«صباح» شريط سينمائي كندي يتحدث عن فتاة سورية تعيش أزمة علاقة في المجتمع الذي انتقل إليه والدها مع الأسرة بحثاً عن إقامة عمل في بلاد الاغتراب. الفيلم يستخدم اللغتين الإنجليزية والعربية في الحوار. وهذه اللفتة ذكية لأنها تشير إلى تلك الازدواجية التي تعاني منها أسرة متمسكة بتقاليدها وثقافتها في بلد غريب يحمل ثقافة مغايرة وينتهج تقاليد مخالفة لتعاليم الإسلام. هذه الازدواجية في استخدام اللغة تعكس في النهاية ازدواجيات مختلفة الأوجه والمستويات بين الحجاب ورؤية العالم الآخر للمرأة المسلمة، وبين عادات تتصل بثقافة تقليدية ومنهج حياة معاصرة تعاكس الكثير من المفاهيم التي نمت في ظلها الأسرة. وتحت سقف هذه «الثنائيات» يركز مخرج الفيلم على «صباح» وهي تلك الابنة اللطيفة التي ضحت بحياتها من أجل سعادة أسرة والدها من خلال الاهتمام بوالدتها المريضة التي تعاني من العزلة بعد رحيل زوجها.

«صباح» في الفيلم هي مركز الموضوع، فهي الفتاة المحجبة والمكلفة بالاهتمام بشئون المنزل وتلبية حاجاته اليومية. وبسبب مهمتها هذه كانت تعاني الحرمان نظراً إلى ابتعادها عن الحياة العامة وما يتفرع عنها من متطلبات. فهي دخلت سن العنوسة وأصبحت تعيش حالات فراغ وقلق وخوف. وبسبب هذا التعارض بين واجباتها المنزلية وحاجاتها الطبيعية والإنسانية دخلت فترة توتر لا تعرف الاتجاه الصحيح الذي يجب أن تسلكه للمحافظة على واقعها وتلبية متطلباتها من زواج وإنجاب وبناء أسرة مستقلة.

فيلم «صباح» متنوع الوجوه والاهتمامات. فهو لا يركز على المحجبة في بلد أجنبي وإنما يتخذ منها مثالاً للانطلاق نحو طرح مشكلة أكثر تعقيداً وتتجاوز مسألة الحجاب. فالشريط السينمائي يشير إلى إشكال العلاقة بين ثقافة عائلة انتقلت معها بالطائرة في رحلة تمتد إلى ثماني ساعات إلى بلد آخر يختلف عن الأصل في المناخ والحياة والعادات والتقاليد وقواعد التربية والمسلكيات الاجتماعية واليومية. وفي الحقيقة تعتبر هذه المشكلة عامة وتتجاوز حدود مسألة أسرة مسلمة. فكل الأسر التي انتقلت فوراً من مناطق إقاماتها في الهند أو الصين أو كوريا أو أميركا اللاتينية أو إفريقيا تعاني من تلك الإشكالات الناتجة عن انخلاع العائلة من جذورها وشجرتها وتربتها والذهاب بعيداً إلى عالم مجهول بحثاً عن العيش أو للعمل في منطقة لا تنسجم بالضرورة مع تلك المفاهيم المنقولة من مكان مختلف.

الأزمة إذاً ليست في الحجاب وإنما في اختلاف الثقافة وهي تولد عادة تلك الصدمة «الحضارية» بسبب التفاوت في التكوين الاجتماعي لأسرة ما عاشت في بلد واضطرت لأسباب مختلفة الانتقال بالطائرة إلى مكان بعيد في بضع ساعات. هذه الساعات ليست كافية لإحداث التغير والتبدل وخصوصاً إذا كانت أصول الأسرة ريفية وانتقلت فوراً من القرية إلى مدينة كبيرة وغريبة من دون المرور في المدينة العربية. مثل هذه القفزة الجغرافية تشكل بطبيعة الحال صدمة للأبناء وكذلك للآباء. فكل الأمور مختلفة من اللغة والدين واللباس والطعام والشراب إلى المفاهيم والعادات والتقاليد والسلوك والنظرة إلى الحياة... وأخيراً وهذا هو المهم في موضوع فيلم «صباح» علاقة الرجل بالمرأة.

إشكال التعارف وما يرافقه من اتصال وتفاهم وعقد قران وانتقال من بيت إلى آخر شكّل نقطة محورية في حياة «صباح» التي تلتقي مصادفة مع رجل في بركة سباحة. اللقطات فعلاً موفقة لأنها عكست حالات الإرباك والخوف والقلق وتوتر الأعصاب والاندهاش من فعل الأحاسيس الأولى وربما الفزع والإحساس بالذنب من وجود رجل في مسبح.

الفيلم إذاً عن علاقة امرأة مسلمة (محجبة) برجل كندي (مسيحي). ومن خلال هذا المدخل العام يتطرق الشريط السينمائي إلى كل المعضلة ويسرد حياة تلك الأسرة التي رحل راعيها تاركاً للشقيق الكبير تدبير أمورها. الشقيق قام بواجباته ونجح على مستوى تأمين المسكن والعناية بوالدته وتغطية نفقات العائلة من تركة الوالد وما وفره من أموال وودائع.

المشكلة ليست إذاً في سلوك الأخ الكبير المسئول عن إدارة شئون أسرة والده الراحل. فالشقيق تحمّل واجباته وأكثر من طاقته ولكنه بالغ في الإشراف على تفصيلات الحياة اليومية إلى درجة التدخل في مسلكيات شقيقاته.

هذا الأخ الأكبر ليس سيئاً في حضانته للأسرة ولكنه شكّل قوة ردع للفصل بين المتطلبات الأخرى وما تقتضيه متطلبات بلد مختلف في ثقافته وسلوكه. فهو مثلاً يريد الزواج ولكنه لا يستطيع ترك مسئولية إشرافه على أسرة والده والانتقال للسكن في بيت مستقل. وأمه المريضة تحتاج إلى عناية ورقابة وهذا ما تكفلت به «صباح». وشقيقته الكبيرة تزوجت وأنجبت ابنة أصبحت في سن الزواج.

وتحت كل هذه الطبقات الأسرية تحصل حوادث القصة. فالأخ يريد تزويج ابنة شقيقته بطريقة تقليدية وترفض الفتاة «الكندية» فكرة الزواج المدبر أو المرتب من دون علمها. والأخ أيضاً يريد من شقيقته أن يقتصر دورها في العناية بوالدته من دون انتباه لشخصيتها وحاجاتها وقلقها على مستقبلها.

وبسبب هذا الإشكال المفروض قسراً على أسرة قيّض لها أن تعيش في بلد الاغتراب تدخل الفتاة المحجبة في علاقة ملتبسة مع «الكندي» ولكن تلك الصلة وصلت في النهاية إلى الحقيقة وهي ضرورة الزواج. المحجبة ضائعة فهي تريد عقد القران ولا تريد، تخاف من قول الحقيقة خوفاً من ردة فعل شقيقها وتتردد في قطع العلاقة حتى لا تفوتها الفرصة. اللقطات هنا أيضاً موفقة لأنها تدخل في تفصيلات الحيرة والارتباك والقلق وعدم المقدرة على كشف الحقيقة.

الشاب الكندي كان في غاية اللطف والنبل والتقدير. فهو متزوج وطلّقته زوجته ويعاني بدوره من العزلة ويمارس مهنة النجارة ويعيش في منزل قريب من حي الأسرة المسلمة. وهو أبدى استعداده لتغيير دينه والذهاب إلى شقيقها وعرض الزواج عليها وفق الشرع الإسلامي والتقاليد الدينية. فالشاب منضبط ومستعد للتجاوب مع كل طلبات ورغبات حبيبته ولكن «صباح» ترددت وتخوفت ولم تقتنع بفكرة التعارف لسبب بسيط برأيها وهو أنها أصلاً لا يجوز لها الاختيار وكذلك لا يجوز لها مخالفة الأعراف والوقوع في غرام رجل قبل الزواج.

فيلم «صباح» فعلاً يسرد حكاية ولكنها واقعية وتتكرر يومياً في بلدان أوروبا وأميركا. وهناك الكثير من القصص المتشابهة التي تتحدث عن مصاعب ومصائب أولاد أسر لا ذنب لهم ولا يتحملون مسئولية التعارض بين ثقافة (لغة، دين، عادات) انتقلت فجأة ومن دون تجارب سابقة من مكان إلى آخر. و»صباح» هي مثال على نماذج متفاوتة ومختلفة ولكنها في النهاية تشترك في طرح إشكال العلاقة بين حضارتين وما تعكسه من أزمات اجتماعية لا تنتهي ولكن الأهم فيها علاقة الرجل بالأنثى. وأبرز ما في تلك الأزمات هي زواج امرأة مسلمة محجبة من رجل أجنبي مسيحي.

الشريط السينمائي يطرح ذلك الإشكال من خلال أسئلة خفية وتصرفات قلقة تصدر عن «صباح». فهل الحجاب هو عازل يفصل المرأة عن الرجل، أم قوة تعطي الفتاة ثقة بالنفس وتعزز مكانتها في العلاقة مع الآخر؟ وهل الحجاب عقبة لصد الرجل ويقوم بوظيفة الجدار الذي يمنع التواصل والاتصال أم أنه يتمتع بدور آخر يرفع من عنفوان الأنوثة؟ وهل وظيفة الحجاب ضبط المرأة في إطار عزلة محكومة بشبكة العلاقات الأسرية الضيقة أم يلعب دور الضابط للحرمة والحامي لما تبقى من ثقافة منقولة أو موروثة من التفكك والانهيار؟ أسئلة كثيرة يطرحها الشريط السينمائي برمزية ومن دون فلسفة. وتأتي الأجوبة تباعاً ومن خلال تداعي الأسرة واقترابها من هاوية الضياع. فالشقيق الكبير المتعصب على خلاف والده الراحل المنفتح وصل أمام مأزق يحتاج إلى حسم واختيار الطريق الأفضل للأسرة وهو إما المحافظة على وحدتها وتعاضدها وإما تمزقها إلى فرق متنافرة تعيش في مناطق متباعدة. واختار الشقيق وحدة الأسرة وتعايشها السلمي من خلال تقديم تنازلات قد تكون شكلية ولكنها ضرورية للمحافظة على تضامن العائلة في مجتمع بارد يميل إلى تحطيم كل علاقات اجتماعية وحارة بين الناس.

الدقائق الأخيرة من فيلم «صباح» سخيفة وسريعة وتنتهي نهايات سعيدة. فالشقيق يصالح شقيقته وأسرة والده. والكندي يتعرف على العائلة ويتزوج من المحجبة. والأم تعاود لعب دور زوجها الراحل للحفاظ على وحدة الأسرة. والفتاة التي ولدت في كندا قررت الزواج من الشاب بعد أن تجاوزت عقبة التعارف حين التقته مصادفة في مكان عام وبمناسبة حفلة مختلطة. وهكذا تعود المياه إلى مجاريها والفتاة التي كادت أن تخلع الحجاب عادت وانضبطت بعد أن تزوجت من الرجل الذي أحبته.

إجمالاً، الفيلم ليس ضد الإسلام ولا ضد الحجاب ولا ضد العادات والتقاليد الملتبسة وتلك الازدواجية في المظاهر الخارجية والسلوك المحاط بالألغاز والسرية. كل هذا وارد في الشريط السينمائي ولكن «صباح» تتجاوز هذه الحلقة لتطرح بقوة شخصيتها إشكال ثقافة منقولة من مكان إلى آخر بالطائرة وتريد حمايتها من محاصرة المحيط وهجمات مجتمع يعيش في زمان غير زمانها. فمن هنا تبدأ الأزمة.

الوسط البحرينية في 11 يناير 2007

 

لا يستهين بالحجاب فقط!

«صباح»... إزدواجـية المعاييـر وتجريـد القيـم

الوسط - محرر فضاءات 

أثار الفيلم السوري الكندي «صباح» بعد عرضه في البحرين ردود فعل عنيفة واحتجاجات واسعة من قِبل الكثير من المشاهدين ممن تسنى لهم حضور عرضه ذاك، الذي أقيم خلال انعقاد «منتدى صوت المرأة الثاني»، المنظم من قبل السفارة الفرنسية في البحرين وباستضافة متحف البحرين الوطني في الفترة من 26 حتى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ويتناول «صباح» - الذي يحمل اسم بطلته - قصة عائلة سورية تقيم في تورنتو بكندا يعولها الابن الأكبر ماجد وتتكون من أم وابنتيها شهيرة وصباح. تقابل الأخيرة، وهي شابة أربعينية لم يحالفها الحظ في الزواج بعد، شاباً كندياً اسمه ستيفن يعمل نجاراً فتقع في حبه، وعلى رغم اختلاف ديانتيهما، وتبادلهما حوارات تقول فيها إنها مسلمة وعليها أن ترتدي غطاءً للرأس وألا تأكل لحم الخنزير، فإن ستيفن لا يبالي بالأمر لأنه غير متدين. في الوقت ذاته، نراه وهو يكتم سؤالاً عن تناقضها إذ تكشف ذراعيها وساقيها في حين تحرص على تغطية رأسها؛ لأن «الشعر مثير» بحسب قولها وتؤكد له استحالة استمرار علاقتهما؛ لأن الأسرة المسلمة ذات الأصل السوري لن تتقبل أجنبياً بينها.

يقرر ستيفن بعد ذلك أن يقرأ عن الإسلام (دين حبيبته)، وتقرر هي التخلي عما تعتبره ازدواجية في المعايير والقيم فتقيم معه علاقة جنسية. وتكتشف أسرتها أمر العلاقة فتجري لها ما يشبه المحاكمة، ما يدفعها إلى الهروب من المنزل واللجوء إلى منزل ستيفن فيعلن ماجد أنها لم تعد تنتمي إلى العائلة؛ لأنها ألحقت العار بها بحكم كونها عائلة متدينة وعربية، غير أن الفيلم ينتهي بنوع من المصالحة بين «الآخر» الكندي والعائلة السورية. الفيلم أخرجته وقامت بتأليفه السورية المقيمة في كندا ربى ندى، وهو ثالث فيلم طويل لها بالإضافة إلى 12 فيلماً قصيراً عرضت في أكثر من 450 مهرجاناً دولياً حول العالم، بينما قام المخرج والمنتج الكندي اتون ايغويان بدور المنتج المنفذ، كما لعبت زوجته الممثلة الشهيرة ارسيني خانجيان دور صباح، وخانجيان ممثلة مشهورة، وهي من أصل لبناني أرمني قامت مسبقاً ببطولة فيلم زوجها الشهير «Ararat»، كما فازت عن دورها في فيلم «صباح» بجائزة الجيني أفضل ممثلة. يشارك خانجيان بطولة الفيلم كل من فاديا ندى (شقيقة المخرجة)، والممثلة والراقصة الشرقية رولا سعيد، إلى جانب ممثلين كنديين، أشهرهم شون دويل في دور «ستيفن»، وهو ممثل برز في عدد من المسلسلات التلفزيونية مثل «Desperate Housewives».

ولعل الاعتراضات التي طالت الفيلم لم تقتصر على البحرين فقط، بل شهدت عروضه في سورية احتجاجات واسعة دفعت بوزارة الثقافة السورية في مارس/ آذار الماضي إلى منع السفارة الكندية من عرض الفيلم بحجة أنه ينقل صورة مغلوطة عن العرب والمسلمين، ونقلت «أخبار الشرق» السورية أن الوزارة منعت عرض الفيلم خلال الأسبوع الثقافي الذي أقيم تحت عنوان «المواطنة» الذي أقامته السفارة الكندية من 19 فبراير/ شباط إلى 6 مارس/ آذار الماضيين؛ لأنه ينقل صورة مغلوطة عن العرب والمسلمين، ولا يراعي القيم الدينية والاجتماعية للواقع الذي يصوره.

كذلك حصل الفيلم على ردود فعل سيئة بعد عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي، إذ اتهم بازدواجيته في المعايير وخلطه بين الدين والعادات، كما أن البعض اعترض على تعمد المخرجة جعل البطلة محجبة، واختصار مفهوم الدين الإسلامي في قضية غطاء الشعر فقط!

بعض الحضور وصفوا الفيلم بأنه يلعب بالمعتقدات ويطرح أسئلة مثيرة للجدل بشأن إشكال العلاقة بين امرأة مسلمة ورجل مسيحي. وبعض المشاهدين اعترضوا عليه صمتاً بالخروج قبل نهاية عرضه، في حين آثر بعض الذين شاهدوه حتى النهاية أن يصفوه بأنه «لعب بالإسلام» وان كان آخرون اعتبروه عملاً مهماً في سياق فهم الآخر والتواصل معه.

وعبرت الناقدة المصرية فريدة مرعي عن استيائها الشديد من الفيلم الذي وجدت فيه «سخرية من الحضارة العربية التي تبدو متناقضة وغامضة»، وأشارت إلى أنها كانت تتوقع توازنا لكن المخرجة جعلت الجانب الإسلامي يقدم تنازلات كثيرة مقابل تنازلات قليلة من الجانب الكندي وكل ما فعله الآخر هو تغيير دينه. «قطر نت» نشرت مقال مفاده أن «الفيلم يحطم الصورة النمطية للعرب، فلا هي أسر محافظة وكل ما في الأمر أنها واقعة ضحية لتقاليد تجاوزها الزمن، ولا يمكن ممارستها في المجتمعات الليبرالية».

أم الناقدة مي إلياس فترى أن المخرجة ندى تدافع في فيلمها كذلك عن حق الفتاة العربية في اختيار شريك حياتها من دون أن يتم فرضه عليها من قِبل أهلها وهي مسألة مشروعة أيضاً، ولكن الإطار الذي تم تقديمها فيه سيوحي للمشاهد الغربي بأن هذا الأمر جزء من تعاليم الإسلام بينما هو في الواقع عرف اجتماعي شائع يتناقض مع الحرية التي كفلها الإسلام للمرأة لاختيار شريك حياتها. وتؤكد إلياس أنه كان أجدر على المخرجة أن تكون دقيقة في طرحها التنبه إلى هذه المسألة وتوضيحها للمشاهد الغربي، «فالعرف مسألة تختلف تماماً عن الشرع أو الدين والفيلم يقع في منطقة تخلط بين الأمرين وتعكس صورة مشوشة عن الإسلام كان يمكن تلافيها في جملة توضع على لسان الأم أو (صباح) تنبه الأخ إلى أنه يتعدى على حقوق البنت في حرية الاختيار ويخالف تعاليم دينه الذي لا يقر الإكراه على الزواج، جملة كهذه تشكل فرقاً كبيراً في ذهن المشاهد الغربي والقضية الأخرى التي أرادت المخرجة ندى أن تسلط الضوء عليها من خلال الفيلم هي حق المرأة المسلمة في الزواج ممن يختاره قلبها حتى لو كان مسيحياً وهي مسألة مقبولة كذلك إذا كان الشاب مثل (ستيفن)، مستعداً للتحول إلى الإسلام ليندمج مع عائلتها ومع مجتمعها، لكن ندى تذهب بعيداً جداً في معالجتها الدرامية وبدلاً من أن تبحث عن توازن في الخيارات، جردت (صباح) من كل قيمها التي تؤمن بها لتستبدلها بقيم وقناعات جديدة إرضاءً لحبيبها».

