ها قد مرت بضع سنوات على رحيل الفنانة الجميلة سعاد حسني. أعتقد أننا سنظل نتذكر هذه الفنانة مهما مرت السنون. لقد ارتبطنا بها وارتبطت بنا كجمهور بصورة فاتنة تجعل ذكراها تطل علينا لتثير في حياتنا ومخيلتنا الكثير من الصور والأحداث، أو جزءاً هاماً من تاريخنا المعاصر. فلماذا سعاد حسني؟ لماذا تظل هي بالتحديد قادرة على إثارة كل ذلك الشجن الجميل فينا عندما نشاهد أحد أفلامها أو نسمع إحدى أغنياتها أو نشاهدها ترقص وتركض وتضحك وتبكي وتملأ الشاشة، تملأ حياتنا، صخباً وضجة وحيرة ودموعاً؟ لماذا أثار نبأ موتها المفجع كل تلك الآلام أو ربما ذلك الإحساس العميق باللاعودة أو خسارة زمن لن نستطيع أبدا أن نعوضه أو أوقات لن نستطيع أبدا أن نعيشها ثانية بحلوها ومرّها؟ في هذه المقالة، أود أن أتناول سعاد حسني الفنانة من خلال التميز الشديد لفنها. ما الذي يجعل فنها يحمل معاني دالة في نواح شتى، سياسية واجتماعية وثقافية وتاريخية؟ أود هنا أن أنظر عن قرب إلى سعاد حسني الفنانة وكيف يمكن أن يعكس كل هذا الفن الذي صنعته قيمة غاية في الأهمية، معقدة وبسيطة في ذات الوقت، ألا وهي الارتباط الوثيق بين الفن والحياة. كيف يصبح الفن جزءاً لا يتجزأ من الحياة وكيف يتداخل معها ويثريها ويؤثر فيها؟ علاقة قديمة وتاريخية تلك التي تربط الفن بالحياة وتجعلهما يتشكلان في نسق جميل ومتكامل. ولكن ما الجديد الذي أضافته سعاد حسني لتلك العلاقة إذا ما أخذنا إطارا المجتمع المصري وتحولاته على مدار ثلاثة عقود كما انعكس على شاشة السينما؟ أحاول في هذه المقالة أن ألقي الضوء على بعض الموضوعات التي تشكل من وجهة نظري نقطة تحول في مسيرة سعاد حسني الفنية والتي أدت بالتالي إلى تطور من نوع ما في تاريخ السينما في مصر. وأود أن أوضح أنه يصعب في مقالة كهذه مناقشة وتحليل كل أفلام سعاد حسني وخاصة من الناحية التقنية، ولذلك فسوف أركز على مجموعة من الأفلام والموضوعات والأفكار التي أرى أنها تعكس تلك الفكرة المشار إليها عاليه وهي الترابط الوثيق بين الفن والحياة. ولن تتعرض المقالة لأعمال سعاد حسني التليفزيونية أو الأغاني التي قدمتها مستقلة عن أفلامها. وفي النهاية، فالغرض هو طرح بعض التساؤلات والتأملات المتعلقة بفن سعاد حسني والسينما المصرية عموما للمناقشة والتفكير، وليس الهدف هو الوصول إلى إجابات سريعة أو أحكام بعينها عن تلك الحقبة من تطور السينما في مصر. أول فيلم: حسن ونعيمة عندما نتحدث عن مسيرة سعاد حسني الفنية أعتقد أنه لا بد من مناقشة أول أفلامها »حسن ونعيمة« الذي أخرجه هنري بركات عام 1959 وكتب السيناريو للسينما عبد الرحمن الخميسي مكتشف هذه الفنانة الشابة ومعلمها الأول. كانت سعاد حسني وقتها في السابعة عشرة من عمرها، وعندما قدمها الخميسي لبركات اقتنع بها هذا المخرج الكبير وأعطاها بطولة الفيلم المطلقة إلى جانب محرم فؤاد في دور حسن. ولقد كان اختيار سعاد حسني لهذا الدور بداية مناسبة جدا لتقديمها للجمهور حيث أنها أدت دورها هنا بمنتهى التلقائية والبساطة، وجسدت دور نعيمة الفتاة الريفية البسيطة بشكل يدخل القلوب. وعلى الرغم من أن حسني قدمت أدوارا أكثر عمقا وأهمية لاحقا، إلا أنها ارتبطت بشخصية نعيمة في ذهن الجمهور ولم ننسَ أبدا هذه البداية. فلماذا كانت سعاد حسني مؤثرة كل هذا التأثير في هذا الفيلم؟ يوضح الناقد الفني إبراهيم العريس في مقالة له بعنوان »زينب تتساءل من زوّج نعيمة الطيبة إلى لص الانفتاح« هذه النقطة بقوله: حين اختار الخميسي سعاد حسني [لهذا الدور...] كان يسعى إلى العثور على وجه مصري وشكل مصري بوجه عام. كان يريد لذلك الدور أن يكون من نصيب شكل أنثوي جديد، إذ قبل سعاد حسني، كانت نجمات السينما موزعات إما على أشكال أنيقة لنساء فارعات الطول ذوات سمات أرستقراطية (ليلى فوزي، مديحة يسري، مريم فخر الدين)، وإما على أشكال مصرية لكنها في سماتها تحمل إذعانا أكدت عليه الأدوار التي مثلتها (فاتن حمامة، ماجدة)، وحتى حين دخلت الميدان نجمات جديدات في ذلك الحين، غلبت عليهن سمات تجعلهن أقرب إلى الشكل الغربي منهن إلى الشكل العربي (لبنى عبد العزيز، نادية لطفى، زبيدة ثروت). كان من الواضح أن هؤلاء الفنانات يناسبن تماما تلك المرأة »البرجوازية الصغيرة« الغارقة في ذاتيتها وفي مشكلاتها الوجودية وسط مجتمع يتغير والتي كان إحسان عبد القدوس يبرع في تصويرها. الخميسي كان يريد امرأة أخرى: نجمة آتية من صفوف الشعب، لها سمات ابنة الشعب ونظرات ابنة الشعب وقوة ابنة الشعب. والحال أن سعاد حسني بدت مستجيبة تماما لهذا الطلب. وهكذا مع ولادة نعيمة، ومع ظهور قوة هذه الأنثى المكافحة التي تناضل بنفسها للحصول على حقها في الحب، دون أن يمثل ذلك الحق نوعا من توافق طبيعي . . . أو تدخل للأقدار، أو تمرد على قواعد طبقية معينة، مع تلك الولادة وذلك الظهور ولدت ليس فقط النجمة الآتية من عادية الناس وأحلامهم البسيطة، بل أيضا المرأة المصرية الجديدة ...«(1) وقد تعاطف الناس مع نعيمة ونضالها من أجل الحب ودفاعها عن حبيبها المغنواتي وفنه ومهنته، ولكنهم أعجبوا أكثر بقوة شخصيتها وقدرتها الفطرية على مواجهة سلطة أبيها والعادات والتقاليد من أجل الدفاع عن حقوقها. وبالطبع كان لاختيار هذه التيمة وهذا الموضوع المستوحى من حكاية شعبية قديمة ارتبطت في أذهان الناس جيدا بالحب والتضحية عامل آخر هام في نجاح الفيلم وتميز سعاد حسني في الأداء. لقد شكلت سعاد حسني نقلة نوعية هامة بهذا الفيلم سواء على مستوى الشكل (شكلها المصري العربي الصميم) أو المضمون (قصة الفتاة الريفية القوية الشخصية بإرادتها وإيمانها بالحب). وآخر فيلم: الراعي والنساء مرّ اثنان وثلاثون عاما على نعيمة الفتاة المليئة بالحب والحياة، لنجد سعاد حسني في فيلمها الأخير »الراعي والنساء« في دور وفاء المرأة الناضجة التي تعيش في عزلة ووحدة شديدتين مع أخت زوجها (يسرا) وابنتها (ميرنا). نراها هنا في حالة صراع داخلي حادة بين ظمئها للحب بعد وفاة زوجها السجين السابق، وإحساسها بثقل العزلة وطول الابتعاد عن الناس والخوف من حكمهم عليها. ثم يظهر لهن فجأة أحمد زكي (حسن) صديق زوج وفاء المتوفي وزميله في السجن، فتقع في حبه النسوة الثلاث ولكنه يطلب الزواج من وفاء. نجد وفاء هنا امرأة وحيدة وحزينة لم يعد لديها أمل في مستقبل خاص بها ولكنها تتطلع فقط إلى مستقبل ابنتها الوحيدة. وعندما تقتل ابنتها المراهقة حسن بدافع الحب والغيرة تقنعهما زوجة الأخ بضرورة الهرب لأنها ظنت أن حسن ما زال حيا وأنه يمكنها الانفراد به. إنه فيلم عن الوحدة والفراغ العاطفي وربما يكون السؤال الذي يطرحه الفيلم (وهو مأخوذ عن نص مسرحي لأديب إيطالي هو أوجوبيتي بعنوان »جريمة في جزيرة الماعز«) هو: هل ما أحسته النسوة الثلاث تجاه حسن هو حب حقيقي من وجهة نظرهن أم أنه إحساس ربما قد تولد بسبب وحدتهن وفراغهن العاطفي؟ أعتقد أنه سؤال هام، وقد قام المخرج بتهيئة كل الأدوات الفنية الممكنة لينقل إلى المشاهد إحساس الوحدة الذي تعيشه هؤلاء النسوة الثلاث. أدت سعاد حسني في هذا الفيلم دوراً مختلفاً نوعيا عن أدوارها السابقة وربما يكون مرتبطا أكثر بحالتها النفسية في حياتها الخاصة آنذاك. عبرت من خلال هذا الدور عن مدى الإحساس بالوحدة الذي يمكن أن تصل إليه امرأة في منتصف العمر في عصرنا هذا. ثلاث نسوة يعشن في مكان بعيد ولا يهتم بهن أحد أو يزورهن أحد. أين اختفى الناس؟ أين الأهل والأصدقاء والجيران والأسرة الكبيرة؟ أين الصحبة والصخب والضجة التي طالما جعلتنا سعاد حسني نعيش في كنفها في الكثير من أعمالها؟ هل إذن قد انتهى بها الحال إلى كل هذه الوحدة؟ هل كان هذا الفيلم نوعاً من النبوءة لما سيحدث لها فعليا بعد عشر سنوات قضتها في الكثير من العزلة بعيدا عن مصر؟ هل يمكن أن نرى من خلال وقائع كتلك مدى التقارب والتداخل بين فن سعاد حسني وواقعها الخاص، أو بين الفن والحياة؟ ربما تتضح بعض الإجابات عن هذه الأسئلة من خلال تكملة مناقشتنا لأعمالها. نظرة سريعة على أهم المحطات لقد تنوعت أدوار سعاد حسني السينمائية تنوعا شديدا على مدار تاريخها الفني. كنا نراها حتى منتصف الستينيات في أفلام مثل »إشاعة حب«، »السبع بنات«، »السفيرة عزيزة«، »الأشقياء الثلاثة«، »حكاية جواز«، »العريس يصل غدا«، »عيلة زيزى« وغير ذلك، تلك الفتاة الشقية الضحوكة أو الشابة الطموحة المتطلعة إلى مستقبل مشرق أو الأخت أو الابنة أو الحبيبة التي تعيش أحلاما كثيرة وكبيرة مثل شريحة هامة في المجتمع المصري آنذاك وهي الطبقة الوسطى الصاعدة. فنانة شابة موهوبة ولها حضور قوي، بسيط ومؤثر معا، وكانت لا يمكن ألا تدخل قلوب الناس. فسعاد حسني في أفلامها الأولى قدمت لوناً جديداً للمرأة المصرية الشابة يختلف كثيرا عن أدوار فاتن حمامة ومديحة يسري وشادية ومريم فخر الدين في الحقبة التي سبقت ظهورها، ولكنه تقاطع وتداخل مع أدوار ممثلات شابات من جيلها مثل نادية لطفي ولبنى عبد العزيز وليلى طاهر وزبيدة ثروت وغيرهن. ففي تلك الحقبة من التطور الاجتماعي والسياسي للمجتمع المصري بدأت تتغير شيئا فشيئا صورة المرأة المصرية على الشاشة الكبيرة. أصبحت الأدوار التي جسدتها تلك الفنانات من جيل سعاد حسني تمثل المرأة الطموحة التي تسعى للعب دور أكثر إيجابية في المجتمع، فهي أكثر تعليما وثقافة وأقوى شخصية وتحاول أن تقف كتفا بكتف مع الرجل. كانت تلك حقبة مزدهرة بالنسبة لفتاة الطبقة الوسطى وكان المجتمع آنذاك يفرز من الآليات ما يساعدها على تحقيق ذاتها وطموحاتها. وليس معنى ذلك أن سعاد حسني لم تلعب أدوار الفتاة الفقيرة أو الفتاة الغنية البرجوازية. ففي فيلم »الزوجة الثانية« مثلا، جسدت سعاد حسني دور الزوجة الريفية الفقيرة، وفي »إشاعة حب« لعبت دور الفتاة البرجوازية التي تحب اللهو والضحك ولكنها تتعلم في نهاية المطاف قيمة الحب الحقيقي. كانت تلك إذن هي نوعية القيم والأفكار الجديدة التي قدمتها سعاد حسني وبنات جيلها في السينما بشكل عام: قيم انتصار الحب والإخلاص، وأهمية التعليم والعمل في حياة المرأة الجديدة، وضرورة التكافؤ الثقافي والاجتماعي بين الزوجين، والأسرة الصغيرة المثالية، أي قيم مجتمع الطبقة الوسطى في الغالب الأعم بأحلامها وتطلعاتها. وتوافقت هذه الأدوار والقيم مع تشكل المجتمع المصري في بدايات الستينيات وكل ذلك الحديث عن الأمل في مستقبل زاهر للاشتراكية الناصرية وللأمة العربية جمعاء. ولكن مع منتصف الستينيات، بدأت سعاد حسني تقدم أدوارا أكثر عمقا سواء من حيث الأداء أو المضمون. فنراها في عام 1966 تقدم دورها الذي لا ينسى في »القاهرة 30« من إخراج صلاح أبو سيف وتصويرها للتناقض الصارخ في حياتها مع زوج انتهازي يقدمها على طبق من الذهب كعشيقة للباشا إبان الحكم الملكي لمصر. ونراها في عام 1967 تقدم دورها المتميز في فيلم »الزوجة الثانية« وهو أيضا من إخراج صلاح أبو سيف وكيف انتصرت هذه الفلاحة الهزيلة الفقيرة بإخلاصها لأسرتها وذكائها على سلطة العمدة في قريتها. أما في عام 1969، فرأينا حسني تتألق في ثلاثة أفلام هامة جدا وهي: »شيء من العذاب« من إخراج صلاح أبو سيف، و»نادية« من إخراج أحمد بدرخان، و»بئر الحرمان« من إخراج كمال الشيخ. ففي »شيء من العذاب« نرى لأول مرة على شاشة السينما المصرية تمثال لممثلة (سعاد حسني) وهي نصف عارية. وفي »نادية« نراها تلعب دوراً لشخصيتين شديدتي التميز والتناقض والاختلاف. وفي »بئر الحرمان« نراها تجسد دور فتاة تعاني من الشيزوفرينيا وتلعب بمهارة فائقة ازدواجية شخصية تتأرجح طوال الوقت بين الجنون والعقل وبين الواقع والخيال. وفي عام 1970، نرى سعاد حسني تكمل مشوار بداية نضوجها الفني في أفلام مثل »غروب وشروق« من إخراج كمال الشيخ، و»الحب الضائع« من إخراج هنري بركات. هكذا يمكننا القول إنه في النصف الثاني من الستينيات بدأت سعاد حسني تلعب أدوارا تظهر قدراتها التمثيلية الكبيرة وتمكنها الشديد من لعب أدوار صعبة ومعقدة، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع مضمون هذه الأفلام. وإلى جانب هذه الأدوار الجديدة، استمرت سعاد حسني في تقديم أدوارها الخفيفة الأخرى التي لم تتخلَ عنها في نفس تلك الفترة مثل »صغيرة ع الحب«، »جناب السفير«، »بابا عاوز كدة«، »فتاة الاستعراض«، وغير ذلك. كانت أحلام الحقبة الناصرية بدأت تتحطم في تلك الفترة حتى تهاوت تماما هي والأوهام المتعلقة بها مع نكسة 1976. الشعور بالهزيمة والانكسار كان سمة غالبة في أفلام بل فنون تلك الفترة كلها. فهل يمكن مثلا أن ننسى نظرة سعاد حسني الأخيرة في فيلم »غروب وشروق« وهي تنظر من الشباك على أبيها - رئيس البوليس السياسي - الذي تم القبض عليه وأيضا على حبيبها الذي ضاع منها . . . نظرة الانكسار بل الانسحاق التام تلك؟ وهل يمكن أن ننسى تعبيرات سعاد حسني الموحية عندما تحطمت أحلامها في »الحب الضائع« بسبب تورطها في علاقة حب مع زوج أعز صديقاتها؟ فعلى رغم أن تلك الأفلام لم تكن تتعرض لهزائم فترة عبد الناصر بشكل مباشر (حيث سنرى ذلك لاحقا في بعض أفلام السبعينيات)، إلا أنها كانت أفلام تعبر عن فكرة الهزيمة والانكسار وتحطم الأوهام والأحلام بشكل أعم وأشمل أو ربما بشكل وجودي: هزيمة الإنسان الداخلية وسقوطه المعنوي والفكري وانكساره الأخلاقي والاجتماعي في ظل تحولات عنيفة ربما يكون بعضها خارجا عن إرادته. ثم ننتقل إلى فترة السبعينيات لنرى سعاد حسني في قمة تألقها وعطائها الفني في أفلام مثل »الاختيار« من إخراج يوسف شاهين عام 1971، »زوجتى والكلب« من إخراج سعيد مرزوق في نفس العام، »خللى بالك من زوزو« من إخراج حسن الإمام عام 1972، »الحب الذى كان« من إخراج علي بدرخان عام 1973، »أين عقلي« من إخراج عاطف سالم عام 1974، »أميرة حبي أنا« من إخراج حسن الإمام أيضا عام 1974، »الكرنك« من إخراج علي بدرخان و»علي من نطلق الرصاص« من إخراج كمال الشيخ عام 1975، »شفيقة ومتولي« من إخراج علي بدرخان عام 1978، و»المتوحشة« من إخراج سمير سيف عام 1979. كانت هناك أفلام أخرى في هذه الفترة ولكن أهمها في تصوري هو ما ذكر عاليه. وبشكل عام تناولت أفلام السبعينيات التي لعبتها سعاد حسني موضوعات الأوهام والهزائم التي تعلقت بالحقبة الناصرية وأيضا الانكسارات والمشاكل التي تعرضت لها المرأة في فترة التحديات والتناقضات تلك. ونلاحظ أيضا أنه في هذه الفترة، لم تعد سعاد حسني تقدم أفلاماً كثيرة في ذات السنة كما كان الحال في الستينيات، حيث يبدو أنها أصبحت تركز أكثر في الاختيار. ففي عام 1964 على سبيل المثال نراها تقدم سبعة أفلام، أما في عام 1964 فقد قدمت فيلمين فقط؛ وفي عام 1968 قدمت ثمانية أفلام في مقابل فيلم واحد في عام 1978.(2) وهكذا، نجد أن أفلام سعاد حسني قد قلّت كثيرا في الكمّ بداية من أوائل السبعينيات ولكنها بالتأكيد ازدادت نضوجا وعمقا في المضمون والأداء. أما في الثمانينيات وحتى آخر أفلام سعاد حسني عام 1991، فنرى القليل من الأفلام المتميزة ومجموعة من الأفلام التي تقل جودة عن أدوارها سابقا، ونلاحظ أيضا أنها أصبحت مقلّة في أعمالها بشكل عام. فمن عام 1981 وحتى عام 1991، نجد أنها قدمت أحد عشر فيلما فقط.(3) كانت فترة الثمانينيات دالة جدا على المؤشر الآخذ في الهبوط في حياة سعاد حسني الفنية. وعلى رغم أنها قدمت اثنين من أقوى أفلامها »أهل القمة« من إخراج علي بدرخان عام 1981 و»موعد على العشاء« من إخراج محمد خان في نفس العام، والذين تعرضا بشكل مباشر للعواقب الرهيبة لمشروع الانفتاح الاقتصادي الساداتي، بالإضافة إلى فيلم آخر كوميدي جميل هو »غريب في بيتي« من إخراج سمير سيف عام 1982، فإننا نرى أفلاما أخرى بعضها كوميدي والآخر تراجيدي ولكن ليس على نفس مستوى الجودة مثل »المشبوه« عام 1981 من إخراج سمير سيف، و»حب في الزنزانة« عام 1983 من إخراج محمد فاضل، و»الدرجة الثالثة« عام 1988 من إخراج شريف عرفة. ينتابنا إحساس من خلال هذه الأفلام الأخيرة بأن فنانتنا قد أصابها إحباط من نوع ما أو ربما نوع من فقدان الرغبة في تقديم أعمال هامة. فماذا حدث؟ ثم نرى هذه الفنانة العظيمة تتوقف نهائيا عن تقديم أعمال سينمائية بعد فيلمها الأخير »الراعي والنساء«. فماذا حدث هنا أيضا؟ وهل أثر تعبها المعنوي على قدرتها على العطاء الفني بعد سقوط أحبائها وأصدقائها الحميمين والقادة الذين اعتزت بهم واحدا تلو الآخر: أختها صباح عام 1961 في حادث سيارة، ثم جمال عبد الناصر في عام 1970، ثم عبد الحليم حافظ في عام 1977، ثم صلاح جاهين في عام 1968؟(4) هل أثر موت هؤلاء الأحباء على مسيرتها الفنية، هذا بالإضافة إلى المرض العضال الذي ألمّ بها في أوائل التسعينيات ولازمها حتى موتها في يونيو 2001؟ فتاة الطبقة الوسطى الصاعدة بلا منازع - التحولات اثنان وثلاثون عاما إذن قد انقضت بين »حسن ونعيمة« و»الراعى والنساء« تنقلت سعاد حسني خلالها في أدوار كثيرة تجسد حالة فتاة الطبقة الوسطى في مصر، الطبقة التي كانت تصعد صعودا كبيرا في ظل فترة جمال عبد الناصر طوال سنوات الستينيات. وعندما بدأ مشروع الانفتاح الاقتصادي وتمكنت التحولات الاقتصادية العنيفة التي مرت بها مصر خلال السبعينيات والثمانينيات من تغيير تكوين الطبقة الوسطى المصرية وبالتالي تغيير طموحاتها وتطلعاتها وتركيبتها، لعبت سعاد حسني أدواراً تعبر عن هذا التناقض الاجتماعي والاضطراب الأخلاقي والقيمي الذي صاحبه، والذي نتج في الأساس عن هذه التحولات الاقتصادية السريعة. إذن، نرى أن سعاد حسني عاصرت جيدا صعود وهبوط الطبقة الوسطى وما حدث بين هاتين المرحلتين من تغيرات في نسيج المجتمع. وقد لعبت الطبقة الوسطى تاريخيا دورا شديد الأهمية في تشكيل خريطة مصر السياسية والاقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين من خلال مساهمتها في عمليات الإنتاج المتنوعة من اقتصادي وسياسي وثقافي وفني، وبالتالي فقد تم التعرض لظروف ووضع هذه الطبقة في الكثير من النتاج الفني المصري، لا سيما السينما. عندما أتت سعاد حسني إلى عالم السينما، كانت التحولات التي تحدث في المجتمع تنعكس على هذه السينما من نواحٍ شتى: الموضوعات التي تناقشها، نوعية الأدوار، صورة المرأة والرجل في هذا المجتمع الحديث، التقنية المستخدمة، وغير ذلك. باختصار، كانت السينما المصرية تبحث عن وجوه جديدة تناسب ذلك التوجه الاجتماعي الجديد.(5) أما بالنسبة للممثلات، فكان لا بد أن يظهر جيل جديد بوجهة نظر متطورة وأداء مختلف للعب أدوار الفتاة والمرأة المصرية التي تواكب تحولات المجتمع: المرأة التي تحاول أن تتحرر من التبعية للرجل والتي تبحث عن ذاتها وتقرر اختياراتها من خلال تجربتها الشخصية وليس بما تفرضه عليها التقاليد والعادات القديمة. يقول الناقد الفني محمود الكردوسى في مقال له بعنوان »بنت موت«: كانت سعاد نتاجا خالصا لاتساع وثقل حضور الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري: أسرة مزدحمة بإخوة وأخوات أشقاء وغير أشقاء، ومزدحمة أيضا بالميول والتجليات الفنية الموروثة والمكتسبة ... وجه وجسد جميلان، بل ساحران، بالمعايير المتعارف عليها، لكنه جمال عادي أي قريب ومألوف لجمهور تنتمي غالبيته إلى هذه الطبقة ... جمال بنت مصرية عادية، جمال »واقعي« فيه ما يكفي لجرّك إلى جمال كامن يثير الفضول فتظل مشدودا إليه ... وإذا كان ظهور سعاد حسني (أواخر الخمسينيات) قد واكب حراكا سياسيا واجتماعيا كان يفترض أن تكون الطبقة المتوسطة في طليعته، فإن سعاد أعادت، عبر أدوارها الجادة والخفيفة في آن واحد، إنتاج الكثير من الصفات الحيوية الكامنة والمتناقضة أيضا في فتاة هذه الطبقة: البهجة والشقاوة والعناد وعزة النفس والاتزان والحياء ورهافة الحس والوعي بالأنوثة (حدود استخدام الجسد)...الخ. وهي إذ »تخطئ« - حتى - لا تبحث عن شفقة ولا تضع اعتبارا لعقاب إنما تحرك جدلا وتثير حيرة.(6) وفي مقارنته بين سعاد حسني وممثلات أخريات من جيلها مثل زبيدة ثروت وزيزي البدراوي ولبنى عبد العزيز، يرى الناقد أشرف غريب أن ما ميز سعاد حسني هو إحساس الجمهور بأنها كانت تبحث عن الحياة بمفهومها البسيط مثل الإنسان المصري العادي، فهي »لم تستكن أو تستسلم مثل شخصيات زبيدة ثروت وزيزي البدراوي، ولم تتمرد وتتفلسف مثل شخصيات لبنى عبد العزيز، بل كانت متطلعة ومنطلقة ولكن ببساطة ودون تكلف. لم تكن تبحث عن الحرية بمعناها التجريدي ... لم تكن تفتش عن ذاتها بقدر ما كانت تريد أن تشعر بوجودها«.(7) لقبت سعاد حسني بـ»سندريلا« الشاشة العربية، فماذا كان يعني هذا؟ يقول ابراهيم العريس إن أفلام الستينيات بالتحديد هي التي خلقت هذا اللقب لسعاد حسني لأن معظمها كان تنويعا على شخصية السندريلا: الفتاة البسيطة الجميلة الجذابة التي تخلب لب الفتى الوسيم ويفعل أي شيء حتى يفوز بها ويترك كل فتيات الدنيا من أجلها.(8) وهي في ذلك تمثل دائما »قوة الناس الضعفاء« بكبريائهم وعزة نفسهم وقدرتهم على التمرد على السائد، كما تقول المخرجة عرب لطفي في لقائي معها. ويتفق أشرف غريب مع هذه الملاحظة ويقول إن تنويعة أفلام سعاد حسني على أسطورة السندريلا »قدمت لنا سحر السينما كحلم ناعم جميل وهي تنتصر للحب على كل الفوارق الطبقية والاجتماعية«.(9) ويضيف العريس: منذ البداية أحب الناس سعاد حسني ودخلت قلوبهم. لأنها بالنسبة إليهم لم تعد تلك النجمة التي يريدون أن يتشبهوا بها، بل تلك التي تشبههم فعلا. ولم يكن في سعاد حسني ما يمكن أن يوصف بأنه هوليوودي، على عكس ما كان الأمر بالنسبة إلى من سبقنها من الممثلات، مثل هند رستم ونادية لطفي ومديحة يسري. كانت بالأحرى على صورة ما يريد الشعب لفاتن حمامة أن تكونه: الحبيبة الغريبة، الجارة المشتهاة، الأخت المحرمة.(10) ربما يتسم هذا الكلام عن سعاد حسني كسندريلا الشاشة العربية ببعض الرومانسية، ولكن سواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الآراء، أعتقد أن الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المضمار هي: كيف عبرت سعاد حسني عن قيم مثل الحرية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وأهمية العمل للمرأة، والتي كانت آخذة في التبلور في المجتمع المصري في الستينيات؟ وكيف عاصرت سعاد حسني في أفلامها اضطراب هذه القيم والأفكار مع بداية السبعينيات والحركة السياسية الهامة التي كانت سمة أساسية من سمات مجتمع السبعينيات؟ وما الذي استطاعت أن تقدمه في الثمانينيات لتعكس الانهيار والانكسار المعنوي والاجتماعي الذي كانت تعيشه فتاة الطبقة الوسطى؟ إذا نظرنا إلى نماذج من أفلام سعاد حسني على مدار ثلاثة عقود ربما نستطيع رصد كيف أنها استطاعت تجسيد أدوار متنوعة لفتاة الطبقة الوسطى والصراعات التي مرت بها في ظل هذا المجتمع المتقلب. ففي أفلام مثل »السبع بنات« من إخراج عاطف سالم عام 1961، و»الأشقياء الثلاثة« من إخراج حسام الدين مصطفى عام 1962، و»عيلة زيزي« من إخراج فطين عبد الوهاب عام 1963، و»للرجال فقط« من إخراج محمود ذوالفقار عام 1964، و»صغيرة ع الحب« من إخراج نيازي مصطفى عام 1966، و»الزواج على الطريقة الحديثة« من إخراج صلاح كريم عام 1968، نجد سعاد حسني في أدوار كوميدية أو ميلودرامية خفيفة تعبر عن فكرة الحرية والاستقلال التي يجب أن تتمتع بهما الفتاة المتعلمة في المجتمع الحديث. نراها تخطئ أحيانا في تقديراتها عن الحب والعلاقات العاطفية والزواج ولكنها عادة ما تصحح مسيرتها في نهاية الفيلم لكي تتواءم مع القيم التي كان مجتمع الطبقة الوسطى يتبناها. فالحب يجب أن يكون متكافئاً والإخلاص سمة أساسية فيه، والعمل هام للمرأة من أجل بناء المجتمع الجديد وهي نصف المجتمع وفرصها متكافئة مع الرجل، والأهل يجب أن يقفوا إلى جانب أبنائهم ويقدموا لهم النصح الرشيد. ولم تصبغ هذه الأفلام أي صبغة سياسية أو دينية معينة، حيث أنها كانت أفلاماً اجتماعية في المقام الأول. إذن، كانت هذه الأفلام متوائمة تماما مع شعارات الفترة الناصرية والتمسك بمنهج »الاعتدال« في كل شيء، أي لا يمين ولا يسار. ولكن عندما نبدأ النظر إلى أفلام مثل »نادية« من إخراج أحمد بدرخان، و»شيء من العذاب« من إخراج صلاح أبو سيف، و»بئر الحرمان« من إخراج كمال الشيخ، وكلها قدمت عام 1969، نجد نموذجاً آخر لفتاة الطبقة الوسطى. لعبت سعاد حسني في »نادية« شخصيتين لأختين توأمين - منى ونادية - ولكنهما مختلفتان تماما في أفكارهما وطموحاتهما. منى منطلقة ومرحة واجتماعية ومحبة للصخب والأصدقاء، ونادية تحب العزلة والهدوء. منى تحب خطيبها وتود الزواج منه، ونادية تحب أحد الأعضاء في النادي (أحمد مظهر) ولكنه لا يحس بها ولا يعرفها. تتعرض نادية لحادث مؤسف يؤدي إلى تشوه في رقبتها يجعلها تلبس ايشارباً طوال الفيلم حتى تخبئه وتفقد الأمل في أن يحبها أحد. بعد موت الأب، تسافر منى ونادية مع أمهما الفرنسية إلى فرنسا وهناك تموت منى بعد أن تكون قد أقنعت نادية بضرورة مراسلة حبيبها. يأتي هذا الحبيب في نهاية الفيلم إلى فرنسا ويتعرف على نادية ويحبها. إذن، نرى أن فيلم نادية يناقش فكرة القدرة على التعبير عن الحب والثقة فيه في الأساس. هل من حق الفتاة، حتى لو كان بها عيب جسدي، أن تنطلق في الحياة وتعبر عن حبها بثقة؟ كانت منى هي المؤمنة بهذه الأفكار وأقنعت نادية بها تدريجيا. لماذا ماتت منى في الفيلم؟ يظل هذا السؤال حائرا. أما أهمية الفيلم في رأيي فتتمثل في مقدرة سعاد حسني على لعب دورين مختلفين في الأداء ولكن تربط بينهما فكرة أساسية في المضمون وهي الإيمان بالحب بشكل مطلق. هي فكرة رومانسية، نعم، ولكنها كانت سائدة جدا في المجتمع آنذاك وكان هذا النوع من الحب هو ما تصبو إليه فتيات مثل منى ونادية. في »بئر الحرمان«، كانت هناك تنويعة أخرى على لعب دورين متناقضين، ولكن هذه المرة لفتاة واحدة. فناهد فتاة متعلمة ومثقفة ومحافظة وتحب خطيبها ويخططان للزواج. أما في الليل، فهي فتاة أخرى تسمي نفسها ميرفت، فتاة متحررة وتلبس ملابساً كاشفة وتسهر في النوادي الليلية وتعاشر الرجال. تعاني ناهد من شيزوفرينيا نكتشف في نهاية الفيلم أنها نتجت عن عقدة حدثت لها في طفولتها بسبب مشاكل بين والديها. تكتشف ناهد هذه الحقائق في النهاية بمساعدة طبيب نفسي، ويسامحها أهلها وخطيبها ويتزوجان في النهاية. كانت هناك الكثير من الأفكار السطحية في الفيلم مثل معالجة الطبيب لناهد وحله لمشكلتها في جلسة واحدة، وعدم التعمق كفاية في ما سبب لها هذا المرض النفسي. لكن ما أراه هاما في هذا الفيلم هو فكرته. فعادة ما كانت البطلة في الأفلام القديمة تقتل نفسها أو يقتلها أحد أفراد عائلتها إذا ما اكتشفوا ما يطلق عليه المجتمع التفريط في العرض. ولكن هنا نجد أن أهل ناهد وخطيبها تفهموا مشكلتها بوعي وحساسية واحتضنوها ولم ينبذوها وسمحوا لها بفرصة أخرى في الحياة. أما الشيء الآخر المتميز في هذا الفيلم فهو أداء سعاد حسني، وخاصة في دور ميرفت. لقد تفهمت تماما أبعاد هذه الشخصية التي تعاني من ازدواجية حادة وعندما أيقنت ما فعلته ميرفت من سهر وسكر وعربدة، تألمت كثيرا ولم تصدق نفسها، ولكن رغبتها في الحياة كانت أقوى. وهكذا، عاشت ناهد وفتحت صفحة جديدة في ظل مجتمع كان يبدو أنه يسمح آنذاك بمساحة من التسامح والحرية. أما في »شيء من العذاب«، فنرى سلوى تقتحم شقة فنان كبير (يحيى شاهين) وتروي له قصة وهمية حتى تستطيع الاختباء عنده هربا من البوليس الذي يطاردها بعد أن قتلت زوج أمها لأنه حاول الاعتداء عليها. نرى سلوى هنا الفتاة الرقيقة الحساسة تتمزق بين إحساسين: الدفاع عن حقها في الحياة إزاء جريمة اضطرت أن ترتكبها حتى لو أدى بها ذلك إلى الكذب وتلفيق القصص لتواصل هربها من البوليس، وواجبها الأخلاقي نحو هذا الرجل الكريم الذي آواها في بيته. يستمر هذا الصراع الداخلي طوال الفيلم وفي النهاية تتحرر سلوى من كلا الأمرين حيث أنه يفرج عنها ويتضح إحساسها الحقيقي ناحية هذا الفنان الذي يكبرها كثيرا في العمر حيث أنها كانت تبحث معه عن الأمان ولكنها لا تحبه كما كانت تعتقد. وفي نفس الوقت نراها تحب تلميذ الفنان (حسن يوسف) الذي كان ينحت لها تمثالا نصفه عاري (كما أشرنا سابقا). نجد هنا تنويعة أخرى على فكرة هذا التناقض الداخلي والصراع الوجودي بين الحق في الحياة والظروف الاجتماعية التي تحول بيننا وبين هذا الحق. فماذا نفعل؟ هل نستسلم ونيأس أم نواصل معركتنا مع الحياة؟ أجمعت هذه الأفلام الثلاثة على انتصار البطلة في مواجهة هذه الصعاب الاجتماعية والبدء في سلك طريق آخر جديد ربما يكون أكثر إيجابية. ثم نجد عدة تنويعات على قصة السندريلا مرة أخرى في أفلام »الحب الضائع« لهنري بركات عام 1970، و»خلي بالك من زوزو« لحسن الإمام عام 1972، و»أميرة حبي أنا« لحسن الإمام أيضا عام 4791، و»المتوحشة« لسمير سيف عام 1979. ففي »الحب الضائع«، نقابل امرأة شابة (سعاد حسني) متشوقة للحب والحنان بعد موت زوجها الشاب الذي كانت تحبه حبا كبيرا. تستضيفها صديقة طفولتها (زبيدة ثروت) في بيتها وتعيش معها وزوجها وطفلها لفترة. يقع زوج الصديقة (رشدي أباظة) في حبها وتنشأ بينهما علاقة. تظل هذه الأرملة ممزقة بين حبها وإخلاصها لصديقتها وعشقها لزوجها حتى تموت في نهاية الفيلم في حادث مأساوي. أعتقد أن ما أضعف هذا الفيلم هو نهايته الميلودرامية على الرغم من احتوائه على الكثير من عناصر القوة. ركز الفيلم على نقطة هامة وهي أن كل من الزوج والصديقة كانا مسؤولين عما ألمّ بالزوجة من حزن وشقاء، خاصة الزوج، وليست الصديقة وحدها كما في الكثير من الأفلام العربية التي تحاول إظهار المرأة بأنها المسؤول الأول عن مراوغة الرجل والإيقاع به. ويؤكد الفيلم هذه الفكرة في آخر مشاهده عندما ترفض الزوجة العودة إلى زوجها حين يأتي إليها مهرولاً وتكون هي وابنهما في طريقهما إلى ترك منزل الزوجية. وهكذا نرى الزوج هو الذي يتحمل المسؤولية بمفرده هذه المرة. وفي الحقيقة، أرى أن من أهم ركائز هذا الفيلم تركيزه على المشاعر المتناقضة لامرأتين تحبان نفس الرجل وهما صديقتان أيضا. فالزوجة أحست بمأزق صديقتها وحاولت التضامن معها وهي ترى مقاومتها للزوج. أما الصديقة فكانت تعيش مجموعة من المشاعر المتنافرة: الحب والندم والاشتياق والإحساس بخيانتها لصديقتها. ولذلك أعتقد أن فيلم »الحب الضائع« كان في الأساس فيلماً عن المرأة ومشاعرها. أما في »خلي بالك من زوزو« و»أميرة حبي أنا«، فنقابل الفتاة المتعلمة (حتى وإن كانت تنتمي إلى طبقة شعبية كما هو الحال مع زوزو) التي تنتصر على التقاليد الاجتماعية والفوارق الطبقية بإيمانها بالحب. وعلى الرغم من أن قصة الفيلمين بسيطة، إلا أنهما حاولا طرح مجموعة من الأفكار الملتبسة عن الصراع الاجتماعي الذي تواجهه البطلة. ففي »زوزو«، نرى هذه الفتاة البسيطة والذكية معاً تكافح من أجل تجاوز الفوارق الطبقية التي تسعى لإجبارها على التخلي عن حقها في التعليم والحب، ومن خلال معركتها تغير أفكار ومفاهيم من حولها حتى يؤمنوا بقضيتها. وفي »أميرة حبي أنا«، نجد أميرة التي تود الارتباط بحبيبها بشكل علني وتقاوم محاولاته من أجل الحفاظ على سرية علاقتهما بسبب خوفه من تطليق زوجته ونفوذ أبيها. ومرة أخرى، نجد أميرة تقاوم وحدها مفاهيم رجعية كثيرة عن الحب والزواج والحرية. وأرى أن الفيلمين جاءا ليعبرا عن قوة المرأة التي لا سند لها والتي يفترض المجتمع خطأً أنها ضعيفة ولكنها تثبت أنها الأقوى في محاولتها تجاوز الازدواجية الأخلاقية والطبقية السائدة في المجتمع. وقد جاء هذان الفيلمان في فترة كانت مصر فيها تغلي سياسيا واقتصاديا. كانت حركة الطلبة في الجامعات والمظاهرات في الشوارع والميادين على أشدها، وكانت الحركة الإسلامية أيضا متأججة، والحركة العمالية في فترة انتعاش سياسي، ثم جاءت حرب 1973، وتتابعت الأحداث السياسية فيما بعد مرورا بانتفاضة 18 و19 يناير عام 1977، ثم كامب ديفيد في 1979. كان هذا حال مصر في تلك الآونة، ولذلك ربما تعرض الفيلمان لنوع من الظلم بسبب تقديمهما في فترة كتلك، وربما كانا قد نالا الاهتمام الذي يستحقانه لو أنهما عرضا في وقت آخر. فقد انتقد الكثيرون آنذاك صلاح جاهين كونه شاعراً سياسياً عظيماً ويأتي ليقدم أفلاماً بعيدة تماما عن السياسة في زمن المدّ السياسي! ولكن يجب أن نعترف أن من أهم عناصر القوة في الفيلمين كان بالفعل سيناريو وحوار صلاح جاهين والاستعراضات الشيقة التي احتوت إطار القصة وأضافت إليها حيوية سينمائية. فهما في الواقع فيلمان استعراضيان في المقام الأول ولذلك لا أعتقد أنه يجب تحميلهما أكثر مما أرادا أن يكونا. ثم نصل إلى فيلم »المتوحشة« الذي إذا ما قارنّا نهايته المأساوية ومصرع البطلة بهية بالنهاية السعيدة في »زوزو« سنجد أن موضوع »الهزيمة« في الحب هو الوجه الآخر للعملة الذي تعرضت له سعاد حسني في العديد من أفلامها بداية ربما بفيلم »القاهرة 30« لصلاح أبو سيف عام 1966. نجد تيمة »الهزيمة« هذه في أفلام لاحقة مثل »غروب وشروق« لكمال الشيخ عام 1970، و»الاختيار« ليوسف شاهين عام 1971، وأفلام علي بدرخان كما سنرى لاحقا، و»موعد على العشاء« لمحمد خان عام 1981. في هذه الأفلام، نجد البطلة تصارع من أجل التمتع بحب حقيقي ولكن ظروف كثيرة في المجتمع تحرمها من ذلك: الخوف والفقر في »القاهرة 30«، الظروف السياسية المضطربة في »غروب وشروق«، الحيرة والتناقض الداخلي في »الاختيار«، الزوج المريض بعقدة الرجولة في »موعد على العشاء«، والغيرة التي يمكن أن تؤدي إلى القتل في »المتوحشة«. فكما أن هناك انتصارات هناك أيضا هزائم وانكسارات. ولقد استطاعت سعاد حسني في كل هذه الأدوار المختلفة أن تظهر الكثير من المشاكل التي يمكن أن تعيشها امرأة الطبقة الوسطى بالتحديد في هذا البحر المتلاطم الأمواج وفي تلك الفترة من تاريخ مصر المتسمة بالإيقاع السريع جدا في تحولاتها السياسية والاقتصادية. سعاد حسني وعلي بدرخان أخرج علي بدرخان لسعاد حسني عدة أفلام تعتبر من أقوى ما قدمه الاثنان على مدار تاريخهما الفني. كانت البداية بفيلم »الحب الذى كان« عام 1973 وقد كتب له القصة والسيناريو والحوار رأفت الميهي. كانت فكرة الفيلم جريئة آنذاك، فهو يتعرض لوضع امرأة من طبقة ميسورة الحال تطلب الطلاق من زوجها الغني لأنها تحب رجلاً آخر ليس من نفس المستوى الطبقي، وما تواجهه هذه المرأة من معضلات في ظل مجتمع يعاني من ازدواجية أخلاقية حادة ولا يريد الاعتراف أو قبول حق المرأة في اختيار من تحب وبمن تتزوج. فبعد أن استردت مها حريتها بالطلاق من زوج لا تحبه نراها تكافح من أجل الزواج من الرجل الذي أحبت ولكن لم تستطع الارتباط به لأن والدها عارضا هذا الزواج من قبل. تصر مها على نقطة اللاعودة فتترك منزل والدها بعد الطلاق وتعيش في »بنسيون« حتى تستطيع الحفاظ على استقلاليتها ولكي تواصل المعركة. ولكن إلى أي مدى ستستطيع مها الصمود؟ نراها هنا تكافح وحدها على جبهات كثيرة لتنقذ حبها وسط أناس ينظرون لوضعيتها بنوع من الإدانة والاتهام ويشهّرون بسمعتها ويمارسون عليها ضغوطاً شديدة للحول بينها وبين الارتباط بحبيبها. فالمعركة هنا هي معركتها في الأساس وهي تحاول كسبها بشتى الطرق وبقوة وإصرار. ولكنها تكتشف من خلال هذه التجربة أن حبيبها ليس بنفس قوتها وأنه لن يستطيع الصمود. ونرى مها في المشهد الأخير تنظر نظرة رهيبة في عيني الدكتور(محمود المليجي) رئيس حبيبها في المستشفى - نظرة ملؤها الشفقة والأسى من ناحية، ولكن أيضا الحنين إلى الحب الذي كان ولن يعود مرة أخرى أبدا. فيلم جميل وفكرة هامة تعرّي هذا الكمّ الهائل من الازدواجية في مجتمعنا. وقد لعبت سعاد حسني باقتدار شديد دور المرأة التي تجابه وحدها كل هذه التناقضات والانفعالات. وإذا كانت فكرة فيلم »الحب الذى كان« تتعرض لمعركة امرأة تبحث عن الحب الحقيقي في مجتمع رجعي، نرى أن الأفلام التي تلت هذا الفيلم - الأفلام التي جمعت بين سعاد حسني وعلي بدرخان - قد دارت أساسا حول مسألة »القهر« بمضمونه الشامل وقدمت تنويعات متعددة عليه: قهر المرأة والظلم الذي يمكن أن يقع عليها لمجرد أنها »امرأة« تعيش في مجتمع ينكر عليها أبسط الحقوق في الحب والحياة والاختيار؛ القهر النفسي والمعنوي وانهزام القيم النبيلة بسبب ما يحدث في المجتمع من تحولات سياسية واقتصادية؛ قهر المعتقلات والسجون والتعذيب؛ قهر الفقر والجوع والحرمان؛ وقهر الوحدة والعزلة والاغتراب في مجتمع يتخبط بعنف في تناقضاته الطبقية. جاء فيلم »الكرنك« عام 1975 ليظهر مدى النضوج الفني الذي كانت قد وصلت إليه سعاد حسني. كان هذا الفيلم واحداً من أكثر الأفلام جرأة في تاريخ السينما المصرية وهو لا يعرض في التليفزيون المصري بسبب جرأته في كشف فداحة الظلم ووسائل التعذيب الشرسة التي مورست على أناس كثيرين في معتقلات الدولة الناصرية، والتي ما زالت تميز السجون في مصر حتى الآن وإن بطرق وأساليب أكثر شراسة ووحشية بكثير. فلأول مرة نرى مشهد اغتصاب لامرأة على شاشة السينما المصرية. وهل يمكن أن ننسى مثلا النظرة الرهيبة التي تلقيها سعاد حسني (زينب) على حبيبها نور الشريف (اسماعيل) بعد أن تم الاعتداء عليها في المعتقل لكي تعترف على زملائها، وكيف كانت هذه النظرة تعكس الإحساس بأن همّ زينب الأكبر الذي أصابها بالألم والعذاب ليس ما ألمّ بها جسديا ومعنويا من إهانات وانتهاكات فقط، ولكن إحساسها بشعور اسماعيل بألم العجز لأنه لم يستطع إنقاذها من بين أيدي زبانية التعذيب؟ يسمي الناقد كمال رمزى هذه النظرة »فعل شفقة على اسماعيل لا على زينب«.(11) اضطرت زينب بعد هذا الحدث المخيف أن تتجسس على زملائها من أجل الإفراج عن اسماعيل وبذلك فهي تفقد احترامها لنفسها تماما. ثم نكتشف فيما بعد أن إرادة زينب في التغلب على هذه الهزائم كانت أقوى من الحزن والألم واليأس، فنراها تكمل مشوارها التعليمي وتتخرج من الجامعة وتصبح طبيبة. وفي نهاية الفيلم، نراها تقابل اسماعيل بعد انفصال طويل وتأخذ بيده ويبدآن معا صفحة جديدة كانت مصر فيها تبدأ هي أيضا صفحة جديدة بعد حرب 1973. هذا النوع من الصراع هو السمة التي غلبت على جميع أعمال علي بدرخان وسعاد حسني في رأيي. فدائما ما نرى في أفلامهما نقطة صراع عنيفة تولدها التناقضات التي تغلف حياة الناس، والمشكلة تكمن في أن الناس إما يحاولون تجاهل هذه التناقضات أو التعايش السلمي معها، حتى يحدث شيء عنيف يهز هذه الأركان الثابتة ويدفع الناس دفعا لرؤية واقع الحال بوضوح. يحاول المخرج إبراز هذا التناقض بما لديه من وسائل فنية وكشف مدى حدة الهزيمة والانكسار (وأحيانا الموت) الذي يمكن أن يلحق بالإنسان في مجتمع يتمزق بالصراع الطبقي والتناقضات الاجتماعية الحادة. وفي محاولته الجادة تلك، يحاول أن يخرج كل الطاقات الإبداعية لممثليه. فنجد أن »الصراع هنا داخلي، وضد قيم المجتمع المتحجرة لا ضد الشر وحده«.(12) وفي عام 1978، نرى علي بدرخان وسعاد حسني يقدمان تحفتهما السينمائية »شفيقة ومتولي« وهو الفيلم الذي كتب له القصة أحمد شوقى عبد الحكيم، وكتب السيناريو والحوار صلاح جاهين. والجدير بالذكر هنا، كما تقول عرب لطفى، أن هذا الفيلم كان قد بدأه المخرج سيد عيسى وأنجز فيه الكثير ولكن بسبب ظروف ما لم يكمله وأكمله فيما بعد على بدرخان. يحكي الفيلم عن قصة أخوين فقيرين - شفيقة (سعاد حسني) ومتولي (أحمد زكي) - يتعرضان للذل والقهر من قبل مراكز القوى آنذاك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إبان حفر قناة السويس. كان العسكر في ذلك الوقت يأخذون شباب القرى لتجنيدهم في حفر القناة، وقد كان متولي أحد هؤلاء الشباب الذي ترك أخته وجده المريض بدون عائل. ثم نرى كيف تحولت شفيقة إلى عاهرة بسبب الفقر والعوز حتى تتعرف على الطرابيشى بيه (أحمد مظهر) وتصبح عشيقته. ومن خلال علاقتها بالطرابيشي، ومن قبله ابن العمدة الفاسد دياب (محمود عبد العزيز) الذي يوهمها بأنه يحبها فتهرب معه من القرية، ثم واقعة اغتصابها فيما بعد، تبدأ شفيقة في الرؤية بوضوح حتى تكتشف أن الطرابيشي الذي وثقت به ما هو إلا عميل قذر للإنجليز ومقاول أنفار يبيع الشباب (مثل شقيقها متولي) للحكومة ويقبض الثمن. ثم يظهر أفندينا (جميل راتب) في الصورة، والذي يطلب من الطرابيشي أن يترك له شفيقة، فيسلمه ذلك الأخير »ملكية« شفيقة. ولكن شفيقة تكون قد استوعبت الدرس ويتضح لها أنها أصبحت في مواجهة مباشرة مع الطرابيشي وأفندينا وأمثالهما بل طبقتهما كلها. وفي واحد من أقوى مشاهد الفيلم تغني سعاد حسني أغنية »بانوا« وترقص على أنغامها (وهي من تلحين كمال الطويل). وتأتي هذه الأغنية كنوع من الإدانة والاتهام العنيف لطبقة الطرابيشي بأكملها، فتقول فيها: »بانوا بانوا بانوا/على أصلكو بانوا/ والساهي يبطل سهيانه/ ولا غِنى ولا صيت/ دولا جنس غويط/ وكتاب ما يبان من عنوانه/بانوا أيوة بانوا ... وعرفنا سيد الرجال/ عرفنا عين الأعيان/ من برة شهامة وأصالة وتشوفه تقول أعظم انسان/ إنما من جّوة يا عينى عليه/ بياع ويبيع حتى والديه/ وأهو ده اللي اتعلمناه على ايديه/ القهر وقوة غليانه/ أيوة بانوا ...«. وعندما نرى سعاد حسني ترقص على أنغام هذه الأغنية ونشاهد تعبيراتها عن قرب نتبين فداحة الانهيار الداخلي والهزيمة اللذين تعكسهما تعبيرات هذه الفنانة. إنها ترقص هنا بحرقة ومرارة وألم كالطير المذبوح، إن جاز التعبير، وتغني وكأنها تقطر دما ودموعا. تعبيرات وجهها وجسدها وصوتها تقول ما لا يمكن أن تقوله الكلمات. لقد كانت أغنية ورقصة »بانوا« هما ذروة الحدث في هذا الفيلم، حيث نرى شفيقة تقرر الرجوع إلى قريتها بعد ذلك لتنتظر متولي وتواجهه، تواجه مصيرها. وتُقتل شفيقة في نهاية الفيلم، ليس على يد متولي الذي لم يهُن عليه قتلها، ولكن على يد أحد أعوان الطرابيشي لأنها بالطبع تعرفت على أسراره وكان يجب أن تموت. ماذا يعني مقتل شفيقة هنا في حين أن الطرابيشي وأعوانه ما زالوا أحياءً يعيثون في الأرض فسادا؟ هل يعني مقتلها هزيمة أمة ووطن؟ هل يعني أن مصير هؤلاء الناس من طبقة شفيقة ومتولي وغيرهما هو الموت والهلاك والذل والقهر؟ تظل التساؤلات كثيرة وعلامات الاستفهام هائمة. يقول لنا الراوي في نهاية الفيلم ونحن نرى متولي يحمل جثة شفيقة ويمشي بها في القرية: »سَوا كده أو كده شالها في أحضانه/ ودموعه تجرى كبحر النيل وفيضانه/ يبكى عليها وعليه وعلى بنات الناس اللي تبيع عرضها فى القحط وزمانه/ القصد ... لما بلد تنعرض للبيع بجملتها، تنباع رعيتها قطاّعي، وبالملاليم.« يأتي فيلم »شفيقة ومتولي« كإدانة عميقة وعنيفة لأزمنة القهر والظلم كلها، والجميل في الموضوع أنه يمكن أن ينطبق على كافة عصور الظلم والفساد. وقد أتى الفيلم كالملحمة من الناحية البصرية - الملابس والألوان والأغاني والرقصات - كلها كانت رائعة ومتناغمة. وقد ساعد على ذلك كون القصة مأخوذة عن حكاية شعبية تُروى على لسان راوي (صوت صلاح جاهين) وتتخذ من القرية مكانا لأحداثها، وتركز على مجموعة من الغجر الذين يلفون في الموالد بأغانيهم ومواويلهم التي يسترزقون منها. لم تُشعرنا شفيقة في أي وقت أنها ضحية، بل كانت من القوة بحيث أنها حولت إحساسنا بالظلم الذي وقع عليها وعلى متولي وعلى هذه الطبقة من البشر إلى إدانة صريحة لكل الجبابرة والفاسدين على مدار العصور. كانت شفيقة تردد هذه الجملة: »كل معمول بنعمله بايدينا،« وهو قول لا يدع مجالا للانفلات من المسؤولية حتى لو كانت تحت تأثير القهر والفقر. يرى الناقد ناجي فوزي في كتابه قراءات خاصة في مرئيات السينما المصرية أن فيلم »شفيقة ومتولي« اجتمعت فيه فكرة الملحمة بمعناها الواسع، فيقول: تدور دراما »شفيقة ومتولي« حول مضمون ذلك الموال الشعبي المصري الضارب بجذوره في أدبيات الجنوب المصري، أدبيات الصعيد، وعلى وجه التحديد إحدى بلاده المشهورة، حيث ينتمي الأخوان »شفيقة ومتولي« إليها، وهي مدينة جرجا . . . وفي نفس الوقت، فإن قصة »شفيقة ومتولي«، وهي تنتمي إلى الموال الشعبي، بما يعنيه ذلك من عناصر ذات طابع »فلكلوري«، لا بد أن تمس تفاصيل القصة، إلا أنها ترتبط أيضا بعناصر تاريخية ذات وقائع حاسمة في التاريخ المصري بصفة عامة، وهي وقائع حفر قناة السويس خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وما صاحبها من ملابسات صاخبة، ليس أقلها القبض على رجالات مصر وشبابها في القرى والنجوع وسوقهم لتسخيرهم في حفر القناة. وليس أقلها أيضا تعرض هؤلاء الرجال للفناء بالألوف تعذيبا أو جوعا وعطشا، عوضا عن عشرات الألوف الذين يفنون بسبب الأوبئة. ومن جهة أخرى، فإن مضمون الرواية الشعبية يشير بوضوح إلى أنه إذا استحل الخديوي »سبي« الرجال لحفر القناة، فهل نعجب عندما يستحل آخرون سبي أعراض نسائهم في غيابهم؟(13) وفي رأي فوزي فإن ما يزيد من كون الفيلم ملحمة هو الحركة الصاخبة والكثرة العددية للممثلين، ويطلق على ذلك كله ما يرتبط تاريخيا »بساحة الوغى، بما تعنيه من اتساع مكاني (بلا حدود أحيانا) يصحبه ازدحام عددي (بلا حدود غالبا«).(14) ويضيف: »وإذا كانت أول ملامح العمل الملحمي بصفة عامة أن بدايته تدل على الحدث الجلل الذي سيقع« فإن فيلمنا يبدأ بمثل هذه البداية الملحمية بالفعل، فها هم عسكر الترك يغيرون على القرية الوادعة بخيولهم وأسلحتهم وأسواطهم وأغلالهم ليسوقوا رجالها عبيدا سخرة لحساب الحكام الترك . . . «(15) ثم يشير فوزي إلى مقالة لرفيق الصبان عن الفيلم يصف فيها بداية الفيلم الملحمية بقوله إن فنان الفيلم »يجعلنا نرى أول ما نرى وجه شفيقة مرتسما في ماء الترعة، وما أن يصل الجنود على خيولهم باحثين عن الرجال لجرهم إلى الجهادية، حتى تضطرب الصورة في الماء ويضيع الوجه المرتسم السعيد . . .«(16) وهكذا، فقد شكل فيلم »شفيقة ومتولي« نقطة هامة جدا في مسيرة السينما المصرية ولا نبالغ إن قلنا إنه يعتبر مرجعاً فنياً وتاريخياً شديد الأهمية لأي مهتم بهذه السينما. وبعد ثلاثة أعوام على تقديم »شفيقة ومتولي«، أي في عام 1981، ننتقل نقلة نوعية أخرى أو إلى تنويع جديد على مسألة »القهر« في فيلم آخر يجمع بين سعاد حسني وعلي بدرخان هو »أهل القمة«. يلخص ابراهيم العريس مضمون فكرة هذا الفيلم بقوله: في واحدة من آخر لقطات فيلم »أهل القمة« الذي اقتبسه علي بدرخان عن رواية لنجيب محفوظ، هناك نهاية سعيدة وعروس وعريس وعدد من المدعوين، كما يجدر بالفيلم الجماهيري أن يكون. ولكن المشكلة تبدو واضحة مع التعبير الذي ارتسم على وجه العروس: حزن واستسلام مذهلان، لا يمكن لهما أن يعكسا فرحة العثور على فارس الأحلام والاقتران به. كانت تعابير سعاد حسني واضحة: إنها تعابير الهزيمة. فهذا الزواج يأتي هزيمة شخصية لها: لقد تزوجت لصا من لصوص الانفتاح، ليس لأنها تحبه (على رغم أن نور الشريف هو الذي يلعب الدور) بل لأنه كاد يفوتها قطار الزواج، ولم تعد راغبة في أن تعيش عالة على أخيها ضابط الشرطة (عزت العلايلي) الذي تضطهدها زوجته. ولئن كان نور الشريف قد رغب في الزواج منها ليصاهر الضابط، فلا بأس، فهو خير من ألا تتزوج أبدا. في الماضي كان المهندس أو الطبيب أو المحامي فتى الأحلام. أما الآن فلص الانفتاح هو الحل. نعرف أن فيلم »أهل القمة« الذي عرض أوائل الثمانينات افتتح تيارا كبيرا من سينما الواقعية الجديدة في مصر، يحكي عن العصور المصرية الجديدة. لكنه كان أكثر من ذلك، فيلما عن المرأة المصرية الجديدة وعن المعركة الخاسرة التي خاضتها.(17) نعم، لقد كان فيلم »أهل القمة« يؤرخ لفترة زمنية امتلأت بالتناقضات والصراعات على كافة المستويات في المجتمع المصري، وهي فترة الانفتاح الاقتصادي التي بدأت أوائل السبعينيات وما زالت آثارها الكارثية ممتدة حتى الآن. رأينا في هذا الفيلم مجتمعاً ممزقاً تحت وطأة انهيار نظام قيمي وأخلاقي لم يعد موائما للظروف ومحاولا في ذات الوقت التشبث بنظام جديد يهين ويهزم كل أركان ذلك المجتمع القديم ويعري تناقضاته بشكل صارخ. عبر عن ذلك ثلاثة ممثلين أساسيين في الفيلم: سعاد حسني وعزت العلايلي ونور الشريف. لم تستطع الفتاة سهام (سعاد حسني) مقاومة كل الأشياء التي تدفعها دفعاً لقبول الزواج من لص الانفتاح والارتباط بهذه الطبقة الناشئة في المجتمع المصري آنذاك. فهي فتاة من أسرة متوسطة الحال تعيش هي وأمها في بيت خالها الضابط (عزت العلايلي) بعد تهدم منزلهما. تعاني الأم وابنتها من معاملة زوجة الخال الفظة والتي تعيّرهما دائما بحاجتهما إليها وإلى مأوى. تتمنى الأم من كل قلبها أن تتزوج سهام حتى تنتقلان معا إلى بيت آخر. وهكذا، فالزواج أصبح حلا لمشكلات اقتصادية وضرورة اجتماعية ملحة بغض النظر عن ماهية الزوج طالما أنه غني. تتعرف سهام على زعتر النوري (نور الشريف) وهو من الأغنياء الجدد في زمن الانفتاح. هي متعلمة وهو غير متعلم؛ هي من طبقة متوسطة متواضعة وهو في الأصل نشال؛ هي تحلم بزوج متعلم ومثقف وهو على عكس ذلك تماما، ومع كل ذلك توافق أن تتزوج منه في نهاية الفيلم. ربما يشكل هذا الزواج نوعاً من الصدمة للمشاهد، ولكنه أتى في إطار واقعي تماما ليبين مدى الانهيار الاجتماعي الذي وصل إليه المجتمع المصري، بالإضافة إلى رصده للتحولات التي كانت تعصف بالطبقة الوسطى وقيمها آنذاك وكذلك صعود طبقة الأغنياء الجدد - أو أهل القمة الجدد - والقيم الصاعدة مع هذه الطبقة. وقد عبرت سعاد حسني في دور سهام عن كل هذا التمزق والغليان الذين كانا يموران في نفس فتاة الطبقة الوسطى في ظل هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية العنيفة. عبرت عن كيف أن الزواج أصبح شرطا موضوعيا للبقاء في مجتمع لا يرحم ولا يتعاطف مع امرأة بسيطة الحال يمكن أن تصبح »عانس« بعد بضع سنوات إن لم تستغل الفرصة المواتية وتتزوج، حتى إن كان هذا الزواج يشكل نفيا تاما لكل قيمها الأخلاقية. أعتقد أن أهمية فيلم »أهل القمة« يكمن في غوصه في تناقضات مرحلة بعينها وفي طرحه للعديد من التساؤلات والأفكار عن ماهية التركيبة الاجتماعية الجديدة للمجتمع المصري وأي طريق يسلك. فالفيلم ربما يكون - كما يقول رفيق الصبان في كتاب له بعنوان الظلال الحية »صرخة رهيبة في وجه هذا المجتمع«.(18) ويضيف أنه برغم كل هذه الآلام إلا أننا لا نستطيع أن ندين زعتر النورى إدانة كاملة لأننا نحن الذين صنعناه، ولا نستطيع توجيه اللوم لسهام برغم استسلامها »لأن مأساتها ربما كانت جزءاً من مأساتنا، فنحن أيضا نستسلم وننهزم كل يوم، وأحيانا دون أن نجد لأنفسنا مبررات«.(19) وبعد هذه الهزيمة النكراء للقيم والمبادئ نجد سعاد حسني وعلي بدرخان ينتقلان بنا إلى نوع آخر من الهزيمة والقهر، ألا وهو قهر الجوع والفقر في فيلم »الجوع« الذي أنتج عام 1986 عن قصة من ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ واشترك في كتابة السيناريو والحوار له علي بدرخان ومصطفى محرم وضياء الميرغنى. لم يكن دور سعاد حسني كبيراً في هذا الفيلم، ولكنه كان طاغياً ومؤثراً. تدور فكرة الفيلم حول مجتمع حارة قاهرية في ثمانينيات القرن التاسع عشر وخصوصا في عام 1887 (قرن كامل قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987). يترأس الحارة فتوة له من القوة العضلية والأعوان ما يجعله قادرا على فرض إرادته على أهل الحارة. وعندما يتصدى له أي شخص، فهو يهزمه ويعذبه. وتظل الحارة المدقعة الفقر تغلي في ظل هذا الصراع حتى يتجمع أهلها في النهاية ويقررون التخلص من الفتوة واختيار مصيرهم بأنفسهم. إنها قصة ربما تكررت كثيرا على شاشة السينما المصرية، ولكن الفرق الذي يحدثه بدرخان هنا هو كيفية معالجة هذا النوع من »الصراع« بين القوة والضعف، وبين الواقع والأسطورة. يقول الناقد سامي السلاموني في كتابه مقالات في السينما المصرية عن فيلم »الجوع«: إن أهم ما في السيناريو . . . هو هذا الفهم للمضمون الاجتماعي »للحرافيش«. فهو صراع بين الأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، ولكنه يلتقط هذا الخيط فقط من بعيد لينطلق به إلى رؤيته الخاصة التي يمكن أن نقول انها رؤية جديدة ومستقلة تنتمي لعلي بدرخان أكثر مما تنتمي لنجيب محفوظ. وهذه هي وظيفة السينما عندما تتعامل مع نصوص أدبية، أن تطورها وتفسرها تفسيرا معاصرا أكثر إلحاحا وإلا ظلت مجرد تاريخ. ولذلك فإن الفيلم الذي يبدأ بلافتة »القاهرة 1887« لا يتعامل مع هذا الماضي إلا ليستخلص ويحذر من دلالاته على الحاضر بل والمستقبل. والحارة الفقيرة التي يتحدث عنها الفيلم هي شريحة لمجتمع كامل في ظروف تاريخية معينة يمكن أن تتكرر. ولذلك فالفكرة المطلقة لا ترتبط بزمن محدد، والدلالة السياسية للفيلم قوية جدا. فهو يتحدث عن علاقة الأقوياء بالضعفاء ليقول إن الضعفاء هم الذين أصبحوا كذلك حين ارتضوا الذل والخضوع لجبروت »الفتوات« دون أن يحاولوا التمرد تحت وهم الخوف واستحالة تغيير الواقع. ولكن أول مواجهة حقيقية بين فرج الجبالي (محمود عبد العزيز) العربجي الفقير الصعلوك »وفتوة« الحارة أسفرت عن انتصار الصعلوك وسقوط وهم القوة التي لا تهزم. فالمشكلة إذن أن فقراء الحارة لم يجربوا المواجهة أبدا.(20) ولكن عندما يصعد هذا الصعلوك إلى السلطة يتحول بالضرورة إلى ديكتاتور وتظهر مع الوقت انحيازاته الطبقية، وهذه دلالة سياسية أخرى قوية في الفيلم. فالصراع هنا هو صراع مصالح اقتصادية في المقام الأول، والزعامة - حتى وإن كان بطلها زعيما شعبيا - لها أهداف اقتصادية قبل أن تكون سياسية.(21) فعندما تحدث المجاعة في الحارة ويخبئ التجار السلع في المخازن ليجوع الناس أكثر حتى ترتفع أسعارها، يظهر بوضوح انحياز فرج الجبالى للتجار وهذه الطبقة من الناس فتسقط دعاواه في تحقيق العدل والمساواة كلها دفعة واحدة. وهنا يظهر نموذج آخر للبطل الشعبي - جابر الجبالي (عبد العزيز مخيون) - وهو أخ غير شقيق لفرج وعكسه تماما في كل شيء: فهو حداد فقير هزيل ليس له أي قوة جسدية. يظهر هذا البطل ليلعب دور »روبين هود« الذي يسرق من مخازن الأغنياء ليطعم الفقراء. وهنا يركز الفيلم على قوة الوهم والأسطورة عند الناس، فهم يتصورون أن فرج الجبالي رمز العدل والقوة القديم قد عاد إلى الحياة لينقذهم من الهلاك بينما يؤكد الفيلم أن أية أوهام أو أساطير لن تنقذهم وأن هذا الملاك الغامض الذي يوزع عليهم الطعام متسترا بالظلام لا علاقة له بالخرافة وإنما هو مجرد رجل بسيط منهم ولكن قرر أن يتحرك وأن يفعل شيئا.(22) تقوم سعاد حسني هنا بدور زبيدة بائعة البطاطا الفقيرة والتي تم انتهاك عرضها من قبل الفتوات وتقع فيما بعد هي وجابر في الحب ويتزوجان. يقول الناقد سمير فريد عن دور سعاد حسني هنا: »لقد جسدت بأقل الوسائل العذاب الداخلي المروع لفتاة فقيرة، ولكن ذات كبرياء عظيمة، يغرر بها فتطلب الزواج يأسا من وجود الحب، ثم تجد نفسها في أعماق الحب الذي يأتي من خلال الألم والمعاناة«.(23) وتحس زبيدة بمعاناة أهل حارتها فهي واحدة منهم ويقع عليها القمع مثلهم، فتقوم بتحريضهم على عمل شيء. وأخيرا وفي ظل ظروف الجوع والفاقة يقتنع أهل الحارة بأن عليهم مواجهة هذه الجرائم بتكتلهم مع بعضهم البعض ويبدأون في إعداد أسلحتهم بقطْع الأخشاب من الأشجار ليصنعوا منها عصيا. ويقارن سمير فريد نهاية الفيلم هذه ودلالتها بما حدث في فلسطين في عام 1987 عندما حمل الشعب الحجارة الملقاة في الشوارع لمواجهة عدوهم.(24) إذن، جاء فيلم »الجوع« كنوع من النبوءة السياسية لأي مجتمع يقع تحت وطأة القهر والتعذيب وأن خلاصه لا يمكن أن يأتي من الخارج بل من الداخل ومن القاعدة، أي من خلال أكثر طبقاته تعرضا للقهر. ألا ينطبق هذا الكلام على ما نشهده في العراق وفلسطين في زمننا هذا؟ ألا ينطبق هذا على أي مجتمع يريد تحررا شاملا وحقيقيا من الظلم والجوع؟ تبع فيلم »الجوع« آخر أفلام علي بدرخان وسعاد حسني الذي ناقشناه سابقا وهو »الراعى والنساء« في عام 1991. قدم هذا الفيلم تنويعة أخرى هامة عن موضوع »القهر« وهي قضية العزلة والوحدة التي يمكن أن تعاني منها امرأة في منتصف العمر وأحاسيسها المضطربة بين فقدانها للحب والحنان من ناحية ومسؤوليتها الاجتماعية كأم بلا عائل من ناحية أخرى في مجتمع لا يرحم. وبذلك نرى أن أفلام علي بدرخان وسعاد حسني قد دارت حول الأفكار الكبيرة في الفن والحياة، على الرغم من استخدام شخصيات نقابلها كل يوم في حياتنا المعاصرة، وأعتقد أن هذا قد شكل إنجازاً كبيراً لصالح السينما المصرية والعربية بشكل عام. عندما يتعرض مخرج لمثل هذه الأفكار والتأملات عن الحياة والحب والموت والاختيار والتي تتواصل في ذات الوقت مع الكثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال قصص الناس العاديين، فهي تفعل الشيء الكثير للمشاهد. إنها تجعله يفكر، ربما، في طريقة للخلاص والتحرر وتحمل مسؤولية الاختيار. سعاد حسني ورأفت الميهي إذا كانت أفلام سعاد حسني وعلي بدرخان قد تعرضت للأفكار الكبيرة حول ماهية الإنسان العادي في زمننا هذا بتطلعاته وأحلامه، فإن ما أضافه رأفت الميهي لعلاقة سعاد حسني بالسينما وارتباطها بالحياة المعاشة يدور حول تفاصيل خاصة جدا تربط هذا الإنسان العادي - أو لنقل المرأة على وجه الخصوص - بمشكلاتها اليومية وهمومها الداخلية وعواطفها الحميمة. وربما تكون هذه الفنانة الموهوبة قد استطاعت أن تعبر بشكل دقيق عما أراد الميهي أن يوصله من خلال قصصه. ففي حوار مع رأفت الميهي نشر في مجلة الفن السابع عقب رحيل سعاد حسني، قال عن قدرتها كممثلة: أستطيع أن أقول إن سعاد حسني هي الوحيدة التي وصلت إلى درجة العبقرية في الأداء في السينما المصرية، ويظهر ذلك في أمرين. أولا: القدرة على التلوين، فهي برنسيسة وفلاحة وغانية وخائنة ومحبة. وثانيا: القدرة على إخفاء ذاتها. فعندما تشاهدها في »الزوجة الثانية« لا تقول إنها سعاد حسني في دور فلاحة لأن سعاد حسني اختفت. وعندما تشاهدها في »الحب الضائع« تجدها بالفعل المرأة التي تحب زوج صديقتها وتشعر بالخيانة داخلها بينما تحب في نفس الوقت. وهي بنت الباشا في »غروب وشروق« وبنت الطبقة الوسطى الطموحة في »على من نطلق الرصاص«. في كل ذلك اختفت سعاد وهي قدرة لا يملكها كثير من الممثلين.(25) كتب الميهي سيناريو وحوار خمسة من أهم الأفلام التي قدمتها سعاد حسني: »غروب وشروق« لكمال الشيخ في 1970، »غرباء« لسعد عرفة و»الحب الذي كان« لعلي بدرخان في 1973، »أين عقلي« لعاطف سالم في 1974، و»على من نطلق الرصاص« لكمال الشيخ أيضا في 1975. كما كتب الميهي القصة لثلاثة من هذه الأفلام وهي »غرباء« و»الحب الذي كان« و»على من نطلق الرصاص«. الملاحظ هنا أن هذه الأفلام جميعا أنتجت في السبعينيات وتعرض فيلمان منها، »غروب وشروق« و»على من نطلق الرصاص« للسياسة بشكل مباشر. ما يلفت النظر في هذه الأفلام مجتمعة هو حساسية الميهي الشديدة في كتابته لأحاسيس المرأة الداخلية العميقة وهي في مواجهة مجتمع يغلب عليه الطابع الذكوري. امرأة في وسط مجتمع الرجال المهيمن، بماذا تحس وكيف تتصرف؟ كيف تحب وتكره وتعيش؟ ما هو نوع انتصاراتها وهزائمها؟ ففي »غروب وشروق« نرى مديحة الفتاة الغنية المدللة والابنة الوحيدة لرئيس البوليس السياسي (محمود المليجي) في الفترة التي سبقت ثورة 23 يوليو مباشرة، نراها في مأزق إنساني يجعلنا نتعاطف معها أكثر من أن ندينها. إنها امرأة وحيدة تعيش في جو اجتماعي زائف وتبحث عن حب حقيقي يهز الركود الشديد ودائرة الملل المفرغة التي تعيش فيها. تقع مديحة في حب عصام (رشدي أباظة) صديق زوجها سمير والذي ذهبت إلى شقته لمغازلته وعندما يجدها زوجها بالصدفة في فراشه يطلقها. يقتل الأب سمير ليداري الفضيحة ولا تعلم مديحة عن ذلك شيئا. تتزوج مديحة من عصام بعد انخراطه في خلية سياسية سرية لقلب نظام الحكم. هي تحبه حبا كبيرا على رغم كل الأحداث التي مرت بها ومقتل زوجها ومحاولة انتحارها، وهو يتزوج منها لكي يوقع بأبيها ويسرق مستنداته التي تدين عمله الشائن وفساده. فعلى الرغم من أن الفيلم سياسي في الأساس، إلا أن التركيز على شخصية مديحة وهمومها الداخلية الممزقة بين زوج لا تحبه وأبوها الذي تحبه ولكنها لا تعلم عن فساده شيئا وحبيب تتزوجه فيما بعد وتود أن تعيش معه في هدوء وأمان كان من أهم ما طرحه الفيلم في رأيي. مديحة تصبو إلى أن تحيا حياة عادية بعيدا عن صخب السياسة وقصص الفساد والانحراف. فهل هذا من حقها؟ هل من الطبيعي أن تعيش هذه المرأة في تخبط يدفعها إلى أن تخطئ في فترة كانت مصر كلها تموج بعواصف عاتية؟ إن نظرة مديحة من خلف الشباك في آخر مشاهد الفيلم وهي تلقي النظرة الأخيرة على أبيها الذي تم الإيقاع به بفضل زوجها، وعلى عصام وهو يغادر المنزل ولا تعلم إن كان سيعود أم لا تنقل لنا بدون أي كلمات حدة الهزيمة الداخلية وقسوة انكسار هذه المرأة. فهل يمكن أن ندينها على خيانتها لزوجها سمير؟ يظل هذا السؤال مفتوحا لإحساس المشاهد. وفي »غرباء«، نواجه مع نادية مأزقاً من نوع آخر. نراها هنا في حيرة من أمرها بين أخيها (شكري سرحان) المتطرف دينيا، وحبيبها فؤاد (عزت العلايلي) العالم الذي يؤمن بالعلم المطلق وليس لديه مساحة للدين، والفنان سمير (حسين فهمي) الذي كانت تحبه قبل أن تحب فؤاد ولكنها تقطع علاقتها به عندما تكتشف أنه يتعامل معها كأنثى فقط. ينتحر فؤاد في النهاية لأنه لم يستطع التعايش مع تناقضاته الداخلية وتمزقه بين قيم الشرق والغرب والدين والعلم والحب والمجتمع، ولكنه يترك لنادية رسالة يدعوها فيها إلى التفاؤل رغم كل شيء حيث يقول لها فيها: »لازم فيه شيء صح لكن احنا مش شايفينه«. يقول الناقد سمير فريد عن الفيلم أن كل شخصياته، بمن فيهم نادية، هي رموز أو نماذج تجريدية لأفكار بعينها أكثر منها شخصيات حقيقية.(26) ولكن بغض النظر عن هذه الملاحظة فإن أهمية الفيلم تنبع من جرأته في تناول هذا التشتت بين الدين والعلم ومشاعر امرأة بسيطة لا تفهم جوهر هذا الصراع بعمق كاف فتظل حائرة. ثم جاء فيلم »الحب الذى كان« في نفس العام ليكشف لنا قدرة الميهي وحساسيته في التعمق في أسرار مشاعر المرأة. ففي هذا الفيلم، كما أشرنا سابقا، يتعرض المؤلف لقضية غاية في الأهمية وهي نظرة المجتمع للمرأة المطلقة وإدانته لحريتها في الاختيار ووقوفه حائلا دون حقها في بدء صفحة جديدة من حياتها مع الرجل الذي تحب. أما في »أين عقلي«، فنواجه قضية جديدة ومأزقاً جديداً، وهي قضية الرجل المتعلم المثقف الذي لم يستطع تجاوز أفكار رجعية عن شرف المرأة المرتبط بالعذرية، فتنتابه حالة نفسية مريضة يحاول من خلالها أن يدفع بزوجته إلى الجنون. نرى الفيلم هنا يتمحور حول ثلاث شخصيات رئيسية: الزوج توفيق (محمود ياسين) والزوجة عايدة (سعاد حسني) والطبيب النفسي (رشدي أباظة). نرى توفيق منذ بداية الفيلم في حالة اضطراب كامنة وغير واضحة، ونرى زوجته غير قادرة على فهم تصرفاته فتلجأ إلى الطبيب. نكتشف في سياق الفيلم أن عايدة كانت مخطوبة من قبل وفقدت عذريتها مع خطيبها ولم تستطع الزواج منه لموته المفاجئ. وعندما تزوجت من توفيق صارحته بالحقيقة التي بدا أنه تقبلها كنوع من العصرية. ولكن إحساسه الداخلي ظل رافضاً لهذه الحادثة حتى أدت به إلى أن يفقد توازنه الداخلي تماما ويحاول فرض هيمنة ذكورية على زوجته بمحاولته طمس شخصيتها ودفعها للجنون. فكرة جريئة تلك التي تعاملت مع موضوع بهذه الحساسية بشكل صريح وعميق في ذات الوقت. بماذا يمكن أن تحس عايدة وهي تتخبط بين حبها لزوجها ومحاولة فهم مشكلته وإحساسها بالواجب ناحيته وخوفها منه ثم تعاونها مع الطبيب لمعالجته؟ أحاسيس متنوعة وشديدة التعقيد، ولكن استطاعت سعاد حسني أن تعبر عنها بفهم وإحساس جعل من عايدة شخصية من الصعب نسيانها. أما عن فيلم »على من نطلق الرصاص«، فتقول الناقدة خيرية البشلاوي: يبدأ الفيلم بداية شيقة تأسر الانتباه، شاب (محمود ياسين) تضيق الشاشة وتحاصره بحيث لا تتسع لأكثر من حجمه. نراه من ظهره وهو يتجه في ثبات وإصرار نحو هدفه: قتل رشدي عبد الباقي (جميل راتب) رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإنشاءات العصرية. أي أنه يبدأ بجريمة قتل، ثم في هذا الإطار البوليسي للحبكة يبحث الفيلم عن هوية القاتل وتاريخه، عن علاقته بالضحية وعن طبيعة الجريمة. ومن خلال هذا البحث، يتكشف المحتوى الاجتماعي والسياسي والعاطفي للموضوع. ويهتم رأفت الميهى في كشفه هذا بأحلام الناس العاديين البسيطة: القدرة على الحب، حق الإنسان في أن يعيش ويسكن ويستمتع بحياته دون أن يكون عليه أن يتنازل عن شرفه وكبريائه.(27) إذن، نرى هنا فيلماً سياسياً في قالب بوليسي يتمحور حول قصة عن الحب والصداقة. نجد مصطفى (محمود ياسين) ينتقم لمقتل صديقه الحميم سامي (مجدي وهبة) عندما وضع له أحد أعوان رشدي (جميل راتب) السم في الطعام وهو في السجن. فرشدي لم يكتفِ بتلفيق تهمة رهيبة لسامي بل قرر التخلص منه كليةً حتى لا يكشف أسراره. أما تهاني (سعاد حسني) فنراها الفتاة العادية البسيطة التي تحلم بالزواج والاستقرار ولكنها تجد نفسها فجأة في موقف معقد بين هؤلاء الرجال جميعا: فهي تحب سامي وكانت مخطوبة له، ثم تتزوج رشدي بعد سنتين من دخول سامي السجن - على الرغم من أنه يكبرها في السن بأعوام كثيرة - لكي تحل مشكلاتها الاقتصادية وبعد أن أصبحت وحيدة. فهي من عائلة بسيطة وهو العريس الغني، ولم تكن تعرف شيئا بعد عن جرائمه. ولكن عندما يُقتل سامي ويظهر مصطفى في الصورة، وهي كانت تعرفه جيدا كصديق لسامى ولها، ويحاول قتل زوجها ويطلبها الضابط عادل (عزت العلايلي) لأخذ أقوالها، نجدها في موقف صعب وملتبس. فمن تصدق ومن تتهم؟ وهل تدين زوجها؟ وهل يحتم عليها الواجب أن تنتقم هي الأخرى لمقتل سامي وأن تقف إلى جانب مصطفى وقضيته وإيمانه بصداقته لسامي؟ مواطن ضعف إنساني كثيرة تلك التي يضع الميهي يده عليها في هذه القصة المتميزة. ولذلك نجد تهانى تبدأ في البحث عن حقيقة مقتل سامي وتكمل المشوار الذي بدأه مصطفى. فعلى من نطلق الرصاص في النهاية؟ ومن الذي لديه الشجاعة لإطلاق الرصاص؟ لقد تصرف مصطفى بشكل فردي لأنه فقد الأمل في الحل الجماعي. ولكن الميهي لا يدينه في النهاية ولذلك يجعله يموت، فوظيفة مصطفى أنه هو الذي فجّر المشكلة من تحت السطح عندما حاول قتل رشدي ثم ترك الجاني الحقيقي يواجه المجتمع وجعل تهاني هي التي تكشف الحقائق واحدة تلو الأخرى. وهكذا، نجد في هذه الأفلام الخمسة بطلاً آخر خلف الكواليس هو رأفت الميهي ذاته. ويظل تعاونه مع فنانة مثل سعاد حسني ومخرجين متميزين من أمثال كمال الشيخ وعلي بدرخان وعاطف سالم علامة فارقة في مسيرتهم جميعا. وعن علاقته الفنية بها، قال الميهي: كان لديها قدرة فطرية تعلمت منها أهم ما يمكن أن يتعلمه كاتب السيناريو: كيف تكتب الجملة وتكون مريحة للممثل . . . فهي اكتسبت عناصر الحرفة خلال تجربتها إلى جانب موهبتها لكن أداءها لم يظهر جانب الحرفة. فهناك ممثلون عظام لكنهم حرفيون، وعبقرية سعاد في إخفائها لجانب الحرفة مثل إخفائها لذاتها . . . وأنا لم أشاهد في حياتي ممثلة تحتفظ بكراسة لـ»راكور« انفعالات المَشاهد، ومختلف انفعالات المشهد نفسه حتى اللقطة. هناك من يحتفظ براكور الملابس والاكسسوارات أو الماكياج، لكنها كانت تفعل ذلك وبسببه تجد سلاسة في أدائها للانفعالات في كل مشهد وكل لقطة . . .(28) سعاد حسني والثنائي صلاح جاهين وكمال الطويل ومن الحديث عن علي بدرخان ورأفت الميهي ونوعية القضايا التي قدّماها، ننتقل إلى الحديث عن نوع آخر من الأفلام ألا وهي الأفلام الاستعراضية. هل كانت سعاد حسني فنانة استعراضية؟ أعتقد أنه لا يختلف اثنان على أن الجواب هو »نعم«. ولكن السؤال الأهم في رأيي هو: هل أضاف الغناء والرقص تطوراً من نوع خاص لها كفنانة أو أنه شكّل ميزة فنية إيجابية في مشوارها الفني؟ في اعتقادي أن الجواب هو »نعم« أيضا. بالتأكيد سوف يختلف النقاد على أهمية أو قيمة ما قدمته سعاد حسني من استعراضات في أفلامها أو حتى على درجة موهبتها في هذه الناحية، ولكن ربما يتضاءل الجدل عندما نقف عند الأغاني والاستعراضات التي جاءت في هذه الأفلام بالتحديد: »خلي بالك من زوزو« (1972)، »أميرة حبي أنا« (1974)، »شفيقة ومتولى« (1978)، و»المتوحشة« (1979) لأننا سنجد أن صلاح جاهين أساسا هو الذي كتب السيناريو والحوار لهذه الأفلام (بالاشتراك مع ممدوح الليثي وحسن الإمام في »أميرة حبي أنا«؛ ومع ابراهيم الموجي في »المتوحشة«). وكتب جاهين أيضا معظم أغاني هذه الأفلام ولحن أكثرها كمال الطويل، ولحن بعضها سيد مكاوي وابراهيم رجب. ففي فيلم »المتوحشة« مثلا، لحن الطويل كل أغاني الفيلم التي غنّتها سعاد حسني. إذا عدنا إلى أفلام الستينيات، سنجد أن سعاد حسني قد قدمت أغاني واستعراضات لملحنين كبار في بعض الأفلام منها »هـ3« عام 1961 حيث شاركت في ديالوجين غنائيين مع ماهر العطار وطروب من ألحان محمد الموجي ومحمد جمال،(92) »صغيرة ع الحب« عام 1966 (محمد الموجي)، »شباب مجنون جدا« عام 1967 و »حلوة وشقية« عام 1968 (منير مراد)، و»حواء والقرد« و»الزواج على الطريقة الحديثة« أيضا عام 1968 (محمد الموجي)، و»فتاة الاستعراض« عام 1969 (بليغ حمدي).(30) كانت هذه الأغاني خفيفة وبسيطة ولم تكن تتطلب نجمة استعراضية لأدائها. وعلى رغم ذلك، كما يشير الناقد أشرف غريب، نجد في فيلم »صغيرة ع الحب« مثلا أن محمد الموجى يتعامل مع سعاد حسني كمطربة ويعتمد في الألحان على مقامات شرقية أصيلة مثل »الحجاز« في أغنية »صغيرة ع الحب«، و»البياتي« و»الهزام« وتفريعاتهما في أوبريت »بحر الهوى«، »الذي تجلت فيه قدرة سعاد حسني التطريبية وخاصة في موال »يا عم يا صياد«.(31) ولكن مع الثنائي صلاح جاهين وكمال الطويل أعتقد أن سعاد حسني انتقلت نقلة نوعية سواء على مستوى الأغاني والرقصات التي قدمتها أو في طريقة الأداء وتبلور الموهبة. ويرى أشرف غريب أنه عندما بدأت موهبة سعاد حسني تظهر جليا في الجمع بين التمثيل والأداء والغناء والرقص، كانت الساحة آنذاك في النصف الثاني من الستينيات وخلال سنوات السبعينيات خالية من هذا النوع من الاستعراض الذي قدمته سعاد حسني ومهيأة لتسد هذا الفراغ. ويضيف أنه لم تجتمع لدى فنانة قبل أو بعد سعاد حسني هذه الكفاءة العالية في التمثيل والغناء والرقص معا: فعلى مدار مشوار الفن السينمائي في مصر ظهرت فنانات جمعن بكفاءة بين الغناء والتمثيل (ليلى مراد، شادية، وصباح) أو بين التمثيل والرقص (تحية كاريوكا، سامية جمال، هند رستم ونبيلة عبيد) لكن لم تجتمع لفنانة هذه الميزات الثلاث معا وبنفس الكفاءة والتميز إلا عند سعاد حسني. وحتى نعيمة عاكف الأقرب إلى الأداء الاستعراضي الجيد كانت لديها مشكلات فنية في التمثيل والأداء الغنائي ربما لا يدركها إلا المتخصصون. تبقى نيللي التي كان يمكن أن تزاحم سعاد حسني على عرش الاستعراض السينمائي لولا أن تجربتها الاستعراضية في السينما شابتها - من وجهة نظري - عدة نواقص أولها أن نيللى، رغم جمال صوتها، لديها بعض القصور - شأنها شأن شريهان - في الأداء الغنائي فيما يطلق عليه الموسيقيون »الصوت المفارق« أو عدم ركوب المقام الموسيقي بطريقة صحيحة في بعض أجزاء الأغنية. وثاني هذه النواقص وأهمها أن نيللى، رغم العدد الوافر من الأفلام التي قدمتها، لم تترك لدى مشاهد السينما رصيدا كافيا من الأفلام الاستعراضية، أو قل إنها لم تخلق حالة التراكم اللازمة لتثبيت ذلك اللون من الأداء، إذ لم يزد عدد الأفلام الاستعراضية الفعلية التي قدمتها نيللى حسب المفهوم النقدي عن ثلاثة فقط وعلى فترات متباعدة وهي: »نورا« سنة 1967، »امرأتان« سنة 1975، ثم »مع تحياتي لأستاذي العزيز« سنة 1981، فيما كانت تفرغ كل طاقتها الاستعراضية عبر شاشة التليفزيون . . . وهو الأمر نفسه الذي فعلته شريهان، التي لم تقدم للسينما سوى فيلمين استعراضيين هما »درب اللبانة« سنة 1984، و»كريستال« سنة 1993.(32) أما على مستوى السيناريو والحوار في الأفلام الأربعة »خلي بالك من زوزو«، »أميرة حبي أنا«، »شفيقة ومتولي«، و»المتوحشة«، نرى سعاد حسني تؤدي جمل صلاح جاهين الحوارية بمنتهى البساطة والتلقائية وكأنها تتحدث حديثاً يومياً عادياً ولكنه مليء بالمعاني العميقة. هل يمكن أن ننسى مثلا جملاً مثل: »وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا »كده« في »زوزو«، أو »الحاجة الي تتقال بحماسة تستحق إن يترد عليها بحماسة حتى لو كانت معسّلة يا بطاطا« في نفس الفيلم؛ أو »أنا راح منى كمان حاجة كبيرة .. أكبر من إنى أجيب لها سيرة .. قلبى بيزغزغ روحه بروحه .. علشان يمسح منه التكشيرة« في أغنية »شيكا بيكا« في »المتوحشة«، وغير ذلك الكثير الذي لا يكف الناس حتى الآن عن ترديده في حوارهم اليومي. وبنفس التلقائية وقوة الصوت التعبيرية أدت سعاد حسني ألحان كمال الطويل. يصف الناقد طارق الشناوي العلاقة الفنية التي ربطت بين الثلاثي حسني/جاهين/الطويل بأنها كانت »احتواء انسانيا وفنيا... هي [أي سعاد حسني] المنبع والمصب، منها يستوحى وإليها يرد الإيحاء«.(33) جاءت ألحان كمال الطويل شديدة الذكاء في منطقتين رئيسيتين: طريقة توظيفها لصوت سعاد حسني وإظهار جوانب القوة فيه، وتعبيرها عن كلمات صلاح جاهين والمعاني الكامنة في الأغاني باستخدام المقامات والآلات الموسيقية المتنوعة بين شرقي وغربي. استطاع الطويل أن يخلق نوعاً من المونولوج الغنائي بين الآلات والإيقاعات وصوت سعاد حسني. ففي الكثير من الأغاني، نسمع الآلة الموسيقية ثم نسمع صوت سعاد حسني يرد عليها أو نسمع الصوت يحل محل الآلة، وهكذا. أدرك الطويل أن قوة صوت سعاد حسني يكمن في أدائه التعبيري الإيقاعي وامتلاكها لحسّ تعبيري هائل يجعلها تتغلب على عدم امتلاكها لمساحات غنائية كبيرة مثل مطربات من أمثال فايزة أحمد أو نجاة الصغيرة وغيرهما. فنجد الملحن يتعامل بذكاء مع مفردات الصوت مع ما يخدم أيضا رؤيته الخاصة للـحن ومضمون الأغنية. فإذا أخذنا مثلا أغنية »بمبى« في »أميرة حبي أنا«، نجد الملحن يستخدم مجموعة من الآلات التي تعطي نغمات غربية مثل الأورج والجيتار ومجموعة آلات كمان وكونترباص، في نفس الوقت الذي يستخدم فيه الدُف والطبلة كآلات شرقية إيقاعية. نجد الملحن هنا يلعب على سلالم غربية مثل الحجاز والكورد، وتقوم الآلات مثل الكمان والأورج والجيتار بعمل الصولوهات في جمل قصيرة تتناوب فيها الآلات في علاقة جدلية مع بعضها البعض. وفي الجزء الأول من اللحن نلاحظ كيف تتكرر كلمة »بمبي« بإيقاعات متنوعة لتلعب دور الارتجال أو الموال. ففي الشكل التقليدي للموال يقوم المطرب/المطربة باستعراض الصوت صعوداً وهبوطاً في المقام لإظهار مضمون اللحن والعواطف الكامنة فيه بأشكال صوتية مختلفة. ولكن في أغنية »بمبي« تقوم سعاد حسني بتكرار كلمة »بمبي« بأساليب تعبيرية متنوعة من أربع أو خمس درجات موسيقية مختلفة لتعطينا كل الدفقة الشعورية للدخول في اللحن (وهذه هي وظيفة الموال، أي أنه يجرّ المستمع إلى اللحن تدريجيا) مع تكثيف تعبيري متميز. كما نجد الملحن ينتقل بين إيقاعات متنوعة في ذات الأغنية، من المقسوم كإيقاع أساسي راقص يصاحبه زخرفات من الدُف لتأكيد هذا الإحساس الراقص وهي تقول »الحياة بقى لونها بمبي وأنا جنبك وانت جنبي«، ثم ينتقل بنا إلى إيقاع الكراتشي وهو إيقاع خفيف وقريب من الإيقاعات الفلكلورية، ثم مقسوم مرة أخرى في »الهنا مزغلل عينية«، إلى فالس هادئ في الجزء الثالث من اللحن »بيت صُغنّن فوق جزيرة لوحدنا«، ثم الرجوع إلى الإيقاع الأساسي وهو المقسوم في النهاية. كل هذه التنويعات الإيقاعية سواء من الآلات أو صوت المغنية أعطى ثراءً كبير في اللحن كما أظهر مضمون السعادة والمرح في الأغنية. أما في أغنية »يا واد يا تقيل« في »خللي بالك من زوزو«، فنرى الملحن يعتمد على نفس الطريقة تقريبا كما في »بمبى« بمعنى البداية بدَخلة لآلات وترية خفيفة يستعمل فيها النبر على آلات الكمان والجيتار لتأكيد الإيقاع مع الصاجات كآلة إيقاع خفيفة مزخرفة مع مردات الأكورديون كآلة شعبية (أي لها مردود شعبي). ثم نسمع صوت سعاد حسني ليحل محل مردات الأكورديون وهي تردد جملة »يا واد يا تقيل« فتعطي نفس الإحساس، وتتكرر هذه العملية باستخدام آلات أخرى لنجد أن الملحن يحاول خلق حوار بين صوت سعاد حسني والآلات وكأنهم يردون على بعضهم البعض. نجد أيضا تدخل الكورال في علاقة تضامنية مع البطلة وليس فقط ترديد نفس جملتها. فعندما تقول: »ياه ياه يا واد يا تقيل ياه ياه يا مشيّبني، ياه دانا بالي طويل وانت انت عاجبني«، يرد الكورال بـ»ياه ياه يا واد يا تقيل ياه ياه يا مشيبها، ياه دي بالها طويل وانت انت عاجبها«، وهكذا. كل هذه التقنيات في اللحن تؤكد تلك العلاقة الجدلية بين تعبير المغنية من ناحية والآلات والكورال من ناحية أخرى في تناغم عالٍ ومتميز. كما نجد اللحن هنا أيضا يحافظ على روح الإيقاع الراقص حتى في الكوبليه الثاني وهي تقول: »أنا من حبه بآسي وده كده هادي هادي وراسي«. فالملحن يستخدم هنا مقاما شرقيا مع زيادة الطرقعة على الطبلة بالمقارنة بمقام غربي في الكوبليه الأول. ثم في الكوبليه الثالث ينتقل مرة أخرى إلى مقام غربي، مما يظهر مهارة سعاد حسني في الغناء والانتقال من مقام إلى آخر. وتعتمد سعاد حسني خلال الأغنية على حركات تمثيلية وهي تقلد حبيبها مثلما في: »وايديه ازاي، أهه كده كدهه/ ودقنه ازاي، أهه كده كدهه/ وحواجبه ازاي، كدهه«. كما تهتم هنا ليس فقط بجمال الصوت ولكن أيضا بتعبيريته حيث أن خروج الهواء مع صوتها واضح ولكنها تتحكم فيه بشكل جمالي وتعبيري في أخذ النفس مع الكلام والتنهد والحفاظ على رنة ضحك في الصوت مما يضفي جواً من التفاؤل والنضارة والشقاوة للأغنية. وقد حافظ كمال الطويل على الكثير من هذه السمات في أغنيات أخرى مثل »الدنيا ربيع« في »أميرة حبي أنا«. فبداية الأغنية متشابهة إلى حد كبير مع الأغنيتين السابقتين حيث نسمع صوت الأورج مع مردات بشرية بصوت الصاجات مع ترديد سعاد حسني لنفس الجمل الموسيقية بالصوت البشري كما في »لا-لا-لا-لا« مع كورال يرد بأصوات الصاجات »شك-شك- شك-شك« تنهيها المغنية بضحكة على نفس النغمة الموسيقية للأورج. ثم يرد عليها الأورج بنفس الجملة فترد هي عليه بضحكة وتكمل الجملة الموسيقية لتدخل بعد ذلك الآلات الموسيقية الأخرى. وتبدأ في الغناء »الدنيا ربيع والجو بديع قفّل لى على كل المواضيع« وترديد »قفّل- قفّل- قفّل- قفّل« من درجات صاعدة على السلم الموسيقي (الكورد) ليرد عليها الكورال بكلمات مثل »قفّل« و»كدهه« و»قال لك قال لك ايه قال لك آه« وغير ذلك لتأكيد المعاني الهامة في الأغنية. ويستمر الطويل هنا أيضا في تنويعاته على المقامات المختلفة والحوار المتواصل بين المغنية والكورال ليظهر لنا كمّ الانسجام الذي أراده المؤلف بين كل عناصر الأغنية. أما في أغنية »بانوا« في »شفيقة ومتولي« فنجد لونا آخر من التعبير يتناسب مع الحالة النفسية للبطلة والمعنى الكامن في الكلمات. جاءت أغنية »بانوا« لتعبر عن حالة حزن عميق وليس عن السعادة والمرح والحب كما في الأغاني السابقة، فنجدها تميل أكثر إلى الأغاني الفلكلورية التي تعتمد على مقامات شرقية في الأساس. تبدأ الأغنية بمقام شرقي أصيل وهو الصبا ليحمل رسالة الأغنية في التعبير عن الشجن. وبداية الأغنية هنا شعبية فلكلورية بسيطة ليس بها زخم الأغنية التعبيرية كما في الأغاني السابقة، ولذلك نجد أن الكورال والآلات الموسيقية تعمل على وصف حالة المغنية فهي البطلة الرئيسية في الأغنية. وعلى الرغم من استخدام الملحن لمقام غربي في بعض الكوبليهات إلا أنه يعود إلى مقام الصبا الأساسي في المذهب. وعندما تبدأ المغنية بـ»بانوا- بانوا- بانوا على أصلكوا بانوا« نحس بنغمة »التجريس« أو »التنبيط« في اللحن وهي طريقة شعبية للتهكم والسخرية وتستخدم في الخناقات الشعبية، ولكنها هنا تبدو كخناقة غير مباشرة أو مكتومة. ويستخدم الملحن أيضا في أحد الكوبليهات إيقاع الأيوب عندما تقول: »دوّروا وشّكوا عني شوية كفاياني وشوش«، وهو إيقاع مشهور في الزار ويعطي الإحساس بالحزن والعديد والاغتراب. فهي عندما تقول هذه الجملة نشعر بنوع من الاغتراب فعلا بينها وبين هؤلاء الأناس. ولكن الملحن لا يتركنا ننجرف في حالة الحزن حيث ينتقل إلى مقام شرقي آخر في: »وعصير العنب العنابي العنابي، نقطة ورا نقطة يا عذابي يا عذابي« لكي يعطي دفقة فلكلورية. وهكذا، نرى أن موسيقى هذه الأغنية قد قامت بالتضامن مع الحالة الشعورية للبطلة ولخدمة التعبير عنها. أدت سعاد حسني لكمال الطويل وصلاح جاهين أغنيات أخرى جميلة وقيمة مثل »بهية البراوية« و»شيكا بيكا« في »المتوحشة« وغيرهما. واستطاع الثلاثة بهذه الأغنيات أن ينتقلوا بالفيلم الاستعراضي إلى منطقة مؤثرة ومتطورة في الأسلوب ظلت وما زالت تجذب الجمهور بسبب ارتباطها العضوي بالظروف الاجتماعية والفنية التي نشأت فيها. لماذا سعاد حسني الآن؟ حاولت في هذه المقالة أن أناقش عدداً من الموضوعات والأفكار التي تتعلق بمدى ارتباط الفنان بفنه والحياة بشكل عام من خلال المسيرة الفنية لسعاد حسني. وربما في خاتمة هذا الموضوع يظل هناك سؤال حائر: لماذا سعاد حسني الآن؟ في الحقيقة، لا أجد إجابة واضحة ولكن كل ما يظل يشغل بالي بخصوص هذه الفنانة العظيمة هو قدرتها على العطاء وموهبتها وعشقها للفن، وهي قيم قلّما نجدها في عصرنا الحالي. هناك أعمال أخرى كثيرة لسعاد حسني مع مخرجين متميزين مثل صلاح أبو سيف وسمير سيف وشريف عرفة لم أتعرض لها هنا لأنني أردت التركيز على موضوعات بعينها. ربما تنبع أهمية سعاد حسني الآن في هذا الزمن، مثلها مثل الكثير من الفنانين والشعراء والكتاب والمثقفين الأحرار، مما نشهده اليوم من تزايد مطّرد في تقلص مساحة الحرية في الفن حتى أصبحت القيود تخنقنا خنقاً. فكثيرا ما نسمع الآن دعاوى تحرّم الفن أو تتهم الفنان لمجرد كونه يحترف مهنة التمثيل. ولكن كيف لنا أن نحيا بدون فن؟ هناك علاقة عضوية بين الفن والحياة لا يستطيع أحد أن يفصلها ولا يجب أن نفقدها أو نفقد إيماننا بها بسبب دعاوى الجهل والإرهاب الفكري. إن أكثر ما ميز فنانين مثل سعاد حسني هو تمسكهم بهذا الفن حتى الرمق الأخير. وربما يكون هذا من أكثر الأمور التي نحن في حاجة إليها في هذا الزمن، فزمن الجهل هو الزمن الأقسى. * ناقدة واكاديمية من مصر تقيم في انحلترا نزوى العمانية في يوليو 2005 |
الهوامش: أشكر الصديق العزيز مصطفى محمد المغني والملحن على المعلومات الموسيقية القيمة التي وفرها في حديثنا بصدد أغاني وألحان كمال الطويل والتي وردت في هذه المقالة. كما أشكر الصديقة العزيزة عرب لطفي المخرجة على ملاحظاتها الهامة التي وفرتها في لقائي بها والتي وردت في هذه المقالة. تم الاعتماد في الكثير من مادة هذه المقالة على CD بعنوان »سندريلا الشاشة العربية« صادر عن مجلة الفن السابع مع العدد رقم 45 (أغسطس 2001). ٭ عنوان المقالة مستوحى من مقال للناقد ابراهيم العريس بعنوان »سعاد حسني: الانهيار البطيء والانتحار الطويل« نشر بمجلة الوسط في أعقاب رحيل سعاد حسني، عدد 492 ( 2 يوليو 2001)، ص 58-61. (1) ابراهيم العريس، »زينب تتساءل من زوّج نعيمة الطيبة إلى لص الانفتاح«، الفن السابع 45 (أغسطس 2001)، ص 56. (2) الفيلموجرافيا، الفن السابع 45 (أغسطس 2001)، ص 81. (3) المرجع السابق، ص 81. (4) ابراهيم العريس، »سعاد حسني: الانهيار البطيء والانتحار الطويل«، الوسط 492 (يوليو 2001)، ص59-60. (5) أشرف غريب، »الاستعراض من أهم أسباب تفردها وتربعت وحدها على عرشه«، الفن السابع 54 (أغسطس 2001)، ص 77. (6) محمود الكردوسي، »بنت موت«، الأهرام العربي 223 (يونيو 2001)، ص 86. (7) أشرف غريب، »الاستعراض من أهم أسباب تفردها«، ص 78. (8) ابراهيم العريس، »سعاد حسني: الانهيار البطيء«، ص 60. (9) أشرف غريب، »الاستعراض من أهم أسباب تفردها«، ص 80. (10) ابراهيم العريس، »سعاد حسني: الانهيار البطيء«، ص 59. (11) المرجع السابق، ص 61. (12) المرجع السابق، ص 59. (13) ناجي فوزي، قراءات خاصة في مرئيات السينما المصرية (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2002)،ص 247. (14) المرجع السابق، ص 247. (15) نبيل راغب. دليل الناقد الادبي (القاهرة دار غريب، 1981)، ص 198، مذكور في المرجع السابق، ص 248. (16) رفيق الصبان، "للنقد ميزان – شفيقة ومتولي"، ملفات المركز الكاثوليكي المصري للسينما، ملفات الافلام المصرية، ملف رقم 1821، مذكور في ناجي فوزي، قراءات، ص 17. (17) ابراهيم العريس، "سعاد حسني: الانهيار البطيء"، ص 58. (18) رفيق الصبان، الظلال الحية (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989)، ص 17. (19) المرجع السابق، ص 19-20. (20) سامي السلاموني، مقالات في السينما المصرية (القاهرة: نادي السينما 1992)،ص ص 101-102. (21) المرجع السابق، ص 102. (22) المرجع السابق، ص 103. (23) سمير فريد، "اعظم مصري منذ "الارض"، جريدة الجمهورية (7/10/1986)، مذكور في CD "سندريلا الشاشة العربية". (24) المرجع السابق.للثقافة، 2٠٠2)، ص 742. (25) أحمد غريب، »رأفت الميهى: الوحيدة التي تحتفظ بكراسة لـ»راكور« الانفعالات وعيناها أقوى أدواتها«، الفن السابع 45 (أغسطس 2001)، ص 58-59. (26) سمير فريد، »غرباء«، (يوليو 1973)، مذكور في CD »سندريلا الشاشة العربية«. (27) خيرية البشلاوى، »على من نطلق الرصاص«، جريدة المساء (12/1/1976)، مذكور في CD »سندريلا الشاشة العربية«. (28) أحمد غريب، »رأفت الميهي: الوحيدة التي تحتفظ بكراسة لـ»راكور« الانفعالات«، ص ص 58-59. (29) أشرف غريب، »الاستعراض من أهم أسباب تفردها«، ص 79. (30) المرجع السابق، ص 79؛ وكذلك طارق الشناوي، »هؤلاء عزفوا السيمفونية الرائعة«، الفن السابع 45 (أغسطس 2001)، ص 67. (31) أشرف غريب، »الاستعراض من أهم أسباب تفردها«، ص 79. (32) المرجع السابق، ص 78-79. (33) طارق الشناوي، »هؤلاء عزفوا السيمفونية الرائعة«، الفن السابع 45 (أغسطس 2001)، ص 67-68. |
الفنانة الراحلة سعاد حسني: عندما يرتبط الفن بالحياة داليا سعيد مصطفى * |