سينماتك

 

بيل كوندون يعيد الفيلم الموسيقي إلى مقدمة الجوائز ذائقة الجمهور

"الحالمات" حكاية صعود أول مؤسسة موسيقية سوداء على حساب الموهبة والخاصية الفنية

ريما المسمار

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يصل فيلم بيل كوندون Dreamgirls الى الصالات اللبنانية محملاً بالجوائز والترشيحات والمديح الجماهيري والنقدي. فمن جائزتي الكرة الذهب لأفضل فيلم موسيقي وأفضل ممثلة في دور ثانٍ لجينيفر هادسن الى ثمانية ترشيحات لجوائز الاوسكار لم يخرج منها سوى بجائزة التمثيل الثاني لهادسن أيضاً، يعيد الفيلم الصلة مع تاريخ الافلام الموسيقية الذي أحياه السينمائي الاوسترالي باز لورمن قبل ستة أعوام بـMoulin Rouge وأتبعه بوب مارشال بعد سنتين بفيلم Chicago الذي يحمل توقيع بيل كوندون كاتب سيناريو. كسابقه، Chicago، Dreamgirls هو ايضاً عمل مقتبس من عرض مسرحي لمايكل بينيت، اشتهر على مسارح برودواي اوائل الثمانينات. وهو في جوهره يستند الى حكاية فريق ديانا روس والسوبريمز (Supremes) من دون ان يكون سيرة رسمية. ولكن قوته تكمن في تفاصيل أخرى كثيرة من طاقم الممثلين الاسود بامتياز الى الشغل على الشخصيات مروراً بعالم الفيلم الداخلي الذي يراوح بين أقصى الحوارات الموسيقية وأقصى الصمت.

الصخب والصمت

مشهدان شديدا التناقض والخصوصية يشيدان العالم الداخلي لفيلم Dreamgirls. في مشهد قبيل انتصاف الفيلم، تدرك "ايفي" انها باتت خارج فريق "الحالمات" بعد ان كانت الصوت الأقوى فيه وقائدة الفرقة. تحاول ان تسترد اعتبارها أمام الفريق الذي أصبح يضم بديلة منها، فتتوجه الى "كورتيس" مدير أعمالهن الذي تحبه أيضاً وتشرع في أداء غنائي آسر لأغنية "وأنا أقول لك أنني لن أرحل" محملة أداءها كل الغضب والأحاسيس المكسورة والأحلام المبتورة. لاحقاً قبيل النهاية، يقوم مغني البوب "جايمس ايرلي" بعد ان رفض "كورتيس" البومه الجديد بسبب مضمونه السياسي، بأخذ جرعة من الهيرويين على مرأى من الجميع. ولكنها نظرته الطويلة والصامتة والقاسية الى الجالسين التي تحملهم على المغادرة مخلفين "جايمس" وسط ذلك الفراغ الابيض بلون مخدراته.

يقوم المشهدان على تجاذب بين عالمي الفيلم: الاضواء والموسيقى والغناء والاستعراض من جهة والعالم الفردي لكل شخصية من جهة ثانية. قبل "كورتيس"، لا تبدو الأمور بتلك الحدة. الفتيات­ "ايفي" و"دينا" و"لوريل"­ لا يأبهن لشيء سوى الغناء سوى ان يُسمعن. هكذا يشتركن في مسابقة للهواة ويحللن في المرتبة الثانية. ولكنه "كورتيس" ذو العين الثاقبة في مجال الأعمال الذي يلفته أداءهن وقدراتهن كـ"سلعة" كما يأتي لاحقاً على لسان والدة "دينا". هكذا يعرض عليهم الغناء خلف المغني الشهير "جايمس ايرلي" ريثما يتدبر أمر إطلاق الفريق. وإذ تتردد "ايفي" الاقوى بينهن والاكثر موهبة وعناداً، تقنعها الأخريان بعدم تضييع الفرصة. يمر وقت طويل والفتيات خلف "جايمس" يتمتعن بشهرته انما في مجتمع السود بسبب من خصوصية في أدائه وأغنياته خاصة بثقافة السود.

ولكن "كورتيس" الذي يفكر طوال الوقت في كيفية الربح عينه على جمهور البيض. هكذا يقرر إطلاق الفتيات في فرقة "الحالمات" التي تتوجه الى جمهور المراهقين والتلفزيون بالدرجة الاولى. ولتلك الغاية، يقرر ان تقود "دينا" (بيونسي) الجذابة والجميلة الفرقة بدلاً من "ايفي" السمينة وطاغية الحضور. انها اللحظة التي تدلل على اختراق مفهوم الاستهلاك للموسيقى واعتماد الترفيه هدفاً وحيداً. تنسحب "ايفي" بعد بعض الوقت وتتحول الفتيات الى مغنيات خفيفات مع خطة "كورتيس" اختراق جمهور البيض. بمعنى آخر، تقوم خطة تسويق المغنيات السود على افراغهن من خصوصية موسيقاهن وأصواتهم باستبعاد "ايفي" ورفض أغنيات شقيقها "سي سي" ذات المضمون السياسي والاجتماعي.
يشكل "كورتيس" نموذج البائع الذكي ولا عجب انه يأتي من عالم تجارة السيارات الى عالم الموسيقى، ولكنه يدرك تماماً ان تاريخ موسيقى السود يواجهه في المقابل تاريخ سرقة البيض لتلك الموسيقى. ونتلك تيمة تتردد في الفيلم غيرة مرة. فعندما يصدر "جايمس ايرلي" والفتيات أغنية "الكاديلاك"، لا تحقق الاخيرة شهرتها الا بعدما يسجلها فريق موسيقي من البيض يُدعى "دايف والحبيبات". ويعلق "كورتيس" على ذلك بالقول انها ليست المرة الاولى مشيراً الى سابقة تتمثل في ان أغنية
Hound Dog سُجلت للمرة الاولى بصوت "بيغ ماما ثورنتن" قبل الفيس بريسلي. الاشارات الى الجو الموسيقي المشحون بالتمييز العنصري كثيرة وليس اقلها اسم شركة "كورتيس"، Rainbow Records. ولكن "كورتيس" برغم معرفته بذلك لا يهتم سوى بتسويق فريقه وإن كلفه ذلك خسارة خصوصية الموسيقى والاصوات.

ين الفيلم والواقع

بخلاف "كورتيس"، لا يلعب الفيلم لعبة تمييع موضوعه. صحيح ان "بيونسي" تلعب دور "دينا" الا انها الوجه الجديد جينيفر هادسن في دور "ايفي" هي التي تسرق الاضواء وتؤمن الخط السردي الدرامي للفيلم حتى بعد ان تترك الفرقة. بمعنى آخر، يلعب الفيلم وجهي المعادلة: يلحق "كورتيس" وخططه من خلال استعراضات الفرقة المبهرة ولكنه ايضاً يتابع "ايفي" وأغنياتها المحملة بالمشاعر الحدية والمعاني الانسانية العميقة. على صعيد آخر، لا يخلو الامر من مخاطرة بالنسبة الى "بيونسي" ونجوميتها اذ ترتضي ان تكون ثانية في الفيلم بعد "ايفي" وأن يشير "كورتيس" الى صوتها قائلاً انه "فارغ ومسطح وبدون شخصية". ولكن لشخصية "دينا" ايضاً بعداً آخر. فهي بتحولها زوجة "كورتيس" تصبح عجينة سهلة بين يديه يشكلها كما يحلو له من دون ان تعبّر فعلياً عما تريده هي. مشهد واحد فقط يتيح لرغباتها ان تظهر وهو عندما تحاول الاتفاق على دور سينمائي لمغنية شابة في رحلة صعودها الى الشهرة. مقابل دور "كليوبترا" الذي يشدها "كورتيس" اليه استكمالاً لخطته استرضاء جمهور البيض، تجد "دينا" في الشخصية الثانية نموذجاً يشبهها او يختزل أحلامها سوى ان صعودها ووصولها الى الشهرة جاء بحسب رغبات "كورتيس". هكذا تحتفظ "ايفي" بهذا النموذج لنفسها إذ انها رفضت ان تكمل صعودها على يدي "كورتيس" لتعود وتبدأ من الصفر تلك الرحلة المرجوة. في كلتا الحالتين، تبدو الشخصية السينمائية لكل من "دينا" و"ايفي" شبيهة الى حد بعيد بمسيرة لاعبتها. "بيونسي" هي الأخرى، مثل "دينا"، لم تحظَ الا بأدوار سينمائية خفيفة مثل "فوكسي كليوبترا" في "اوستن باورز 3" الى ان قررت ان تثور، مثل "دينا"، وان تقبل المخاطرة الني يفرضها دورها في هذا الفيلم. "بيونسي" ربحت بهذا دوراً سينمائياً لافتاً لا يخفي شجاعتها في قبوله. اما "دينا" في الفيلم فكانت مكافأتها لتركها "كورتيس" أغنية "اسمع" المناقضة لخفة الاغاني الاولى بعمقها وأحاسيسها.

هادسن هي الأخرى شبيهة "إيفي" في الحياة. فقد شاركت في مسابقة "أميريكان أيدول" ولكنها حلت ثانية. الا ان انطلاقتها الثانية، كما "ايفي"، ستكون مكافأة كبرى. لعل ذلك يؤكد ان الفيلم هو في جوهره الحكاية القديمة لفتاة الكورس التي تحظى بفرصة الوقوف في مقدمة المسرح خلا انها تُروى من خلال حكاية أخرى لقيام اول مؤسسة موسيقية ناجحة للسود.

ينسحب ذلك الشبه بين الفيلم وتفاصيل من الحياة على مناحي الفيلم الأخرى ليخرج الاخير مزيجاً مدروساً من الفيلم الموسيقي والمحاكاة الساخرة والنوستالجيا. بدءاً بالقصة التي تستلهم من "ذي سوبريمز" لتحولهن الى "ذي دريمز"، يكمل الفيلم في التقاط تفاصيل من تلك الحقبة من تاريخ موسيقى السود. فنلمس الشبه الكبير بين شخصية "بيونسي" وديانا روس ومزيج مارفن غاي وجايمس براون وليتل ريتشارد وجاكي ويلسن في شخصية "جايمس ايرلي"... ولكن ذلك لا يمنع الفيلم من ان يكون فيلماً موسيقياً حقيقياً بزبهته وألوانه وأزيائه وديكوراته وقبل أي شيء بقدرته على ان يعكس التلون والتخبط الموسيقيين اللذين وسما تلك المرحلة.

الخلفية السياسية

يتعاطى الفيلم بذكاء وبدون تشنج مع العنصرية التي كانت متفشية وقتذاك ضد السود وضد موسيقاهم تالياً. ففي واحد من مشاهد الفيلم الذي يصور أداء لجايمس ايرلي امام جمهور من البيض، يطلق مقدم الحفل نكاتاً عنصرية لا تُحصى ولكن "كورتيس" لا يأبه إذ يبدو منشغلاً بحساباته الخاصة حول كيفية اختراق هذا الجمهور وكأن القبول بتلك التعليقات هو جزء من الثمن الذي يتحتم عليه ان يدفعه. ولكن ذلك المشهد لا يُقارن بالخلفية العامة التي يصنعها الفيلم فتختزل كل ما يمكن ان يقال. ففي كواليس صنع الفيلم ان تصويره بدأ مباشرة بعد إعصار كاترينا الذي أعاد إحياء الجدل حول العنصرية التي تتحكم بالعلاقات على خلفية اتهام الحكومة بالتقصير في حماية مواطنيها الافريقيين الاميركيين (فكرة يطرحها السينمائي سبايك لي بتوسع في فيلمه When The Levees Broke). ليس بعيداً من ذلك الواقع، يقدم الفيلم أحداثاً وقعت في ديترويت الستينيات بعدما أفلس قطاع تصنيع السيارات وتسبب بكارثة اقتصادية ضارباً بنموذج التعايش بين البيض والسود الى الأبد. مشاهد الشارع التي تدفع بجايمس الى تقديم أغنيات سياسية وتفتح النقاش حول ضرورة ان تعكس الموسيقى قضايا محيطها هو نفسه ما دفع سبايك لي الى انجاز شريطه الدوكيودزاما "عندما تكسرت السدود".

استناداً الى ذلك، تجدر الاشارة الى ان الشريط يقدم فريقاً تمثيلياً كاملاً من السود فقط وهو ما ليس معهوداً في فيلم من انتاج استديوات هوليوودية. في هذا الاطار ربما يمكن ان نفهم تعليق المخرج كوندون عندما قال ان إنجاز الفيلم بهذه الشروط هو في حد ذاته موقف سياسي في إشارة الى خروجه على شروط الاستديوات. مهما كانت دوافع ذلك فإن المؤكد ان أحداً لن يندم على النتيجة. ذلك ان أداء الممثلين يشكل نقطة ثقل أساسية في الفيلم من الاداء المشحون للوافدة الجديدة جينيفر هادسن الى التمثيل الجليدي الهادىء لجايمي فوكس في دور "كورتيس" الى الاطلالة الميزة لايدي مورفي في شخصية "جايمس ايرلي" والظهور السطحي المقصود لبيونسي في دور "دينا" الجميلة والمستغلَّة يحلق الفيلم في عمارة من الصوت والأداء تضع الفيلم في خانة الفيلم الموسيقي الذي يلعب على الحافة بين الوفاء للنوع وضخه بدم جديد من دون ان يغيب العنصر المسرحي للحظة.

المستقبل اللبنانية في 2 مارس 2007

 

العرض القادم

"رايات آبائنا" و"رسائل من إيو جيما"

عودة مزدوجة لإيستوود  

آخر مرة صنع كلينت ايستوود فيلماً كان في العام 2004 ثم غاب كعادته سنتين قبل أن يطل بجديده. ولكن المختلف هذه المرة انه عاد بفيلمين وليس بواحد فقط مثيراً لدى متابعيه مزيداً من الدهشة والاعجاب. الدهشة من قدرته على مزاولة شغفه السينمائي والاعجاب تجاه سينماه التي لا تخبو فيها المتعة ولا الحرفة. هو آخر السينمائيين الكلاسيكيين كما يحلو لكثيرين وصفه من باب مقارنته بأمثال جون واين وجون فورد وآخرين. ولكنه بخلاف كثيرين، لا يستسلم للحرفة فقط بل انه يعير مضمون أفلامه الكثير من الاهتمام ان لجهة دراسة شخصياته او مراجعة المسلمات. هذا ما يفعله تماماً في فيلمه الأخيرFlags of Our Fathers. بعيداً من الايحاء البطولي والاحتفالي في العنوان، يغوص ايستوود على التفاصيل في مراجعة تاريخية نقدية لواحدة من أشد معارك الحرب العالمية الثانية. في شباط 1945 عندما كان نصر الحلفاء بات واقعاً في اوروبا، كانت الحرب على جبهة المحيط الهادىء مازالت مشتعلة للاستيلاء على جزيرة إيو جيما. من تلك المعركة، خرجت صورة أيقونية للنصر: خمسة جنود أميركيين وآخر من البحرية يرفعون العلم الأميركي على قمة جبل سوريباتشي. تحولت الصورة رمزاً للنصر واستحال الجنود أبطالاً. غير أن حياة اولئك تتخذ اتجاهات مغايرة بعد الحرب. هكذا يزور ايستوود المرحلة التي تبعت التقاط الصورة باحثاً في معاني البطولة ونواحي استغلالها. السيناريو مقتبس عن كتاب جايمس برادلي اما النص السينمائي فبتوقيع بول هاغيز وآخرين والبطولة لراين فيليبي وآدام بيتش وجايمي بيل وجيسي برادفورد وبن ووكر.

هذا نصف الحكاية. إذ أن ايستوود عثر على كتاب في الهة الاخرى، اليابان، "رسائل مصورة من القائد"، يروي وقائع معركة إيو جيما من وجهة النظر اليابانية. هكذا خرج الفيلمان ليكمل واحدهما الآخر من دون ان يشكلا جزءاً أول وثانياً للموضوع. ذلك ان لكل فيلم أسلوبه ومقاربته مع الاشارة الى أن الثاني هو الأكثر سوداوية وفنية فضلاً عن ان الاول ناطق بالانكليزية بينما الثاني باليابانية ومع ممثلين يابانيين. ولكن الفكرة سباقة اي انجاز عمل سينمائي من وجهتي نظر لاسيما ان الأفلام التي تتناول الحروب هي أكثر الافلام عرضة للاستغلال والتشويه التاريخيين وافتقاداً للموضوعية والحيادية. ما يفعله ايستوود في هذه التجربة المزدوجة امران مهمان: الاول الذهاب خلف الحكاية المعروفة والصورة الجاهزة والثاني منح الطرف الآخر الكلمة وتفرد الرؤية. هكذا يخرج الفيلمان في شكل مشروع سينمائي يتصل بمسيرة السينمائي ويختزل موقفه من خلال اختياراته.

تبدأ عروض Flags of our Ftahers في الصالات اللبنانية في 22 آذار الجاري ويتبعه Letters from Iwo Jima بعد أسبوعين في الخامس من نيسان المقبل. اللافت ان ايستوود ترشح لجوائز عن الفيلمين، فنال ترشيحي للكرة الذهب كأفضل مخرج عن الفيلمين كما نال Letters جائزة أفضل فيلم أجنبي في الجوائز عينها. اما الاكاديمية فمنحته ترشيح الاخراج عن Flags of Our Fathers ولكنه خسره أمام مارتن سكورسيزي.

المستقبل اللبنانية في 2 مارس 2007