الوسط البحرينية في 11 يناير 2007

كيف الحال ... فيلم سعودي أم حكاية سعودية

قراءة - حميد تاكني

قدمت روتانا للمشاهد السعودي والعربي والعالمي مفاجأة من العيار الثقيل خلال السنة المنصرمة2006، تتمثل في إقدامها على إنتاج أول فيلم روائي سعودي طويل تحت عنوان (كيف الحال). وبالنظر للإمكانيات الكبيرة التي تتوفر عليها الشركة، فقد كان منتظرا أن تتبع هذه المغامرة السينمائية سيل من المتابعات الإعلامية والمقابلات التلفزيونية وذلك من أجل الإعلان عن هذه الباكورة السينمائية. وقد كنا نترقب بكل شغف عرض الفيلم في أي قناة عربية حتى ندلوا بدلونا في هذه السابقة التي أرخت لدخول السعودية كاسم جديد إلى نادي السينما العالمي. والحقيقة أن الحديث عن أول فيلم سعودي في ظل عدم وجود أي صالة لعرض الأفلام في كل مدن المملكة العربية السعودية، يعد ضربا من الخيال وفي نفس الوقت تحديا كبيرا للفنانين السعوديين الذين كانوا يغالبون ولعهم السينمائي بالاتجاه للعمل الدرامي والمسرحي. ولقد قيل الكثير عن الفيلم قبل وبعد عرضه، وقد تكون هذه القراءة المتواضعة تتباين في حمولتها الفنية والأدبية أو تختلف مع ما نشر ولكن المهم من هذا كله أن الفيلم السعودي الأول هو مؤشر إيجابي على البدايات الأولى لصناعة الأفلام، والمطلوب منا هو تشجيع هذه البادرة الفنية والعمل على المساهمة في تطويرها من خلال نقد سينمائي هادف وبناء.

إن أول ملاحظة تم تسجيلها أثناء عرض الفيلم هو أن الأضلاع الأساسية الفنية والأدبية لهذه الباكورة السينمائية لا تسجل أي اسم سعودي لا على مستوى الكتابة ولا الإخراج، فهل الفيلم نسب إلى السعودية لكون الموضوع المعالج فيه يعالج مشاكل وإرهاصات سعودية فقط؟؟ لا أظن هذا صحيحا، لأن هناك على سبيل المثال، مخرجون أمريكيون تطرقوا لمواضيع خارجة عن المحيط الأمريكي ومع ذلك فالأفلام ظلت أمريكية من دون النظر إلى كنه الموضوع المصور. وما دام أن مهمة الإخراج قد أسندت لمخرج كندي والسيناريو تم بواسطة كاتب مصري فلا أرى أن الفيلم يمكن أن ندرجه في الفيلموغرافيا السعودية اليافعة. إذ انه لا يحمل من السعودية إلا أسماء بعض الممثلين الأساسيين في الفيلم.

قدم الفيلم صورة روتينية مكررة لما رأيناه في مسلسلات درامية خليجية كثيرة، ولم يضف أي قيمة جمالية أو أدبية للحقل الفني عامة، وأكاد أجزم أن المتلقي الذي كان يشاهد الفيلم كان يعرف من بداية الفيلم، نهايته وسير أحداثه. فالقصة بسيطة وساذجة ولم يكن بالإمكان حصول اي مفاجآت على مستوى سير الأحداث مادامت الفكرة الأساسية للفيلم التي تعاونا على كتابتها كاتبان من قطرين مختلفين!! لا تقدم أي أفق إبداعي يمكن من خلاله إرساء دعائم منتوج فيلمي أحسن من الذي شاهدناه. لقد كانت هذه الباكورة كما أسمتها بعض وسائل الإعلام العربية، أقل من الحجم الكبير والضخم الذي أعطي لها ولم يكن الموضوع المعالج في العمل سوى صورة كربونية كررتها أعمال كويتية وسعودية من طينة "طاش ماطاش". وقد أبان منتجو الفيلم عن النية التجارية المقاولاتية من أول منتوج سعودي كما أسموه حينما راهنوا على وجوه شبابية مثل السيد (هشام الهويش) قصد تحقيق حضور شبابي كبير للفيلم، وقد جاء أداء بطل الفيلم أقل من المتوسط وبعيدا عن الأداء السينمائي العالي الذي يتحقق عادة بالتمرس والمشاهدة والمتابعة للأعمال السينمائية العالمية، ومن الواضح أنه غاب عن منتجي الفيلم بأن أكاديمية (ستار أكاديمي) ليست في مستوى تكوين ممثلين أكفاء وليس كل من فاز بلقبها أمكنه الدخول إلى العالم السينمائي الحقيقي.

لقد كانت الفكرة البائدة المستهلكة في الفيلم هي ذلك التناول المشين لشخصية المتدين ولقد سقطت الأفلام المصرية كثيرا في هذا المستنقع ولم تستطع أن تبلغ أياً من أفكارها للمتلقي المصري والعربي لأنها كانت مشحونة بصفة الإساءة للمتدينين أكثر من تركيزها العقلاني على مكامن الخطأ والصواب في هذه التجربة، وكلنا يذكر الهزيمة المرة التي تلقاها المنتوج المصري حينما حاول أن يذهب بهذه الأفكار بعيدا عن الديار المصرية. وقد كانت الفاجعة الأولى سقوط فيلم (الإرهابي) لعادل إمام في مهرجان السينما العربية في معهد العالم العربي في باريس، حيث وصفه المتتبعون ومنهم النقاد الفرنسيون بأنه تناول سينمائي ساذج وفقير ولا يرقى لمعالجة عقلانية لمسألة التطرف وبالمقابل فقد توجت لجنة التحكيم فيلم "باب الجومة للواد" للمخرج الجزائري مرزاق علواش كتحفة سينمائية تستحق التشجيع والتصفيق نظرا لجرأتها الواسعة وتحليلها الواقعي للظاهرة الجهادية في القطر الجزائري. إن السؤال الذي يمكن أن نطرحه بعد نهايتنا من مشاهدة فيلم "كيف الحال" هو هل فعلا هذا هو الفيلم الذي كان ينتظره السعوديون ليكون معبرا عن همومهم وإرهاصاتهم؟ هل فعلا هذه هي حدود تفكير السعوديين؟؟ لا أظن هذا فجل الأفكار المدرجة في الفيلم ظاهرا أو ضامرا قد نوقش في كثير من الأعمال الدرامية الخليجية ولم نكن بحاجة إلى أن يكون هذا الفيلم أول من يرشدنا إلى مواضيع تم استنزافها في أكثر من عمل ومسلسل ومسرحية. لقد تبين من فيلم "كيف الحال" أن البداية السينمائية أراد لها الساهرون عليها أن تكون بداية في حضن المهد المصري وهذا سيشكل خطرا صريحا على سينما يافعة وشابة قد تجد نفسها مكبلة بطبائع الأخ الأكبر التي هي السينما المصرية التي تقدم حاليا مستويات مهزوزة على المستويين الأدبي والتقني بعيدا عن اسس السينما العالمية المتمثلة في الفرجة والجمالية.

من الممكن أن نتغاضى عن قصة الفيلم المهزوزة والأداء العادي لبعض الممثلين في الفيلم ولكننا نظل حريصين على أن السعوديين يجب أن يصنعوا افلامهم بأنفسهم وبمجهوداتهم معتمدين في ذلك على الخامات المتوفرة داخل الوطن ومستنبطين أفكار أعمالهم من المعيش اليومي للمواطن. ولقد أبانت التجربة عن فشل كل محاولة أريد لها أن تكتب بأيادٍ أجنبية والكل شاهد العمل الدرامي "الحور العين" للمخرج نجدت أنزور وهو يتهاوى أمام سيل المقالات والقراءات النقدية التي وصفته بأنه عمل بعيد كل البعد شكلا ومضمونا عن الواقع السعودي. لقد كنا ننتظر فيلما أكثر عمقا وأداء أكثر احترافية وإخراجا يتماشى والإمكانيات الكبيرة والضخمة التي تتوفر عليها شركة روتانا ولكن النتيجة كانت مخالفة لما كنا نتوقعه وننتظره.

لقد طرح الناقد العربي (أمير العمري) في موقع "بي بي سي" العربي تساؤلا صريحا مفاده أن البعض ممن شاهدوا الفيلم سوف يتساءل: إذا كانت أغلبية الأفراد داخل الأسرة الواحدة على كل هذا النحو من التفتح والتسامح والانفتاح على الدنيا (الجد والأب والأم وأحد الولدين والفتاة فما هي المشكلة إذن في أن يظل التشدد محصورا في شخص واحد داخل العائلة الذي يحل مشكلته بشكل أقرب إلى السحر أثناء لقاء قصير في مخفر الشرطة؟؟ هذه إشارة صغيرة إلى كون قصة الفيلم لم تكتب بطريقة احترافية عميقة بل شاء الكاتب أن تكون نهاية الفيلم هي نهاية المشكلة بشكل كلي، في حين أن الأسئلة السينمائية الحارقة والموجعة تبتدئ بنهاية الفيلم ولا يمكن أن نحدد توقيت عقدة الفيلم بنهاية مشاهدته. لقد آن الأوان أن يلتفت صناع الأفلام الهواة والمحترفون في السعودية إلى ضرورة عيش التجربة السينمائية بما يتوفر لهم من الطاقات المحلية لأن لا أحد يرضى أن يكتب تاريخه السينمائي بأقلام أجنبية إلا إذا كانت هناك نية للاستعانة بالكوادر الأجنبية في أحد التخصصات الفنية أو التقنية.كما وجب الابتعاد عن التأثر بالأفلام المصرية في شكلها ومضمونها خصوصاً وأننا نراها تعيش أحلك أيامها فيما هناك سينمات تتقدم إلى الأمام حاصدة الجوائز في كثير من المناسبات والمهرجانات، وأكبر مثال على هذا السينما المغاربية التي أصبحت تثير الانتباه وتنتزع التصفيق في كل أقطار العالم لا لشيء إلا لأنها التزمت باحترام المتفرج وتقديم إنتاجات ملتصقة بالواقع وأقرب إلى تساؤلات المواطن وإرهاصاته.

@ ناقد سينمائي مغربي 

الرياض السعودية في 11 يناير 2007

 

الفيلم يتعرض بذكاء وخفة لكل كليشيهات ومحرمات المجتمع المغربي

الإبداع والذاكرة في"ما أجمل العالم" للمغربى فوزى بن سعيدي

هدى ابراهيم-الفرنسية-

 

يكون المخرج المغربى فوزى بن سعيدى فى شريطه السينمائى الطويل الثانى "ما أجمل العالم" "وات اى وانديرفول وورلد" عالما خاصا تدور أحداثه فى مدينة الدار البيضاء حيث يعرض بذكاء وخفة لكل كليشيهات ومحرمات المجتمع المغربي.

ويقول المخرج "أن السينما شكلت شيئا أساسيا فى مراهقتى وكما يمكن للمرء أن يتكلم عن ذاكرته طفلا فى القرية يمكن لى ان اتكلم عن مراهقتى فى قاعات السينما".

ويخضع الفيلم وهو من انتاج فرنسى مغربى المانى مشترك إلى نوع الكوميديا السوداء لأساليب ورؤى مختلفة خاضعة لترانيم ذاكرة سينمائية انبنت باكرا عند المخرج الذى كان يشاهد خلال فترة مراهقته ثلاثة أفلام فى اليوم.

ويبدو أن المخرج المغربى الأبرز فى جيله والأكثر شهرة عالميا من بين المخرجين المغاربة قطع شوطا كبيرا بعد ألف شهر فيلمه الأول فى تفكيره بالسينما وهو هنا بدا متحكما بلحظات فيلمه جميعا ومتمتعا أكثر بخصوصية لغة نجح إلى حد كبير فى تكوينها بل اعادة انتاجها من ذاكرة السينما التى اختبرها.

وتستند كل العناصر والأساليب المركبة داخل الفيلم الذى أخذ عنوانه من أغنية للويس ارمستورنغ إلى مرجعيات واعية أوغير واعية لدى المخرج تذكر بأعمال عمالقة السينما الكبار مثل "هيتشكوك وفلليني" و"جاك تاتي" واليابانى "غيتانو او بريان دى بالما".

ويقول المخرج "اعتقد ان هذا الفيلم أقرب إلى من فيلمى السابق على مستوى ما أريد فعله وقوله فى السينما وفيه مقاربة لأفلام النوع كأفلام البولار والكوميديا السوداء والأفلام الساخرة وقد تسليت كثيرا فى عمل فيلم منفتح على التجريب وهذا كان موجودا وأن على نحو اثل فى فيلمى السابق الف شهر".

ويضيف بن سعيدى بصدد "ما اعتبره بعض النقاد فى المغرب مغامرة الاحساس الذى رافقنى من بداية الفيلم وبقى معى حتى النهاية هو احساس تام بالحرية وبدون اقامة اعتبار لاى شيء او لصعوبة الفيلم الثانى ومسيرتى بعده".

أحداث الفيلم عامة تنسج حول قصة حب تدخل على عالم الشباب من الفقراء الذين يعيشون فى مدينة مفتوحة على تكنولوجيات المعلوماتية والاتصال لكنها فى عمقها تظل مدينة شمال افريقية قائمة فى العالم الثالث وناسها فقراء تسكنهم أحلامهم ومحاولاتهم المتكررة لتخطى واقعهم المحدود.

وينمو الشريط بشكل عرضى وليس بشكل عمودى متسلسل وتقل فيه العبارة التى تسجل وتعود فى حركة تلتف على نفسها كما الفيلم الذى يشبه حركة السير الملتفة فى أضخم ساحة فى العاصمة وتتولى تنظيمها شرطية شابة ليست سوى حبيبة بطل الفيلم كمال القاتل.

الشرطية كنزة "تؤدى دورها نزهة راحيل" تؤجر هاتفها النقال كى تكسب بعض المال لتكفى نفسها فى بلد لا يكفى فيه راتب الشرطية لمعيشة الشهر، أما كمال "فوزى بن سعيدي" الذى يبرع فى تنفيذ عمليات قتل بالأجرة فيقع فى حب كنزة ويسجل صوتها على الهاتف حين تجيب باستمرار مكان صديقتها سعاد.

وتبيع سعاد "فاطمة عاطف" جسدها بين حين وآخر لتستمر فى العيش وتحاول التذاكى على الرجال لكسب المال.

من خلال هذه الشخصيات يتعرض بن سعيدى بذكاء وخفة لكل كليشيهات ومحرمات المجتمع المغربى مثل الجنس وادمان الكحول والهجرة السرية وغيرها.

هذه الحالات يصورها فوزى بن سعيدى فى فيلم خال أو يكاد من العبارة التى كثيرا ما تظهر مسجلة وتتكرر وتعود لتلتف على نفسها متسائلة عن معنى الحب وتأتى الموسيقى فى الفيلم وعلى طول الشريط لتكمل الفعل وتكمل الحركة وتتواءم معها.

ويفرد فوزى بن سعيدى فى الفيلم حيزا كبيرا للموسيقى التى تواكب لحظات الفيلم جيمعا أو يكاد الفيلم قريب من نوع الكوميديا الموسيقية. حضرت بعض المقطوعات الموسيقية خلال كتابة السيناريو ثم تمكن كل من جان جا هيرتز وفرانسوا روا من اختزان الأساليب المتعددة للفيلم والاستفادة منها فى عملية التأليف.

"ما أجمل العالم"، فيلم غير معهود فى السينما المغربية أو العربية لكنه يتعاطى مع عالم من الحداثة الذى تحتويه مدينة الدار البيضاء وأيضا هذا الجانب المتعلق بالماضى والعالق فى جنبات المدينة المتروكة بعيدا عن الساحات الكبيرة والمجمعات التجارية وحيث الأمكنة كما البشر تم التخلى عنها من الجميع.

وكان هذا الفيلم خرج إلى الصالات المغربية الشهر الماضى ولقى ترحيب عدد من النقاد ودخل أسبوع عرضه الرابع: "فيلمى لا يترك أحدا محايدا فإما أن يدخل المشاهد إليه ويحبه وإما أن يبقى خارجه ويرفضه. لكن استمراره فى الصالات يعنى أن له جمهوره يقول المخرج".

وإضافة إلى فرنسا فإن الفيلم بيع إلى ثمانية بلدان اوروبية لغاية الآن.

وبرز فوزى بن سعيدى منذ اخراجه لأول فيلم قصير له الصخرة عام 1997 وقد حاز الفيلم على 23 جائزة أوروبية وعالمية وبعده تابع المخرج مسيرته السينمائية محققا شريطين قصيرين هما الحائط الذى حاز جائزة فى كان و"طرق الذى حاز جائزة فى مهرجان البندقية.

ثم اخرج فوزى بن سيعيد فيلمه الطويل الأول الف شهر الذى عرض عام 2003 فى إطار "نظرة خاصة فى مهرجان كان السينمائى ونال جائزتين موازيتين هما جائزة الشباب وجائزة تربوية كما وزع فى عشرة بلدان.

وعمل فوزى بن سعيدى قبل ذلك فى المسرح كمخرج وممثل كما مثل أدوارا أخرى فى السينما المغربية وشارك عام 1999 فى كتابة سيناريو فيلم بعيدا للمخرج الفرنسى اندريه تيشينيه.

العرب أنلاين في 11 يناير 2007

 

سينماتك

 

فيلم «صباح» الكندي - السوري

أزمة عائلة مسلمة تنتقل من مكـان إلى عصـر آخر

الوسط - نبيل عبدالكريم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك