شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بات مستحيلاً تنفيذ فكرة فرض النمط الغربي علي بلاد الشرق.. التي مازالت وستظل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها تتمتع بسمات خاصة. تبتعد كل البعد عن البراجماتية القائمة علي المصلحة الشخصية. والسعي نحو الرفاهية المطلقة والنفعية الجافية. التي تناهض معاني التكافل والتعاون والتضحية والتسامح وغيرها من فضائل الخير للجنس البشري.

فالشرق هو مهبط الأديان السماوية.. ومنبع المعتقدات السامية.. ومهما شهد من تطور فكري وتقني ضروري لملاحقة العصر.. سيظل محافظاً علي تراثه الإنساني العريق.. وعلي ثقافته وعاداته وقيمه ومبادئه التي أصبحت علي مر السنين مرجعا للغرب في هذه الأمور. وليس العكس.. عليهم إذن أن يتعلموا هم من الشرق. ويصلحوا من أنفسهم.. أو يتركوا ما للغرب للغرب.. وما للشرق للشرق!

الطريف أن هذه المعاني وغيرها جاءت بصورة أو بأخري في أحدث الأفلام الأمريكية التي تعرض حالياً في القاهرة باسم "الساموراي الأخير" للممثل الشهير "توم كروز". والذي كان أحد الأفلام المرشحة بقوة للأوسكار هذا العام.. ولكنه لم يفز.. طبعاً بسبب هذه المعاني التي قد لا تروق للبعض خاصة هذه الأيام.. ويكفي ما حدث في "أوسكار" العام الماضي. حينما صرخ أحد الفائزين علي المنصة يطالب رئيسه بالكف عن غزو الشرق.. والمسألة مش ناقصة.. والانتخابات الأمريكية علي الأبواب!!

تمرد .. وسحق

ولكن فيلم "الساموراي الأخير" هذا.. ليس بريئا براءة الذئب من دم يوسف.. لأنه أيضا يحمل في طياته مشاهد خبيثة.. وسماً زعافا في برطمان زاهي من العسل المصفي.. فالذي قام بحماية هذا التراث الياباني القديم من تأثير ثقافة الغرب هو مقاتل أمريكي بسيط يقود مغامرة دفاعا عن الشجاعة وقيم الشرف الرفيعة التي انقرضت.. ويا سلام علي دا كلام!!

تدور الأحداث في نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1877 وهي فترة تمرد الساموراي أو قدامي المحاربين في اليابان للمحافظة علي تاريخهم وشجاعتهم المعهودة في الذود عن الامبراطورية اليابانية. في الوقت الذي تخطو فيه هذه الامبراطورية نحو الحداثة بظهور التلغراف وخطوط السكك الحديدية واستخدام السلاح الناري والمدافع الجديدة حينذاك.. يستأجرون ألجرين "توم كروز" أحد الضباط الأمريكيين الشبان لتحديث نظم القتال في صفوفهم وسحق التمرد.. وبالفعل يدخل معارك عنيفة قدمت بصورة سينمائية مشوقة ضد المتمردين من الساموراي ليخرج منها بدروس تغير من تفكيره كثيرا.. فهؤلاء مازالوا يقاتلون بالسيف ولكنهم يدافعون عن تراثهم وعن حضارتهم وعن قيمة الشرف التي تنهار علي إيدي المفسدين ممن يلتفون حول الامبراطور.. ويعلم أن المشكلة ليست في مقاومة التحديث. بل في شلة المستفيدين من هذا التحديث لمصالحهم الشخصية. حتي أن احدهم يطرد وزيرا من المجلس لمجرد انه من الساموراي. ويرفض سعيه للصلح وتوصيل مطالب الساموراي للامبراطور الذي يظهر بصورة سلبية. حيث انه يتعاطف معهم ومع تاريخهم في الدفاع عن البلاد. ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع وقف زحف التقدم والانسياق وراء رجاله الذين يقودونه برغم فسادهم!

هي قضية كما نري تبدو معقدة.. وما أشبه الليلة بالبارحة.. فلا يجب أن يكون التحديث علي حساب التراث. ويمكن الجمع بينهما لو أخلصت النوايا. واستبعدت المصالح وفكرة الهيمنة.. وهو الذي جعل بطل الفيلم يقرر بكل قناعة الانضمام إلي صفوف الساموراي وإلي زعيمهم كاتسوموتو "كين واتا نابي" ذلك الممثل التحفة الذي كان بحق ينافس توم كروز وبنفس مستوي أهمية ومحورية شخصيته. كما يجد نفسه منجذبا لشقيقته "كويوكي" التي قتل زوجها ويتم ابناءها في بداية الصراع!

ملحمة ممتعة ولكن

هناك سقطة درامية وقع فيها الفيلم - وقد تكون متعمدة - وهي أن البطل لم يتضامن مع ثقافة الساموراي إلا لأنه مضطرب نفسيا "مبرر سخيف" من صراع عاشه هو في بلده.. ولكن سرعان ما عدل الفيلم فكرته بعشقه لأسلوبهم بعد معايشته لهم والتعرف علي اخلاقياتهم.. وهو كما نري سلاح ذا حدين استخدم بذكاء وخبث لقول الشيء ونقيضه.. ويكفي العنوان الذي يظهر أن "الساموراي الأخير" هو الأمريكي حتي ولو أصبح واحدا منهم... ولكنه الأخير ولا شيء بعده!

وحتي لا نظلم العمل فهو تحفة ملحمية ممتعة. استطاع المخرج "ادوارد زويك" الذي تأثر كثيرا بفيلم "الساموراي السبعة" لاكيرا كيروساوا الذي يعد من كلاسيكيات السينما العالمية. ان يتقن حركة الكاميرا وحركة الممثلين والمؤثرات والمونتاج ببراعة فائقة.. حتي وكأنك تحيا في هذا الجو الذي يدافع بقوة عن ثقافات الشرق برغم خباثة وجود المخلص الأمريكي رغم الهجوم المستمر علي طريقتهم العدوانية. وكذا خباثة الدعوة باندماج الشرق والغرب.. وهذه هي السينما لمن لا يعرفونها: فن وثقافة.. بل وسياسة أيضا!

الجمهورية في  11 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"الساموراي الأخير".. يواجه الشرق الأوسط الكبير:

توم كروز ينضم لصفوف قدامى المحاربين في اليابان

محمد صلاح الدين