سينماتك

 

حصة للرئيس الفرنسي واعترافاته المتخيلة في جوائز «سيزار»...

«في جلد جاك شيراك»: الصور أفشلت محاولة للسخرية من شاغل الإليزيه

باريس – ندى الأزهري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

ذهبت جوائز الـ«سيزار» السينمائية الفرنسية، بشكل أساسي، الى فيلم «عشيق ليدي تشاترلي» لباسكال فيران، و «عن جدارة»، باعتراف كثيرين حتى الذين كانوا يتوقعون جوائز عدة لمنافسه «السكان الأصليون». وفي طريقه لم ينسَ المهرجان فيلم «في جلد جاك شيراك»، لكارل زيرو فأعطاه جائزة أفضل فيلم وثائقي.

وهذا الفـيلم كان أثار حين عـرض أواسط العـام الفـائـت ضجة كبيرة. فموضوعه الأساس هو اعترافات متخيلة للرئيس الفرنسي جاك شيراك، تخيلها وصورها صحافيان فرنسيان، لا سيما منهما كارل زيرو مقدم برنامج معروف في قناة كانال –بلوس المشفرة الذي تخلى عن برنامجه، لكنه لم يتمكن من الحصول، خلافاً لما يحدث عادة، على مساهمة أية قناة تلفزيونية فرنسية في إنتاج شريطه الوثائقي هذا، فاضطر إلى وضع كل مدخراته فيه.

«التطبع بطباع جاك شيراك» أو «في جلد جاك شيراك»، هو عنوان العمل الذي أخرجه كارل زيرو وميشيل رواييه. وقد قاما، خلال سنة كاملة، بالبحث عن كل ما يتعلق بشيراك في أرشيف التلفزيون، واختارا منه ما لفت نظرهما من «تصريحات متناقضة» و «عبارات منمذجة». كما أجريا لقاءات مع بعض الشيراكيين القدماء للتعرف على دواخل شخصية الرئيس الفرنسي.

وكان زيرو في لقاء معه نشرته مجلة «تيلي نوفل أوبسرفاتور»، قد تحدث عن دوافعه لتحقيق هذا الفيلم وقال انه أراد أن يطرح وبـ «أمانة» هذا الرجل كما هو... بعيداً مما نراه على الشاشة الصغيرة، ومن موضوعية الصحافيين التي وصفها بـ «الوهمية» والتي طالما أصابته بـ «وطأتها» وضغطت عليه كما اعترف.

يبدو الفيلم وكأنه سيرة ذاتية للرئيس، بيد أنه ليس كذلك. فالفكاهي ديديه غوستان يسرد ملامح من حياته السياسية عىل مدى أربعين عاماً، وهو يتخذ نبرة شيراك وصوته ليعلق بصيغة التهكم والانتقاد على كل شيء، كل حدث كما لو كان الرئيس نفسه يتحدث. ولم يستغن الفيلم عن العبارة التي تسبق هذا النوع من الأعمال: «كل تشابه للأسماء الواردة في الفيلم هو من محض الصدفة»! بعدها، يعلن صوت: «خلال أربعين سنة، سمعت ورأيت الكثير من الحماقات ترتكب لاسمي... هذا الفيلم هو وصيتي». تتتابع الصور والأحداث، المضحكة في معظمها، والمنتقاة من الأرشيف من دون أي تسلسل زمني أو خطة ما، مركزة على تاريخ الرئيس في العمل السياسي ومواقفه من بعض القضايا، ومرفقة بتعليقات يلقيها غوستان، ومستوحاة من مواقف شيراك ومن «اعترافات بعض الشيراكيين».

السياسة نداء!

أظهر الصحافيان شيراك كإنسان يفعل عكس ما يقول، يغير رأيه باستمرار معتمداً على مبدأ «الحمقى فقط هم الذين لا يغيرون آراءهم». وكان، على لسان مقلده، يعلق على الأحداث ويبدي رأيه في بعض الأمور، فالسياسة مثلاً «ليست بمهنة بل نداء داخلي، شعور بالواجب». وقد ركز الفيلم في شكل خاص على التناقض الكبير بين أقوال الرئيس وأفعاله. واختار المخرجان أحداثاً من الأرشيف تؤكد وجهتي نظرهما. فها هو شيراك في مشهد (عام 1985) يعلن بحزم: «ليست لدي أي نية لأكون رئيس وزراء ميتران»، ثم في موقف يليه بعد عام يصرح: «لقد عرض عليّ الرئيس تولي مهمات رئاسة الوزراء». وفي مشهد آخر يؤكد: «رئيس الوزراء لا يستقيل»، ثم يعلن بعدها: «أضع استقالتي أمامكم»، وعلى هذا المنوال...

يظهر الشريط أيضاً كيف قضى شيراك على خصومه واحداً تلو الآخر، ويبرز فشله في معالجة بعض المشاكل الحيوية كالبطالة. فنراه يعلن عام 1977، حين لم يكن عدد العاطلين من العمل يتجاوز الأربعين ألفاً، أن تلك المشكلة في طريقها إلى الحل! ومنذ ذلك التاريخ ما زالت في «طريقها». فالجميع على علم بحجم تلك المشكلة في فرنسا اليوم.

ويتهم الفيلم شيراك بأنه لا يحوز برنامجاً محدداً، وأن كل همه هو السلطة التي لا يعرف كيف «يتصرف بها» ويمارسها. وفي هذا المجال أبرز موقفه المتناقض تجاه الانضمام إلى أوروبا وإزاء العنصرية. ففي حديث عن المهاجرين يبدي «تفهمه» للفرنسي الذي يرى في المهاجرين المتعددي الأطفال «متنفعين» من أموال الضمان، و «مسببين للضجيج»، وفوق كل هذا «لهم رائحة».

مجهود ضخم قام به المخرجان لتجميع الصور من الأرشيف، ولكن الصورة التي أرادا أن يبديا فيها الرئيس انقلبت إلى عكسها، فبدا الرئيس الفرنسي من خلال هذا الفيلم الساخر شخصية طريفة مثيرة للابتسام، بل وقريبة من القلب أحياناً، مثابرة ومملوءة بالحيوية لا تتراجع ومستعدة دوماً للنهوض من جديد بعد كل «صفعة سياسية».

وفي ما يتعلق بالصورة التي أرادا التشديد عليها «الكذاب الكبير»، و «المتسلط» الذي يقضي على الخصوم، لم ينجحا في جعل المشاهد يرى في الرئيس شخصية خطرة بما تضمره من مؤامرات ونيات، بل بدا أحياناً وكأنه ضحية (لا سيما أمام ميتران) أو كأن الأمر لا يعدو كونه لعبة. أما عن التغيير المستمر للآراء فلم يأتيا بجديد إلا في ما يتعلق بموقفه من العنصرية.

والمخرج كارل زيرو الذي لم يخف وجهة نظره المختلفة: «لدي آرائي، وأنا طرف ولا أخفي ذلك» يرى في الرئيس شخصية «إيجابية». فهو قد اعتبر أنه (أي زيرو) تلقى صفعة قوية بعدما طرد من عمله في قناة كانال بلوس وهو قد شكك في قدرته على النهوض من جديد وتساءل: «هل سأنهض ثانية مثل شيراك؟ بالطريقة الفعالة نفسها؟ ليس ثمة ما هو أقل تأكيداً من هذا».

الحياة اللندنية في 2 مارس 2007