سينماتك

 

' آخر ملوك اسكتلندا'.. بين العنوان الخادع ومخاطر اللعب مع الطاغية

عرض وتحليل: عماد النويري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

'آخر ملوك اسكتلندا' هو عنوان خادع لفيلم لا يمت بصلة الى ملوك اسكتلندا، وانما هو لقب أطلقه 'عيدي أمين'، على نفسه، وعيدي هذا هو ذلك الدكتاتور الغريب الأطوار الذي حكم أوغندا بمساعدة البريطانيين فى الفترة من 1970 وحتى 1979، وانتهى حكمه بانقلاب عسكري ليقضي سنواته الأخيرة في عزلة حتى قضى نحبه في عام 2003.

الفيلم الذي تعرضه شاشات الكويت 'بعد عمليات القطع والتشويه' لا يقتصر على الحقائق التاريخية وحدها، فهو لايقدم وثيقة تسجيلية او سردا تاريخيا عن وقائع معروفة وانما يقدم رؤية تمزج بين الواقع والخيال، اذ يعتمد على رواية كتبها الصحافي الانجليزي جيلز فودن ونشرت في عام 1998 وحصلت على العديد من الجوائز الأدبية، وفيها نرى الأحداث من خلال شخصية خيالية، لشاب اسكتلندي مغامر، يذهب الى قلب القارة السوداء ليجد نفسه قريبا من عيدي أمين، فكأن الرواية والفيلم الذي كتبه بيتر مورجان وجيريمي بروك، وأخرجه كيفين ماكدونالد يريدان منا كمتفرجين أن نرى الحكاية من خلال وجهة نظر غربي أبيض، وهو الأمر الذي يفرض علينا قدرا من التحفظ في الحكم على موضوعية هذه الرؤية.

بداية العلاقة

تبدأ الأحداث في عام 1971 في اسكتلندا، حيث نرى الشاب نيكولاس جاريجان (جيمس ماكفوي) الطبيب المتخرج حديثا وفكر في الاستقلال عن عائلته والبحث عن مستقبل مختلف، انه يدير نموذجا لكرة أرضية ويغمض عينيه ويضع يده على الكرة فاذا بها تقع على أوغندا، وها هو يشد الرحال اليها حيث يستقل حافلة تأخذه الى قرية صغيرة نائية، ليعمل مساعدا للطبيب ميريت (آدام كوتز) لكنه في عنفوان الشباب يخوض مغامرة عاطفية مع سارة (جيليان أندرسن) زوجة الطبيب. و مصادفات الرواية والفيلم تجعله يصل الى أوغندا في اليوم نفسه الذي اعتلى فيه عيدي أمين كرسي السلطة على اثر انقلاب عسكري، كما أن المصادفات تجعل عيدي أمين يصاب اصابة طفيفة في حادث سيارة بالقرب من القرية، وعندما يستدعون نيكولاس لعلاج الحاكم تكون تلك هي البداية لعلاقة حميمة بين الرئيس والطبيب.

حافة الجنون

الممثل الاميركي فوريست ويتكر يجسد شخصية عيدي أمين ويمسك ويتكر بذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين وجهين للدكتاتور الاوغندي، الأول طفل طيب لطيف المعشر عذب اللسان خفيف الظل، بينما الآخر لشخص يقف على حافة جنون العظمة والشك في الآخرين. هذا التناقض هو الذي يجعل الاقتراب من تلك الشخصية مغامرة محفوفة بالمخاطر لكنها تغري أيضا بالدخول اليها، لذلك لم يملك نيكولاس الطبيب الصغير أن يرفض عرض عيدي أمين بأن يكون طبيبه الشخصي، وهكذا ينتقل نيكولاس من القرية الفقيرة الى العاصمة المبهرة كمبالا.

في النصف الأول من الفيلم نرى العاصمة ذات الطابع الانجليزي العتيق ونشاهد نيكولاس وهو يستمتع من خلال موقعه الجديد بالمباهج التي أتاحها له اقترابه من الحاكم، يسكن في شقة فاخرة، ويسهر في النوادي الليلية، ويطوف في المدينة بسيارته الفارهة، فهو لا يرى من افريقيا الا ذلك المنجم المتخم بالملذات. لن يعبأ نيكولاس في البداية بمخاطر اللعب مع الطاغية، ولن يلتفت الى تحذير رجل المخابرات البريطانية الغامض ستون (سايمون ماكبيرني) الذي كان أحد أعضاء فريق العمليات السرية وراء وصول عيدي أمين ذاته الى السلطة، ولعله كان الفريق نفسه الذي أطاح به عنها بعد سنوات قليلة، بل إن ستون يجعل من نيكولاس من دون أن يشعر هذا الأخير أداته ليراقب الطاغية، وهكذا تنتهي الحال بنيكولاس وقد أوهم نفسه بأنه الناصح الأمين لعيدي أمين، وشريكه في نقل الحضارة الى أوغندا. وقد يكون العكس صحيحا فقد مارس عيدي امين على الطبيب الصغير كل فنون الايهام والاقناع. وقع نيكولاس اذن باختياره في سحر الطاغية، وربما كان يستغل لعب دور المفتون بقرارات عيدي أمين، الذي صارحه عدة مرات باعجابه باسكتلندا والاسكتلنديين حتى انه أطلق أسماء اسكتلندية على بعض أبنائه، كما كان يرتدي أحيانا الزي القومي للاسكتلنديين، وخلع على نفسه من بين الألقاب العديدة التي أطلقها لقب 'آخر ملوك اسكتلندا'، لكن شيئا فشيئا تتفتح عينا نيكولاس على الحقيقة، حين يكتشف اختفاء بعض معارضي الطاغية على نحو غامض. كما أنه يصحبه ذات يوم في جولة يتعرض فيها لكمين لكن نيكولاس يفلح في الافلات بعيدي أمين، ليدرك الطريقة الوحشية التي يتخلص بها الحاكم من خصومه. هذه الوحشية تزداد ضراوة عندما يأمر عيدي أمين بطرد عشرات الآلاف من ذوي الأصول الآسيوية (معظمهم من الهنود) على رغم أن الاقتصاد الأوغندي يقوم على أكتافهم.

صفقة وسياسة

على طريقة افلام الاكشن والاثارة يضيف السيناريو التشويق البوليسي للحدوتة ويقيم نيكولاس علاقة عاطفية مع كاي (كيري واشنطن) احدى زوجات عيدي أمين، وهو الأمر الذي يضعه دائما على حافة الخطر، وعندما يتيقن نيكولاس من أنه وصل في علاقته بالطاغية الى طريق مسدود يقرر أن يغادر البلاد، ويلجأ الى رجل المخابرات ستون الذي يساومه من خلال صفقة ينبغي فيها على نيكولاس أن يغتال عيدي أمين. عند تلك النقطة يفقد الفيلم بعضا من الزخم السياسي الذي بدأ به، ويتحول الى تشويق مفتعل.

مزاج وصدفة

الفيلم السيناريو يقدم وجهة نظر اوروبية لفترة حكم عيدي امين من خلال رواية الطبيب نيكولاس وهي رواية تفتقد المنطق في بعض الاحيان وتفتقد الموضوعية في البعض الاخر. فالصدفة هي التي اوصلت نيكولاس الى اوغندا والصدفة هي التي جمعت عيدي امين بالطبيب لاول مرة والصدفة هي التي جعلت الطبيب قادرا على الفرار والهرب من اوغندا في نهاية الفيلم. والسيناريو والفيلم لم يوضحا لنا ما الاسباب التي جعلت بريطانيا تساعد عيدي امين على الوصول إلى الحكم وهي تعرف - هذا مفترض قبل اختياره ـ انه غريب الاطوار ومزاجي ودكتاتور ـ السيناريو لم يقدم لنا شخصية نيكولاس بطريقة مقنعة فهو منذ وصوله يغوى خيانة اصدقائه فهو يقيم علاقة مع سارة زوجة الطبيب ثم مع زوجة عيدي امين وهو يشارك منذ البداية فى الاعمال اللااخلاقية لعيدي امين وعندما يصل في النهاية الى اتخاذ موقف ضد الدكتاتور فان موقفه يفتقد وجود رفض حقيقي لما يحدث على يد الدكتاتور في اوغندا وانما موقف نيكولاس يعتمد فى جزء كبير منه على توتره وفشله في معالجة موضوع خيانته لعيدي امين. ويتعامل السيناريو مع الشخصيات والافكار من وجهة نظر اوروبية فخيانة نيكولاس لعيدي امين هي شيء عادي يجب المرور عليه بسرعة اما انتقام عيدي امين عندما يعلم بالخيانة فانه تصرف همجي وبربري وغير حضاري . كما اغفل السيناريو ايضا تقديم صورة بانورامية للحياة في اوغندا ابان فترة حكم عيدي امين وسيطر عيدي امين الفرد والدكتاتور على اغلب احداث الفيلم ولم نقترب كثيرا من حسناته او سيئاته.

وجهة نظر

الفيلم 'الفن' استطاع الى حد كبير ان يقربنا من أجواء الأحداث في السبعينات من القرن الماضي ونجح فورست ويتكر فى تجسيد شخصية عيدي امين، واستطاع ان ينتقل ببراعة بين الاوجه المختلفة للشخصية، كما نجح المخرج فى ادارة بقية الممثلين ليقدموا عرضا تمثيليا لايخلو من التفرد والابهار. وساهمت الموسيقى التصويرية في التعبير عن الأحداث في تلك المشاهد التى تنوعت ألوانها مابين الحزن والفرح.

'اخر ملوك اسكتلندا'، من الصعب اعتباره فيلما تاريخيا، كما انه لايمثل وثيقة محايدة يمكن الرجوع اليها للتعرف على الاحداث وانما يمكن اعتباره مجرد وجهة نظر قد نرفضها او نتفق معها لكن من المؤكد انها تحمل قدرا من التسلية.

القبس الكويتية في 6 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك