سينماتك

 

مهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن في عامه الثاني:

فيلم الافتتاح قتلة يفاخرون بأفعالهم ضد فلسطينيي صبرا وشاتيلا.. وجنين.. جنين يمنح الأمل وانس بغداد يفتح ذاكرة اليهود العراقيين

ابراهيم درويش

 

 

 

 

سينماتك

 

في اللقطة الاخيرة لفيلم maaker (مذبحة) يقدم لنا احد اعضاء الميليشيات التي قادت الهجوم علي صبرا وشاتيلا في 16 ـ 18 ايلول (سبتمبر) 1982 وصفا تقشعر له الابدان وصف لا يصدر الا من شخص مريض، مهووس، لا ضمير له وهذا ما يتصف به، مع اني عاجز عن العثور علي اوصاف شديدة، المهم ان رجل الميليشيات اللبناني، وصف لنا كيف قتل فلسطينيا في صبرا وحز بطنه، لان الفيلسوف القاتل، وهذه ميزة تسم كل مميزات القتلة في الفيلم، يريد ان يأخذ الفلسطيني العذاب معه الي القبر، وضعه امام الجدار وحز بطنه واخذ يصف كيف ثغب الدم من جسد الفلسطيني الذي كان يرجوه ان لا يقتله، فهو يريد الحياة ليربي ابناءه، القاتل هنا كان يتهكم علي لهجة الفلسطيني وعاقبه بقتله بهذه الميتة الشنيعة، يقول ان الرصاصة تعتبر قتلا رحيما اما الحز والجز فهو بمثابة تعذيب حتي في لحظة الانتقام. ماساكر الذي اخرجته مونيكا بورغمان، ولقمان سليم وهيرمان ثيزين (2005) كان فيلم الافتتاح في مهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن الذي افتتح في مركز باربيكان المعروف، برعاية المركز والروائية اهداف سويف، وهو فيلم قاتم، صادم للحس والعقل، مجموعة من المجانين القتلة تحوم علي مساحة الفيلم تتحرك في غرف مظلمة، وهو مظلم وقاس في صوره وشهادات ستة قتلة شاركوا في الهجوم علي مخيم صبرا وشاتيلا، مع اننا لا نري عمليات قتل او عنف، بل حديث وذكريات، والستة يتنمون الي القوات اللبنانية والفرق الخاصة مثل الصدمة التي اسسها بشير الجميل ، وايلي حبيقة، وبشير مشعلاني من القوات اللبنانية التي نسقت مع القوات الاسرائيلية التي حاصرت المخيم.

والجديد في رواية الفيلم انه يتحدث حسب القتلة عن مشاركة اسرائيلية في التحضير للعملية منذ البداية فقد فكروا بكل شيء وحضروا اكياس القمامة البلاستيكية لردم الجثث (احتفظوا بها فقد تحتاجون اليها) هكذا قال مسؤول اسرائيلي، بالاضافة لتوفيرهم الجرافات، والمواد الكيماوية لاتمام عملية التنظيف ، المخرجون احسنوا في وضع الستة في خلفية قاتمة لان مجرد مشاهدة وجوههم كانت كافية لاثارة القرف في نفس المشاهد، حتي حس الكوميديا في رواية بعضهم لم تكن قادرة علي اشعال اهتمام المشاهدين الذي احتشدوا في قاعة السينما، كانوا يتحدثون عن جريمة ارتكبوها قبل عشرين عاما ـ جريمة لا تزال حاضرة في حقول القتل والدمار التي اشعلتها اسرائيل في فلسطين، وامريكا في العراق، ولكن ما يثير هو قدر الفلسطينيين في المخيم وموتهم علي يد حفنة من المجرمين، الذين يجمعون في داخلهم بين مكونات جيل الحرب اللبنانية ـ وصورا عن افلام الغرب الامريكي، عصابات الجريمة، ومتعاطيي المخدرات، ولكن التبرير البارد الذي يظهر من احدهم هو انهم كانوا زعلانين بسبب مقتل بشير الجميل، وكانوا ينفذون أوامر قياداتهم التي اجتمعت مع القادة الاسرائيليين بتنظيف المخيم من كل كائن حي، فالأوامر قتل كل شيء يتحرك، طفل، بنت، امرأة رجل، عجوز او حتي حيوان.

تتحرك الكاميرا في غرف، بين رجال ما زالوا يعيشون في لبنان، علي ما يبدو بشكل طبيعي، ويتذكرون ايام الحرب الاهلية الحلوة فهي ايام كان الشاب فيها يثبت رجولته بقتل الفلسطينيين، القناصة ، ينامون في الشارع، يأكلون في اي مكان ويحملون بنادقهم او كلاشنيكوفاتهم ويعيشون بدون هموم، يقول احدهم انهم لم يعودوا قادرين علي النوم بدون اصوات القنص والقنابل والمتفجرات، كانت الموسيقي التي تجعلهم ينامون بعمق. القتلة غير نادمين علي افعالهم ولا اعرف ما المعني من اعطائهم منبرا لاصابتنا بالغثيان، والحديث عن اعاجيبهم واعمالهم ضد الابرياء الفلسطينيين، ويقدمون لنا فلسفاتهم المريضة وتحليلاتهم التي لا معني لها، مثل قتل الطفل الفلسطيني يمنعه من النمو ليصبح رجلا ويقتل اللبنانيين، هنا افتراض ان كل فلسطيني هو عدو وان الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت. لا معني اذن من اظهار هؤلاء الساديين وهم يفاخرون بجرائمهم اذا لم يكونوا قادرين علي الاعتراف بخطأ الماضي وفظاعته، طبعا هناك لحظات يشعر فيها المشاهد ان المجرم/ الشاهد ربما كان نادما ولكنه في المشهد التالي يكشف عن وجه بشع آخر عن نفسه، طبعا هؤلاء كانوا نتاجا من الحرب الطائفية وحرب الفصائل والميليشيات والجو العام من الفرز علي الهوية والدين، ومن التشكيلة الثقافة الحزبية التي شكلت عقلية هؤلاء الشباب، ولكن السؤال الملح ان ايا منهم، علي الاقل هناك واحد/ وان كان ضحية لهذا الجو في شبابه الا انه لا يظهر ايا من الندم او حتي الاعتراف بالخطأ وبان الذين قتلهم ابرياء، فهم يواصلون الحديث عن الماضي المجيد، عن الحب والتماهي بينهم وبين قائدهم بشير الجميل، وانهم مقاتلون حرفيون، لا يهمهم الا برودة الاعصاب، فقتل واحد قد يكون عملا موترا للاعصاب ولكن قتل الثاني والثالث.. لا معني له، في ساحة المعركة يجب علي المقاتل ان يكون مسيطرا علي الزناد فقط ويقتل اي شبح يتحرك، هنا لم يكن الشبان القتلة مهتمين بسماع ولولات النساء والعجائز، يقول احدهم، نفسه الذي قال انه حزن مرة واحدة في حياته عندما اغتيل بشير الجميل ان من صفة النساء الولولة مما يعني انها عندما كانت تخرج لرجائهم كانت اول من تقتل. القتلة لم يكن يهمهم وهم يحومون في الفضاء الاكبر الذي صممه لهم القتلة الكبار كساحة لتفريغ زعلهم علي الفلسطينيين كيف كانوا يعيشون، لا ماء ولا كهرباء ومع ذلك وبعد المجزرة الكبيرة للفلسطينيين فتحوا محلا ووجدوا فيه ماء باردا وبسكويتا واشياء اخري تناولوها، هكذا يستريح المقاتلون ، لماذا يقوم جزار بقتل الفلسطينيين بالسكين بدلا من رميهم بالرصاص، لماذا يغتصب احدهم فتاة مسكينة رجت احد القتلة بعدم قتلها، بل يقتلها وهي العذراء بعد ان أخذ بكارتها، طبعا الوصف الذي يقدمه رجل الميليشيا القاتل مقزز وصادم للوعي الانساني. نشعر اننا نشاهد حفنة من المجرمين من العالم السفلي، حفنة لا قيمة للحياة لها، حفنة ربما ما زالوا مخدرين ويعيشون خدر الايام الماضية، وليست لديهم الرغبة بالاعتذار او الندم، ربما كان هدف معدي الفيلم هو اظهار الجانب الآخر من ضحايا الحرب الاهلية، ولكن الاشكالية في هذه الضحايا انها لا تريد الاعتراف بكونها ضحية، بل تتفاخر امام الكاميرا، وتريد استعراض بطولاتها علي اناس ابرياء. يكشف الفيلم الكثير عن التعاون الاسرائيلي ـ الكتائبي من خلال ارسال عدد من مقاتلي الميليشيات للتدرب في اسرائيل، وحمل هؤلاء المقاتلين شارات وقبعات وزي الجيش الاسرائيلي والاحتفاظ بها للان يعني اعجاب وانتشار اخبار هذا التعاون بين المقاتلين التابعين للكتائب. صور الفيلم قاتمة، الاضاءة فيها محدودة نشعر احيانا ان بعض المشاركين ربما كانوا يتحركون عراة في غرفهم، ونشعر بتوترهم امام الكاميرا، يحركون ارجلهم كثيرا، يضغطون علي اكواب القهوة او كأس البيرة، يخرطشون علي اوراق رسوما لا معاني لها، يبلعون ريقهم.

وقدم المخرجون صورة عن رجال يعيشون في عالمهم النفسي المتقلب، او يعيشون في مسلخ يحومون فيه بجنونهم. لا نعرف هوياتهم ولكنهم وخلال 90 دقيقة لا يحاولون اخفاء اي تفصيل من الفظائع التي ارتكبوها ضد الفلسطينيين، بل الاعتزاز بما فعلوه. كل لقطة في الفيلم تصدم حس المشاهد، تصيبه بالغثيان، تجعله يتساءل ان كان الذي يتحدث بشرا أم حيوانات، وحتي عندما يحاول القتلة الكشف عن جانبهم الانساني، نقف علي نفسيات عجيبة، فاحدهم اخذ معه من المخيم صورة عائلة فلسطينية كاملة ماتت متشابكة الايدي، واخر حزن لرؤية الخيول المقتولة، هذه لحظات كما يقولون لم تتعد الثواني، فهم كانوا في مهمة، ومن هنا كانوا يتحركون من مكان لمكان لتنظيف المخيم من الفلسطينيين.

يظل الفيلم جريئا بكل المعاني، ليس لشجاعة القتلة ولكن للتفاصيل التي يقدمها عن دوافع القتلة ومن ارسلهم للمخيم وعن اثار الحرب الاهلية اللبنانية، ولكن لا نفترض ان كل من ولد في الحرب الاهلية تحول لقاتل محترف بارد لا تعني الحياة الانسانية له اي شيء. الرجال هنا في شهاداتهم متعطشون للقتل، يمارسون القتل غواية وهواية، متهورون، وليس غريبا ان يمنحهم قادة الميليشيات الفرصة لاجتياح المخيم بعد اربعة ايام من اغتيال بشير الجميل 14 ايلول (سبتمببر) 1982 والجريمة حدثت 16 ـ 18 ايلول (سبتمبر) 1982، ولكن قبل ذلك تعرض هؤلاء القتلة لعملية غسيل دماغ واسعة اصبح فيها الفلسطينيون بهائم ولهذا السبب يردد احدهم وبعربية مكسورة مقولة المتنبي في كافور الاخشيدي ويعممها علي الفلسطينيين لا تشتر الفلسطيني الا والعصا معه ... ... عندما يتم احتقار الفلسطيني يسهل قتله وهذا ما حدث. يعترف القتلة ان احدا في المخيم الذي قيل لهم انه مسؤول عن مقتل الجميل، لم يتعرض لهم بالمقاومة. 38 ساعة من القتل والاغتصاب، والسرقة، والتشويه، كانت الساحة التي افرغ فيها الشباب زعلهم علي الفلسطينيين، جاء بعدهم فريق التنظيف الذي استخدم اكياس بلاستيكية اسرائيلية ليمحو الاثار.. لا أحد يعرف كم قتل من الفلسطينيين في تلك الليالي الفظيعة، الصليب الاحمر يقول ان اكثر من 2400 فلسطيني قتلوا، ولكن هناك اعداد أخذت للمدينة الرياضية ولم يسمع بهم احد.

ما يحمله المشاهد هو ان الفلسطيني يدفع ثمن اخطاء الاخرين، يقتل ويموت ويتعرض للمجازر لانه فلسطيني، هذا الحس موجود في فيلم جنين جنين (2002) شهادة محمد بكري عن مجزرة مخيم جنين في نيسان (ابريل) 2002، ومع قتامة المشاهد الا ان الفلسطيني تعلم انه يقف وحيدا امام الطغيان الاسرائيلي وفيه تأكيد علي انتصار الارادة الفلسطينية، بين الردم والبيوت المهدمة والارواح المكسورة هناك روح حقيقية من التحدي ان الفلسطيني في ارضه الخالية الا من الاشلاء حقق انتصاره علي الاسرائيلي وكشف زيفه وزيف استعلائه الاخلاقي. احد الفلسطينيين يعلق تعليقا جميلا علي تصرفات الجنود الاسرائيليين عندما قال في بيته اربع حمّامات ولكن الجنود اختاروا انية الطعام لافراغ برازهم! هناك ارادة في فيلم جنين، ارادة تقول ان الفلسطيني سيبقي في ارضه حتي يوم القيامة، وان اسرائيل خسرت حتي الذين ظنوا ان هناك امكانية للتعايش معها. فيلم بكري رغم فداحة الخسارة فيه رسالة امل عن الانتصار والارادة وعن الدولة التي تحولت لوحش فر من عقاله، دولة مجنونة لا تعرف حلا للمشاكل الا بالقتل والجدران.

مهرجان الفيلم الفلسطيني في عامه الثاني يطمح لان يكون مناسبة سنوية في المشهد الثقافي والفن في لندن، ويقدم هذا العام 32 فيلما، تتنوع بين الطول والقصر والروائية والتسجيلية او التوثيقية، وهي افلام ساهم باخراجها فلسطينيون عرب واجانب، بعضها انتج في الاعوام الماضية وبعضها جديد، وكما اشارت اهداف سويف فالفيلم في وثائقيته وروائيته قادر علي حكاية ما يجري علي الارض في فلسطين والعراق، فالافلام والحكايات وان زادت الا ان الاوضاع في العراق وفلسطين تسوء وساءت كثيرا، ولكن الفيلم وسيط مهم لتوثيق الحقيقة، حقيقة ما يحدث في هذين البلدين. وقدرة منظمي المهرجان علي جمع اطراف عدد من المخرجين ودعوة عدد منهم لحضور فعاليات المهرجان تشير الي توسع وامكانية حقيقية لتواصل هذا المهرجان الذي يمنح الفلسطيني الحديث بالصوت والصورة عن معاناته سواء كان من خلال مخرجين فلسطينيين او عرب واجانب. فكرة ان اسرائيل فقدت مصداقيتها الاخلاقية ـ تظهر في عبارة تحدث بها الكاتب اليهودي العراقي سمير نقاش عندما قال هذه دولة اطلقت الغرائز، ظلمتني وظلمت اهلي وجاءت في فيلم انس بغداد (2002) اخرجه العراقي سمير الذي يعيش في سويسرا، رحلة في حيوات اربعة عراقيين يهود هاجروا من بغداد بعد انشاء دولة اسرائيل، عن ذكرياتهم عن بغداد القديمة وعلاقتهم باسرائيل، صدمة الخروج من العراق وصدمة الواقع الجديد والتألف، التقبل واستمرار القلق، الشخصيات الاربعة ليست عادية بمعني انها مثقفة فهم ناشطون سابقون في الحزب الشيوعي العراقي ومعرفته بهم جاءت من خلال والده الشيوعي وبالتفريق العراقي الجديد شيعي من الجنوب، وهؤلاء سمير نقاش، سامي ميخائيل، وشمعون بلاص، الثلاثة اكاديميون وكتاب وقصاصون لهم نتاجهم المعروف والاخير موسي حوري، تحول لناشط محلي وهو الوحيد الذي لا يطرح اسئلة كثيرة عن وضعه الجديد حيث يقول انه في العراق كانت قوميته العراقية والان اليهودية، ويبدو منفتحا ومنشرحا نوعا فيما يتعلق بحياته في رمات غان، اما الثلاثة الاخرون فدرجة القلق تتراوح وتبدو اعقد في حالة سمير نقاش الذي يري ان ظلما حل عليه ولهذا حاول الهرب من اسرائيل في عمر السابعة عشرة، وعاش في ايران والهند، وتركيا، وعاد الي رمات غان، اما بلاص فهو يقول لو كان له الامر لما جاء لاسرائيل ولسافر الي فرنسا، وبالنسبة لميخائيل فهو يقول انه يحمل ثقافتين عربية ويهودية تتعايشان مثل البقلاوة لا السياسة، لا زال يحن لايام بغداد والنشاط اليساري والثوري فيها، وواصل عمله اليساري عندما دعاه اميل حبيبي للعمل في تحرير جريدة الاتحاد التي كانت تصل الي العراق قبل هجرتهم لاسرائيل. هناك شخصية خامسة، اكتشفت عراقيتها في نيويورك هي الباحثة العراقية اليهودية ايلا شوحاط التي اختارت العيش في نيويورك بعد ان نشرت كتابا عن صورة العرب اليهود في السينما الاسرائيلية حلل ظاهرة سينما بوريكا (البوريك) عن اليهود المزراحي او الشرقيين واثار جدلا كبيرا. يمنح الفيلم مساحة لقراءة وضع اليهود الشرقيين في اسرائيل، وهو ما اشار اليه اليساريون الثلاثة عندما قالوا ان اليهودي الشرقي عومل باحتقار وأنهم كانوا قد رُشوا بالدي دي تي، المطهر عندما وصلوا الي اسرائيل خشية ان يكونوا قد حملوا معهم جراثيم معدية. في اسرائيل صارت صورتهم عربا بعد ان كانوا يهودا في العراق، لكن الفيلم يمنح اكثر من هذا رحلة في حياة بغداد في الاربعينات من القرن الماضي، وتعايش وعلاقات الاديان مع بعضها البعض ونشاط الشيوعيين، ومقاهي العاصمة المليئة بالفن والدومينو والبلياردو والبيانات الثورية، بغداد التي عاش فيها هؤلاء لم تعد بغداد فهي اليوم مدينة الحصار الطائفي والقتل والتشريد. ما يثير في لقاءات هؤلاء انه علي الرغم من اكثر من نصف قرن في اسرائيل ما زالوا يتحدثون بعراقية واضحة، حركاتهم، تعليقاتهم لا تفرقهم عن اي عراقي اخر. رمات غان قرب تل ابيب هي اكبر تجمع لليهود العراقيين، فيلم جيد وكنت اتمني لو ترك المخرج للمثقفين الثلاثة الحديث بنوستالجية وبدون تقطع ففي احاديثهم عن بغداد القديمة صورة عن الحنين لايام لن تعود، بالنسبة لموسي حوري لا اعتقد انه اضاف كثيرا، فهو مرتاح ومحبوب كما يقول، وظهوره في الفيلم لانه من اصدقاء والد المخرج الذي جاء للبحث عنهم. برنامج مهرجان افلام فلسطين 2006 مليء بالخيارات الجيدة، فهناك فيلم قاسم عبد عن ناجي العلي اهم ظاهرة فنية في العالم العربي في الربع الاخير من القرن الماضي والذي اغتيل في لندن عام 1987. والمهرجان يطرح الكثير من الثيمات الموضوعات، قضايا المواطنة في اسرائيل رماد ريما العيسي (2001) عن سكان قرية برعم في الجليل، وفكرة الولاء والانتماء في فيلم تحقيق خاص لعلا الطبري (2002) عن العودة الي البلد من المنفي واكتشاف اثار الاحتلال بيت لحم باندوليرا (لاريسا صنصور، 2004)، وكذلك فيلم حس الحاجة لشادي سرور (2004)، ايليا سليمان في وقائع اختفاء (1997)، عن السجناء في قراهم ومدنهم وعن اثار الاحتلال اليومية في نسيح العنكبوت (حنا مصلح، 2004)، عن صناعة الفيلم، فكرة الوطن والوطنية، تقدم عزة الحسن فيلم ملوك واتباع: الحفر في الصورة الفلسطينية (2004)، عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يشارك فيلم لا من هون ولا من هون وثائقي من انتاج هشام كايد (2006)، وكذا فيلم خارج الزمن لستيفان ماركوورث (2004)، افلام عن كفاح المرأة الفلسطينية تضم نساء خارج الحدود لجان شمعون (2003)، و نساء في صراع لبثينة كنعان خوري (2004). اسامة الزين يتحدث عن التحالف الصهيوني ـ المسيحي في فيلم فلسطين بعد ايلول (سبتمبر) .

رشيد مشهراوي يشارك بفيلمه انتظار (2005) ومحمد بكري يشارك ايضا بفيلم وثائقي آخر عن اميل حبيبي الكاتب الفلسطيني منذ ان رحلت (2005). ومن الافلام القديمة نوعا ما فيلم قيس الزبيدي فلسطين ـ سجل شعب (1984)، و بيروت الغربية لزياد الدويري (1998)، ومن الافلام الوثائقية ماذا بعد عن اجتياح اسرائيل لرام الله في اذار (مارس) 2002 لغادة الطيراوي، ريتشارد موس يقدم فيلما عن معاني الانتفاضة يعني انتفاضة (2005)، اضافة لافلام قصيرة وتجريبية مثل بازوليني بي فلسطين (2005)، واسكت (سميح الزعبي) (2003) وحمودة واميل (مهدي فليفل، 2004) و ما بين (منار الزعبي، 2005) و ليمونادة ، هشام الكايد، 2004، مستحيل (ان ماري جاسر 2003).

اشرف علي تنظيم المهرجان مؤسسة افلام فلسطين وهي مبادرة قامت بها جمعية الطلبة الفلسطينيين في كلية الدراسات الشرقية والافريقية وتهدف لتقديم صورة فلسطين، وثائقيا وروائيا للمشاهد الانكليزي وتوفر عددا من منابر الحوار والمحاضرات وتقوم بجمع المواد البصرية المتعلقة بفلسطين، ويشرف عليها، خالد زيادة، سمر مرقص ونيك دين. 

ہ ناقد من اسرة القدس العربي

افتتح المهرجان في يوم الجمعة 21 نيسان (ابريل) ـ ويختتم اعماله يوم 5 ايار (مايو) 2006. وتعرض الافلام في باربيكان سنتر، وكلية الدراسات الشرقية والافريقية سواس ، للحصول علي برنامج المهرجان: يمكن الاتصال بـ: Barbican Box Office

Web: www.barbican.org.uk/film/    ـ Tel: 0845 120 7530

في الاسبوع الثاني من المهرجان سيتم عرض الافلام في سواس وهي مجانية ويمكن الحصول علي معلومات عن البرنامج من خلال الدخول علي موقع المؤسسة:

info@palestinefilm.org
او الاتصال بـ: 07733235 760  ـ   07724450610

القدس العربي في 24 أبريل 2006

 

فيلم الافتتاح "المجزرة".. جلادو صبرا وشاتيلا يعترفون

القضية الفلسطينية بعيون السينما 

افتتح أكبر مهرجان للافلام التى تتناول حياة وقضايا الفلسطينيين تشهده أوروبا أبوابه للجمهور فى مركز باربيكان بالعاصمة البريطانية لندن.

يقدم المهرجان مصدرا مختلفا للمعلومات عن القضايا المتعلقة بالفلسطينيين لجمهور يلم بهذه القضايا بالفعل من خلال الاعلام.

ويعتبر خالد زيادة من كلية الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن التى تنظم المهرجان أن الافلام الفلسطينية هى طريقة اخرى للتعبير عن قضية فلسطين وما يجرى فى الأراضى المحتلة غير الطريقة المعتاد عليها من خلال الجرائد والتلفزيون.

حيث تعبر الافلام الفلسطينية عن قضية الفلسطينين ومعاناتهم بشكل اوسع واكثر موضوعية وبشكل يربط الناس مع الجمهور الفلسطينى من خلال الافلام.

استهل المهرجان فعالياته بعرض فيلم "مجزرة" للمخرجة الالمانية مونيكا بورجمان.

ويستعرض الفيلم شهادة ستة رجال يتحدثون لاول مرة عن دورهم فى واحدة من أشهر المذابح التى حدثت أثناء الحرب الاهلية اللبنانية التى استمرت من عام 1975 الى عام 1990 وهى مذبحة صابرا وشاتيلا التى قتلت فيها ميليشيات القوات اللبنانية المسيحية خلال الغزو الاسرائيلى للبنان مئات الفلسطينيين بوحشية على مدار بضعة أيام فى سبتمبر ايلول 1982 فى المخيمين الواقعين بالعاصمة بيروت.

ورغم أن الفيلم لم يعمد الى أن يكون دليلا على جريمة الجناة فان المخرجة قالت انها تعتقد ان فيلمها اختير لتدشين المهرجان لانه أول فيلم يقدم شهادة الجلادين.

وقالت بورجمان "اذا اردت ان تفهم ظاهرة العنف عليك أن تتحدث مع الجلادين.

واذا كان لديك حالة معينة مثل مذبحة صابرا وشاتيلا وتريد ان تعيد بناء ما حدث فان الجلادين وحدهم هم الذين بمقدورهم ان يقدموا اجابات بشأن المسؤولية وتسلسل المسؤولية والمؤن والدعم وما الى ذلك".

ورغم أن الفيلم دشن فعاليات المهرجان الا أنه لم يعرض عرضا عاما ورفضت بورجمان استخدام مقتطفات من الفيلم للاغراض الاخبارية خوفا من ان يتمخض هذا الامر عن التعرف على هوايات الرجال الستة الذين ظهروا فى الفيلم مما قد يعرض حياتهم للخطر.

افتتح المهرجان الروائية المصرية العالمية أهداف سويف التى اشارت الى أهمية استضافة معهد وطنى بريطانى مثل مركز باربيكان للمهرجان.

وقالت ان هذا يرجع الى التقدير الدولى المتزايد لوجهة النظر الفلسطينية فى الصراع العربى الاسرائيلى بالاضافة الى تميز الاعمال الفنية الفلسطينية.

وستعرض فى المهرجان أفلام روائية ووثائقية من ابداع فلسطينيين أو أفلام تركز على قضايا فلسطينية.

وستعقد على هامش المهرجان حلقات نقاشية مع بعض المخرجين وستستمر فعالياته حتى الخامس من مايو ايار.

العرب أنلاين في 24 أبريل 2006

الواقعية ... الإيطالية الجديدة

عدنان مدانات 

يعتبر الفيلم الإيطالي “روما مدينة مفتوحة” للمخرج روبرتو روسيليني، البداية المؤسسة لمدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية والتي برزت مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقادها سينمائيون أرادوا ان يعبروا عن مشكلات المجتمع الإيطالي من خلال سينما واقعية تعتمد التمويل الفقير (وبخاصة أن إيطاليا خرجت خاسرة من الحرب ومدمرة اقتصاديا)، والتصوير في الأماكن الحقيقية بعيدا عن الاستوديو والديكور وتقديم شخصيات أبطال الأفلام من عامة الشعب وأحيانا الاعتماد على ممثلين غير محترفين. وسرعان ما أدى نجاح أفلام هذه المدرسة على المستوى النقدي والجماهيري في آن، إلى أن يتأثر بهذه المدرسة العديد من سينمائيي العالم الذين يسعون لربط فنهم السينمائي بقضايا شعوبهم.

قام بإخراج فيلم “روما مدينة مفتوحة” المخرج الإيطالي روبرتو روسيلليني وشاركه في كتابة السيناريو ثلاثة من الكتاب من أهمهم فيديريكو فيلليني والذي سرعان ما سيصبح واحدا من اكثر مخرجي السينما في العالم موهبة وإبداعا.

تجري أحداث الفيلم في عام 1944 وسط مدينة روما التي اعتبرت مدينة مفتوحة أمام الغستابو، رجال الشرطة النازيين. ومن هنا جاء عنوان الفيلم. يعتمد الفيلم في حكايته على قصة حقيقية بطلها كاهن إيطالي يعمل مع المقاومة الشعبية اعدم رميا بالرصاص بعدما اكتشفه رجال الغستابو. وفيلم “روما مدينة مفتوحة” يستند إلى هذه الحادثة ليصور أجواء المقاومة الشعبية ضد الاحتلال النازي. تبدأ الأحداث في الفيلم من خلال شخصية مهندس اشتراكي يعمل في المقاومة السرية ويلتقي مع خلية من العمال من أعضاء المقاومة السرية. وحين يغادر المنزل الذي تم فيه الاجتماع، تداهم الشرطة الألمانية المنزل وتلقي القبض على العمال ويتم تحميلهم في شاحنة. أما زوجة العامل صاحب المنزل فتحاول اللحاق به فيطلق عليها الألمان الرصاص، رغم أنها حامل وتلقى مصرعها. قامت بدور الزوجة النجمة الإيطالية القديرة آنا مانيناني والتي وصف أحد النقاد أداءها في هذا الدور القصير بأنه أداء مأساوي خارق. ومن ناحيته يحاول المهندس لقاء الكاهن الذي يعمل في صفوف المقاومة لكي يساعده ولكن أمره يكتشف بعد ان قامت صديقة المهندس التي تعمل راقصة في أحد الملاهي وتدمن المخدرات بكشف أمره للشرطة الألمانية. ويتم القبض على المهندس وكذلك على الكاهن. ويتعرض المهندس للتعذيب الشديد ومن ضمنه إطفاء السجائر فوق جسده ولكنه يرفض أن يشي برفاقه الذين يقودون عمليات المقاومة السرية. وينتهي الأمر بالمهندس إلى الموت تحت التعذيب. ويصور المخرج عمليات التعذيب بكل تفصيل وبواقعية شديدة. أما الكاهن، بطل الحكاية الحقيقية فيلقي خطبته الوداعية الأخيرة أمام رعيته من الأطفال الفقراء قبيل أن يتم إعدامه رميا بالرصاص في أحد أطراف مدينة روما.

نال الفيلم نجاحا واسعا أينما عرض في العالم لمصداقيته الشديدة وبساطته التي تقترب من العفوية ولموضوعه الجديد على السينما الإيطالية آنذاك. وقد اعتبر النقاد ان الفيلم يؤسس لمنهج جديد لسينما تعالج مسائل الواقع من خلال رؤية جديدة وواقعية للناس والعالم تعتمد الوعي والتحليل العقلاني للمشكلات ويمتزج فيها الدرامي والتسجيلي في وحدة متكاملة متفاعلة.

ومن طرائف الأمور المتعلقة بإنتاج هذا الفيلم أن قوات الحلفاء التي احتلت إيطاليا بعد هزيمة القوات الألمانية قد سمحت للمخرج بتصوير الفيلم فقط على أساس انه فيلم وثائقي عن مدينة روما بعد النصر. وإن الهدف المعلن من وراء إنتاج هذا الفيلم كان إخراج فيلم وثائقي فقط نتيجة لتعذر الاتفاق مع ممثلين محترفين، فقد لجأ روبرتو روسيلليني لاستخدام ممثلين غير محترفين أي من عامة الناس ومنهم أعوان للشرطة النازية. وكان الممثل المحترف الوحيد في الفيلم الممثلة الإيطالية آنا مانياني.

هذه الأسلوبية السينمائية الجديدة هي التي اصطلح على تسميتها ب”الواقعية الإيطالية الجديدة” التي ضمت مجموعة أفلام من أشهرها فيلم “سارق الدراجة” للمخرج فيتوريو دي سيكا والذي طور إمكانية استخدام الممثلين غير المحترفين لأدوار البطولة استخدم فيه عاملا عاطلا عن العمل لدور البطولة من دون ان تكون له تجربة سابقة في التمثيل، حيث جسد شخصية عاطل عن العمل، أي بمعنى آخر قام بتمثيل دور مطابق تماما لوضعه في الحياة.

تحدث المخرج روبرتو روسيلليني عن ظروف عمله في هذا الفيلم في الفترة التي كانت فيها صناعة السينما الإيطالية مدمرة نتيجة الحرب فقال :

“شرعنا في التصوير مباشرة بعد شهرين من تحرير روما. ولم نكن نملك المعدات الكافية والمواد الخام الكافية. كما كنا نفتقد التمويل. ولهذا قمت ببيع بعض ممتلكاتي الشخصية للمساعدة في تمويل الفيلم. وقد صورنا مشاهد الفيلم في الأماكن الحقيقية التي جرت فيها أحداث الفيلم الأصلية”.

وتذكر المعلومات انه بسبب عدم توفر التمويل الكافي فقد كان مخططا في البداية لكي يكون الفيلم صامتا وقد تم التصوير على هذا الأساس. ولكن تم بعد مونتاج الفيلم إضافة الأصوات بعد ان تبرع الممثلون بالقيام بعملية الدوبلاج لتسجيل أصوات أدوارهم.

يعتبر المخرج روبرتو روسيلليني من أشهر المخرجين الإيطاليين ومن أكثرهم غزارة في الإنتاج. عمل في بداية حياته الفنية في مهن سينمائية مختلفة قبل ان يتحول للإخراج المسرحي والسينمائي ومن ثم التلفزيوني في سنواته الأخيرة. وهو اشتهر ككاتب للسيناريو إضافة إلى الإخراج. من أشهر أفلامه التي تنتمي لمدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة إضافة لفيلم “روما مدينة مفتوحة” فيلم “باييزا” (عام 1946) وفيلم “ألمانيا عام الصفر” (عام 1947). إضافة إلى الأفلام السينمائية أخرج روسيلليني منذ الستينات العديد من البرامج والأفلام والمسلسلات التلفزيونية وذلك قبل وفاته في العام 1977 عن واحد وسبعين عاما. آخر أعماله كان الفيلم التلفزيوني الروائي “المسيح” الذي أخرجه لمصلحة التلفزيون الإيطالي في العام 1975.

وصف المؤرخ السينمائي الفرنسي الشهير جورج سادول المخرج روبرتو روسيلليني بأنه كان له الفضل في رفع اسم بلاده عاليا وانه يعتبر أحد عمالقة الفن السينمائي في العالم.

ونذكر أخيرا أن “روما مدينة مفتوحة” حاز على الجائزة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي لعام 1946.

الخليج الإماراتية في 24 أبريل 2006

 

سواحل ... فيلم تسجيلي ساحر

فخري صالح 

لا يقتصر الإبداع على حقل بعينه، على مساحة محددة من الأنشطة الإنسانية، بل إنه يمتد ليشمل مناحي الحياة جميعها. ليس الشعر أو القصة أو الرواية أو المسرح ما يمكن وصفه بالإبداع، بل إن كل ما ينتجه البشر من علم ومعرفة وتكنولوجيا وإعلام يندرج في دائرة النشاط الخلاق إذا أتقن أصحابه عملهم وكانوا قادرين على الإبداع والخلق وإدهاش البشر وتجديد حياتنا والسير بها ولو خطوة واحدة إلى الأمام.

ثمة أشكال من الإبداع ولدتها المعرفة الجديدة والتكنولوجيا، ومزج الأشكال، وتجاور الأنواع واصطفاف حقول الإبداع جنبا إلى جنب. ينطبق ذلك بصورة بينة على تركيب فن التصوير الفوتوغرافي والتصوير السينمائي، والحوار، والحركة العفوية؛ وامتزاج الفكرة الذكية الخلاقة مع الكلام والصورة. وهذا ما ينطبق على الفيلم التسجيلي الياباني الساحر “درس من نوع آخر: أخبرنا عن حياتك”، الذي أنتجه التلفزيون الياباني وأخرجه كيسوكي سايتو، وشاهدته ضمن مهرجان الجزيرة الدولي الثاني للإنتاج التلفزيوني نهاية الشهر الماضي. فيلم بسيط لكنه منفذ بصورة ساحرة، وقد أحسنت قناة الجزيرة إذ عرضته في افتتاح مهرجانها المتفرد الضخم الذي عرض ما يزيد على مائة فيلم من إنتاج تلفزيونات عربية وأجنبية رسمية ومستقلة، وشركات إنتاج مستقلة، ومنتجين أفراد.

فكرة الفيلم، الذي لا تزيد مدته عن اثنتين وثلاثين دقيقة، تقوم على ملاحظة بسيطة لمصور فوتوغرافي ياباني تجول في جهات الأرض الأربع، وصور بكاميرته ويلات الحروب والكوارث التي تصيب البشر فتدمر حياتهم. لكن هيرومي ناغاكورا، الذي سجل من خلال عشرات آلاف الصور معاناة البشر في الحرب، يلتقط وسط الدمار صور ابتسامات رجال ونساء، وسعادة لحظية لأطفال وشباب وشيوخ في بيئة الموت والخراب. تلك الصور الباسمة في كادر الرعب والدمار جعلته يؤمن أن البشر يمكن من خلال الابتسامة، أو شبحها المرتسم على ملامح من صوّرهم في أمريكا الجنوبية وفيتنام وأفغانستان وإفريقيا، أن يدركوا خيط الأخوة الإنسانية والسلام والعداء للحرب. موضوع الفيلم إذاً هو كيف تنتزع الابتسامة من الوجوه العابسة، المتعبة أو المنشغلة أو الجدية؛ من البشر الماضين في حياتهم اليومية في المنزل والدكان والشارع. استخدم المصور الياباني، لفحص فكرته البسيطة، صفا مدرسيا من بلدته اليابانية التي غادرها منذ ما يزيد على عشرين عاما. لقد عاد إلى المدرسة نفسها التي درس فيها خلال طفولته ليصور الأمل عبر الابتسامة، وجلب معها كاميرات بعدد طلاب الصف المدرسي، وتجول مع الطلبة في شوارع بلدته، وعاد في أول يوم بحصيلة الصور التي التقطتها كاميرات الأطفال. كانت الابتسامات خجولة مرتبكة، وبعض الوجوه متجهمة غير مستعدة، فعاود الكرة مع الأطفال بعد أن علمهم كيف ينتزعون الابتسامات من الوجوه العابسة أو الخجلة أو المنسحبة من هذا العالم.

كانت النتيجة مدهشة بالفعل. نساء ورجال، شباب وشيوخ، أطفال من أعمار مختلفة يبتسمون لعدسة الكاميرا، أو يقهقهون مع محدثيهم من الأطفال في مشهد من سعادة التواصل الإنساني الذي يلغي الفواصل بين البشر، ويرسم التسامح والرغبة في كسر الجليد بين الملل والنحل الإنسانية التي تقاتلت عبر العصور وتشن الآن ضد بعضها بعضا حربا ضروسا لا تبقي ولا تذر. وفي نهاية المشروع وضع المصور الياباني المبدع الصور التي التقطها هو في بلدان العالم الكثيرة التي زارها، وتلك التي التقطها الأطفال في بلدته، جنبا إلى جنب، لتكون معا جدارية ضخمة تتبادل فيها السحن المختلفة، لبشر من آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، الابتسامات، بل الضحكات أحيانا.

إنه مشهد يحيي الأمل، ويقوم على فكرة بسيطة لكنها عبقرية تدل على أن الأفعال العادية تنتج في بعض الأحيان عملا إبداعيا متفردا غير مسبوق.

الخليج الإماراتية في 24 أبريل 2006

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك