في العام 1935 حقق ألفريد هتشكوك، الذي كان لا يزال انكليزياً حتى ذلك الحين، أي قبل أن يرحل الى الولايات المتحدة ليصبح لاحقاً واحداً من كبار سينمائيي هوليوود، حقق واحداً من أشهر أفلامه الأول: «الدرجات التسع والثلاثون»، وهو الفيلم الذي أعلن فيه، بأسلوب فني شيق، بداية حربه ضد النازية، وإن كان في شكل موارب. ذلك ان الفيلم هو قبل ذلك عمل عن الغموض والصراعات الخفية والبراءة، مستقى أصلاً من رواية كتبت في العام 1915، أي قبل زمن طويل من ولادة النازية التي حقق هتشكوك فيلمه لمحاربتها. والحقيقة أن «الدرجات التسع والثلاثون» تظل الرواية الأشهر لمؤلفها الذي يكاد اسمه يكون مجهولاً في أيامنا هذه: الاسكتلندي جون باكان، الذي وضع عشرات الأعمال، لكن تقلبات حياته وأفكاره تظل أكثر شهرة وحضوراً من كل تلك الروايات. وحسبنا للتيقن من هذا ان نذكر ان هذا الكاتب الذي ولد ابناً لكاهن فقير، صار لاحقاً حاكماً لكندا وعضواً في مجلس العموم البريطاني، وصديقاً لكبار زعماء العالم. كما انه كان هو من تحدث منذ العقد الثاني من القرن العشرين، وبعد تجربة أفريقيا الجنوبية، وسلسلة خدمات قدمها للحكومة البريطانية – وغالباً كعضو فاعل في الاستخبارات الانكليزية -، عن ان «افريقيا يجب أن تعود الى الأفارقة» داعياً الى انهاء الاستعمار، كما انه كان أول من تحدث في العام 1916 عن الصحوة السياسية والروحية للإسلام، التي ستسود في القرن العشرين. كما أسهب في الحديث عن الدور المتزايد في «عالم اليوم للإشاعات والحروب النفسية» وعن استشراء استخدام «الأسلحة الجرثومية والبكتريولوجية»، كما عن صراع الأيديولوجيات طوال الأزمان المقبلة.

> في كل هذا كان جون باكان، فريداً في أفكاره. لكن هذا الأمر من الصعب اكتشافه من خلال فيلم هتشكوك المأخوذ عن أشهر رواياته. فالأمر يحتاج، من ناحية، الى قراءة الرواية، ولكن من ناحية ثانية الى قراءة سيرة باكان الذاتية التي لا شك في أن المرء سيصاب بالدهشة إذ يعرف انها طبعت في 27 طبعة خلال السنوات التي تلت صدور طبعتها الأولى وموت كاتبها، في العام 1940... إذ خلال سنوات الحرب ها هم البريطانيون يقبلون كل هذا الإقبال على قراءة سيرة ذاتية لمؤلف بالكاد يعرفون شيئاً عن حياته وأفكاره وحتى عن رواياته. فهو الذي كان اسكتلندياً، لم تكن له أبداً، شهرة مواطنين كبار له مثل والتر سكوت وآرثر كونان دويل وروبرت لويس ستيفنسون. ومع هذا لا يمكن أحداً أن يجهل «الدرجات التسع والثلاثون». والفضل في هذا لألفريد هتشكوك بالتأكيد. فعمّ تتحدث هذه الرواية؟

> باختصار تتحدث رواية باكان الشهيرة هذه عن شاب غريب يلتقي امرأة غريبة بدورها في صالة رقص... وإذ يجد انها تبحث عن مأوى لليلتها تلك، يوافق على إيوائها في منزله. غير انه حين يفيق في صباح اليوم التالي يعثر عليها ميتة في صالون البيت... لكنها فيما تلفظ أنفاسها الأخيرة تسرّ اليه باسم مكان محدد في سكوتلندا. لاحقاً حين تكتشف الجريمة يكون من الطبيعي لرجال الشرطة أن يتهموا الشاب بقتلها، لكنه هو يتمكن من الفرار متوجهاً الى ذلك المكان الاسكتلندي الذي أشارت اليه المرأة، أملاً في أن يعثر هناك على سر موتها ويؤكد بالتالي براءته. وبالفعل يصل الشاب الى المكان فإذا به يجده وكراً لجمعية سرية تتألف على الغالب من جماعة جواسيس يعملون لمصلحة الأعداء – سيتحولون في فيلم هتشكوك، الى مجموعة من العملاء النازيين، لكن تلك حكاية أخرى -. المهم ان هؤلاء الأعداء يكتشفون وجود الشاب فيبدأون بمطاردته، فيما يقوم البوليس بمطاردته من الناحية الأخرى. وخلال هربه، يجد الشاب نفسه في حافلة قطار ويتعرف الى فتاة تعرض عليه ان تساعده في مسعاه. وهو يصل معها الى لندن وبالتحديد الى الصالة التي كان تعرف فيها الى المرأة الأولى. وفي الصالة، قبل أن يصل رجال الشرطة ملاحقين إياه يتمكن من أن يوقع واحداً من فناني الاستعراض في زلة لسان، تكشف السر كله، ولو على حساب هذا الفنان الذي، إذ يكشف السر من دون ان يدري يدفع حياته ثمناً لذلك... لكن حياته لن تذهب سدى، إذ ان رجال الشرطة يصلون في اللحظة المناسبة ويلقون القبض على الجواسيس، ما يؤدي الى تبرئة الشاب صاحبنا ولقائه حبيبته.

> تحت يدي ألفريد هتشكوك صار العمل نضالاً كاشفاً ضد النازيين، ولكن أيضاً احتفالاً بالبراءة – براءة الشاب المتهم – وانتصاراً لها. أما بين يدي جون باكان فالرواية، بالأحرى، رواية عن السلطة والأسرار، والسلطة السرية التي تطارد الناس بقوة بأسها وبقوة سريتها لتحقق أهدافاً لا تقل عن السيطرة على المجتمع، من طريق السيطرة على العقول، أكثر مما من طريق السيطرة على الأجساد. والحقيقة ان قضية «السلطة السرية» هذه، كثيراً ما شغلت بال باكان. ومن هنا نجد منظمة «الجواسيس» لديه تتخذ طابع الطائفة التي يشكل أعضاؤها عالماً منظماً وفاعلاً، لا يمكن آليته أن تتحطم إلا عبر المرور بالمخاطر... ولكن قبل ذلك بفضل «بطل بريء» توراتي في نهاية الأمر. وفي إطار هذا البعد التعبيري يكاد باكان يشبه غيره من الكتاب الانكليز الذين خاضوا دائماً لعبة مزدوجة: من ناحية خدموا أجهزة استخبارات بلدهم، وسياساتها، ومن جهة ثانية عبّروا في كتاباتهم وأفكارهم عن أبعاد من الصعب تصور تلاقيها مع تلك السياسات. ويكفينا ان نذكر هنا أسماء مثل غراهام غرين وانطوني بارغس وكيبلنغ ولورانس داريل وأعمالهم، حتى تستبد بنا أسئلة ملحة حول ما يبدو لنا هنا مزدوجاً. وهنا، في حال باكان، حسبنا ان نتذكر انه ارتبط خلال سنوات الحرب العالمية الأولى بصداقة مع لورانس العرب، حتى نندفع الى ملاحظة التشابه بين مواقف الاثنين وأفكارهما. فلورانس أيضاً تحدث عن صحوة الإسلام، سياسياً وروحياً، كذلك كان من الذين نادوا بإنهاء الاستعمار، والاستعمار الانكليزي خصوصاً، مع انه – وهذه حال باكان أيضاً – خدم ذلك الاستعمار وبرره في كتاباته وأعماله.

> ولد جون باكان العام 1875 في مدينة بيرت الاسكتلندية، وهو عاش حتى العام 1940، لكنه ظل دائماً مطبوعاً بالعالم الغامض لمسقط رأسه، ويصور أناساً يتحركون في شكل دائب، ما يجعلهم يبدون وكأنهم دائماً في مهمات سرية، ما جعله منذ البداية يفترض وجود سلطات سرية، تتحكم بالناس من دون أن يعيّنها أحد لذلك التحكم. وهذه الصور ستظل ترافق باكان طوال حياته، على رغم كل تقلبات تلك الحياة. أما في مجال كتاباته، فهو بدأ الكتابة باكراً، حيث كان أحد أوائل كتاب مطبوعة «الكتاب الأصفر» التي كانت رائجة في ذلك الحين (بدايات القرن العشرين). وهو بعد دراسته في جامعة غلاسكو ثم في جامعة أوكسفورد توجه الى لندن في العام 1900 ليصبح محامياً متمرناً. ومنذ ذلك الحين، وإذ أرسله لورد ميلنر ليساهم في حرب البوير في جنوب أفريقيا، منظماً الخدمات الطبية، صارت حياته ككاتب متوازية كحياته عاملاً في الحقل السياسي والعسكري ثم الاستخباراتي العام. وقد رفدته مهماته الكثيرة وسفراته، في أفريقيا والبلقان والشرق الأوسط، على عادة أمثاله من الكتاب الانكليز، بمواضيع رواياته وقصصه القصيرة التي سيكون أشهرها «النبي ذو المعطف الأخضر» و «طوق القسيس جان» و «ثالث مغامرات السيد كونستانس» و «معسكر الصباح» وغيرها من أعمال أقبل عليها، في حينه، القراء الانكليز، ولكن من دون أن تضمن له مكانة كبرى وأساسية في عالم الأدب... المكانة التي كان عليه انتظار صدور روايته المفضلة لديه «غابة الساحر» ثم سيرته الذاتية حتى يحصل عليها.

الحياة اللندنية في 15 ديسمبر 2006

 

«لعبة الحب» للمخرج الشاب محمد علي... متعة بصرية في مجتمع شديد الخصوصية والبعد

القاهرة - فريال كامل 

ساعة أو تزيد من المتعة البصرية يقضيها المتفرج مع «لعبة الحب»، باكورة أفلام المخرج الشاب محمد علي. نحن نعرف ألعاب كرة القدم والسلة وكرة اليد، وأن لكل لعبة قانوناً ينظمها واتحاداً يشرف عليها وجهوراً يشجعها، ولكن (محمد علي) يقدم لنا لعبة جديدة، «لعبة الحب»، لعله ينشئ اتحاداً خاصاً بها ويطلق دوري مباريات لعبة الحب!    

على مدار اللعبة نتابع ثلاث جميلات، تتباين طريقتهن في الملعب لتنتهي المباراة بالتعادل مع صفر كبير إذ ينهجن نهجاً تقليدياً في اللعب باستثناء لاعبة تمثل مفاجأة لجمهور الملاعب. تزحف الجميلات (هند صبري وبسمة وبشرى) نحو الثلاثين وهو السن الحاسم بالنسبة للاستقرار العاطفي للفتاة في المجتمعات العربية، يعشن اجواء العصر ويتحركن على ايقاعه، تدعمهن كاميرا يقظة وحساسة ومونتاج متدفق. يرتدين أحدث التصميمات ويتنقلن بسياراتهن بين (الكافيهات).

تتألق (ليلى) هند صبري كمصممة ازياء شابة متحررة الفكر، منطلقة الروح، تلبس الشخصية بهوسها وعفويتها وهي خلال عدسة سامح سليم، تعكس انفعالاتها بلفتة رقيقة او نظرة عين، تمثل بكل كيانها وغافلة تماماً - أو هكذا تبدو - عن معدات التصوير وفريق العمل.

تحتل الجميلات الثلاث ورابعهم الوسيم خالد ابو النجا وصاحب الطلة (بيسو) جانباً من عناية المخرج بجماليات الفيلم من توظيف العتمة وتوزيع الاضاءة وبالطبع تكوين الكادر. يجذب عين المتفرج الطراز العريق للأثاث والحوائط المكسوة بصور التصميمات وبالطبع طراز العمارة، ما يوظفه المخرج في لقطات رائعة للحديد المزخرف على سلم العمارة مروراً بالبوابة.

شريحة ما...

تعد الجميلات الثلاث افرازاً طبيعياً لشريحة البورجوازية العالية (الطبقة المستريحة) يعشن عالماً خاصاً، عالماً وردياً، مصفى من المعاناة الشخصية أو المشاكل العامة. لقد تبدد الزحام وسكن الضجيج وانتهت ازمة المرور واختفت السحابة السوداء وقضي على التلوث وتَحَطّم ارتفاع الاسعار تحطيماً أولم يبق سوى معاناتهن في اختيار الزوج والحبيب، عدم الوئام العاطفي ازمتهن وعدم الاستقرار الوجداني باعث قلقهن ومدعاة اضطرابهن، فهل وعى المؤلف أنه يقدم إدانة لشريحة من المجتمع لعبتها الحب، ويا ليتها كسبت المباراة. بالطبع لا اميل الى ذلك الاعتقاد وإلا لكان للفيلم مسار آخر.

يقيم السيناريو جداراً عازلاً يحصر شخصياته داخل ملعب الحب، جداراً يفصل شريحته العليا عن الدنيا التي يشغلها (عطية) البواب وزوجته. فهل يعتقد المؤلف انهما لا تتوافر لديهما شروط العضوية في نادي الحب، ما يضعهما خارج اسوار الملعب؟

تموج حنان (بسمة) - اللاعبة الاولى بحسب ترتيب النزول الى الملعب - بصراعات داخلية تحجبها خلف قناع من الخضوع لاحكام زوج (خالد ابو النجا) يجنح للرجعية، فتتخلى عن عملها ارضاء له وايضاً تتخلى عن اعز صديقاتها بناء على رغبته، وتطيل اثوابها ما يحيلها الى شيء فاقد الحياة. تلعب (حنان) بطريقة الحب المجهض وحين يدعوها زوجها الى عشاء في جو ساحر على النيل - بناء على نصيحة بيسو) - يعجز كل منهما على تحريك المياه الراكدة ويشملهما صمت قاتل.

أما سمر (بشرى) فتظل مترددة، تخشى اتخاذ قرار الاقتران بمن تعرفت عليه منذ فترة غير وجيزة، بينما يقلقها شبح العنوسة وقد تجاوزت السابعة والعشرين فتلعب على طريقة الحب المؤجل وتمتثل لقرار والديها بزواجها من قريب لها ذي شخصية كريكاتيرية (يلعب الدور معتز التوني) وعلى الطبيعة تكتشف زيفه فتقدم على اتخاذ اول قرار بإرادتها الحرة وتخرج من الملعب.

تلعب ليلى (هند صبري) الشخصية الرئيسية في الملعب، بطريقة الحب للحب، تقيم (ليلى) بمفردها بعد زواج امها ورحيل جدتها، يشاركها حياتها طبيب شاب، تقدم له قلبها وكل كيانها على وسادة من حرير، ما يثير حفيظة حارس العمارة ويوقعها ايضاً في شبكة من الاكاذيب. وأخيراً تدرك معنى أن تكون زوجة فيفاجئها الحبيب باستجابة باردة ما يجرح كرامتها فتهجره وتغرق في عملها الجديد. تتدفق الاحداث في جو وافر الجمال، تصل المتعة البصرية الى ذروتها بدعم من موسيقى الفنان تامر كروان وكاميرا سامح سليم، وبخاصة في حفلة رأس السنة وفي مشهد عرض الازياء.

يحمل الفيلم ميراثاً من السينما المصرية في نقطتين اولاهما تجهيل مهن الشخصيات وثانيتهما تسطيح المناقشة حول القضايا الجادة. يظهر خالد ابو النجا في دور الرجل الوسيم المنشغل بعمله عن زوجته فما هي طبيعة ذلك العمل؟ وما هي التزاماته؟ ويشير المدير على طاولة الاجتماعات الى ازمة ما في المصنع من دون عرض لأبعادها بجدية والحلول المقترحة بشيء من العلمية. ان قصر علاج الازمة على مجرد تنفيذ عرض الازياء يعد هروباً منها.

