سينماتك

 

جـــولة ســريـعـة فـي صــالاتــنــا الـســيــنــمـائــيـة

حــيــث يــلــتـــقــي غـــيــبـــســـون بـفــــيــبــيـر وســكــوت مـن دون أن يـلــتــقـــوا

هوفيك حبشيان 

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

ما الفرق بين ميل غيبسون وبن لادن؟ الاثنان متدينان الى أقصى درجات التديّن، ومتطرفان في التطوع لخدمة "الايمان" و"القضية العادلة"، ولاساميان. اراهن انهما يحلمان بعالم من أكلة لحوم البشر، حيث الكلّ يأكل الكلّ، فلا يبقى الا الاستعراض المقزز، يتفرجان عليه ويصفّقان له. قد يكون الفرق الوحيد بينهما ذا صلة بالرقم فحسب. فالارهابي الشهير قتل الالوف، اما الممثل الذي لا نعرف كيف صار مخرجاً، ولماذا ومتى، فجعل المسيح يقوم مجدداً كي "يقتل" شخصاً لم يتحمل رؤية ما حصل قبل أكثر من 2000 عام، خلال عرض "آلام المسيح" الذي اقشعرّت له أبدان الكثيرين. هذه قصة قديمة حول فيلم قديم (بالمعنى الحرفي للكلمة)، كدنا ننساه، لكن الظاهر ان غيبسون لم ينسه، اذ يستفزنا مجدداً بفيلم وحشي سمّاه "أبوكاليبتو" (سلسلة "أمبير")، يستعرض فيه استيهاماته وعلاقته الفطرية بالدم (منذ "قلب شجاع" السيىء الذكر) والسادية الطالعة من أعماق العدم والظلامية ومقابر التاريخ. يعمل غيبسون بعكس ابسط قواعد السينما التي تقول ان "الحقيقة" المفترضة تتغير سواء أكانت الكاميرا هنا أم هناك. "ماد ماكس" قبضاي ولا يأبه لذلك. كل شيء عنده حقيقة ثابتة. هذا الكاثوليكي لا يشك في شيء. هنا غباؤه والجانب المستفز فيه. لا قدرة له على الايحاء واشاعة مناخات تعبيرية، الا عبر الواقعية المتطرفة. في حين ان السينما تجاوزت عقدة تصوير الحقيقة. فمن أجل اعادة احياء زمن ماض، يلبّس غيبسون شخصياته أكسسوارات ذلك الزمن وملابسه، ويجعلهم يتكلمون بلغة تلك الحقبة. ثم يدعم المسرحية بنوافير دم ربما لننسى الاهم: ان الحقيقة لا أحد يبلغها. لذا، كل كلمة في السيناريو تجد طريقها الى الشاشة، تجسيداً وزخرفة ونحتاً في جسد الصورة، وهذا يتناقض مع مبدأ الايمان، الذي يطلب من المؤمنين، من أمثال غيبسون، ان يصدّقوا من دون أن يروا.

اذاً، للفيلم ما له من قيمة، اذا استثنينا منه الجانب الاكزوتيكي المطعّم بإيديولوجيا فوضوية، وقد تحتاج موهبة غيبسون الى المزيد من الوقت كي تتحرك من اليقين الى الشكّ. عندذاك قد يستمع اعداؤه الى ما يريد. في المقابل، لا يبدو ان المخرج الفرنسي المتخصص في اشاعة اجواء البهجة، فرنسيس فيبير، يريد ان يرتاح أو يخفف من سرعته في المشي على دروب لا تؤدي دوماً الى القهقهة، انما تصل الى حدود الابتسامة المهذبة من باب ايماننا بأن الكوميديا من أصعب الفنون على الاطلاق وأسرعها وقوعاً في فخ البلاهة والفراغ والكاريكاتور والضحك المضاد. فعلاً، لا يريد فيبير أن يأخذ قسطاً من الراحة لأنه وجد الوصفة السحرية التي تجعله يستقطب الفرنكوفونيين الذين يجدون ملاذهم في بعض "القفشات" الكلامية والمواقف والمفارقات، وهذا ما يمكّنهم من التعويض عن العيش العادي الممتلىء بالهموم. أهمية فيبير انه يتجاوز الاخلاقيات ولا يأبه لأن يكون لطيفاً. تماماً مثل الاخوين فاريللي. سواء سخر من قصر قامة احدهم، أو وضع الفوارق الطبقية والفكرية في مواجهة بعضها البعض، أو ترأف بطيبة رجل مملوء بالفضائل، فالكثير من هذه الاشياء لا يسعه أن يكون موضع عتب. لماذا؟ لأن فيبير يقارع الظلم والتطفل وعدم التسامح من خلال متتاليات بصرية لا تساوم، ولأنه لا يدمّر بقدر ما يسعى الى الترميم والاصلاح. واذا بدا عنجهياً، فهذه مغالطة، وهو كذلك لاسباب نبيلة. الغاية هي المهمة عنده لا الوسيلة. الوسيلة يمكن مناقشتها، أما الغاية فتمزّق هذه "الحيوانات المدجنة" التي يرينا اياها في أفلامه. بلا مبالغة، قد تكون أعمال فيبير عبارة عن عمل واحد ووحيد. والارجح انه كذلك، لأن سينماه لا تزال تؤمن بأن فكرة واحدة قد تختزل العالم، وأن شخصية واحدة، هي شخصية فرنسوا بينيون التي يصطحبها معه منذ "المزعج"، قد تغني عن ملايين البسطاء على هذه الارض.

غالباً ما ينطلق فيبير من أفكار بسيطة، وربما مبتذلة في السينما الاميركية، لينسج قصصاً يبالغ احياناً في حبكتها. في "البديل" (سلسلة "أمبير")، تقوم الفكرة على انقاذ علاقة زوجية تشكو من الخيانة عبر محاولة توجيه انظار الزوجة الى مكان آخر. يلتقط باباراتزي صورة لبيار لافاسور مع عشيقته الـ"توب موديل". كي يتجنب الطلاق الكوارثي، سيحاول اقناع زوجته بأن الذي مع العارضة الممشوقة في الصورة ليس هو بل فرنسوا بينيون الموجود في الصورة بالصدفة. هكذا تبدأ الحكاية وتتوالى المفارقات الفودفيلية على قاعدة "كرة الكذب الثلجية" التي تتضخم وتتعاظم كلما اضيفت فوقها اكذوبة جديدة. يعرف المخرج مهنته جيداً، كيف يؤطر، كيف يقطع، أين يشدّ ومتى يرخي، كيف يصبح ميلودرامياً وعاطفياً، ومتى يلجأ الى عقله. هذه كلها لا تنتج الا فيلماً يليق بالمشاهدة مع هفوات قليلة لكن تأتي في مكانها المناسب. أما الضحك فغائب بحضوره الأخاذ، اذ نتساءل: هل من مؤامرة تحاك ونحن نستسلم لهذا الضحك الشيطاني؟

هذا الشيطان هو ايضاً الحجة التي تتجسد فيلماً في العمل الروائي الطويل الاول لسانتياغو اميغورينا ،"بضعة أيام في أيلول" (سلسلة "أمبير"). تبدأ حوادث الفيلم في 11 أيلول المشؤوم. عميل سري في المخابرات الاميركية يختفي فجأة، وكان يملك معلومات غاية في الاهمية في ما يتعلق بمستقبل البشرية (!). مجموعة من المهتمين سيبحثون عنه. ثمة بهجة نلمسها من جانب اميغورينا، في ان يستّل الكاميرا ويصوّر، هو الذي يقوم بأولى خطواته خلف الكاميرا بعد أربعة كتب ألّفها، وعدد من الافلام اشتغل فيها كسيناريست، اهمها مع سدريك كلابيش. لكن الفيلم في محاولته التفرد وطرق ابواب مغلقة والذهاب ابعد من فيلم التجسس العادي، لا يأتي بمفاجآت تعوض عن الانتظار الطويل الذي نصبح اسرى له. الى ذلك، فان السيناريو يحمل عدداً من الالتباسات الجوهرية، ويصبح الاخراج مضجراً من فرط ما يستخدم اسلوبا ابتكاريا يعتمد على اغواء العين. ثمة ضباب ايضاً يخيّم على تفاصيل الحبكة، مما يجعل نظرة اميغورينا الى الوقائع مفككة وغير نابعة من وعي بالذات. هناك الكثير من المؤثرات التي تثقل كاهل الفيلم فيسقط مسلماً بالامر الواقع: يا سانتياغو، ارجوك عد الى الكتابة، مثلما عاد اد هاريس للمرة الثالثة الى احضان المخرجة انييسكا هولاند كي يجسد دور لودفيغ فان بيتهوفن في Copying Beethoven (سلسلة "أمبير").

التهميش هو ما تشكو منه أفلام هذه السينمائية التي لا تزال هويتها في طور التكوين رغم انقضاء سنوات على بدايتها. فهي تنتقل من قصة الى أخرى من دون أن تبني جسراً بينها. الفيلم لا يتخطى كونه سليماً سواء على المستوى الاخراجي، أو التصويري أو التمثيلي. اذا كنتم تبحثون عن ابداع يليق بعبقرية بيتهوفن، فلا تعذّبوا أنفسكم! واذا كان هناك ما يبعث على بعض الانفعال في دواخلكم، فهو جراء اعتماد موسيقى كهذه. إنه، في أي حال، الالتباس الذي يصطحب معظم الافلام، اذ ثمة علامات استفهام كثيرة، منها هل أن الانفعال مصدره الموسيقى أم الصورة؟ هذا الالتباس، يقع في شباكه أيضاً المخرج طوني سكوت (شقيق ريدلي)، بحيث اننا نحار اذا كان يجب تصنيفه ضمن السينمائيين "السيئين جداً" أو "السيئين فقط". فبعد شريط مغلّف بالغباء من الجنريك الى الجنريك ("دومينو")، يأتينا بعمل جديد اسمه Déjà vu (سلسلة "بلانيت")، من انتاج المشهود له بالخير والعافية جيري بروكهايمر، الذي ما ان نلفظ اسمه حتى تجتاحنا مطاردات وانفجارات ومؤثرات يغرق فيها الكوكب الارضي. لكن، من المستغرب أن سكوت يفلت الى حدّ ما، رغم تعاونهما الثالث، من قيود العمل مع بروكهايمر، الذي يحدد في الكثير من الاحيان هوية العمل بدلاً من المخرج. ثمة في الفيلم، بعض التهوّر والتعظيم الدرامي المبني على قاعدة الضربات المسرحية الشهيرة. الفيلم يخطف الانفاس طبعاً، وهو احد شروط اللعبة، لكن يبقى كل من القلب والعقل بعيداً من هذا الكوكتيل. هذه هي السينما، مكان يلتقي فيه غيبسون وفيبير، وهولاند وسكوت، لكن من دون أن يلتقوا. الاهم أن يلتقي المشاهد ما يحبه.

النهار اللبنانية في 24 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك