سينماتك

 

رفيق الصبان يكتب عن ظواهر جديدة في السينما المصرية

النهضة السينمائية القادمة في مصر قد تكون علي أيدي السيدات

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

< أيتن أمين قدمت معالجة لقصة معقدة لأهداف سويف كان من الصعب أن تجد طريقها يوماً إلي الشاشة

< هالة المدني اختارت تصوير البهجة في حياة سكان المراكب النيلية بدلاً من التركيز علي بؤسهم كما فعل السابقون عليها

< دعاء عجرمة تناولت فكرة جديدة بأسلوب مبتكرة في فيلمها «بيحبني وأحبهش لكنها في حاجة إلي فريد من التعمق والمهارة  

إذا أردت أن تحكم علي مستقبل سينما ما.. فما عليك إلا أن تنظر إلي ما يفعله شبابها.. مايقدمونه من فكر.. وما يطرحونه من أساليب مختلفة.. خصوصا إذا لم تكن هناك رقابة ما مسلطة عليهم.. تحجز عنهم انطلاقة تفكيرهم.. وجنون ابداعهم.

الحكم إذن علي هذه الأعمال الصغيرة. (حكم مستقبلي).. قد يثمر عشرات الزهور البيضاء.. أو قد يقودنا إلي المستنقعات الآسنة التي غرقت فيها السينما المصرية اليوم.

لذلك كانت المفاجأة كبيرة حقا.. ونحن نري مشاريع التخرج التي قدمها شباب المخرجين في «ارت لاب» التابع للجامعة الأمريكية.

عشرة أفلام مختلفة.. خمسة منها اخرجتها شابات موهوبات.. تؤكد بشكل ما أن النهضة السينمائية القادمة في مصر قد تكون علي أيدي السيدات. كما كانت هي بداية انطلاقها ومن خلال سيدات عنيدات شامخات.. وقفن في وجه تيار قاس وظالم واستطعن بفضل موهبتهن وإصرارهن علي إفساح المجال لولادة فن جديد مدهش سيسيطر علي جميع الفنون الأخري في القرن العشرين، عزيزة أمين وبهيجة حافظ وآسيا وفاطمة رشدي. أسماء أضاءت سماء الفن المظلمة في مصر.. وانطلقت مدهشة مضيئة كالشهب تشق أمواج العتمة والجهل.

أنواع سينمائية مختلفة

في أعمال (أرت لاب).. اذن خمس مخرجات قدمن أنواعا مختلفة لسينما يؤمن بها واعتقد أنها ستكون قصب السبق بالنسبة إلي مستقبلهن.

أيتن أمين في فيلم روائي قصير مأخوذ عن قصة معقدة لأهداف سويف تدعي (رجلها) لكل من قرأها اعتقد أنه من المستحيل أن تجد طريقها يوما للشاشة.. لما تحتويه من خطوط حمراء ثقيلة لم تعتد السينما المصرية علي تجاوزها.

في (رجلها) تروي أهداف سويف قصة رجل فحل تصفه بالثور.. تزوجها وهي شابة وعاملها كما يعامل دابة لديه.. ولكنها رغم هذه المعاملة الحيوانية.. كانت تنظر إليه علي أنه قدرها (رجلها) الذي لا يمكن الابتعاد عنه ولا تملك إلا الرضا بسيطرته وعنفه وقراراته الظالمة والتي كان آخرها زواجه الثاني من فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها السادسة عشرة.. ولا تستطيع الزوجة الاولي التي تجاوزت الثلاثين أن تنافسها في قلبه وجسده.

ولكن في ليال طويلة.. غاب فيها الرجل الفحل عن بيته وزوجتيه.. تلجأ الزوجة الثانية إلي البيت الكبير لتحتمي من عاصفة هوجاء ولتداري خوفها من الوحدة وتدعوها الزوجة الأولي إلي البقاء ومقاسمتها السرير كي يبتعد عنها الخوف وتحسسها بالأمان. وفي تلك الليلة المحمومة العاصفة. وفي السرير الذي يضم المرأتين.. يقع المحظور وتترك الزوجة الاولي علي عنق الزوجة الشابة آثار (عضة) محمومة ملتهبة.

وحين يعود الزوج الفحل.. تهمس زوجته القديمة في أذنه.. أن زوجته شكت لها في غيابه عنفه معها.. والأثار التي تركها هذا العنف في عنقها.

ويجن جنون الزوج.. وينهال علي زوجته الثانية ضربا وإهانة.. فهو يدرك تماما أنه ليس صاحب هذه (العضة) المشئومة.. ويلقي عليها يمين الطلاق.. بينما تبتسم زوجته الاولي ابتسامة غامضة وهي تقفل باب غرفة النوم.

قصة أهداف سويف تذكرنا ببعض قصص ألف ليلة.. عرفت المخرجة الشابة أيتن أمين كيف تقدمها بأسلوب سينمائي شديد الرقة والشاعرية.. وكيف تجتاز كافة المناطق الخطرة في هذه القصة الحساسة دون أن تقدم مشهدا واحدا يمكننا أن نصفه بالابتذال أو السوقية. بالإضافة إلي تحريكها الماهر البالغ العذوبة لممثلتيها الرئيسيتين.. وحرصها علي ألا ترينا وجه (الرجل) مركز القصة كلها.. مكتفية باظهار أجزاء صغيرة من جسمه شفتيه القاسية.. يده الصلبة جزء من وجهه العابس.. حركته الحيوانية الغاضبة.

أكسسوارات ثانوية

ثم حسها السينمائي العالي.. وتركيزها.. علي اكسسوارات ثانوية لتأكيد معني القصة الأساسي (الملايا المنشورة التي يتلاعب بها الهواء) (تنقية الرز الفاسد) (الأولاد الذين يلعبون الكرة في الجو الهائج) وسواها.. أيتن أمين كيف تقدم رؤية سينمائية متطورة وشديدة الحساسية لقصة جريئة مرهفة. وعرفت كيف تصنع سينما خاصة بها. سينما تجعلنا ننتظر بلهفة ممزوجة بالفضول فيلمها الطويل الأول.

هالة المدني.. اختارت الفيلم التسجيلي هدفا لها.. واختارت موضوعا سبق لأكثر من مخرج قبلها أن قدمه وهو حياة سكان المراكب الصغيرة الذين يعيشون حياتهم في قواربهم علي الماء.. ويقتاتون مما يصطادون.. ويلبون احتياجاتهم الحياتية الأخري مما يبيعون.

وعوضاً عن أن تري المخرجة.. البؤس في حياة هؤلاء الناس.. اختارت الفرح والبهجة والسعادة التي تغمر حياة أطفالهم.. من خلال أسرة صغيرة انجبت ثلاث بنات وذكرا واحدا.. وقد عرفت المخرجة كيف تختار الأسرة التي تتحدث والموقع الذي يعيشون فيه وهو جسر امبابة الحديدي الذي يطل علي العمارات الجديدة الشاهقة.. ويشكل بناؤه الهندسي الغريب خلفية مليئة بالرموز والاثارة.

الأطفال الذين يدور الفيلم حولهم.. يبدون وكأنهم هبطوا من الجنة شقر الشعور.. وذوو أعين زرقاء صافية.. ووجه مليء بنشوة الحياة وبراءة الطفولة.. ووهج الأمل.

ركزت المخرجة علي العابهم ولهوهم.. ومساعدتهم لأهلهم في العمل.. وهواياتهم الصغيرة وعلاقتهم ببعضهم المليئة بالحنان والتعاطف. ضحكاتهم البريئة التي تهز القارب.. نظراتهم المليئة بالتفاؤل إلي العالم القاسي الذي يحيط بهم.. هزئهم من الفئران التي تبدو خارجة من جحورها. السماء الزرقاء التي تظلهم.. وماء النيل الذي يغسل متاعبهم. هالة المدني صنعت فيلما عن الفرح الذي ينطلق من أعماق البؤس.. وعن الأمل الذي لا يمكن ان يحدث في وجه طفل وابتسامته المشرقة. بينما اختارت شريهان أيمن لفيلمها (انتهت اللعبة) تيمة سبق لامير من أمراء السينما أن عالجها بفيلمه الشهير (5،8). وهو عجز الكاتب عن ايجاد موضوع يكتبه.. إلي أن يجعل من هذا العجز نفسه موضوعا رئيسيا للفيلم الذي يخرجه.

توجه مختلف شريهان أيضا.. جعلتنا نعيش مع طالبة في قسم السيناريو عليها أن تجد موضوعا لتقدمه في امتحانها. وهي تبحث عنه في نقاشها مع زملائها.. أو في استعراضها للشارع الذي تسير فيه.. أو في أرجاء غرفتها الصغيرة.. واخيرا لا تجد ما تقدمه من سيناريو إلا هذا البحث نفسه.

الفكرة مأخوذة عن فيليني وفيلمه.. ولكن التوجه والاسلوب مختلف تماما.. وهو يشي بثقافة الخزن السينمائية.. ومحاولتها اقتحام عالم جديد في الكتابة.

أما دعاء عجرمة.. فقد اختارت ارخص وسيلة للتعبير عن علاقة حب ثلاثية معقدة وجعلتنا في فيلمها الذي اطلقت عليه اسم (بيحبني واحبه) مدي تبدل العواطف وتقلبها من خلال تبدل الرقصات وتنوعها. الفكرة جديدة ومبتكرة والاسلوب السينمائي الذي لجأت إليه المخرجة مبتكر ولكنه مازال يحتاج إلي تعميق أكثر.. وإلي الاحاطة بتلون العواطف وتقلبها بمهارة أكثر.

اذن النساء في هذا الجدول الجديد قدمن اسهما مضيئة انتشرت بضيائها واعطتنا الأمل بأننا أمام نهضة نسائية سينمائية تذكرنا بالنهضة الأولي التي قامت علي أكتافها صناعة السينما في مصر. ولكن هذا لم يمنعنا من مشاهدة أفلام أخري مليئة بالطموح والجرأة والاقتحام قدمها شباب واعد يفهم دور السينما الاجتماعي ودلالته المؤثرة.

في (مفرش أزرق) لمايكل بيوج وهو مصري صميم رغم اسمه الاجنبي ـ واجه المخرج موضوعا احيط بأكثر من دائرة حمراء وبأكثر من قيود ممنوعة. وهو اغتصاب بعض الآباء الذين تجردوا من الانسانية لبناتهم المراهقات. قدم المخرج هذا الموضوع من خلال إبنة عانت هذا الاغتصاب في طفولتها مما دعاها بعد ذلك إلي الانحراف.. وهي الان تزور والدها وهو علي فراش الموت لتواجهه بالواقع القاسي الذي عاشته وكان هو السبب الأول في حدوثه.

المخرج عالج هذا الموضوع الشائك برقة وحزم معا وبصراحة شديدة.. وبشيء من الرؤية دون أن يسقط في واحدة من مشهد مبتذل أو خارج عن الحياء.

كذلك فعل مثلا (رامي عصمت) في فيلمه الذي اطلق عليه (شرف المهنة) وعالج فيه قسوة التعامل من رجال البوليس مع المواطنين التي تصل أحيانا إلي درجة التعذيب والاغتصاب.

موضوع سبق للسينما المصرية أن عالجته بأفلام مثل الكرنك وما وراء الشمس، وزائر الفجر. ولكن مجرد اختيار المخرج لموضوعه يدل علي أن هذه الوسائل اللا انسانية مازالت قائمة ومازلنا بحاجة إلي أن نذكر بها وبمساوئها وحتي المونودراما.. وهو شكل سينمائي جديد ابتدأ يجد انصارا له عبرت عنه المخرجة مني مكرم.. في فيلم (الرحلة) حيث يتحدث زوج مع زوجته في سيارة تقوده إلي المجهول ويراجع حساب حياته معها.. قبل أن نكتشف آخر لحظة في الفيلم انه كان يتحدث مع جثة ميتة.

أما في (عود) فيلم فريد سمير.. فهو مزج بين السينما والواقع.. من خلال فيلم يروي قصة عود تحطم ثم عاد للحياة.. يراه شابا مقدماً علي الانتحار فيغير مسار حياته..

خلطة مرتبكة

فيلم يعتمد علي تقديم اسلوب سينمائي جديد وخلط السينما المتخيلة بالواقع المعاش من خلال خلطة فنية.. فيها بعض الارتباك.. ولكن فيها الكثير من التجديد السينمائي.

ويحاول نادي نسيم في فيلمه (علي السكين) المأخوذ عن قصة قصيرة لتوفيق الحكيم أن يقدم رؤية خاصة عن الموت والحياة.. فيها شيئ من المزاج الاسود المختلط بسخرية حزينة.

أما المفاجأة الحقيقية الكبيرة فقد جاءت من خلال فيلم (قاهرة) لعمرو وشاحي الذي قدم رؤية مدهشة وان كانت تغلب عليها السوداوية والاحباط عن مدينة القاهرة وعن شبابها وطرقها وميادينها الفسيحة وجوامعها.. وأقسام البوليس فيها واداراتها الفاسدة واليأس المتنامي في قلوب شبابها الذي ابتدأ الاحباط يدب في عروقهم ويقتل كل أمل في المستقبل.

من خلال سنياريو مدهش في بنائه. ومن خلال اداء متقن لمجموعة من الممثلين الهواة استطاع المخرج الشاب أن يقدم صورة مختلجة بالعواطف عن المدينة وسكانها.. مبديا حسا ملفتا للنظر.. وتحريكاً واعياً للكاميرا.. وكادرات متقنة تشي بولادة مخرج كبير يعرف كيف يستعمل أدواته كلها بوعي وذكاء وقدرة فنية.

(قاهرة) فيلم يحمل مضمونا ورسالة.. يقدمها المؤلف بأسلوب سينمائي عالمي ومرهف ويجبرك علي ان تتأمل عالمك بنظرة أخري.. وان تنظر إلي قاهرتك هذه المدينة التي استطاعت أن تقهرك من الداخل.. برؤية جديدة.

هذه الأفلام وغيرها اثبتت بشكل أو بأخر أن السينما المصرية لاتزال في جعبتها اسمهم لم تطلقها بعد.. وأن المستقبل القريب قد يقدم لنا مفاجآت لا نتوقعها ترغمنا علي إعادة النظر في هذه السينما العريقة التي تحاول بعض الأصوات المتشائمة الاعلان عن موتها القريب.

وإن العنقاء قادرة فعلا أن تبعث من رمادها من جديد.

جريدة القاهرة في 30 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك