سينماتك

 

رنات وصور وأفلام تخدش الحياء

عن صفقات وفضائح المحمول المصري

القاهرة ـ حمدي رزق

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

من أول لحظة في العام 2006 إلى أول لحظة في العام 2007 كان الهاتف المحمول عنصراً مؤثراً، حاضراً، فاعلاً.. وبقوة، في حياة المصريين. ففي هذا العام صار من الصعب جداً (إن لم يكن في حكم المحال) أن تخلو يد مصري أو مصرية من محموله الخاص. وفي هذا العام أيضاً دخلت شركة ثالثة لخطوط المحمول في مصر، لتكسر احتكار الشركتين الوحيدتين المنفردتين بالسوق منذ تسع سنوات مع بدء دخول الخدمة مصر (شركتي موبنيل وفودافون).

من الصغير إلى الكبير. الكل يتحدث في المحمول، كان العائق في الماضي هو سعر المكالمات والخطوط، و كان المحمول أداة للتعبير الطبقي، من يملك المحمول يملك سمة طبقية تميزه عن الآخرين. الآن الفقراء كالأغنياء.. الكل سواسية كأسنان المشط أمام خدمة المحمول، التي تراجعت أسعارها وشهدت تنافساً في الهبوط بين الشركتين المحتكرتين، تحسباً منهما للشركة الثالثة، التي ستدخل الخدمة في هذا العام 2007 خلال أسابيع. وهكذا ربح الفقراء رهان انتظارهم الطويل، ريثما يحنو عليهم المحمول، وهو ما تحقق، فنالوا جزاء الصابرين صبراً جميلاً !

صفقة هي الأضخم في تاريخ قطاع الاتصالات المصري.. قرابة المليار ومئة مليون دولار، تلك التي فازت بها شركة اتصالات من دولة الإمارات بشراكة مع الشركة المصرية للاتصالات (حكومية) لتؤسس الخط الثالث. الصفقة غيرت الملامح الاقتصادية ـ الاجتماعية لخارطة المحمول المصري، وتواكب ذلك مع هبوط حاد في سعر أجهزة المحمول ذاته، ما جعل العام 2007 أقرب إلى عام "تأميم المحمول" لتوزيعه على كل الطبقات، بالمساواة!

وإلى ذلك، كان للمحمول بعد آخر في حياة المصريين. فالمحمول، بوصفه تقنية اتصالات ومعلومات بالأساس، شهد ثورة حقيقية فيما تحمله شاشاته وما تتداوله الأيدي من خلاله. في الفترة الماضية في مصر توازى نمو واتساع سوق المحمول المصري وشموله كل الطبقات مع ظهور أجيال ـ كاملة من الشباب المصري صديق الحاسوب، مئات الآلاف منهم يقتنون الحاسوب في بيوتهم، حتى لو كانوا فقراء فإنهم يشترونه بالتقسيط، أو يتلمسونه في "النت كافيه" أو مقاهي الإنترنت التي صارت أحد أعلى المشروعات المصرية الأهلية ربحية ورواجاً الآن.

هؤلاء "التقنيون" الصغار استطاعوا التعاطي بتفوق مع برامج المحمول (التي تعد في الأساس عبر الحاسوب) كما استطاعوا نقل المواد السياسية الشائكة (والإباحية كذلك) من مواقع الإنترنت، إلى شاشات المحمول الذي أثبت أنه أسرع من إيقاع صراحته التي تتحول إلى فضائحية أحياناً، من الإنترنت نفسه!

وهكذا صار المحمول القاسم المشترك الأعظم في مشاهد الحياة اليومية المصرية الآن. كبارهم يديرون من خلاله صفقات جبارة لاقتسام سوق اتصالات واعدة، فتتحول صفقاتهم إلى "كروت شحن" في ايدي صغارهم فيمسك الجميع بالمحمول. التظاهرات تخرج برسائل قصيرة (SMS) لتزلزل الشارع وتحشد الآلاف في أقل من 24 ساعة. النكات والتعليقات وتهنئات الأعياد وكذا المقاطع الإباحية، كل هذا يشهد جديداً يومياً في مصر!

"كروت" شحن

حين فاز التحالف الإماراتي ـ المصري بصفقة المحمول الثالث، بادرت الصحف والمجلات المصرية إلى استطلاع آراء الناس في الشارع والمقاهي وفي البيوت عما يريدونه من هذه الشركة!
تحدث الكثيرون عن مظالم الشركتين، وبخاصة المغالاة في أسعار المكالمات، وثمة إحصائية تقول إن 74 في المئة من المصريين يمتلكون خطوط محمول تعمل ببطاقات شحن مدفوعة مقدماً. وهذه الخدمة كانت تقدم بالفعل، وحتى عام مضى وتُوزّع بسعر مبالغ فيه، تعذر على أغلبية المستخدمين، والتفتت الشركتان أخيراً لصراخ الفقراء، ليس من باب الحنو عليهم، بل من باب رؤيتهما لمصير مظلم ينتظرهما حال نزول الشركة الثالثة إلى السوق فعلياً في العام 2007، إنها خسائر بمليارات الدولارات، وصارت حرب أسعار متبادلة بين الشركتين!

ولا يمر شهر ـ وربما أقل من الشهر ـ حتى تقدم إحدى الشركتين عرضاً جديداً للمصريين، تضرب من خلاله أسعار الشركة الثانية، فما يكون من الشركة الثانية إلا أن تقدم عرضاً أرخص خلال 24 ساعة على الأكثر. وكلما ظهرت خدمة جديدة بعروض أرخص، هرول إليها الفقراء ليحصلوا على عدد أكبر من الدقائق المتاحة للاتصال وبسعر أقل. فهكذا لم يعد دفع قيمة بطاقة الشحن إشكالية. الكل الآن، بأقل البطاقات قيمة، يستطيع أن يمتلك وقتاً معقولا للاتصال والتحدث!

لكن من جهة أخرى، بقي المحمول يشكل عبئاً على ميزانية الأسرة المصرية، فسواء هؤلاء الذين يسددون فاتورة شهرية للمحمول أوالذين يتعاملون ببطاقات الشحن المدفوعة مقدماً، وجدوا أنفسهم في ورطة! الفاتورة كالصنبور المفتوح لا تقول للمتصل: قف، رصيدك نفد. الرصيد هنا لا ينفد، وأصحاب الفواتير ألفوا الكلام الكثير في المحمول، وصار جزءاً لا يتجزأ من حياتهم. أما أصحاب البطاقات فتشجعوا على شرائها بعد أن صارت تدر عليهم أضعافاً مضاعفة من الدقائق، باتوا يعوضون بها سنوات من الحرمان !

ونمو سوق المحمول المصرية، شجع قطاعاً من الشباب الذي يكابد البطالة على افتتاح مشروع يسمى (Call Center) أو "مركز الاتصالات". فقبل سنوات كان العاطلون عن العمل من الشباب، يقفون على مفارق الطرق وفي الدروب والميادين يقدمون خدمة المحمول بثلث ثمنها، فيقبل عليهم من لا يستطيع شراء بطاقات الشحن. الآن اتسعت السوق وانخفضت الأسعار وتنوعت الخدمات والخطوط والعروض، ووجد الشباب مشروعاً أكثر أناقة، ويدر المزيد من الربح. إنه محل صغير ـ برغم أنهم يسمونه مركزاً ـ يحوي خطوط محمول عدة، فضلاً عن عدد من خطوط الاتصال الأرضية، يقدم الخدمة الرخيصة للاتصال بالمحمول داخل مصر وخارجها، وبعضهم يطلق عليه "سنترال"، والحكومة ماضية في الترخيص لآلاف جديدة من هذه المحال ـ المراكز، التي باتت من الحلول السحرية المؤقتة للبطالة!

جهاز سياسي

المحمول في مصر ليس فقط وسيلة اتصال شديدة الرواج والشعبية، إنه كذلك أداة سياسية، قطعة من البلاستيك والمعدن مسيسة بطبعها!

ففي العام الذي أغلق دفاتره قبل أيام (2006) افتتح المصريون أيامهم بتصوير تظاهرات القضاة، واجتمعوا على مشاهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين ـ وهو قيد الإعدام ـ يتبادلونها عبر أجهزة المحمول في أيام عيد الأضحى!

وتظاهرات حركة "كفاية" التي كانت الأنشط في الشارع السياسي المصري خلال العامين الأخيرين، تم ترتيبها ـ جميعاً ـ بالمحمول، فثمة رسالة جماعية كانت تبث من الإنترنت إلى عشرات الآلاف من أجهزة المحمول، تدعو أصحابها للاشتراك في تظاهرة تقوم بها الحركة في المكان الفلاني والزمان العلاني، ولا ينسى باعث الرسالة القصيرة (SMS) أن يذكر سبب التظاهرة!

نجح المحمول إذن في مصر كأداة سياسية تجيش المشاعر وتلهب العقول، تحشد التظاهرات وتلعن واشنطن بالشعارات أو بمقطع إعدام صدام حسين، أو تثير الناس ضد النظام تعاطفاً مع القضاة أو كفاية أو حتى الأخوان المسلمين! ولا ينسى المصريون كذلك تبادل التعليقات على الأحداث السياسية عبر رسائل المحمول، وهذه التعليقات تتحول أحياناً إلى سياط من السخرية المفزعة ضد الخصوم، حكومة أو معارضة!

والنخبة المصرية، يندر أن تجد واحداً منها غير مشترك في خدمة الأخبار السياسية من خلال الإنترنت، والذي يبث الأخبار على المحمول لحظة وقوعها في صورة رسالة قصيرة، سرعان ما تتحول إلى تحرك إيجابي لدى من يتلقاها حسب نوع هذا الخبر وتفصيلاته! والنخبة عموماً لا تبخل بمال على أية خدمة يقدمها لها المحمول،وتمثل فائدة جديدة لها!

وفضائحي أيضاً

وما من شك في أن المحمول في مصر لعب دوراً فضائحياً ملموساً ولا يزال! فثمة هوس بين الشباب على شراء أجهزة المحمول المزودة بكاميرات، وقد انتقل هذ الهوس الآن الى الأجهزة المزودة بكاميرتين لا كاميرا واحدة! صحيح أن هذه العدسات معظمها لا يعطي النقاء المطلوب للصورة، لكنها، يقيناً، تؤدي الغرض. والأغراض هنا متعددة، و"الغرض مرض" كما دأب المصريون على القول!

والمحمول المصري صوّر أحداث التحرش الجنسي في عيد الفطر الماضي تصويراً دقيقاً، فهو الذي أدان الراقصة دينا وحولها إلى لجنة تحقيق بنقابة الممثلين المصريين، بعد أن أثبت، بالتصوير، أنها رقصت خارج دار العرض التي قدمت شريطها السينمائي "عليّا الطرب بالثلاثة"، بما أدى إلى حالة من التأجج في شوارع وسط البلد، تلتها محاولات تحرش جنسي أنكرتها أطراف متعددة، وأكبرها المحمول!

المحمول المصري سجل كذلك في الفترة الماضية مقاطع قصيرة تبادلها الشباب لفتيات لا يعلمن أنهن قيد التصوير، وغافلهن ليصورهن كما لا يليق، وتم تبادل هذه المقاطع!

قبل ذلك بسنوات كان أول مقطع فضائحي تم تبادله على المحمول للراقصة دينا مع أحد رجال الأعمال المشاهير، وهي القضية التي هزت الرأي العام كله، بعد أن تمت تعبئة المقطع الكامل على أقراص مدمجة جرى تبادلها على أوسع نطاق!

الدخيل

برغم هذا الهوس بالمحمول، لا يزال قطاع من الناس في مصر ينظر إلى هذا الجهاز الذكي فائق الحساسية فائق الأهمية، بوصفه "شيطان العصر"، الذي أتى بميزة واحدة وألف عيب وجريمة، ورأوا فيه دخيلاً على الثقافة المصرية!

فالمحمول أرهق المصريين اقتصادياً لسنوات متصلة، بخاصة قبل أن تنخفض أسعار مكالماته وأجهزته، ولا يزال يرهقهم بعروضه المغرية التي وإن كانت تخفض الأسعار إلا أنها ترفع حجم المبيعات!

والمحمول حطم ثابتا أساسياً في الثقافة المصرية، وهو (حرمة الأموات)، وكليب إعدام صدام حسين الذي من الطبيعي أن ينفر منه المصريون ـ لأسباب متباينة ـ تبادلوه برواج واضح، بعكس أخلاقهم وتقاليدهم القديمة في هذا الإطار، تماماً مثلما تبادلوا كليب إعدام الصحافي الأميركي في العراق على يد تنظيم "القاعدة" ـ بقطع رقبته بالسيف ـ قبل عامين!

وحوادث التحرش الجنسي التي تقع في القاموس الثقافي المصري في خانة المحظورات و"إن الله حليم ستار"، تم تبادلها على أوسع نطاق في الشهرين الماضيين، وبعضها ذو صورة عالية الجودة!

هكذا ينقم الصريون ـ ممن لا يزالون يتمسكون بأهداب الشخصية المصرية الودودة المحافظة الخيرة ـ على المحمول، وإن كانوا يمسكون به في أيديهم طوال الوقت. يعتبرونه دخيلاً على تقاليدهم العريقة، يبدد الخصوصية ويعطل التواصل الأسري، ويختزل المعايدات الرقيقة التى كانت تتم في زيارات حميمة، في رسائل قصيرة لا تتعدى 15 كلمة من دون روح، ورأوا فيه آلة صماء صغيرة الحجم تسمح بالنذالة وتقضي على الشهامة التي جبلت عليها الشخصية المصرية!

وسواء كان في هذه الرؤية مبالغة أو كان فيها كل الصدق، فإن المحمول في مصر بات كعكة سائغة جداً يلتهمها الجميع، أغنياء من طلاب "البيزنس" بالمليارات، وفقراء من الحالمين بدقائق اتصال أكثر أو مراهقون يحلمون بكسر التابوهات، أو سياسيون يحشدون التظاهرات!

المستقبل اللبنانية في 28 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك