شعار الموقع (Our Logo)

 

 

طرحت نكسة حزيران عام ،1967 وبقوة، قضية مهمة كانت تتململ في ضمير الثقافة العربية من زمن وتمر في فترات من الصعود والهبوط من دون أن تجد الحل المرضي لها، وهي قضية التعبير عن الهم الفلسطيني، بعد أن دخلت القضية الفلسطينية مساراً جديداً وأيقظت روحاً جديدة في العالم العربي، عبر أشكال الإبداع الأدبي والفني المختلفة. ومثلها مثل بقية الأنواع الإبداعية، وجدت السينما العربية نفسها أمام ضرورة المشاركة وتحمل مسؤولياتها تجاه هذه القضية، وبخاصة أن هذه السينما كانت غائبة عن أداء هذا الدور في السابق.

وبالفعل، وخلال السنوات الخمس الأولى التي تلت حرب حزيران، ظهرت مجموعة من الأفلام السينمائية العربية عن القضية الفلسطينية وعن التطور الجديد فيها، ممثلاً بالثورة المسلحة، وهي أفلام تسجيلية وروائية. وبالرغم من أهمية بعض الأفلام التي كرست موضوعها لقضية فلسطين فإن الصورة العامة للسينما العربية عن القضية الفلسطينية لم تكن بمستوى الطموح، لأنها ظلت مقيدة بظروف تاريخية موضوعية ومحكومة بشروط سياسية وتجارية وبالعلاقة مع الجهات المنتجة سواء كانت من القطاع العام أو الخاص.

ومن ناحية ثانية، فإن مجمل الظروف التي أحاطت بتلك الأفلام، والتي حدت لاحقاً من إمكانية الاستمرار في إنتاجها، وقلة عددها نسبياً، جعلت من الصعوبة بمكان على هذه الأفلام أن تنتج وأن تطور شكلا فنياً متميزاً. وهنا يجب استثناء بعض الأفلام التي اتسمت بجدية التوجه وبعض الأفلام القصيرة ذات التوجه التجريبي أو التي اهتمت بالاستخدام المبدع لوسائل التعبير السينمائية.

بعد عام ،1970 برزت حركة جديدة في ساحة السينما العربية ألا وهي السينما الفلسطينية، بمعنى السينما التي بدأت تتأسس من خلال المؤسسات المعنية داخل فصائل الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي التحق بها سينمائيون فلسطينيون وعرب. وكان ثمة توقعات عامة في الأوساط المعنية حول أن هذه السينما ستتمكن من إنتاج أفلام مميزة تعكس خصوصية وجهة النظر الفلسطينية نفسها وتنجح فيما عجزت عنه السينما العربية في مجال إنتاج أفلام عن فلسطين، سواء من الناحية الإعلامية أو الفكرية أو المواضيعية أو الفنية، تمتلك  خصائص مضمونية وشكلية متميزة. غير أن هذه التوقعات لم تتحقق على أرض الممارسة نتيجة لظروف مختلفة. ومن ناحية ثانية، فإن تجربة السينما الفلسطينية والتطورات التاريخية، أبرزت مسألة جديدة هي الحاجة للتعبير سينمائيا عن الخصوصية الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة ما قبل وما بعد عام ،1967 وتنامى الشعور بالحاجة إلى نشوء سينما فلسطينية داخل الوطن المحتل، وبخاصة بعد أن واجه سينمائيو الثورة في الخارج صعوبة في الاتصال بالداخل.

وهنا نلاحظ أن ظهور أول الأفلام الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة تأخر إلى العام ،1980 وهو عام إنتاج الفيلم الفلسطيني “صور من ذكريات خصبة” للمخرج ميشيل خليفي.

خلال تلك السنوات صار الموضوع الفلسطيني مادة للعديد من الأفلام السينمائية العالمية التي بدئ إنتاجها منذ ما بعد عام ،67 كما بات، وعلى نحو متزايد، مادة أساسية للأفلام والبرامج ونشرات الأخبار التلفزيونية، والتي يتم بثها على نطاق واسع عبر شاشات التلفزيون في مختلف أرجاء العالم، وتزايد حضور هذا الموضوع منذ الثمانينات بالعلاقة مع التطورات المتلاحقة بسرعة، وبخاصة بعد غزو لبنان عام ،82 وانتفاضة الداخل المستمرة منذ  سنوات، بحيث بات مادة شبه يومية تغذي شاشات التلفزيون العالمية والعربية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن النسبة العظمى من هذه المادة ذات طبيعة وثائقية أو إخبارية، أما النسبة الصغرى (وهي صغيرة جداً)، فهي التي تخص الأفلام الروائية. وما يعنينا هنا بالدرجة الأساسية ليس تحليل هذه الأفلام، بل تقصي صورة فلسطين، كما انعكست عبر المادة الوثائقية.

إن تتبع السمة الغالبة على الصورة الفلسطينية كما عكستها المادة السينمائية الوثائقية على مدى يقارب العقدين من الزمن يقودنا إلى ملاحظة وجود سيرورات متشابهة تحتوي عناصر بصرية متكررة وشبه ثابتة، وعناصر بصرية أخرى تتكرر وتسود لفترات من الزمن تقصر أو تطول حسب الأحداث ويمكن تتبعها عبر مراحلها الزمنية. وتشترك في تكريس هذه الصورة المتكررة جل الأفلام المنتجة على امتداد هذه الحقبة سواء كانت عالمية أو عربية أو فلسطينية، وسواء كانت سينمائية أو تلفزيونية، وذلك بغض النظر عن الفروقات في الأغراض الفكرية والتوجهات الدعائية الكامنة وراء إنتاج كل فيلم على حدة، أو المحركة للجهات المنتجة. وإذا ما تتبعنا جذور هذه المسألة منذ بدايتها فسنلاحظ أن الصورة الغالبة على الموضوع الفلسطيني في الأفلام المنتجة اثر نكسة حزيران هي صورة النازحين والمخيمات البائسة، بما تتضمنه هذه الصورة من إبراز لانموذج الضحية، والذي لا يرى إلا شاكياً نائحا. وسرعان ما اسهم بروز الحركة الفدائية الفلسطينية في إضافة عنصر مقابل لهذه الصورة، ألا وهو صورة الفدائي والتي تحولت بدورها إلى صورة متكررة لأنموذج بات مستخدماً بكثرة ولكن من زاوية واحدة ومن بعد واحد.

وفي تقديمها لهذين الأنموذجين المتقابلين، فإن أياً من الأفلام المعنية لم يكن ليهتم بإبراز أية خصوصيات مميزة أو أية ملامح شخصية أو ذاتية، فهذه الأفلام لم تكن تعنى بإبراز ضحية بذاتها وبخصوصياتها، ولم تكن تعنى بإبراز صورة فدائي بعامة. وغني عن القول هنا أن هاتين الصورتين كانتا خارجتين وسطحيتين ومتشابهتين من الناحية البصرية: وجوه متشابهة.. ملابس متشابهة.. انفعالات متشابهة وتصرفات متشابهة تحدث في أماكن متشابهة.

ومن ناحية ثانية، فإن هذه الأفلام كانت تطرح صورتها ضمن شكل سينمائي واحد تقريباً، فبغض النظر عن بعض الفروقات الأسلوبية، فإن السمة السائدة على هذه الأفلام كانت التقريرية والإخبارية، أي أفلام الريبورتاج.

إن السينما التسجيلية (الوثائقية)، على مستوى العالم، عرفت منذ العشرينات مدارس وأساليب فنية مختلفة وطورت أشكالا تعبيرية غنية واستنبطت مفردات وتراكيب لغوية خاصة بها، وسّعت بمجملها من أفقها وعمقت قدراتها، بحيث باتت هذه السينما قادرة على منافسة السينما الروائية، بل على التأثير فيها وإفادتها. أليس غريبا وشاذاً، والحالة هذه، أن تقتصر الأفلام عن فلسطين على شكل واحد متكرر؟ لماذا، على سبيل المثال، لم تعرف كل هذه الاندفاعة من قبل مخرجين مختلفين ينتمون لمناطق شتى من العالم، ويفترض أن لكل منهم رؤيته الخاصة، محاولة لكسر المألوف وللإبداع، ولإنتاج شكل سينمائي ينتمي في نوعه إلى السينما الريبورتاجية، ولكنه يغنيها ويلونها، ألا وهو شكل فيلم “البورتريه”، أو الصورة الشخصية لنموذج محدد؟

سيطر هذان النمطان المتقابلان، ولفترة طويلة، على الصورة الفلسطينية عبر غالبية الإنتاج اللاحق للأفلام الوثائقية ولكن مع تنويعات ذات علاقة بتطورات الأحداث عبر الزمن. ولم تلغِ هذه التنويعات جوهر الصورة المعروضة على العالم، بل أضافت عليها. وهكذا، نرى أن الأفلام التي صورت الموضوع الفلسطيني، متابعة الحضور الفلسطيني بشقيه العسكري والمدني في لبنان (قبل عام ،1970 كان الأردن بشكل أساسي مسرح عمليات السينمائيين، وبخاصة الأجانب.

إن المتتبع للسينما الفلسطينية وحركتها منذ السبعينات يستطيع أن يعدد بعض الأفلام التي حاولت توسيع نطاق الصورة المعروضة وتنويع المواضيع والاستفادة قدر المستطاع من إمكانات اللغة السينمائية وتقنيات السينما. وإذا كان المجال هنا لا يتسع للحديث عن هذه الأفلام، فإن هذا لا ينفي الحاجة إلى دراسة تجربتها على نحو مفصل ومعمق.

الخليج الإماراتية في  15 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

صورة فلسطين في السينما التسجيلية

عدنان مدانات