سينماتك

 

الدراما التلفزيونية.. استحقاقات الإبداع والسلعة الرائجة

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

رغم كل ما يقال حول تطور الدراما التلفزيونية العربية، إلا أن هذه الدراما لا تتطور وفق أساس ثقافي معرفي ولا وفق استحقاقات الإبداع، بل إنها تتطور بوصفها سلعة رائجة تحتاج إلى مزيد من الإتقان بحثا عن مزيد من الرواج. تتساوى في ذلك جميع أنواع المسلسلات التلفزيونية وتوجهاتها، سواء منها التي تتناول المواضيع المعاصرة أو تلك التي تعيد إنتاج التاريخ، هذا مع أن صانعيها، أو على الأقل كتاب نصوصها، يجاهرون بأنهم إنما يستنطقون التاريخ أو يتحدثون عن الواقع المعاصر لدوافع ذات بعد فكري.

ورغم كل المضامين والأبعاد الفكرية التي تكمن في أساس اختيار المواضيع والحكايات من التاريخ أو من الواقع الراهن سواء بسواء، فإن المسلسلات الدرامية ما تزال بعيدة عن التعمق في مناقشة ومعالجة القضايا التي تتطرق إليها، ورغم انفتاح البث التلفزيوني على فضاء الأقمار الصناعية المتجاوزة للحدود الجغرافية، فإن الدرامية التلفزيونية ما تزال لا تملك الحرية الكافية وما تزال ترضخ لشروط الرقابات على أنواعها ومصادرها، رسمية كانت أم اجتماعية أم حتى نفسية ذاتية.

واحد من أوجه التطور المتحقق في صناعة الدراما التلفزيونية المسلسلة التطور هو الحاصل في زيادة عدد الحلقات من 13 إلى 30 وأكثر، وهو تطور لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعزى لأسباب إبداعية بقدر ما إنه يجيء استجابة لحاجات المشاهدين الكسالى الراكدين في منازلهم، ولا بديل لهم عن ذلك بالطبع، أو للساهرين في الليالي الطويلة راغبين عن النوم.

تتشابه الدوافع التي تقود نحو الزيادة المضطردة في أعداد حلقات المسلسلات مع الدوافع التي وراء إنتاج المسلسلات الأميركية والمكسيكية الساذجة، المكونة من مئات الحلقات والتي تسمى سوب أوبرا (أوبرا الصابون) المصنوعة على هذه الشكل من أجل الترفيه عن ربات البيوت اللواتي يشاهدن المسلسلات أثناء العمل في تنظيف منازلهن فتبث مسلسلات أوبرا الصابون، بالتالي، في أوقات النهار تحديدا.

في عالم صناعة الدراما التلفزيونية العربية تحديدا ثمة هوة كبيرة تفصل بين النوايا المعلنة وبين الدوافع الحقيقية، كما ثمة هوة بين المأمول وبين المتحقق، فإذا كان منطلق المؤلف في كتابته للنص ثقافيا فقد لا يكون منطلق المخرج كذلك، وإذا ما كان المخرج مقتنعا بالرسالة التي يريد المؤلف إيصالها ويشاركه الهدف، فالمنتج قد لا يكون، أو هو في الغالب الأعم، غير معني بما يكفي بالمضمون أو البعد الثقافي للمسلسل الذي سوف ينتجه، أما غالبية الممثلين والممثلات، وهم وهنّ بالمناسبة يتكاثرون ويتكاثرن بالضرورة بوتيرة تزيد عن تكاثر أعداد الحلقات وتكاثر المسلسلات، فهم معنيون وهن معنياتّ أساسا بطلب الرزق، خصوصاً إذا ما جاءت معه الشهرة، وذلك على الرغم من أي ادعاء آخر.

وإذا ما تشارك جميع المرتبطين بصناعة الدراما التلفزيونية في الأهداف وتعاهدوا فيما بينهم على البر بالثقافة والفكر، فهم، على الأغلب، لن يجدوا ما تستحقه أهدافهم، من أعداد كافية من الجمهور الذي يحاول أن يفهم فيغوص في العمق بحثا عن الأفكار والمعاني ولا يكتفي بالتالي بملمس ورائحة وطعم القشور، ذلك لأن غالبية جماهير الدراما التلفزيونية لا تبحث عن الفكر في ما تتابعه من مسلسلات بل عن التأثيرات العاطفية، وهذا تحديدا ما يفسر شعبية المسلسلات المدبلجة أو مسلسل من نوع الحاج متولي، على الرغم من أن غالبية متابعيها يقرون بأنها سطحية أو تافهة.

ما يقال حول الواقع الثقافي للدراما التلفزيونية العربية ينطبق أو يصح أن يقال حول الواقع الإبداعي: على الرغم من كل التقدم الحاصل في مجال التجهيزات والبرامج الرقمية، وعلى الرغم من كل الخبرات التي باتت بحوزة فنيي المسلسلات، وعلى الرغم من مواهب وخبرات أعداد متزايدة من المخرجين خاصة منهم المتمتعين بخبرات سينمائية، وعلى الرغم من وجود ممثلين وممثلات موهوبين وموهوبات، وعلى الرغم من السخاء المتزايد في الصرف على إنتاج المسلسلات التلفزيونية، فإنه من الناحية الفنية التي تلخصها عبارة الشكل النهائي للإخراج، يمكن لأي مراقب أن يلاحظ بسهولة أنه لا توجد عناية حقيقية بتكامل جماليات الصورة أو جماليات المشهد على الرغم من تصدر عناوين ومقدمات المسلسلات اسم مدير للتصوير أو مدير فني أو مصمم للديكور أو الأزياء والخ، من أمثلة ذلك التناقض بين وظيفة الإضاءة في المشاهد الخارجية، فهي مثلا تكون في المشاهد الخارجية إضاءة طبيعية، وبينها في المشاهد الداخلية التي تضاء عادة بأنصع ما يمكن من الأنوار، التناقض المنفّر بين ألوان الديكور وألوان الأزياء وتناقض هذا كله مع المحتوى النفسي ومع المحتوى الدلالي للمشهد.

تصح هذه الملاحظات أيضا على الجوانب التقنية التنفيذية المرتبطة بالتفاصيل، فقد يتم شراء أفخر الأقمشة للثياب والأزياء التاريخية ولكن خياطتها تتم على عجل تفقدها مصداقيتها، وقد يجري بناء ديكور لمكان ما، غير أن أشكال الجدران غير المعتنى بمصداقية تنفيذها ستفضح زيفها، ويطلب من الممثلين في المسلسلات التاريخية الضخمة الإنتاج أن يكونوا ملتحين وأصحاب شعور طويلة فيلصق الفني على وجوههم لحى يعرف المشاهدون أن بمقدورهم أن ينزعوها لو استطاعت أيديهم الوصول إليها.

تطمح الدراما التلفزيونية العربية للكثير، وعلى الرغم من كل ما حققته حتى الآن من تقدم، فما يزال أمامها الكثير مما يتوجب عليها تعلمه.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 2 مارس 2007