سينماتك

 

مقابلة متخيّلة مع قادة الفكر والفن يجريها علي الشرقاوي

كتب(ت) علي الشرقاوي:

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

الشرقاوي: أهلا بالضاحك الباكي.. والثائر الساخر.. والكوميديان السياسي والممثل الفيلسوف.. نجيب الريحاني.

نجيب: كل هذا هو نجيب الريحاني يا ابني؟

الشرقاوي: وأكثر من ذلك يا أستاذ نجيب فأنت كما يقول الكاتب محمد العربي أحمد إنك أمام كوميديانات القرن العشرين.. وعمدة كوميديانات الشرق الأوسط.. وقائد كتيبة المضحكين.

نجيب: ألا ترى في ذلك شيء من المبالغة يا ابني؟

الشرقاوي: كل من عاصرك وشاهد أعمالك سيقول إنك يا أستاذ نجيب الريحاني ساهمت في أيجاد مسرح عربي.

نجيب: ولكنك لم تشاهد أعمالي المسرحية.

الشرقاوي: مشاهدتي لأفلامك يا أستاذ نجيب أعطتني فكرة واضحة عن طبيعة أعمالك المسرحية الناقدة للكثير من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها إنسان تلك الفترة.

نجيب: في الواقع مازال الإنسان يعاني من نفس المشاكل كأن مرور قرن من الزمان لم يحرك المجتمع ويغيره إلى الأفضل.

(موسيقى)

الشرقاوي: قبل أن ندخل في تجربتك المسرحية يا أستاذ نجيب الريحاني لابد من المرور على تجربتك الحياتية؟

نجيب: اسمي إلياس نجيب الريحاني، ولدت عام 1889 ونشأت في أسرة من الطبقة المتوسطة بحي باب الشعرية بالقاهرة، أبي من أصل عراقي وأمي مصرية.

الشرقاوي: حدثنا عن دراستك في المدارس النظامية يا أستاذ نجيب الريحاني.

نجيب: درست بمدرسة الفرير بالخرنفش ولكني هجرت الدراسة قبل حصولي على البكالوريا.

الشرقاوي: لماذا تركت الدراسة قبل حصولك على شهادة البكالوريا يا أستاذ نجيب الريحاني.

نجيب: كان والدي تاجرا بسيطا كسدت تجارته فكان لابد لي من العمل لإعالة الأسرة
الشرقاوي: هل تذكر أحداث مهمة عشتها في تلك الفترة يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: في عام 1905 شهدت حادثة دنشواي التي كانت سببا في أحداث تغيرات كبيرة في نفوس المصريين أسفرت هذه الحادثة عن مولد الزعيم المصري مصطفى كامل.. أعقبه محمد فريد.. والتهبت المشاعر المتأججة في نفوس شباب هذا الجيل.

الشرقاوي: وماذا فعلت وأنت بلا شهادة يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: التحقت في عام 1906 بالبنك الزراعي وهناك التقيت بالفنان عزيز عيد والذي كان موظفا في نفس البنك حيث قامت بيننا الصداقة، واشتركنا في تمثيل أدوار صغيرة بعروض الفرق الفرنسية الزائرة.

الشرقاوي: بعض الدراسات تقول إنك انجذبت يا أستاذ نجيب الريحاني نحو المسرح منذ الصغر على الرغم من عدم ثقتك من موهبتك وقد اشتركت في تمثيل نصوص من المسرح الفرنسي.

نجيب: حدث هذا في عام 1907 حيث التحقت بفرقة عزيز عيد الفودفيلية التي كونها.

الشرقاوي: أعرف أنك لم تستمر مع عزيز عيد.

نجيب: وفصلت من البنك لعدم انتظامي في العمل.

الشرقاوي: وماذا فعلت بعدها يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: اشتغلت مع فرق كثيرة منها فرقة سليم عطا الله.

الشرقاوي: والوظائف؟

نجيب: عينت بشركة السكر بنجع حمادي عام 1910 لكني فصلت منها بسبب مغامرة عاطفية.

الشرقاوي: بهذا المعنى لم تستقر في وظيفة ثابتة يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: ربما لأنني لا أصلح لمثل هذه الوظائف، المهم أنني التحقت بعدها بفرقة الشيخ أحمد الشامي وتجولت معها بأقاليم مصر.

الشرقاوي: وهل فرقة الشيخ الشامي استطاعت أن تشبع رغبتك في التمثيل؟

نجيب: من الممكن أن تقول أنها أكسبتني خبرة طيبة بالرغم من كونها لم تستطع أن تشبع بطني.

الشرقاوي: ماذا بعد التجوال في أقاليم مصر يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: أعادتني والدتي إلى شركة السكر في القاهرة، وفضلت بعدها الإقامة في القاهرة لأكون قريبا من الأنشطة المسرحية.

(موسيقى)

الشرقاوي: ماذا قدم الريحاني بعد سلسلة كشكش بك؟

نجيب: قدمت مجموعة من الأعمال الاستعراضية عام .1917

الشرقاوي: ما الداعي إلى تقديم أعمال استعراضية وأنت قدمت شخصية مبتكرة ارتبطت باسمك يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: كان همي آنذاك أن أدخل في منافسة فنية مع علي الكسار الذي كان يقدم هذا اللون بفرقة الأوبريت الشرقي بكازينو دي بار.

الشرقاوي: هل هي منافسة فنية يا أستاذ نجيب الريحاني، أم أن الموضوع هو اصطياد رواد المسرح ومشاهدي المسرح؟

نجيب: كان همي الخروج من الشكل الذي تعوّد عليه الناس إلى شكل مغاير لذلك قدمت أم أحمد، أم بكير، حماتك بتحبك، حمار وحلاوة والتي استمر عرضها ثلاثة أشهر .1918

الشرقاوي: مسرحية (على كيفك) كما عرفت من قراءاتي للكثير من الآراء، قد سادها الغناء والاستعراض وافتقدت للصراع والأحداث المترابطة والكوميديا.

نجيب: هذا صحيح، إلا أنها تميزت بالمشاعر الوطنية والأغاني الحماسية وفي الواقع فقدت أهميتها عقب انتهاء الثورة عام .1919

(موسيقى)

الشرقاوي: تقول إنك تبحث عن شكل مغاير في المسرح، هل توقفت عند الأعمال المسرحية الاستعراضية يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: بالطبع لا، فقد توجهت بعدها إلى لون أرقى وأكمل كالأوبريت لتوفر عناصر الدراما من قصة وشخصيات وأحداث مترابطة ومساحة للكوميديا.

الشرقاوي: هل تعني أوبريت العشرة الطيبة يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: العشرة الطيبة كانت البداية فقد قدمتها 1920 وهي اقتباس من محمد تيمور وتلحين سيد درويش، وكتب بالاشتراك مع بديع خيري خلال ( 1923-1924).

الشرقاوي: هل واصلت العمل مع محمد سعيد؟

نجيب: لا انفصلت عن محمد سعيد واختليت بنفسي طويلا.. حتى هداني تفكيري لشخصية كشكش بيه وقمت بتقديمها سنوات عدة. وربحت منها مالا كثيرا. حتى التقيت بتوأمي الفني «بديع خيري».

الشرقاوي: حدثنا عن هذا التوأم الفني يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: كان يجيد الفرنسية أيضا وكنا نقضي وقتنا على مقهى ماجستيك أو المقهى التجاري.

الشرقاوي: وارتبطتما سويا بصداقة متينة تولدت عنها أفكار جديدة.. وكنت أنت يا أستاذ نجيب كما يعرف الجميع مصرا على أن تجعل الجمهور يبكي من الضحك .. ليس عليك ولكن على نفسه.

نجيب: وبدأنا نبحث عن ماذا نقدم للجمهور حتى نجعله يبكي من الضحك. وتفتق ذهن بديع خيري على المسرح الفرنسي وخاصة مسرحيات موليير الساخرة .. فاقتبس من مسرحياته مسرحية طر طوف واسماها «الشيخ متلوف».

الشرقاوي: من هنا تكونت فرقة مسرحية تحت اسم «مسرح الريحاني»؟

نجيب: واتخذنا مقرا لها بشارع عماد الدين.

الشرقاوي: هل تذكر الممثلين المشاركين في فرقتك يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: بالطبع أذكرهم كلهم فهناك حسن فايق وحسين رياض واستيفان روستي الذي تولى الإخراج بعد ذلك ومحمد كمال المصري، شر فنطح «وماري منيب» وسراج منير الذي أخرج لي ثلاث مسرحيات.. ومحمد الديب.. والمنولوجست سيد سليمان وعهدت إلى طلعت حسن إدارة الفرقة.. أدخلنا بعض الفنانين والفنانات للفرقة... ثم انضمت إلى الفرقة الفنانتان ميمي شكيب زوجة سراج منير وشقيقتها زوزو شكيب ثم الفنانة جمالات زايد التي تزوجها الفنان محمد الديب بعد ذلك.

الشرقاوي: المعروف يا أستاذ نجيب الريحاني أنك ارتبطت عاطفيا بالفنانة التي أذهلت الملايين من رواد ملهاها، وهي الفنانة بديعة مصابني.

نجيب: وتزوجتها وأنجبت منها بنتا.

الشرقاوي: أكثر من كتبوا عن تجربتك الحياتية والفنية قالوا أن بديعة مصابني هي نقطة ضعف نجيب الريحاني.

نجيب: في الواقع كنت أغار عليها.

الشرقاوي: لكن الآخرين يقولون أنها كانت تغار منك ومن نجاحك المستمر وشتان بين غيرة نجيب وغيرة بديعة.

نجيب: هذه الغيرة هي التي حولت حياتي إلى جحيم.. حيث كان نجمي في صعود دائم وهي في هبوط دائم.

الشرقاوي: وكيف انتهت هذه المعاناة يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: استحال العيش معها.. فطلقتها على مضض لكي أنجو بنفسي منها ومن غيرتها التي كادت أن تدمر حياتي.

(موسيقى)

الشرقاوي: في معظم المسرحيات التي قدمتها تلك الفترة يا أستاذ نجيب الريحاني ظهرت فيها، كإنسان شريف نزيه متمسك بالقيم، على درجة من الدهاء والثقافة.

نجيب: ولكن هذا الإنسان يائس مفلس وسيئ الحظ، مؤمن بالقدر، خفيف الظل ومتهكم، ساخر من أوجه الزيف والفساد والمظهرية الجوفاء في المجتمع.

الشرقاوي: ثم تدخل القدر وهبطت عليك ثروة ترفع من قدرك ومكانتك بفضل المسرحية ''الدنيا لما تضحك'' .1934

نجيب: و''بندق أبو غزالة'' الذي كان يسخر من قيادات الدولة المتخلفة في حكم قراقوش ,1936 ثم تحسين المدرس البائس في مسرحية قسمتي ,1936 ''شحاتة'' الكاتب الداهية في إدارة الوقف في ''لو كنت حليوة'' .1938

الشرقاوي: ثم في دور أنور الموظف الصغير في مواجهة فتاة ثرية رعناء أفسدها التدليل في ''الدلوعة'' .1939

نجيب: إضافة إلى دور ''سليمان'' المحامي المفلس الباحث عن كنز في قصر تتحكم في شؤونه عجوز تركية تعيش في الماضي وذلك في ''إلا خمسة'' .1943

(موسيقى)

الشرقاوي: في عام 1945 مثلت دور ''عباس'' في ''حسن ومرقص وكوهين''.

نجيب: في هذه المرحلة بالذات كثفت الخط الكوميدي الانتقادي وأخذت أنهل من صيغ الكوميديا متعددة المستويات ابتداء من الكوميديا الراقية إلى الفارس والكوميديا الشعبية.

الشرقاوي: وماذا عن كمية الهزل يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: خففت قدر استطاعتي من أساليب الهزل والهذر التي لا تخدم غايتي وكانت سائدة في مراحل سابقة.

الشرقاوي: والمتأمل في مسرحياتك وأفلامك يا أستاذ نجيب الريحاني يجد أنها تحمل بين ثناياها بعض الأفكار السياسية.. والتي لا تخلو من الكوميديا الصارخة.

نجيب: كنت أعمل كما تلاحظ بمبدأ.. شر البلية ما يضحك.

الشرقاوي: من هذا المنطلق.. منطلق هذه الحكمة.. بدأ مسرح الريحاني.. واستمر أكثر من نصف قرن؟

نجيب: لا أبالغ يا ابني إن قلت: سار على درب الريحاني باقي المضحكين في النصف الثاني من القرن.. رغم التطور المذهل الذي طرأ على الفكر الاجتماعي.. والثقافات المستوردة أو النظريات التي فلسفت كل شيء حولنا في الوطن العربي.

(موسيقى)

الشرقاوي: من المعروف يا أستاذ نجيب الريحاني أن والدك عراقي مسيحي ووالدتك قبطية مصرية، وقد ولدت في حي إسلامي شعبي بالقاهرة «باب الشعرية» وهناك من يذكر أن يحيى حقي قال إنك كنت من الأجانب الذين أكرمت مصر وفادتهم.

نجيب: طبعا أنا لا أتفق مع كلام يحيى حقي، لأنني مصري ومولود في مصر ولا علاقة لأبي بموضوع مواطنتي.

الشرقاوي: لكنك عشت كما يقال طيلة حياتك تشعر بفارق مكتوم بينك وبين المصريين، وهذا سر وحدتك الملحوظة في حياتك العامة والخاصة.

نجيب: الواقع حياتي قريبة جدا من حياة بيرم التونسي، فأنا من أكثر من عبروا عن سكان أحياء القاهرة القديمة من الفقراء وذوي الأصول الريفية بلهجتهم العامية.

الشرقاوي: وإذا كان بيرم التونسي من أعظم شعراء العامية المصرية الحديثة - إنه لم يكن هو الذي جعلها لغة الشعر. فالريحاني هو الذي ابتكر مع الكاتب أمين صدقي شخصية كشكش بيه وقدمها في مسرحيات على موسيقى سيد درويش.

الشرقاوي: المؤسف كما يشير سمير فريد إلى أنه لم يتم تسجيل أي من مسرحيات يا نجيب الريحاني كممثل بكاميرات السينما - بل ولا حتى مشاهدتها، بل وقل أن توجد منها صور فوتوغرافية ولم يحفظ أرشيف الراديو المصري تسجيلات صوتيه لمسرحياتك.

نجيب: هذا واقع الحال يا ابني، ولكن الحمد لله الذي أوصلني إلى مرحلة التمثيل في السينما وإلا سأكون كغيري من الفنانين الكبار الذين ذهبوا بأعمالهم الرائعة إلى أرشيف ذاكرة بلا صور.

(موسيقى)

الشرقاوي: هل تذكر آخر مسرحية قمت بتمثيلها يا أستاذ نجيب الريحاني؟

نجيب: مسرحية إلا خمسة، وهذه المسرحية الأخيرة كانت فعلا الأخيرة في حياتي. وحياة من قدمها بعدي، الفنان عادل خيري.

الشرقاوي: قرأت لبعض الكتاب من يقول إنك انتقلت إلى رحمة الله قبل أن تكمل فيلم غزل البنات الذي كان مزيجا من مسرحيته، «قسمتي والدلوعة».

نجيب: في الواقع إنني انتقلت إلى العالم الآخر وأنا استعد لتقديم فيلم عن حياتي التي امتدت إلى عام .1949

الشرقاوي: ما هي كلمتك الأخيرة يا أستاذ نجيب الريحاني إلى ممثلي الكوميديا؟

نجيب: لا وجود لكوميديا خارج النقد الاجتماعي، كوميديا الموقف هي قمة الكوميديا.

الوطن البحرينية في 12 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك