سينماتك

 

لا مفاجآت ولا «ضغائن» في جوائز «الأوسكار»...

قضايا العالم وفرص الآخر في هوليوود التي ثوّرها أصحاب اللحى

ابراهيم العريس

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

تماماً كما كان متوقعاً. لا مفاجآت ولا احتجاجات لا صراخاً ولا همساً. ومع هذا فإن حفلة توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام لم تكن بليدة ولا روتينية. كانت حفلة تليق بالفن السابع في تطوره الهوليوودي المتواصل الذي يعبّر عنه، مرة جديدة هذا العام، اختيار الأفلام المرشحة للفوز. ومن المؤكد ان من أحب ان يتساءل عن هذا التطور وسره، في عاصمة السينما الأميركية والعالمية، جاءه الجواب بسرعة: على صورة ثلاثة من كبار مخرجي السينما الأميركية، وقد جاءوا تحية لزميلهم الرابع الذي كانوا معه، ومع بضعة من مخرجين وكتّاب آخرين، احدثوا في مسار السينما الأميركية، تلك القلبة التي لولاها لما كان في إمكاننا ان نشهد في هذا الزمن، جوائز الأوسكار تعطى لأفلام اقل ما يقال عنها انها مشرفة. ومن العدل ان نقول عنها انها تعطي السينما مجال الدخول الى عالم السياسة والإنسان والاحتجاج الاجتماعي من الباب العريض (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة). هنا ايضاً لم تكن هناك اية مفاجأة. إذ لم يعد سراً لأحد، ان هوليوود، وربما أكثر من أي متن سينمائي آخر في العالم، باتت تعبّر في قسم لا بأس به من أفلامها عن ضمير العالم في شكل ملموس غالباً، أي من خلال مجابهة القضايا الشائكة بصورة مباشرة، كان من شأنها قبل عقود قليلة ان تفتح جهنم الماكارثيين ضد اهل هوليوود.

خريطة قضايا العالم

كل هذا تبدل الآن. وصار في وسع كلينت ايستوود، مثلاً، ان يشارك في الأوسكار في فيلم يصور جزءاً اساسياً من الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر يابانية خالصة لا شيطنة فيها للعدو على الإطلاق («رسائل من ايوجيما»)، وصار في وسع ليوناردو دي كابريو، ان يطالب بجائزة افضل ممثل، عن فيلم اقام تجار الماس في العالم ولم يقعدهم، لأن الفيلم («الماس الدامي») فضح الجرائم التي تُرتكب لنهب الماس من شعوب افريقيا. ايستوود ودي كابريو، لم يفوزا بما كانا يأملان في ان يفوزا به، لكن فيلميهما كانا هناك، كبيرين علامتين على ذلك التبدل الجذري الذي طاول هوليوود، وجعلها – مثلاً في اميركا اليوم، اعلى الأصوات في الدفاع عن القضايا العادلة، وضد فاشية أي حكم أو اية ممارسات يمينية، ضد بائسي العالم وشعوبه. ونعرف ان هوليوود لم تنتظر خطبة مايكل مور العصماء، قبل أعوام قليلة («عار عليك يا سيد بوش») لتثبت منحاها التقدمي العادل. المنحى الذي ها هي تعود وتؤكده اليوم. إذ هنا، ان استعرضنا الأفلام التي رشحت والتي فازت، أي مجمل الأفلام التي ورد اسمها عشية إعلان نتائج تصويت اهل السينما الزائد عددهم عن 5830 شخصاً (الذين يصوتون للفائزين)، سنجدنا امام خريطة لقضايا العالم وهمومه، وصولاً حتى الى القضية الفلسطينية (من خلال فيلم قصير «حكاية الضفة الغربية») والى قضية مصير الجنود المغاربة الذين ساهموا في تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية ثم نسيتهم فرنسا وأهملت ابناءهم وأحفادهم (فيلم «الأفارقة الفرنسيون» لرشيد بو شارب)... مروراً بالعنصرية وكواليس السياسة والديكتاتورية والفاشية والعولمة وأهلها وأعلامها والإرهاب منظوراً إليه من خلال ما دار في واحدة من طائرات عملية ايلول 2001 الكارثية.

طبعاً لن نعدد هنا كل الأفلام التي كانت مرشحة، ولن نتوقف عند أهل السينما الذين يصوتون بالاقتراع السري لتحديد اسماء الفائزين في 24 فئة فنية، من بين كل ما كان عرض خلال العام الفائت من افلام، كان من المفترض، نظرياً، ان تكون اميركية أو انغلوساكسونية على الأقل، لكن تسامحاً ما، بدأ يمد النسيج في اتجاهات اخرى، وهذا يحسب ايضاً لهوليوود الجديدة. ففي فئات رئيسة طالعتنا اسماء غير اميركية، لعل أبرزها بينيلوبي كروز (الإسبانية في فيلم مواطنها ألمودوفار «العودة») وأليخاندرو غونزاليس اينيراتو ومواطنه المكسيكي غيورمو ديل تورو (مخرجا «بابل» و «متاهة بان» الرائعين على التوالي) وحفنة من فنانين كنديين وبريطانيين ويابانيين وإسبان آخرين. ولعل مثل لائحة الشرف الهوليوودية الجديدة هذه، لا تكتمل في كل ابعادها ودلالاتها من دون ان نشير الى معنى ترشيح فيلم صغير هو «ليتل مس صانشاين» لجائزة أفضل فيلم الى جانب بولدوزورات من طينة «المرحّلون» و «رسائل من ايوجيما» و «الملكة» و «بابل»، لأن سمعة هوليوود السيئة دوماً، وغالباً ظلماً، كانت سلبية بسبب ضآلة اهتمامها بالإنتاجات الصغيرة والتجريبية، من النوع الذي اعتاد مهرجان صاندانس استيعابه («مس صانشاين» مر في صاندانس اولاً)، واعتاد، إن وصل الى الأوسكار، أن يحشر في زاوية صغيرة.

ذهنية هوليوود اليوم

لكن «صانشاين» حضر هذه المرة وكاد يفوز بغير جائزة. ومهما يكن فإن المنطق يقول ان عدم الفوز يساوي هنا، الفوز قوة وأهمية، طالما ان قواعد اللعبة تفترض ان ليس ثمة سوى فائز واحد. ذلك ان المرشحين الباقين الذين لا يكون من نصيبهم ان يحظوا بغالبية كافية من الأصوات لفوزهم، يعتبرون فائزين ايضاً وإن بدرجة اقل. فمثلاً حين يتسابق المرشحون النهائيون فورست وايتاكر وبيتر أوتول ورايان غوسلنغ وليوناردو دي كابريو وويل سميث للفوز بجائزة افضل ممثل، لن يقلل من شأن أي منهم ان تعطى الجائزة الأولى لواحد منهم فقط، لأن المهم – وفي استعارة من تعبير رائع لصلاح جاهين – انه حين أقفز ماداً يدي لأطال القمر، يكون المهم ان أقفز بقدر ما يكون مهماً ان أطال القمر. وما نقوله عن «افضل ممثل» هنا يشمل بقية الفئات. وخلاصة هذا كله انه اذا كان لنا ان نرسم صورة ما، لهوليوود اليوم، فإن هذه الصورة لا يمكن ان ترسم إلا من خلال ثلاث أو أربع دزينات من الأفلام هي التي تبقى مرشحة قبل الوصول الى خط النهاية. وبقدر ما ان الأفلام القليلة الفائزة في الختام (وهي اكثر قليلاً من دزينة من الأفلام) تعتبر صورة حقيقية للذهنية السائدة في هوليوود اليوم، بقدر ما تكتمل الصورة اكثر في مجمل الأفلام المرشحة.

ان نظرة على هذه الأفلام، تبين ان السينما في خير وهوليوود ايضاً في خير – حتى وإن أزعج هذا الكلام البسيط كل أولئك الذين رضعوا كراهية أميركا مع حليب امهاتهم، بحيث بات من المؤلم لهم ان يفرقوا بين أميركا الثقافة والضمير الحي والتقدم، التي نزعم ان هوليوود جزء منها اليوم، وبين اميركا التخلف والحروب الدامية والقهر الاجتماعي والفوضى المعولمة، أي تلك التي لعلها تجد أشرس عدو لها في... هوليوود نفسها -. هوليوود هذه في خير لأنها باتت حاضنة للفن السينمائي الكبير، تجريبياً كان أم كلاسيكياً (سكورسيزي، ديل تورو، اينيراتو، ايستوود، ستيفن فريرز)، ولأنها تستعيد بوضوح ما شكل جزءاً اساساً من تاريخها (الانفتاح على الآخر الآتي، نهائياً أو عبوراً، من قارات وعوالم أخرى)، ولأنها تحمل على كاهلها بعض اكثر القضايا صعوبة وإثارة للسجال (وهو ما سبق ان أشرنا إليه أعلاه)، ولأنها لا تزال اكثر وأكثر قادرة على إعطاء فرص لأصحاب المواهب الكبيرة بصرف النظر عن الجنس واللون والعرق (من الإنكليزية هيلين ميرين في دور الملكة إليزابيث الثانية، الى الأميركي من اصل افريقي فورست وايتاكر في دور ديكتاتور اوغندا... وصولاً الى شخصيات «حكاية الضفة الغربية»...) ولأنها، حتى حين تستعير مواضعيها من الآخرين، تعرف تماماً كيف تستحوذ عليها وتضفي عليها أبعاداً جديدة.

ترى حين نصف هذا كله أولسنا كمن يصف تلك الأسس الأولية التي كان بناة أميركا الحقيقيون قد تبنوها حين بنوا هذه الأمة، ثم جاء أبناؤهم وأحفادها لينسوها قبل ان تستعيد في السنوات الأخيرة تلك النزعة الإنسانية وتلك الأبعاد الفنية التي قد لا يدرك دلالتها الكاملة، إلا من فهم رمزية وجود كوبولا وسبيلبرغ ولوكاس على الخشبة في آخر دقائق حفل توزيع الجوائز، وقد أتوا يحيون رابعهم سكورسيزي، لكنهم أتوا قبل ذلك وبعده، ليتيقنوا من ان ما زرعوه ذات يوم بدأ ينتج ثماره الرائعة ويورف ظلالاً على فن ليس فقط انه لا يريد ان يموت، بل لا يريد حتى ان يشيخ!؟

الحياة اللندنية في 2 مارس 2007