وتحمل لنا نهاية السيناريو مفاجأة، من جراء انقلاب المفاهيم لدى خالد ابـو النجا ليتحول من اقصى الرجعية الى الطرف الآخر، يُقبل على طريقة جديدة في لعبة الحب فيغفر لليلى تاريخها العاطفي ويقبل تحررها. أما ما يمثل علامة استفهام كبيرة فهو قبول (ليلى) أن تشاركه اللعب متناسية تاريخه في الملاعب. ولكن هكذا تلعب الافلام، تجتاز المنطقي وتحمل جمهورها الى عالم مدهش من الاحلام، عالم مليء بالمفاجآت. «لعبة الحب» فيلم يكشف موهبة مبدعيه، ولو اتخذوا للحب ملعباً في الواقع الآني لاكتسبت لعبتهم شعبية توازي شعبيـة لعبة كرة القدم.

الحياة اللندنية في 15 ديسمبر 2006

ضوء ... السينما المحاورة

عدنان مدانات 

ما هو مشترك في الدعوات السينمائية التي بدأت منذ بعض الوقت تروج في العالم هو تبنيها الدعوة للحوار بين الحضارات والدفاع عن السلام في مواجهة الحروب. وتستند مثل هذه الدعوة إلى قناعة بإمكانية أن تلعب الأفلام السينمائية، بما لها من جاذبية وتأثير في الرأي العام، دورا في التفاهم الإيجابي بين الشعوب وفي التعايش بين الحضارات وفي التوجه نحو الحلول السلمية بدلا من الحروب. غير أن قناعة مثل هذه، على ما تتضمنه من طيب النوايا، تظل طوباوية في أساسها أكثر مما هي واقعية، وتحمل في داخلها عناصر جوهرية تكشف تناقضاتها الداخلية بما يشير إلى استحالة، أو في أقل تقدير، صعوبة نجاحها في تحقيق مرادها، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الكيفية التي تطرح بواسطتها مثل هذه القضايا في السينما، كما تتبين هذه الكيفية من واقع ممارسة أغلبية الأفلام السينمائية. فهذه القضايا لم تعد فقط ذات طبيعة فكرية سجالية عميقة، بل وصار من غير الممكن، في الواقع المعاصر، فصلها عن خلفياتها وأبعادها السياسية وعن المصالح المباشرة المرتبطة بها، وهذا ما يفترض في الأفلام التي تريد أن تتطرق إلى هذه القضايا وان تجد لها حلولا مقنعة ومرضية للجميع، أن تعالجها بعمق فكري والا تتجاهل جذورها و خلفياتها السياسية، أي انه لا يجوز أن تنطلق هذه الأفلام من النوايا الطيبة وتكتفي باستعراض القضية بعناصرها العامة، بل عليها أن تدعم ذلك بالتحليل. والتحليل، بطبيعة الحال، سيقود، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة، إلى طرح موقف يميز، على الأقل، بين الظالم والمظلوم و بين الحق والباطل. وهذا بدوره يعني أن هذه الأفلام يجب أن تكون أفلاما سياسية تحليلية من حيث منهجها وصادقة في عرضها لمادتها وللإشكاليات التي تتنطح لها. والأفلام، في مثل هذه الحال تعرّض مهمتها للفشل، وتستدعي بروز ردود فعل متناقضة من قبل الأطراف المتصارعة، قد تؤدي إلى تأجج الخلاف بدلا من حله، حيث انه من البديهي أن كل طرف يعتبر نفسه صاحب الحق، في حين يفترض في الأفلام أن تتسبب في إقامة الحوار فيما بينها وصولا إلى التفاهم والعيش المشترك المتكافئ، وهذا ما يؤكد عليه المثل الشعبي العربي الذي يقول “لا يصلح العطار ما أفسد الدهر”.

وتشكل حكاية “الملك وأنا” التي اقتبست في السينما الأمريكية دليلا ساطعا على هذا النوع من مقاربة الحوار بين الحضارات، خاصة وأنه توجد ثلاثة أفلام اقتبست عن هذه الحكاية، الفيلم الأول كان بعنوان “الملك وأنا” (695_) من إخراج والتر لانج، والثاني كان بعنوان “آنا والملك” (1999) أخرجه آندي تينارد، والثالث كان بعنوان “الملك وانا” (أيضا عام 1999)، لكنه يعتمد على الرسوم المتحركة . وفي هذه الأفلام يستدعي ملك صيني معلمة انجليزية لتعليم أولاده وبناته اللغة الإنجليزية على أصولها، وهي تقوم بهذه المهمة بكل نجاح، ولا تكتفي بذلك بل تعلمهم كل ما يلزم من عادات وتقاليد وممارسات حضارية. وهي تفعل ذلك بإصرار وعناد، أحيانا على الرغم من رغبة الملك الذي لا يريد لأنجاله أن ينسوا تقاليدهم الخاصة. وفي النهاية يستسلم الملك لرغبات ولإرادة المعلمة، بل ويصبح بدوره تلميذا لها. وبالطبع فهو يقع في غرامها وتبادله هي نفس المشاعر بعد أن نجحت في تهذيب شخصيته. وفي هذه الحكاية التي لا تتطرق إلى وجود صراع بين الشرق والغرب على الرغم من الماضي الاستعماري الغربي للصين ، ثمة صراع مصيري بين الملك وبين ملك صيني من جنسه ينافسه على الحكم، وهو صراع ينتصر فيه الأول على خصمه بمساعدة من المعلمة ذاتها.

نعثر على النموذج المغاير لهذا النوع من الأفلام في حكاية فيلم صيني بعنوان: “وادي النهر الأحمر” انتج في أواخر التسعينات من إخراج فونج شيو نينج. وهو فيلم عميق المحتوى مع أنه مبني وفق احتياجات النجاح الجماهيري لكن من خلال الدراما الرصينة وليس الميلودراما الساذجة، وهو لا يطرح الأفكار بأسلوب معقد، بل بطريقة مبسطة إنما ليست سطحية، لا تجرد الواقع بل تنتمي إليه وتتفكر فيه.

بعد سنوات، سيعود المستكشف والمصور من جديد إلى المنطقة، لكن لا بصفتهما عضوي بعثة استكشاف علمية، إنما كأفراد في جيش الاحتلال، وفي حين يرأس الأول قوات الحملة ويتصرف كعسكري غاز، فإن الثاني الذي يعمل تحت إمرته يكتشف تدريجيا مدى بشاعة ووحشية تصرفات الجنود الإنجليز. وهو الذي سيكتب مذكراته التي سيستند إليها سيناريو الفيلم فيما بعد، وينتهي الفيلم بموت قائد الحملة بعد معركة دموية يبيد فيها الجيش الإنجليزي أهالي التبت الذين هبّوا لمقاومة الاحتلال.

وبالفعل فالفيلم يمزج بين قوة التصوير والإخراج ومتانة السيناريو وعمق الفكرة التي تؤكد قيمة التراث الإبداعي للشعوب وإمكانية تلاقح الإنجازات البشرية.

الخليج الإماراتية في 16 ديسمبر 2006

 

فلم عن الأرض المهددة!

محمد موسى  

يبدا نائب الرئيس الامريكي كلينتون السابق "آل غور " الفلم التسجيلي "الحقائق غير المريحة" بمزحة عن عمله الأخير كرئيس سابق للولايات المتحدة الامريكية في اشارة الى حادثة أنتخابات الرئاسة الامريكية عام 2000 عندما حسمت ولاية فلوريدا سباق الأنتخابات بينه وبين جورج بوش والحديث عن تلاعب في العملية كلها. نائب الرئيس السابق يتحدث قليلا عن تلك الايام لكنه لا يتوقف عندها فالفلم هو عن أنشغال الرجل الكبير بقضايا البيئة والمناخ للعشرين سنة الماضية.

فلم "الحقائق غير المريحة" يقدم محاظرة تلفزيونية طويلة لآل غور يتحدث فيها لجمهور في الأستديو عن مخاطر ظاهرة " الأنحباس الحراري " الناتجة من التلوث الصناعي وأرتفاع أعداد سكان الارض واستخدامهم الغير حكيم لموارد الأرض.

آل غور الذي يقدم منذ سنوات آلاف المحاضرات عن الموضوع نفسه في أنحاء مختلفة من العالم قرر مع منتجي الفلم التوجه الى جمهور أكبر ( الفلم يعرض الآن في الصالات السينمائية ).

رغم ان الفلم موجه أصلا الى الجمهور الأمريكي الا ان حقائقه المخيفة تخص الجميع. الفلم يقدم أرقام كثيرة وأحصائيات مناخية عن الخمسين سنة الماضية من عمر البشرية وكيف غير الأستخدام المسرف لموارد الأرض والتلوث المناخ للكرة الأرضية.

يعرض الفلم مثلا صورا لجبال كانت تغطيها الثلوج لملايين السنيين هي الآن عارية تماما.

التأثيرات التي سوف تصيب العالم عندما ينتهي ذوبان القطبيين الجنوبي والشمالي والذي بدأ منذ اكثر من 20 سنة ستكون من اسوأ كوارث البشرية عندها ستغطي المياه أراضي أكثر من 400 مليون شخص سوف تغرق مدنهم فجأة بعد ان يرتفع مستوى مياه المحيطات.

الفلم يكشف حقائق (معروفة للمهتميين) عن تقصير الحكومات الامريكية الكبير للمساهمة في معالجة هذا الخطر الحقيقي، فالحكومة الأمريكية الحالية رفضت المشاركة في قمة  "الأرض "والعديد من المؤتمرات العالمية الخاصة بالمناخ والتلوث بسبب الخوف من القرارات التي تصدرها هكذا تجمعات وبالتالي الخوف من تطبقيها في امريكا بسبب الشركات الكبرى التي لا تهتم بتغيير خططها الصناعية.

الفلم يكشف أن نسب التلوث واستخدام موارد الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية تفوق مثيلاتها في العالم، التلوث الذي تسببه السيارة المصنوعة في أمريكا مثلا هو الأكثر في العالم حتى ان دولة مثل الصين تبدو واعية لهذ المسالة فالسيارات المصنوعة في الصين تتفوق على السيارت الامريكية بعشرين مرة!

آل غور يهاجم سياسات الحكومة الامريكية ويمنحها التفسير الواقعي، تفسير الرجل الذي كان نفسه احد رجالات الأدارة الامريكية. آل غور يصف موقف بعض السياسيين الأمريكيين من قضايا البيئة فيقول ( هناك العديد من السياسيين الجيديين الذين لم يتعرضوا ابدا لمسائل البيئة لانهم يعرفون في قراراتهم ان الحقائق المرعبة لقضايا التلوث سوف تقض مضاجعهم وسوف تجبرهم على عمل شيء مع واقع سياسي من الصعب جدا الحديث فيه عن هكذا مسائل فيه!!).

الفلم استخدم الاسم المهم للسياسي الامريكي السابق استخداما ممتازا. الفلم قدم أيضا بعض اللحظات الحميمية للنائب السابق وبعض من طفولتة ومحطات حياتية صعبة سابقه مثل موت أخته الوحيدة بسرطان الرئة وتعرض أبنه الى حادث سيارة كاد ان يفقده حياته. هذه اللحظات العاطفية كانت مهمة لفهم عالم الرجل وايضا لتسهيل حمل رسالة الفلم العلمية الجافة قليلا.

الفلم يمنح في النهاية بعض الأمل!. رغم الرسالة المتشائمة والمخيفة لحقائق الفلم هناك بعض الأمل الذي يعتمد على النية الحقيقة لحكومات العالم وخاصة الحكومة الامريكية في تغيير سياساتها البيئية وأجبار الشركات الكبرى على التقييد بصناعات لا تبحث فقط عن الربح بل تساهم في بقاء هذه الأرض لجيل قادم.

العالم الذي واجه من قبل مشكلة طبقة الأوزون استطاع تدارك تلك المشكلة بقرارات كبيرة حاسمة حتى أختفت الآن اي مخاطر تهدد هذه الطبقة لذلك لا يوجد ما يمنع ان يتحد العالم مرة أخرى لحل مشكلة الأحتباس الحراري.

بريد قسم السينما في أيلاف

cinema@elaph.com

إيلاف في 15 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

ألف وجه لألف عام

«الدرجات التسع والثلاثون» لجون باكان: السلطة السرية

ابراهيم العريس

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك