وأن ما قام به ليس وشاية، ولكن النتائج كانت سيئة وهو ما جعله يقرر الرحيل والعودة إلى بلاده اسكتلندا.

يقول عيدى أمين لنيكولاس بأن لا شيء يأتى من لا شيء وأنه قد صار ملوثا وهو جزء من النظام، بل إن الناس تسميه قرد الرئيس وأن عليه أن يبقى وفيا فمن يدخل شرنقة الرئيس لا يمكنه أن يخرج منها بكل هدوء.

جاذبية التمثيل

إن الجزء الأول يمثل دخول الفأر إلى المصيدة وبينما الجزء الثانى يمثل محاولة الخروج منها، ويبقى فوق ذلك السرد بسيطا غير لافت للانتباه، وفى الحقيقة فإن القيادة قد تركت للممثل الذى قام بدور عيدى أمين وهو فورت ويتيكر الذى تلاعب بالدور مثلما تلاعب بالجمهور وكل من يسمعه، وهو لم يكتف بالاعتماد على جسده الذى يتناسب مع حجم جسد عيدى أمين نفسه، بل توغل فى الشخصية معبرا عنها بواسطة الضحكة البريئة ظاهريا والعين الفالتة من التركيز، مما يعنى أن الشخصية تخفى وراء ما تقوله أشياء أخرى مناقضة.

بلا شك يعتمد الفيلم على المستوى الرائع من الأداء والذى يذكرنا بدور لنفس الممثل فى فيلم الطائر عام 1988 للمخرج كلينت ايستوود والذى فاز فيه الممثل ويتيكر بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان كان 1988.

ورغم أنه قدم أدوارا كثيرة بعضها جيد مثل حجرة الرعب 2002 وفيلم جاهز للارتداء 1994 وفيلم كشك الهاتف 2005، وغير ذلك من الأفلام، إلا أنه ظل محبوسا فى ذلك الرجل الضخم الجثة ولكنه طيب القلب فى نفس الوقت. أما فى هذا الدور فإنه مطالب بأن يكون مرحا وخفيفا، ومرعبا فى نفس الوقت، لكى ينسجم الأمر فى التعامل مع شخصية عيدى أمين.

بالطبع هناك شخصيات أخرى مهمة مثل وزير الداخلية ماسنغا قام بالدور آبى موكبى وشخصية المفوض الانجليزى قام بالدور سيمون ماكونى والطبيب جونجو وقام بالدور دافيد أوبلو، بالإضافة إلى الممثلة التى قامت بدور زوجة عيدى أمين الثالثة كيرى والتى أقامت علاقة مع نيكولاس خارج السياق الحقيقى للفيلم. ولكن تبقى الشخصية الرئيسية هى عيدى أمين والذى يقود الفيلم الرئيسى وهو نيكولاس، وقد قام بهذا الدور الممثل جيمس ماكفوري، فى أول أدواره المهمة بدون أن يعطى الانطباع بأنه قد تحصل على فرصة العمر، أما كاتب الرواية نفسه فقد ظهر فى دور الصحفى الانجليزى عندما يصل الفيلم إلى نهايته نعلم بأن نيكولاس قد صار رهينة فهو من ناحية قد حاول الهرب، وأقام علاقة مع زوجة الرئيس المهملة عندما قام بعلاج ابنها المصاب بداء الصرع، وقد طور الفيلم هذه العلاقة إلى مشروع حمل، تمت عملية الإجهاض وقرار نيكولاس بأن يقوم بها بنفسه، لتأكيد معنى السقوط الأخلاقى والسياسى المقبل عليه.

ولقد أتاح كل ذلك الفرصة أمامه للتعرف على الوجه الآخر لعيدى أمين، حيث انتقل إلى مناطق عشوائية بحثا عن الزوجة "كي" ولقد استخدم المخرج الغرافيك لتصوير حالات مشوهة لبعض المعتقلين والذين يتم الانتقام منهم بعدة طرق غير انسانية لم يظهرها على الشاشة فعليا لكنه صور نتائجها.

ومما افاد الفيلم على مستوى السيناريو والتنفيذ عدم اقترابه من بعض الصور الاعلامية المتعارف عليها والتى روجها الإعلام الغربى لحاكم أوغندا مثل رمى بعض المتمردين للتماسيح فى الأنهار، وأكل لحوم البشر، وتم الاكتفاء بإبراز بعض الأحداث، مثل طرد الأسيويين وذلك إثر الخلاف مع بريطانيا ثم طرد الانجليز أنفسهم.

لقد حاول نيكولاس الدفاع عن عيدى أمين ولكنه فشل أمام الوقائع، بل واجه باعتباره مستشارا لرئيسه، وفشل فى إقناعه، وبهذا يظهر الرجل الأوربى باعتباره شخصية مثالية وإيجابية، وهى عندما تقوم بممارسات خاطئة، فهى تقوم بذلك على حسن نية.

العنوان البعيد القريب

إذا اقتربنا من عنوان الفيلم وجدناه يميل إلى الإيهام أيضا فليس هناك ملك لاسكتلندا من بعيد أو قريب لكن العنوان مجرد لقب أطلقه عيدى أمين على نفسه، فهو المعادى لبريطانيا وهو من قام بطرد الانجليز المتواجدين فى أوغندا وباعتبار الحساسية الانجليزية الاسكتلندية فهو سيكون ملك اسكتلندا المقاومة للانجليز وما أكثر الألقاب التى أطلقها عيدى أمين على نفسه، فهو قاهر الإمبراطورية البريطانية، وهو سيد الكائنات على الأرض والأسماك فى البحر وغير ذلك من الألقاب. يتحول نيكولاس إلى معاد فعلى للرئيس بعد أن اكتشف بأن وزير الداخلية قد اختفى تماما وهو يستجيب لدواع نفسية كانت نتيجتها تقديم دواء سام لعيدى أمين، وربما تم ذلك استجابة لرأى المفوض الانجليزى الذى اقترح عليه بأن يقتل عيدى أمين إذا أراد العودة إلى بلاده بجواز سفر جديد بدل الجواز المسروق منه. نعم استفاد سيناريو الفيلم وقبل الرواية من حادثة الاختطاف الشهيرة التى قامت بها إحدى المنظمات الفلسطينية لطائرة تحمل عددا من الركاب من الأوربيين والاسرائيليين، ولقد استطاع نيكولاس الهرب والتسلل على أنه أحد ركاب الطائرة الذى أطلق سراحهم فى مطار عنتيبى مع الأوربيين قبل أن تقوم القوات الإسرائيلية بمهاجمة المطار وتحرير باقى المختطفين.

الظاهر والباطن

يظهر الوحش داخل عيدى أمين أحيانا ولا سيما فى آخر الشريط ويتحول المستشار إلى ضحية من ضحاياه، فيعلق فى المطار عقابا على خيانته بطريقة يقول عيدى أمين بأنها أفريقية.

هناك أجواء من الموسيقى الأفريقية الساخنة تظهر بين الحين والآخر وخصوصا فى بداية الفيلم مع أغان تتناسب مع السبعينيات، ولكن تختفى هذه الألحان مع الوصول إلى نهاية، أى انتقالا من حالة المزاج السيئ كشفت عنه الأحداث بعد أن انكشف الأمر فعليا مع وصول التجربة إلى نهايتها، تجربة أساسها التداخل بين الظاهر اللامع والباطن المرعب وكيف يمكن أن يطغى أحدهما على الآخر لغرض حجب الحقيقة.

هذا الأمر ينطبق على الكاميرا التى بدت متوترة فى النهاية اعتمادا على الحركة الداخلية لكل ممثل وعلى الحركة الخارجية المتنقلة بين القلق والهدوء واعتمادا على المونتاج المتوازى التقليدي.

فى آخر الشريط تظهر المعلومات التى تتوالى مع تقديم صور حقيقية لعيدى أمين وصولا إلى نهايته عام 1979 بواسطة انقلاب مسلح جديد أشبه بالانقلاب الذى قام به هو ضد الحاكم الذى سبقه وهو ميلتون أبوتى عام 1971.

بكل تأكيد يختلف هذا الفيلم عن ذلك الفيلم الذى أنتج عام 1981 حول شخصية عيدى أمين بعنوان صعود وهبوط عيدى أمين حيث يغلب هنا الموضوع على الشخصية ويتم التركيز على الأفراد المحكومين أنفسهم فى شخص نيكولاس والذى يمكن أن يكون أى فرد بعيد عن لعبة السياسة التى لا يدركها إلا بدخوله لتجربة مماثلة.

مرة أخرى يعيش الأوربى تجربة مختلفة فى أفريقيا ويجد نفسه متورطا فيحاول الافلات من المصيدة ولا يمكنه ذلك إلا بصعوبة بالغة، إنه يحاول أن يحل مشكلته الذاتية، فيجد نفسه فى مشكلة عامة، وفى هذه الحالة عليه أن يرضى بمشكلته الخاصة ويقبل بها وهذا ما حدث مع نيكولاس غريغان الابن المتمرد على العائلة والذى يعود إليها مستسلما وقانعا بشرنقتها مهما كان مدى الضعيف الذى يسيطر عليها.

العرب أنلاين في 9 مارس 2007