سينماتك

 

«لغة السينما» لعلي أبو شادي...

رحلة الفيلم من الفكرة إلى الشاشة

دمشق - ابراهيم حاج عبدي

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

في كتابه «لغة السينما» الذي صدرت طبعته الجديدة، أخيراً، عن وزارة الثقافة السورية ضمن سلسلة «الفن السابع»، يسعى الناقد السينمائي المصري علي أبو شادي إلى تقديم لمحة بانورامية شاملة عن العملية السينمائية بمختلف مراحلها، بدءاً من الفكرة والسيناريو مروراً بعمليات التصوير والمونتاج وصولاً إلى إنجاز النسخة السينمائية للفيلم المعدة للعرض في الصالات.

صدرت الطبعة الأولى للكتاب نهاية الثمانينات، وقد حمل عنوان «الفيلم السينمائي»، ثم جاءت الطبعة الثانية منتصف التسعينات تحت عنوان «لغة السينما»، وفي الطبعة الأخيرة، هذه، يستكمل أبو شادي ما يراه قصوراً في بعض مواضع الكتاب، فأسهب في ما سبق أن أوجز فيه، وأعاد ترتيب بعض الفصول، وأضاف عدداً من النماذج التطبيقية من إبداعات فناني السينما المصرية، تفسيراً وتوضيحاً، لتكون الجديدة هي المكتملة، والمعبرة، بصورة دقيقة، عن آراء ومواقف المؤلف.

يجمع السينمائيون على أن العرض السينمائي العام الأول حدث في 28 كانون الأول (ديسمبر) 1895 وأقامه الأخوان لوميير في «غراند كافيه» في باريس، وهذا يعني أن أكثر من قرن مضى على ولادة هذه الفن الذي عرف بـ «الفن السابع»...، وخلال هذا التاريخ مرت السينما في محطات كثيرة من الصامت إلى الناطق، ومن الأبيض والأسود إلى الملون، وعرف هذا الفن، كذلك، الكثير من المدارس والاتجاهات والتيارات، ولمعت في مضمار هذا الفن أسماء كثيرة لا يمكن تجاهلها، الآن، لدى أي حديث يتناول القضايا السينمائية، فهي تركت بصمات واضحة في مجال الإخراج والتمثيل والتصوير والموسيقى التصويرية والمونتاج... لدرجة لا يمكن، معها، إغفال مساهماتها.

في عمق التفاصيل

وكان من الطبيعي، وسط هذا الاهتمام المتصاعد بفن وليد، أن تتكرس قواعد وتقاليد وأسس لصناعة الفيلم السينمائي، بمعزل عن قصته، أو جنسيته، أو مخرجه... هي قواعد عامة تتحكم في العملية السينمائية، شرقاً وغرباً، فمثلما أن للفنون التي سبقت السينما قواعدها وتقاليدها وأساليبها، فإن السينما أيضاً عثرت، بالتدريج، على هذه الأسس والقواعد الخاصة بها، والتي أنشئت لأجلها الأكاديميات والمعاهد التي تدرس الفن السينمائي كحرفة لها قواعد ثابتة، مع الأخذ في الاعتبار أن الفن يتكئ، على رغم وجود هذه القواعد، على موهبة الإنسان ورؤاه وابتكاراته كي يستطيع استثمار هذه القواعد بالشكل الأمثل، والبحث، في الآن ذاته، عن الجديد الذي من الممكن أن يتحول، بدوره، إلى قاعدة عامة.

هذه القواعد العامة هي موضوع كتاب «لغة السينما» لأبو شادي، وهذه القواعد تشمل العملية السينمائية بشكل متكامل، وهو ما يدفع بالباحث لأن يقدم قراءة موجزة للفيلم السينمائي منذ أن يكون فكرة وصولاً إلى الصورة المتحركة على الشاشة في صالة العرض. ثم يدخل الباحث إلى تفاصيل كل مرحلة من المراحل، فيبدأ من السيناريو ليتحدث عن مصادر السيناريو وكاتبه، وعن مبادئ كتابة السيناريو، ومن الطرائف التي يذكرها أبو شادي، هنا، هو أن دوايت سواين أورد في كتابه «كتابة السيناريو للسينما» سبعة شروط لا بد من أن تتحقق حتى يصبح المرء كاتباً للسيناريو. الشرط الأول هو أن يكون ذا عزيمة حديد حتى لا ينسحب نتيجة لأول كلمة (لا) تقال له، وان يكون حاضر البديهة، ومرناً، وان يبدو مبتسماً... إلى أن يصل إلى الشرط الأخير الذي يبدو ثانوياً مع انه هو الشرط الأساسي: الإلمام بمبادئ العمل الإجرائية والوسائل التقنية لكتابة السيناريو.

بعد إنجاز السيناريو تبدأ عمليات التصوير، فيتحدث أبو شادي عن مدير التصوير ومهماته، وعن أدوات المصور السينمائي، ويقدم شرحاً وافياً عن اللقطات ودلالاتها وعن زوايا التصوير وتأثيراتها، وحركة الكاميرا وعن الإضاءة والتكوين والألوان، ليصل إلى الصوت ومعداته والمؤثرات الصوتية والموسيقى ودلالات الصمت، ويولي الباحث عناية خاصة بمرحلة المونتاج التي تعتبر من أهم المراحل في صناعة الفيلم السينمائي، ولها دور كبير في الحصول على فيلم ناجح، فيذكر الباحث قواعد المونتاج ويتحدث عن الزمن والإيقاع وعلاقة الصوت والصورة، وقبل أن ينهي الكتاب بفصل مستقل عن عملية الإخراج التي تعتبر الأساس في صناعة أي فيلم، يقدم لمحة عن الديكور وعن الإنتاج وبذلك يكون قد استكمل مختلف جوانب صناعة الفيلم السينمائي.

ما يلفت الانتباه في الكتاب هو أن الباحث يكرر في أكثر من موقع «أن هذه القواعد ليست ثابتة بالضرورة، ولا يصلح تطبيقها بطريقة ميكانيكية»، وهو هنا يعبر عن قناعة بان من حق الفنان أن يكسر القواعد ويتمرد على التقاليد ليبتكر رؤى وأساليب جديدة، فالفن عموماً لا يتطور في ظل التلقين والاملاءات بل هو يحتاج إلى التجريب والمغامرة واقتحام المجهول بحثاً عن جماليات غير مكتشفة، وعن حلول بصرية غير مألوفة. ولئن سعى الفنان السينمائي إلى تحطيم هذه القواعد المتبعة، فان على الناقد السينمائي ألا يقلل من أهمية أي عمل فني لمجرد انه لا يتوافق مع القواعد التي في ذهنه، بل عليه - عندئذ - البحث في نقاط الاختلاف، وتذوق ما هو جديد بعيداً من القوالب الجامدة كي يتحول النقد، بدوره، إلى فن مواز للفيلم.

قيم انسانية

ولا يغفل أبو شادي هذه النقطة فيقول إن هذا الكتاب يدرك أن «الأهمية الحقيقية هي للقيم الإنسانية التي يعبر عنها الفنان، وليس لابتكار زاوية جديدة للتصوير أو تركيب الفيلم أو خلق إيقاع يتسم بالحساسية والذكاء، بل انه (الكتاب) ينبه إلى خطورة البراعة في استخدام هذه الأدوات وقدرتها على الإقناع حين تستخدمها أيد غير أمينة تساهم في تضليل المشاهد وتزييف وعيه وتعمل على تكريس واقعه في مجتمع قد يكون خلاصه الوحيد هو التغيير». وهو يطالب المخرج بوصفه صانع الفيلم «أن يكون له ثقافته الأدبية والفنية الخاصة وأن تكون له رؤيته الخاصة للمجتمع والكون، وأن يكون لديه ذلك الأرق النبيل، الذي يؤرق كل فنان حقيقي، نحو الكون والإنسان، ومن هنا تصبح لرؤيته معناها ولأفلامه رسالتها الخاصة وهدفها الواضح».

يعتمد أبو شادي في كتابه لغة مبسطة وسلسة، وعلى رغم انه يناقش مسائل فنية وجمالية معقدة، إلا انه يصوغها بأسلوب رشيق وسهل بحيث يمكن لغير المتخصصين في مجال السينما أن يستوعبها من دون مشقة، وهو يدعم شروحاته بإيراد أمثلة عن أفلام عربية وعالمية معروفة إذ يسهل على القارئ أن يذكر المشهد أو اللقطة التي يقصدها أبو شادي ليقارنها بما هو مكتوب، فتترسخ الفكرة في ذهنه، ومع أن موضوع الكتاب لا يحتمل كثيراً إطلاق أحكام قيمة على هذا الفيلم أو ذاك أو تقويم مكانة هذا المخرج أو ذاك، غير أن أبو شادي لا يستطيع أن يتخلى عن كونه ناقداً سينمائياً إذ نتبين رأيه حول أفلام عربية وعالمية فينتقد حيناً ويمدح أحياناً، مع الإشارة إلى أن مدحه أو ذمه يقترنان، دائماً، بحجج نظرية بعيدة من الأهواء الشخصية.

الحياة اللندنية في 2 مارس 2007