سينماتك

 

بابل : الأمريكيّون ملائكة يعيشون وسط غابة البشر

رشا عبدالله سلامة

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

الأمريكيّون ملائكة يعيشون وسط غابة البشر .. باختصار و إيجاز ، هذه هي رسالة فيلم (بابل) الأمريكيّ ، الذي أحرز شهرة واسعة و أرباحاً طائلة ، كما حاز على الجائزة الكبرى في مهرجان (غولدن غلوب) لهذا العام .

قصص مفتعلة ، تذكّر المُشاهد بفقرة (الرابط العجيب) التي تقدّمها قناة (سبيس تون) للأطفال كيّ تنشّط أذهانهم في البحث عن الرابط بين أشياء لا تكاد تشترك بصفة تُذكر .

زوجان أمريكيّان (براد بيت) و (كيت بلانشيه) يسافران للمغرب على الرغم من امتعاض الزوجة وتقزّزّها من قذارة المكان ، لدرجة رفضها شرب الماء أو تناول الطعام هناك فيما عدا (الكولا) لكونها ربما من (ريحة البلاد) !! في صحراء المغرب ثمّة عائلة مغربيّة تقطن كوخاً بائساً و تبتاع بندقيّة من عجوز أهداه إيّاها سائح ياباني للمغرب، أطفال مشتري البندقيّة يلعبون بها ، فيصوّبون بالخطأ على حافلة السيّاح الأمريكيّين فيصيبون كتف الأمريكيّة برصاصة ، ينقلها المرشد السياحي هي و زوجها لقرية مغربيّة صحراويّة لحين وصول الهيلوكبتر الأمريكيّة التابعة للسفارة لإنقاذها . أطفال الزوجين في أمريكا ، والذين يتبيّن أنهم ليسوا أطفالهم في نهاية الفيلم و إنّما ذوي قصّة مقحمة بلا مبرّرّ ، تربّيهم مربيّة مكسيكيّة و تأخذهم معها للمكسيك لحضور زواج ابنها فيتوهان في القفار بين أمريكا و المكسيك في طريق العودة و السبب يعود للمكسيكيّ المخمور الذي أقلّهم ، بالإضافة لقصّة العائلة اليابانيّة التي تعاني ابنتهم من أمراض نفسيّة و التي يكون والدها هو من أهدى البندقيّة للمغربي في الصحراء !!

فليعذرني قارئي الكريم على هذا اللبس الذي أكرهه ، و لكنه تدريب و تهيئة للقارئ كيّ يتعوّد لعبة الرابط العجيب قبل مشاهدته الفيلم الذي أهان جميع الأعراق ، و المسلمين و العرب بشكل خاص.

أراد المخرج المكسيكي (أليخندرو غونزاليس) تصوير الأمريكيّين بطيور السلام و أعلام البراءة في العالم المتوحشّ بأعراقه جميعها . و لا أدري ما الذي دفعه حتّى لزجّ بلاده ، المكسيك ، و شعبها في هذه الإهانات التي خرجت من نطاق (التبطين) ؛ و إلاّ فما معنى تصوير العرس المكسيكي المقام على (مزبلة) ؟ ربط صورة المكسيكي بالمخمور أثناء القيادة و كأنّه لم يحدث أن ساق أمريكيّ يوماً سيّارته تحت تأثير الكحول ؟ تصوير مشهد المكسيكي و هو يفكّ رقبة الدجاجة عن جسمها بطريقة وحشيّة أثارت رعب الطفل الأمريكيّ ؟

تجاهل جميع المدن العربيّة الراقية مثل دبيّ و أبو ظبي و عمّان و بيروت و الإسكندريّة اللاتي ينافسن كبريات المدن العمرانيّة و السياحيّة ، و التركيز على صحراء المغرب المرعبة ؟ تصوير العرب بمن يقاسون الكبت الجنسي بمن فيهم الأطفال ؟ تصوير العرب بمن يقودهم الفضول للتجمهر من غير تقديم المساعدة الفعليّة عندما تُصاب السائحة الأمريكيّة و تُنقل لقريتهم ؟ تصوير الحاجّة المغربيّة التي تستضيف الأمريكيّة في كوخها بمن تناول المصابة غليون أفيون لتخدير الألم و في ذات الوقت تقرأ على رأس المصابة قرآن ؟ إيراد حوار بين الأمريكيّ و المغربيّ الذي على الرغم من مساعدته للزوجة الأمريكيّة المصابة ، إلاّ أنّ الأمريكيّ يسأله بسخرية كم زوجة لك ؟ تصوير طبيب القرية المغربيّة بالملتحي بطريقة مقزّزّة و الذي يعجز حتى عن خياطة جرح ؟

تصوير الشرطة العربيّة بالمتوحشّة و التي تقتل و تضحّي بحياة رعاياها من غير نتيجة مجدية في التحقيقات ، و إن كان ذلك صحيحاً إلاّ أنه كلمة حقّ أريد بها باطل ، ليس أدلّ على ذلك من إيراد مشاهد لكم و لطم رجل الشرطة المغربيّة لعجوز طاعن في السنّ ، و قتله طفل لمجرّد اختبائه في الجبل من غير التحقّقّ من صلته بالعمليّة ضد السائحة الأمريكيّة ؟

و على الرغم من تفضّل الأمريكيّين علينا بمشهد (إحسان) واحد ، عندما قدّم الأمريكيّ النقود للمغربيّ الذي أسعف زوجته ، معتقداً أنّه يريد مقابل شهامته نقوداً ، ليرفض هذا المغربي النقود على الرغم من بؤس معيشته . في مقابل حافلة السياّح الأمريكيّين الذين غادروا عندما ساءت حالة الزوجة التي لجأت للقرية لحين وصول السفارة ، فقد تركوا الزوجة و الزوج و غادروا من غير أيّ تضحية أو إيثار . ولكن (فضلة الإحسان) التي ألقاها الأمريكيّون في هذا الفيلم بعد كلّ هذا التجريح لم تكن لتُحدث تغييراً أو تحسيناً ، فكيف لقطرة إحسان أن تؤثّر في بحر إساءات ؟

أمّا عنوان الفيلم الذي اقتُبس من سفر التكوين (العهد القديم) ، فإنّه يمثّل مبدأ (إذا عُرف السبب بطل العجب)، فماذا ننتظر من فيلم منُتقاة إيحاءاته من ذلك الإرث ؟ حيث أنّ بابل كما ورد في هذا الإرث هي المكان الذي اختاره الله لمّا أراد أن يُخالِفَ بين ألسنة البشر فبعث ريحاً فحشرتهم من كلِّ أُفُق إلى بابل فبلبل اللَّه بها ألسنتهم، ثمّ فرَّقتهم تلك الرِّيحُ في البلدان .

يتبادر لذهني أمرين .. أحدهما شوق لمعرفة رأي من يدحضون أيّ قول يُجرّم هوليود على الرغم من كلّ ما تعجّ به أفلامها من إساءات ، ما رأيهم حول فيلم بابل؟ .. و ثاني الأمرين سؤالاً عمّا تنتظره أمريكا و ربيبتها المدلّلّة إسرائيل من باقي العالم الذي نهبته و أذلّته و نكّلت به ؟ فكيف لأمريكا أن تتوقّع من الطفل الفلسطينيّ الذي يلمّ أشلاء أخوته و يمسح دموع أمّه بيديه أن يكون ببراءة و رقيّ الطفل الأمريكيّ ؟ و كيف لها أن تنتظر رؤية امرأة عراقيّة بتقدّم و نضارة امرأة أمريكيّة فيما جنود الاحتلال الأمريكيّ يتفنّنون في إهانتها و هدر كرامتها ؟ و كيف لها أن تنتظر رؤية بلاد عربيّة فتيّة و متقدّمة مثلها وهي تنهب أراضي العرب و تسرق ثرواتها و استقرارها و تحرمها فرحتها في كلّ لحظة ؟ و كيف لها أن تنتظر من اليابانيّ الذي دمّرته بقنبلتيّ هيروشيما و ناجازاكي أن تُمسح أحزانه و حسراته و لو مرّت عليها سنين طوال ؟ و على أيّ أساس تنتظر من المكسيكيّين أن يكونوا في الصدارة و قد سرقت منهم ولاية تكساس بخيراتها ؟

كيف لأمريكا أن تتعجّب و تتبجّح و كأنّ لا علم لها بما آل إليه العالم بسبب ذراعها الطولى في الهيمنة السياسيّة و الاقتصاديّة على العالم كافّة ، و دعم المغتصب و تبرير إجرامه ؟ كيف لأمريكا أن تنظر للعالم الآخر بزهو و نرجسيّة كتلك التي نظر بها نرسيس للبحيرة ليرى بريق عينيه الساحر على صفحة الماء و ليس لتأمّل البحيرة ؟ كيف لأمريكا بعد كلّ ما فعلته و تفعله أن تستغرب الأوضاع المزرية التي يكابدها العرب خاصّة ؟ وكيف للبعض أن يبرّرّ ما تفعله أمريكا ، و يتعامى عمّا سبّبّته و لا زالت تسبّبه لنا من مآسٍ ؟

فلوّ أنّ السارق يعتقد أنّ حاله سيتساوى و المسروق منه لما نهب .. و لو أنّ المسروق منه يعتقد أنّ حاله سيتساوى و السارق لما غضب و استشاط !!

ثمّة حقائق لابدّ من مواجهتها من غير إنكار و لا حتّى تجميل .. فأن تكون ضحيّة أمر قد يُحتمل .. و لكن أن تكون ضحيّة و يُطلب منك الخرس و التعامي .. فالموت حينها أخفّ وطأة ..

http://rasha_salameh.maktoobblog.com

الوطن ـ عرب أمريكا في 25 فبراير 2007