شعار الموقع (Our Logo)

 

 

"رحمة" هو اول فيلم روائي مغربي طويل يستهل به الموسم السينمائي المحلي 2004 بتوزيعه في عدد من القاعات السينمائية المنتشرة عبر التراب الوطني, اذ اينع وعي لدى أرباب القاعات والموزعين المغاربة بضرورة توزيع الفيلم المغربي الحديث اولاً, بما في ذلك بعض الأفلام القصيرة التي تعرض فقط في المهرجانات والمناسبات فلا يكاد يطلع عليها إلا النذر القليل من الجمهور العام. ومن بين هذه الأخيرة فيلم "بالكون اطلانتيكو" للمخرجَيْن الشابين هشام فلاح ومحمد الشريف الطريبق الذي حصل على الجائزة الأولى وكذلك جائزة النقد - مناصفة - للفيلم القصير في المهرجان السينمائي الوطني المغربي في مدينة وجدة في ايار (مايو) 2003.

و"رحمة" هو ثانـي فيـلم روائي طويل للمخرج الشاب ايضاً عمر الشرايبي الذي يحكي قصة احمد الشاوي الموظف في اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير: رجل مستقيم في حياته المهنية والزوجية التي دامت 13 سنة لم يرزق خلالها خلفاً ولا ارتكب مخالفة اخلاقية او قانونية, او اصابه مكروه طريق, الى ان تعرض لحادث بشري باصطدامه بامرأة حامل اتهمته بأبوة باطلة, لكن زوجته الطيبة (جداً) تقترح عليه الاعتراف بما نسب إليه ليحضنا معاً رحمة وجنينها الذي يعيش بعد حادث سير تتوفى فيه الأم... وهكذا يربح الزوجان ابناً... ومبلغاً تأمينياً محترماً يكون بمثابة "زرورة"... زائد درهم الحلال.

بطل رغماً عنه

تنزل رحمة - اسماً على مسمى - على هذا الثنائي المثالي المحروم من احد عنصري "زينة الحياة"... وكأن الرجل الصـالح لـم يقترح على تلك السيدة الضـالة ايصالها إلا تلبية لا واعية لبحثه الدؤوب عن ابن لامرأته, علماً ان "التيمة" نفسها سبق للسينما المصرية ان عالجتها في فيلم من بطولة محمود ياسين, ولا ضير في ذلك فهذه السينما ذاتها مصرت الكثـير من الأفلام الدولية ولاقت نجاحاً جماهيرياً ونقدياً لا يستهان به. إنما الرائق في "رحمة" - زيادة على مقاربتها المغربية الصرفة - هو ميسمها الكوميدي الخفيف المراهن على كوميديا المواقف لا المقالب او السحنات المهرجة.

وكان بإمكان الكوميدي حسن الفد ان يغرق الفيلم بوابل من التـوابـل المضحكة لكنه التزم بسياقه المتوازن الذي جعل من احمد الشاوي بطلاً على رغم هشاشة شخصيته الشيء الذي تطلب من حسن بلا شك مجهوداً قوياً لتقديم شخصية ضعيفة, وإن لم يمنعه هذا من الإتيان ببعض الحـركـات او الإشـارات التـي يمكن ان ننعتها جزافاً بـ: "التحرميات الفدية" قصد الإضحاك مثالها: طريقة نقره على فأرة الحاسوب - رد فعله بعينيه وحركات اصابعه حينما "جثمت" رحمة الى جانبه في الوقت الذي طلب منها ان تجلس خلفه في السيارة - طريقة مشيه وحمله لأكياس الاستبضاع وهو يقتفي اثر زوجتيه.

النهج نفسه جنحت إليه هدى الريحاني لولا مبالغتها في مشية المرأة الحامل, التي قد يرد عليها المخرج بأننا لا ننسخ الواقع, بقدر ما نقتبس ونرفه عن النفس وما في ذلك من عيب. المبالغة نفسها وإن في شق غير محيل على الهزل, وإنما على الاستغراب - ستطبع شخصية سناء الزعيم الزوجة الخانعة والمستسلمة للقدر التي استطاعت ان تجعل كثيراً من المشاهدين يتساءلون: هل توجد هناك فعلاً زوجة مغربية بهذه الرأفة والطيبة الزائدتين عن اللزوم؟!

إذا استغرقنا الجزء الأول من هذه القراءة في تقويم اهم الممثلين, فلأن التمثيل يبقى اول وأقوى دعامة حملت "رحمة". فبقية الأحداث صورت في ديكورات داخلية: الإدارة - البيت - قسم الشرطة - المطعم - المتجر... وهي تقنية آلت إلى الاعتماد بدرجة اوفر على الحوار الذي كان عادياً بسيطاً لا افتعال فيه, بعكس حوار الفيلم السابق لعمر "السر المطروز" المتسم بنكهة فلسفية وشعرية تبعاً لطبيعة الموضوع.

إضافة الى الحوار الملفوظ عينياً, لجأ المخرج الى حـوار يـردد في حقل الصوت الخارجي, محيلاً به على التفكير بصوت عال للبطل المتشظي... وهو اسلوب يستعمل للمرة الأولى في الفيلم المغربي الروائي الطويل لولا ارتفاع حدة "البرويطاج" المصاحب ما حال دون فهم محتواه احياناً. إلا ان ثمة اخطاء شابت البناء الدرامي للأحداث ورد بعضها في الحوار ايضاً, كقول احمد لزميله في اليوم التالي للقائه رحمة: "عرفتـي أشنـو وقع لي اليوم؟"... وهي ملاحظة سجلها كثير من افراد الجمهور العام وليس فقـط النقـاد.

كما تساءل الكثيرون عن سر التباين الكبير بين وضعية موظـف بسيط ذي السيارة المتهالكة والأثاث المنزلي الرفيع ولباسه الفخم الذي يتغير بين مشهد وآخر حتــى وإن كــان مثيـراً للتفكه؟! وهو شكــل مقـصود بطبيعة الحال وعليه لعب الشرايبي في الملصق لمزيد من الإثارة. ثم من ايــن وكيـف وثـق احمد وزوجته ان المولود ذكر وظلا يرددان ذلك طوال الفيلم؟!

سينما المؤنث

إنها زلات وإن بدت خفيفة بالنظر الى النسق العام للفيلم الذي حاول قدر الإمكان الالتزام بالرصانة لمقاربة واقع مرير بأسلوب طريف, إلا ان تواترها قد يفقده صدقيته الفنية والاجتماعية على حد سواء, مع احتمال إقبال الجمهور على هذا النوع من الأفلام الشيء الذي نتمناه صادقين له, لأننا زهقنا من ظاهرة الأفلام التجريبية او افلام المهرجانات التي تمول بمال الشعب من مرتادي القاعات السينمائية بالخصوص, فتحصد الجوائز داخل المغرب وخارجه, لتسحب بعد اسبوعين على اكبر تقدير من القاعات المحلية او قد لا تعرض كلياً, فلا يشاهدها هذا الشعب!

والأمثلة كثيرة: "وداعاً السويرتي" و"عودة الريح" لداود اولاد السيد و"عشاق موغادور" لسهيل بن بركة, "الدار البيضاء يا الدار البيضاء" لفريدة بنليزيد, "جارات ابي موسى" لمحمد عبدالرحمن التازي, و"وجهاً لوجه" لعبدالقادر لقطع الفائز بجائزتي النقد والصحافة في المهرجان السينمائي الوطني السابع في وجدة, ما يدل إلى انعدام التأثير الكلي للنقد والانطباع الصحافي المغربيين على الجمهور المغربي.

تبقى إشارة اخيرة الى عنوان "رحمة" ليس كدلالة مشار إليها في مستهل هذه القراءة, وإنما كاسم علم لامرأة, فعلى غراره سيعرض قريباً لسعد الشرايبي فيلم: "جوهرة" وقبله قدم المخرج: "نساء ونساء" وعبدالحي العراقي: "منى صابر", وحسن بنجلون "محاكمة امرأة", وحكيم نوري "مصيرة امرأة", وكلها افلام ترتفق العنصر النسوي عنواناً, اضافة الى اخرى تعتمده مضموناً: "قصة وردة" لمجيد الرشيش, "ضفائر" لجيلالي فرحاتي, "العيون الجافة" لنرجس النجار... فهل هي موجة او تقليعة نسائية ابتليت بها السينما المغربية حديثاً؟ ام محاولة لمسايرة الاهتمام العام والخاص الذي حظيت به المرأة المغربية اخيراً بدءاً من ولوجها المعترك السياسي في اعلى مناصبه الى ما حققته من مكاسب في مدونة شخصية؟ اهي فعلاً "رحمة" أم "زحمة"؟!

جريدة الحياة في  11 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الفيلم المغربي "رحمة"

أو البحث عن ابن لأمرأتي!

خالد الخضري