كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

جديد الموقع

 

قبل فترة وجيزة خرجت بعض الصحف السورية الرسمية وفيها تصريح مفاجئ للمدير العام للمؤسسة العامة للسينما في سورية السيد محمد الأحمد، يقول في التصريح: إنه يحمل بشرى، تنص على ما يلي: ان السيد وزير الثقافة كلفه بأن <<يزف بشرى>> موافقته على جعل مهرجان دمشق السينمائي مهرجاناً سنوياً بدل عقده كل سنتين.

هذه <<البشرى>> التي اعتبرها العديد من المثقفين واصحاب الخبرة متعجلة ولا تنهض على أسس مدروسة، جددت الحديث، والأخذ والرد، حول مهرجان دمشق السينمائي في دورته الاخيرة، بالصورة التي انعقد بها، وبالأموال الباهظة التي انفقت عليه، وبصور الاورام والمآخذ التي تكشفت في فترة لاحقة وتداولتها الألسنة والصحافة في دمشق وبيروت. وآخرها تلك <<البشرى>> التي قيل انه سمح <<بزفها>> الى قراء الصحف السورية الرسمية للسيد وزير الثقافة.

في الدورة الثالثة عشرة السابقة للمهرجان استغرب واستهجن القاصي والداني الشعار الذي رفعته الدورة: <<دمشق تحتضن العالم>>. قالوا: <<رحم الله امرءاً عرف قدره فوقف عنده>>. وقالوا: <<اهكذا تورد يا سعد الإبل؟!>> أضربة واحدة وإذا دمشق، عبر مهرجان سينمائي، <<تحتضن العالم>>، الدنيا، الكون؟!

في الدورة الاخيرة 14 تعالت صيحات انتصارية من أعلى قمة في مبنى المؤسسة العامة للسينما: ان الدورة تتضمن 500 فيلم، وكل فيلم ينطح سابقه.. وللحقيقة افلام فيها الحديث والجيد بل والمتميز احياناً، لكن 500 فيلم!! لماذا؟ لعل كان او برلين او البندقية حيث صناعات كبرى عريقة ودول كبيرة وجماهير سينما كبرى قادرة في مهرجانها ان تجمع مثل هذا العدد، لكن سورية؟! بلد تشحط فيه السينما شحطاً، هبط فيه عدد دور العرض البسيط اصلاً الى ما دون النصف، كان من الممكن لولا بعض القرارات الحكومية الجائرة والمتعسفة (باسم الحفاظ على شرف الفن) ان تهدم وتقلب الى اسواق وكراجات ومكاتب.

إذن 500 فيلم يتم جمعها ولمّها من هنا وهناك، من قديم السينما ومن حديثها، من بطون اقبية حفظ الافلام ومن موجودات مكاتب التوزيع.. حشد من الافلام، وقيل لجمهور تولى منذ نيف وعشرين سنة عن السينما ودورها، تعال احضر ما تحب وما تستسيغ.

جهود كبيرة بذلت، ما في ذلك شك. لكن معظمها كان من قبيل استعراض العضلات. وكان يجب ان يسمع المسؤولون عن المهرجان بمن فيهم وزير الثقافة، ما يتردد في الكواليس، وفي اللقاءات بين السينمائيين، وفي جلسات المثقفين من غمز ولمز ليدركوا فداحة الاخطاء التي وقعوا فيها واوقعوا الجهات الممولة معهم.

لنعدد بعض النقاط التي تثبت خطأ، بل اخطاء، السياسة التي ارتكزت عليها ادارة المهرجان، وورطت سلطات اخرى محترمة معها، تخيلها لما يجب ان يكون عليه المهرجان في الظرف السياسي الدقيق الذي يمر فيه البلد، كما لو كان المهرجان <<هوشة عرب>> حسب الكلمة التي شاعت وترددت حتى بين اوساط الضيوف، وكبوق اعلامي اولا وكمناسبة ثقافية ثانيا.

اجيال لا تعرف السينما

وبداية: ماذا تضيف، او ماذا اضافت هذه الدورة الاخيرة لمهرجان دمشق السينمائي في المستويين المحلي والعالمي؟ والجواب في رأينا انه اقل من القليل.

ففي سورية نفسها، فقدت السينما جمهورها على مدى ربع القرن الاخير، ولم تعد طقسا عائليا ولا فرديا يتزود عبره الناس بنفحة ثقافية وعاطفية وروحية... ومثلا كانت مجمل القاعات في آخر العروض شبه فارغة، غير مؤنسة، وبالتالي فلا تواصل مع الشاشة ولا مع المحيط. بما اسهم في افراغ المهرجان من قدر كبير واساسي من فحواه ومن رسالته الثقافية.

واجهات صالات السينما القليلة والمهترئة وما ترفع من اعلانات عن الفيلم والافلام القادمة، وما تعرض من صور، لم تعد تثير الاهتمام المعروف والخاص للناس.. صار الجمهور يمر امام الصالة ولا يكاد يرفع وحتى لمجرد قراءة الاعلان او يتوقف لمشاهدة الصور.. يمر مرور الكرام، كما لو انه يمر امام واجهة محل لبيع الملابس او الاحذية، وهو ما حدث بالضبط للافتات الضخمة بالألوان للمهرجان.

هكذا فقد الجمهور بالسينما وبالتالي بالمهرجان موعداً ثقافيا ونافذة يطل منها على العالم، وعلى الإنسان في نزاعاته، عواطفه، علاقاته... فعلى مدى ربع قرن نسي الجمهور ما تمثله السينما من اداة اغناء للذات وللعقل وللروح. وحين نقول إن ذلك؛ يمثل افقاراً للإنسان في عاصمة عدد سكانها يزيد على اربعة ملايين نفس يفترض ان تكون فيها شعلة الثقافة وضاءة، فما تكون الحال في باقي ارجاء الوطن، في المدن الاخرى الرئيسية وفي بلداته وقراه؟

هناك اجيال برمتها من الشباب، خصوصا من الصبايا، أمهات وموجهات المستقبل، لم يدخلن السينما ولا مرة واحدة.. حالة انكفاء، اكتفاء، حجب، ضغط، تسيب... تلك الاجيال لم تتابع نشاطات المهرجان بالطبع. والسبب الرئيسي لهذا التولي عن المهرجان وعن السينما كلها، هو بالدرجة الاولى غياب سياسة حكومية ثقافية تتعلق بالسينما، احد اهم فنون العصر، ان لم يكن اهمها إطلاقاً. فالسياسة الثقافية تقوم على الفعل ورد الفعل.. نقيم مهرجانا، نركض.. يخطر لنا عرض.. واستعراض لعضلاتنا، نضخم المهرجان، نرفع درجة حرارة الدعاية، نجمع 500 فيلم لا يمكن ان يكون شاهدها، على مدى ايام المهرجان، اكثر من 32 آلاف شخص، يترددون هم انفسهم على الصالات.

أصلاً، الصالات هرمت ولم تعد تفتح نفس اي إنسان لزيارتها.. معظمها كما قلنا اغلق، باتت خاسرة، والباقي موجود بقوة الاستمرار لان البلدية لن تمنح اصحابها رخص بناء اذا هدمت واعيد بناؤها لغير العروض السينمائية.. وهذا اضافة الى تدني مستوى الافلام المستوردة في معظم الحالات على مدى السنين.

ضيوف بلا ضرورة

لمن إذن نقدم 500 فيلم؟ وعلى حين غرة نجند 11 صالة سينما (وغير سينما)، ونقتحمها بهذا العدد الفلكي من الافلام، ونقول لجمهور غائب، فقد عادة التردد على دور السينما والتمتع بالافلام داخلها وضمن شروط عروضها، تفضلوا تابعونا!

لا اللافتات الضخمة نفعت ولا البذخ في الديكورات اقنع، وزاد من الطنبور نغماً ذاك الكاتلوغ الضخم بالألوان دوماً الذي حمل في اولى صفحاته صورة راعي المهرجان السيد رئيس الجمهورية، ثم صورة وزير الثقافة وصورة مدير المهرجان، ومن بعد بدأ تعداد الدول والافلام المشاركة.

والكاتلوغ لمن لم يره يقع في 528 صفحة من الورق الصقيل بما جعل وزنه يفوق 2 كغ وقد بثت اذاعة مونت كارلو خلال انعقاد المهرجان نقاشاً بين نقاد حضروه مؤداه ان ثقل وزنه، لن يسمح للعشرات من الضيوف الاجانب والعرب على حد سواء باصطحابه خصوصا ان معظم النقاد والسينمائيين المدعوين سبق لهم ان شاهدوا الافلام الاساسية في مهرجانات كبرى سابقة.

ومن بعد، من قبيل المقارنة فحسب أورد هذين الرقمين:

كاتلوغ الدورة 14 لمهرجان دمشق السينمائي تضمن 528 صفحة.

<<انسيكلوبيديا (موسوعة) هوليوود>> الموجودة في مكتبتي، بأقلامها، بنجومها، بنجماتها وأقول موسوعة هوليوود، لا حتى فرنسا او ايطاليا او المانيا بسينماتها العريقة تضمنت فقط 475 صفحة لا غير تليها 25 صفحة بيبليوغرافيا وفهارس.

ثم من قبيل المقارنة ايضا اورد هذين الرقمين:

افلام مهرجان دمشق في <<دورته الاخيرة>> 500 افلام مهرجان القاهرة في دورته الاخيرة 140 (بينها حوالي ثلث هذا العدد خصص للاحتفاء بالسينما، بما يقصر المهرجان على حوالي 100 فيلم فقط من انحاء العالم كافة (في مهرجان معترف به دوليا)

وأخيرا هذه المقارنة: عدد الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية 25.

عدد الافلام المشاركة في المسابقة في القاهرة: 16.

لاحظ المثقفون في سورية باستغراب استضافة حوالي 70 ضيفا اجنبيا جاؤوا من اربعة اركان المعمورة، منهم مدراء مهرجانات وسينمائيون وصحفيون، مع ثمن تذاكر طائراتهم واستضافة 5 نجوم مدة المهرجان.. وكتب صحفيون من دمشق غامزين ومشيرين صراحة الى فكرة: <<استضيفك اليوم في مهرجاني، لتستضيفني غدا في مهرجانك!>> وللحقيقة، ما هي، وما يمكن ان تكون العبرة من دعوة رؤساء مهرجانات؟ وما هي اهمية دعوة أناس بمثل هذا الكم المجحف من استراليا والسند والهند وجنوب افريقيا واوروبا والاميركيتين، بالنسبة للسينما في سورية ولسورية عامة.. أما كان من الأجدر استضافة اكبر مجموعة ممكنة من الصحفيين والمثقفين من كل المحافظات السورية كما تفعل دول كثيرة اخرى لحضور عروض المهرجان واخراجهم من عزلتهم واطلاعهم على الجديد؟

ثم ما ذاك الدفق الكبير من ضيوفنا القادمين من مصر الشقيقة الذي تمثل لا بثلاثة او 10 او 15 شخصا، بل بعشرات المدعوين المهمين ومن دعوا انفسهم ومن <<حشرية الذين يتمتعون في كل مهرجان على حسابنا بنزهة سياحية مدفوعة وإجازة نادرة وفندق 5 نجوم وغرف وسويتات ومطاعم ونزهات، ثم لا تكاد كثرتهم تحضر ايا من الافلام او جلسات النقاش في حين يتردد صدى نعالهم في الاسواق وفي الحفلات>>.

وهؤلاء من جهة وأولئك الاجانب من جهة اخرى <<ثمنوا عاليا>> مهرجان دمشق وتمنوا على الادارة لو انه يصبح سنويا. هل لسواد عيون الفن؟ لا بل ليستمتعوا بالطبع بكرم الضيافة السورية كل سنة بدل كل سنتين. دبابير معظم هؤلاء تنهش لحم اعناقنا ثم تختفي.. هذا الامر الذي اتخذ حجة لا حجة بعدها، واعتبر شهادة ما من شهادة توازيها لإقناع السيد الوزير بالموافقة على جعل مهرجان السينما سنويا، وبالتعجل <<بزف البشرى>> الى الجماهير السورية بظن انها متلهفة لهذا الخبر، هي التي في حقيقة الامر لم تعد السينما ولا مهرجان السينما يعنيانها بشيء بعد ان اسقطت السينما، بقضها وقضيضها، من حساباتها.

بداية مغدورة

لنتواضع، ولنعرف حدودنا. اسمح لنفسي بأن استدرج طفولة <<مهرجان دمشق السينمائي>> المسكين الذي كنت <<أحد مؤسسيه عام 1979>> بتشجيع من السيدة وزيرة الثقافة آنذاك، نجاح العطار. قام بالأصل على فكرة التوأمة مع مهرجان قرطاج السينمائي في تونس فمهرجان تونس يخصص في سنة مسابقته الرسمية حصرا للافلام العربية والافريقية. بحكم وجود تونس في افريقيا، ومهرجان دمشق يخصص مسابقته للافلام العربية والاسيوية بحكم وجود سورية في آسيا.

هذه الصيغة الموفقة طُبقت بكثير من الاتزان والسمعة الطيبة على مدى عدة دورات، وتونس لا تزال تطبقها منذ بداية الستينات الفائتة والى يوم الناس هذا بأنفة واحترام للذات بعيدا عن كل شطحاتنا في دمشق، غير ان ظرفا سياسيا لا ثقافيا حمل ادارة مهرجان دمشق على حشر افلام اميركا اللاتينية في مسابقات المهرجان.. ذاك كان تجاوزا غير مبرر. لكن التصعيد الكيفي هو الذي دفع ادارة المهرجان والمؤسسة العامة للسينما في ادارتهما الجديدة عام 2000 لجعل مهرجان دمشق دوليا! الامر الذي زاد الدمل دماميل، فحمل الدولة عبء دفع ميزانيات المهرجان بلا طائل من حوالي 5 ملايين ليرة سورية في الثمانينات و8 ملايين في التسعينات (حتى مع اضافة افلام اميركا الجنوبية) رفعات متتالية عدة اضعاف بعد ذلك وصولا الى ما تردد عن ميزانية بلغت 35 مليونا، عدا ونقدا، في الدورة الأخيرة.. هي ميزانية <<مهرجان دولي>> لا يُعترف به شرعيا وعالميا بأنه دولي لأنه لا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة والمقررة لمثل هذا اللقب.. ويقدم في مسابقته الرسمية افلاما لطالما جالت مهرجانات العالم وحصل بعضها على جوائز رئيسية، وما كانت لها بنا حاجة لان نكرسها من جديد.

والآن، بعد كل الشطحات السابقة، هي ذي الشطحات تبلغ بنا حد المناداة بجعل المهرجان ينعقد سنويا، بدل مرة كل سنتين كما كان مقررا. فما الذي سينجم عن ذلك؟

أولا ستتم مضاعفة الميزانية، فتنفق سورية عبثا وبلا حساب، ما يساوي سبعين مليون ليرة كل سنتين على مهرجان لا ناقة ولا جمل فيه لعامة جمهور أسقط السينما من حساباته وعزف عن صالات العرض، فما عادت تعيده اليها سوى رسالة وسياسة ثقافية واعية.

ثانيا كما هي طبيعة الامر حيث يكون كل عمل على حساب عمل.

وكما كانت حال المهرجانات السابقة ستستغرق مستلزمات تحضيرات المهرجان معظم جهود الفئة الأكثر مسؤولية في المؤسسة العامة للسينما، وعلى رئيسها مدير عام المؤسسة الذي سيضطر فكريا وانسانيا وعمليا، لمنح متطلبات المهرجان القادم ما لا يمنحه من وقت ومن تفكر في الشؤون الاساسية التي يتطلبها المنصب الذي جاء لخدمته، لا لمجرد تسيير اموره اذا هو التزم بمهرجان يقام كل سنة.

فلو استخدمنا اموال البزخ الفائق، وفرغنا المدير واعوانه لما يفيد سينما في حالة الانهيار التام في المستوى الشعبي، بما يمثل فقدانا عظيم الشأن في المخزون الثقافي لكل فرد، وخصصنا ذلك كله لعمل تأسيسي سينمائي متين، لكان ذلك افضل وأكثر جدوى للبلد ومن ذلك:

1 اعادة تنشيط دور السينما وايجاد الحلول المناسبة لذلك بما في ذلك المخصصات المالية.

2 اعادة تنشيط النوادي السينمائية.

3 العمل على تأسيس سينما تصون افلامنا وما نقتنيه وندفع ثمنه بالعملة الصعبة من افلام عربية واجنبية مهمة من تلف مؤكد.

4 انتاج افلام بالمستوى اللائق، دون التركيز على العدد باسم (زيادة وتيرة الانتاج).

5 كبديل عن مهرجان متورم، تهيئة افلام متميزة تعرض على مدى اسابيع السنة ذاك انه خارج هذه الامور وامثالها فكل ما يتم فعله قبض الريح وفوات يليه فوات ووقت ومال مضيعان.

أعود في النهاية فأعبر عن مدى الأسف للجهود الحقيقية والكبيرة التي بذلت ولا تنكر من جانب إدارة المهرجان مديرا وعناصر، لتأمين ال 500 فيلم التي حشدت بلا ضرورة في الدورة الاخيرة للمهرجان وللاتصالات المرهقة. مع الضيوف وتنسيق قدومهم وسفرهم ومتابعة تنظيم عروض الافلام في الصالات وغير ذلك مما يتطلبه تنظيم كل مهرجان.

علما بأن عملا من هذا النوع، في حال مهرجان متوازن يقام كل سنتين كما مهرجان قرطاج الذي ظل أمينا لرسالته الاساسية او مهرجان سنوي كما يتم التحضير له في غفلة من الناس. يجب ان تناط ادارته وتنظيمه وتمويله من قبل ادارة خاصة به تابعة لوزارة الثقافة ولشخص الوزير، وبالتعاون مع ادارة المؤسسة العامة للسينما، لتظل للمؤسسة استقلاليتها وخصوصيتها وللتركيز على انتاجها ومهامها الكثيرة الاخرى.

إن استقلالية المهرجانات عن صلب المؤسسات الانتاجية أمر معروف في جميع انحاء العالم وقد تكون سوريا الوحيدة القادرة بين بلدان العالم التي يتحمل فيها مدير عام مؤسسة سينمائية حكومية انتاجية وعناصره ادارة مهرجان بالتوازي مع المهام الكثيرة المنوطة به وبمن حوله، اذ لا معدى عن ان يكون عمل ما على حساب عمل آخر هو افضل وأجدى للناس وللوطن.

السفير اللبنانية في 20 يناير 2006

فيلم «خطة الرحلة » لجودي فوستر.. حبكة مشوقة ضمن حيز محدود

بقلم يحيى القيسي 

هذا فيلم أثار ضجة واحتجاجات منذ بدء عرضه قبل أشهر قريبة من قبل العاملين في شركات الطيران الأميركي، إذ ينشغل بعوالمهم القريبة، ويقدم نماذج إشكالية منهم، ولكني لن أستبق الأمر هنا بحيث أقدم حل الحبكة المتقنة، فائقة التشويق التي ينشغل عليها الفيلم طيلة مدته وهي ساعة و33 دقيقة،  بل أبدأ أولا بالإشارة إلى حكايته، إذ نتعرف أولا على مهندسة الطيران كيل «جودي فوستر» التي تعمل في ألمانيا، وهي على وشك العودة إلى نيويورك برفقة ابنتها ذات الست سنوات جوليا «مالرلين لوستون»، ومصطحبة معها جثة زوجها الذي وجد ميتا بعد سقوطه من شقته الواقعة في إحدى العمارات، تدور الأحداث بعد صعود كيل وابنتها إلى الطائرة الضخمة من طراز جمبو 474 ذات الطابقين، وبالطبع تمتلىء الطائرة بالركاب القاصدين نيويورك من مطار ميونخ، ولا ننسى مشاهد الركاب العرب ووقع أصواتهم، وبالطبع فإن الأحداث كلها ستدور لاحقا داخل هذا الحيز الضخم المعلق بين السماء والأرض والذي انشغلت الكاميرا في بدايته برصد تفاصيل فخامته وتلك الكومبيوترات التي تتوفر لكل راكب، ومقاعده الوثيرة، وكأن تفاصيله في فندق من طراز الخمس نجوم.

وهنا ستبدو براعة المخرج الألماني روبرت شفنتكي، المتخصص أصلا بهذا النوع من الأفلام، وسيكون علينا كمشاهدين الإحساس بكل دقيقة من فيلم «Flight plan» أو «تقرير الطائرة» رغم أن الحيز محدود، ولا مجال للخروج منه، وهكذا فإن فيلما مثل هذا يقتضي حبكة متقنة، ومقنعة، وشديدة التشويق، وفيما تنام كيل وابنتها، فإنها تصحو بعد وقت ما، ولا تعثر على جوليا، وتبدأ أولا بالبحث عنها بكل اطمئنان في المقاعد المجاورة، دون جدوى، وتتصاعد حدة القلق، هي تستمر بالبحث، وتسأل الطاقم من المضيفات عن ابنتها الصغيرة، وهنا تتعرف على ضابط أمن الطائرة كارسون «بيتر سارسغارد» الذي يبدأ بالبحث أيضا، ويرافق الأرملة الطازجة الحزن للعثور على ابنتها، ونتعرف أيضا على بعض المضيفات، وكابتن الطائرة ريتش «شين بين» وهو يحاول أن يهدأ روعها، فيما يتم تفحص بطاقات صعود الطائرة وكشف الركاب فلا يتم العثور على دليل أن الطفلة جوليا قد صعدت على هذه الطائرة أساسا، ولا أحد من الركاب أو أطقم الطائرة يتذكر أنه رآها، وعند هذه التصاعد في التشويق يكون على المشاهد الذي تورط في مشاهدة الطفلة أن يدخل مرحلة الشك في كلام السيدة كيل، فربما تكون قد دخلت في تهيؤات ما، وربما يكون الحدث الجلل الذي تعاني منه قد أدخلها في هلوسات بشأن ابنتها، لكن كيل تبدأ بالبحث عن ابنتها بطريقتها الخاصة ما دام أن الجميع لا يصدقها، وهي تغافل رجل الأمن كارسون وتدخل فتحة في الحمام إلى داخل الطائرة، وبما أنها خبيرة أساسا بالطائرات فإنها تلقي الرعب بين الركاب، وتقلقل طمأنينتهم عبر عبثها بأجهزة التحكم بالضغط، والإضاءة، ونرى هنا براعة المخرج شفنتكي وهو يحرك كاميراته داخل تفاصيل الطائرة الضخمة من الداخل حيث المستودعات وأجهزة الكمبيوتر، وأمتعة الركاب، وأيضا التابوت الذي يضم جثمان زوجها، وهكذا فإن بحث كيل المتواصل يزعج الركاب، وأمن الطائرة، والكابتن الهادىء ريتش والذي يرغب حقا في مساعدة كيل لكن كل الوثائق والشهادات تقف ضدها، ومع ذلك يأمر جميع الطاقم بالبحث حتى يطمئن قلبها ولكن دون جدوى ..!

لن أدخل في حكاية الفيلم أكثر، كعادتي، تاركا المجال للمشاهدة للراغبين، وكي لا أفسد متعة المشاهدة، وأعود إلى مجموعة من الملاحظات التي تركها الفيلم في نفسي، وأولها أداء الممثلة القديرة جودي فوستر، فهي من الطراز المتميز لنجمات السينما، والتي تشتغل بشكل كبير على الجانب النفسي من الترقب، وانعكاس ذلك على قسمات الوجه، ولغة الجسد، وكان آخر عمل لها هو فيلم «غرفة الرعب» 2002 حيث قامت أيضا بدور المحافظة على ابنتها من الرجال الأشرار في حيز مغلق، وبالنسبة للمخرج الألماني شفنتكي فقد أنجز من قبل فيلمين سابقين جرت أحداثهما أيضا داخل طائرة ما، وهو يستغل كل سم من مثل هذه الأمكنة المغلقة لينجز فيلما مدهشا، وربما ليقول لنا بأن الأمكنة المفتوحة المتنوعة لا تفيد إذا كان المخرج لا يتقن صنعته، وفيما يتعلق بالممثل شين بين، فرغم أن دوره كان قصيرا، إلا أنه برز بشكل مؤثر، وهذا أيضا ينطبق على بيتر سارسغارد، رجل الأمن الذي بدا خالي العاطفة، ويؤدي واجبه فقط، فيما نعثر على شخصية أخرى داخله لشرير، إضافة إلى مساعدة إحدى المضيفات، بحيث أن الرعب الذي حل في هذه الطائرة يجيء أساسا من المكلفين بحمايتها، وربما هذا الأمر هو الذي دفع المؤسسات المؤطرة لمضيفي الطائرات وأمنها في أميركا بأن تقوم بشكواها على منتج الفيلم، ورعاته، فمن غير المعقول أن يكون «حاميها حراميها»، وليس من اللائق التشكيك بأولئك الرجال والنساء الذين يقضون جل حياتهم معلقين بين السماء والأرض لخدمة الركاب الطارئين، والمتبدلين دوما .

بقيت الإشارة إلى آثار أحداث 11 سبتمبر المشؤومة على العرب في كل مكان، وقد بدا ذلك من خلال توجيه أصابع الاتهام لبعض هؤلاء الركاب بأنهم هم من اختطفوا ابنتها، وثمة راكب أميركي موتور، يحاول بين الحين والآخر الانقضاض على هؤلاء العرب، فقط لمجرد أن قسماتهم عربية، ويحاول الرجل الملتحي، المغربي اللهجة، أن يدافع عن نفسه، وتجعلنا أجواء الفيلم نشك أيضا مع كيل بالأمر، ولكن النهاية جاءت لصالح هؤلاء العرب، وهي دعوة من المخرج كما يبدو لعدم التسرع في الشك، وعدم اعتبار العرب كلهم مثل أسامة بن لادن، ولعل من الضروري بمكان العمل على بدء دراسة صورة العرب في السينما العالمية، وتكليف جهات ثقافية وإعلامية متخصصة بالأمر للاشتغال عليه، ومحاولة تفنيد الأخطاء التي ترتكب بحقهم، بدل المساهمة في ترسيخ هذه الصورة، في بعض الأفلام المدعومة من أميركا وأوروبا ...!

ولكن بعد انقضاء الساعة والنصف من الولوج إلى أعماق هذا الفيلم، يخرج المشاهد بمجموعة من الملاحظات التي تتعلق أساسا بقصته، فماذا لو لم تكن كيل مهندسة طيران، هل كان بإمكانها معرفة أسرار الطائرة وتفاصيلها الدقيقة، وإنقاذ ابنتها، ولماذا يضطر حارس أمن الطائرة إلى قتل زوج كيل، وخطف ابنتها، وتفخيخ الطائرة بالمتفجرات، وعمل كل هذه الخطة الشريرة، ومعه تلك المضيفة، وهل الفلوس وحدها هي الدافع ؟ ثم لماذا لم يوجد رجال أمن آخرون في الطائرة غير كارسون ؟ وماذا عن دور الكابتن غير المقنع ؟

تلك أسئلة تدفع بالمشاهد إلى التشكيك بقدرة السيناريو على الصمود والإقناع، وأن المبررات التي سيقت لنا كانت واهية، وعلى العموم فإن أداء جودي فوستر القوي أنقذ الفيلم، وجعله أكثر قبولا، إضافة إلى الجهود التي بذلت من الممثل سارسغارد ورفاقه، و يبدو أن على المشاهد أحيانا أن يتنازل قليلا عن نشدان الكمال في مثل هذه الأفلام لصالح المتعة الآنية التي يرومها، فمن الصعب أن يجد المرء ذلك الأداء العالي، مصاحبة لسيناريو خارق، إضافة إلى عناصر العمل الأخرى من صوت ومؤثرات وتصوير، وإخراج وربما هذا ما يميز أفلام الأوسكار التي يتمتع المرء بعناصرها معا في سيمفونية بصرية فريدة، ولا ينتمي فيلمنا هذا إلى مثل ذلك .

yahqaissi@hotmail.com

الرأي الأردنية في 20 يناير 2006

 
سينماتك

 

مهرجان دمشق السينمائي.. البشرى الخادعة

صلاح دهني

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك