المشاهد أصبح كسولا والفضائيات تحتاج لملء ساعات البث عبدالحسين عبدالرضا: مستقبل الفن قاتم.. وافتقدنا الكتّاب الحقيقيين حاورته: نيفين أبو لافي |
الفنان عبدالحسين عبدالرضا لم يؤل جهدا في رفع المستوى الفني لكونه أحد أعمدة هذا الفن في الكويت والمنطقة. إلا أن الكثير من العقبات واجهته في مسيرته الفنية لإعادة البريق إلى المسرح الكويتي من دون فائدة، وفي محاربة بعض المؤسسات للفن. واعتبر ان هناك من يحاول عرقلة مسيرة الفن مما ينذر بمستقبل معتم للفن بشكل عام، بعد أن افتقد كتاب الدراما الحقيقيين الذين كانوا وراء أمجاده الأولى. عدة قضايا فنية يكشف عنها عبدالحسين عبدالرضا في هذا الحوار. · كيف تقيّم وضع الحركة المسرحية في الكويت؟ ـ الحركة المسرحية بشكل عام بدأت تتراجع سواء في الكويت أو في العالم العربي، أما في ما يتعلق بالكويت فقد أصبح الموضوع مرتبطا بالمناسبات، والمسرح لا يعمل إلا في هذه الأيام، الى جانب التغيير الذي طرأ على القضايا المطروحة حيث كانت في السابق مختلفة عما هي الآن واختلفت معها طريقة التعاطي مع المواضيع التي تدور حولنا، ولذلك لا تعيش هذه المسارح إلا لفترة ثم تختفي. ولا يمكن أن نغفل التغيير الكلي من العالم بعد أن أصبح ايقاع الحياة أسرع وانعكس ذلك على كل شيء، ومن بين ذلك المسرح التي تأثر ايضا بعدد الفضائيات الذي تجاوز 600 فضائية، مما جعل المشاهد أكثر كسلا معتمدا على هذه الوسيلة ليشاهد ما يرغب من أعمال، إلا أن ذلك لا ينفي وجود جمهور محب لهذا الفن يبحث عنه دوما. ابتعاد · ما السبب في ابتعاد فناني الكويت عن التواجد في الفعاليات الفنية والثقافية أو مشاركتهم زملاءهم الفنانين أثناء تكريمهم؟ وهل الخلافات بين بعض الفنانين سببا في ذلك؟ ـ هناك نوع من عدم الاهتمام عند البعض في ما يتعلق بالتواجد أثناء تكريم الزملاء معتبرا ان حضوره لا معنى له اذا لم يكن بين المكرمين أو لارتباط البعض الآخر بأعمال فنية او أمور خاصة تمنعهم من الحضور، لكن لا علاقة للخلافات بذلك بل الكسل والإهمال هما السبب الحقيقي وراء ذلك لأن الخلافات موجودة في كل بيت وبين أفراد الاسرة الواحدة وليست سببا في هذا الغياب، وهذا وضع خاطئ لكون التواجد ينقل اعلاميا ويراه المشاهد وان وجد يعكس الاتحاد والتعاضد بين أعضاء هذا الوسط ومن الجميل أن تكون هذه الصورة واضحة أمام الجميع. هادف · لماذا لم نعد نرى مسرحا هادفا كالذي تربت على أعماله الأجيال السابقة؟ ـ النجوم الذين تصدوا لهذه الأعمال وتبنوها ابتعدوا عنها وانشغلوا في مجالات أخرى كالإنتاج التلفزيوني او الاتجاه للتجارة، وانا لا ألومهم لأنهم يبحثون عن سبل لكسب الرزق إلى جانب تبدل الأجواء العامة عن التي عملنا فيها، كنا في السابق هواة لهذا الفن ومتفرغين له تماما نتناقش في نصوصه ونبحث المواضيع المختلفة وكنا نعقد ورش عمل متواصلة وكل هذه الأمور قد انتهت ولم تعد موجودة والشباب الموجودون قليلو الخبرة على الرغم من ان بينهم خريجين من المعهد المسرحي لكنهم يفتقرون الى الموهبة مما يجعل امر الإبداع صعبا ومن تمسك منهم بالمسرح اختفى بسبب موسمية العمل. وهذا هو السبب نفسه الذي دفع الكثير منهم إلى الاتجاه الى التلفزيون. صورة · ألا تعتقد أن هناك من يبالغ في تقديم صورة مشوهة عن المجتمع الكويتي في الأعمال الدرامية وبالتالي يسيء إليه؟ ـ نحن في الخليج مشاكلنا قليلة وتتكرر وأكثرها مشاكل أسرية، ولا تتشابه مع القضايا في مصر وسوريا على سبيل المثال لكون أن الدول تتميز بعمق جغرافي وفيها مهن مختلفة وصراعات اجتماعية لا يمكن لها أن توجد في محيطنا الخليجي الضيق، لذا عندما تكون هناك رغبة في تقديم عمل ما يضطر الكاتب إلى المبالغة في الحدث ليخلق موضوعا دراميا يصلح للعرض، وهذا بسبب عدم وجود أرض خصبة للكاتب ليستقي منها قصته، ولكن قد تكون هناك أعمال تتكرر فيها الحكاية ولكن بشكل آخر عن الأخرى وهناك من يعيد ما قدمناه في السابق ولكن بشكل أضعف بالطبع كما قدم في المرة الاولى الا ان انتشار الفضائيات وزيادة ساعات البث اوجد حاجة لدى هذه المحطات لملء المساحات الزمنية بالأعمال الموجودة على الساحة لذا تلقى من يشتريها ويعرضها حتى لو كانت ضعيفة. تجربة. · هل نجد في تجربة مثل مسلسل «فريج صويلح» محاولة لإعادة روح الأعمال التي قدمتموها في السابق؟ - اقول لفريق هذا العمل «كثر الله خيركم» الا ان هذا النوع من الأعمال يحتاج إلى مساحات كبيرة والديكور المستخدم لا يفي بالغرض الدرامي بشكل جيد ولو اردنا الان ان نعيد تصوير مسلسل «الأقدار» مثلا بالامكانات والموقع السابق نفسه لن ينجح ولن يتقبله الجمهور لأننا سنقارن بالاعمال الاخرى المصرية وما فيها من مواقع طبيعية كالريف او المزارع والبساتين في سوريا في حين اننا لا نملك مواقع سوى البيت والمكتب والمطعم. · ما رأيك في المحاولات السينمائية التي قدمها بعض الفنانين الكويتيين مؤخرا؟ - السينما صناعة تجارية مثلها مثل محل لبيع الالماس يحتاج صاحبه إلى عمل ديكور متميز ومبهر ليليق بهذه الجوهرة الثمينة كذلك السينما اذا لم يصرف عليها لن تنجح ومن وجهة نظري اعتقد ان ما قدم مؤخرا ما هو الا محاولات فقيرة بالامكان اعتبارها تجارب في هذا المجال الفني. سينما · هل راودتك فكرة تقديم عمل سينمائي؟ - بالفعل فكرت في انتاج عمل سينمائي ولكنني وجدت انه يحتاج ما بين 300 - 400 الف دينار، ومن الناحية التجارية وجدت امكان نجاح هذه التجربة ضعيفا خصوصا ان العمل سيقدم باللهجة المحلية، ولو عرض في دول الخليج كلها لن يغطي تكاليفه. وانا على ثقة بأن شركة السينما لو وجدت فائدة في هذا المجال ربما كانت اول المبادرين لخوض هذه التجربة الا ان القائمين عليها يدركون ان الاقدام على مثل هذه الخطوة غير مجد ماليا، ولذلك لا خيار أمامنا إلا بالدعم الحكومي وتبني وزارة الاعلام مثل هذه الاعمال لتقديم افلام تاريخية وتراثية تحكي عن البر والبحر والسفر ومن المحتمل بعد انتهاء عقد احتكار السينما للشركة الحالية ان تقهر سينمات صغيرة ومجهودات فردية قد ينتج عنها تجربة سينمائية ناجحة. منتج · هل تعتقد أن عملية المنتج المنفذ مجزية وخطوة جيدة؟ - موضوع المنتج المنفذ ليس بالجديد على الاعلام، حيث عمل به الشيخ جابر العلي رحمه الله عندما كان وزير الاعلام كحافز تشجيعي للفنانين في تلك الفترة وجاءت خلالها الاعمال الدرامية مثل «درس خصوصي» و«الاقدار» و«العتاوية» وذلك نظرا لتدني الاجور التي مازالت حتى الآن متدنية، وبذلك فسح المجال للاستفادة من توزيع الاعمال الى جانب توفير الميزانية لوزارة الاعلام فهو لا يعتبر نظاما جديدا الا انه من الواجب ان تقيم الاعمال مرتين: الاولى نصا والثانية بعد التصوير وان كان هناك اي تجاوز من المنتج يطبق عليه شرط جزائي اما بخصم مبلغ كبير من القيمة المخصصة له كمنتج منفذ او يلغى العقد ليكون رادعا للآخرين. هذا سيقوه · اذا اردنا ان نعود إلى الوراء قليلا علينا ان نتحدث عن مسرحية «هذا سيفوه» وظروف ايقاف هذا العمل، ما الذي حدث؟ - لقد جاء توقيت عرض المسرحية في فترة زمنية حساسة، حيث تزامن مع خطف الجابرية وهي مسرحية سياسية تحمل معاني ومواقف كبيرة ومن ضمن شخصيات المسرحية شخصية الملا المصلح والمعتدل والبسيط فاتخذها البعض ذريعة لاتهامنا بأننا نتعدى على الدين من خلال هذه الشخصية وقامت الصحافة، وبالتحديد«القبس»، آنذاك، بمهاجمتنا ايضا الى جانب نشوب خلافات بين الفنانين انفسهم وعلى الرغم من ذلك طلبت تسجيل العمل ولكن ذلك لم يحصل، ونحن من اوقف المسرحية لا الحكومة، حيث شعرنا «بوقفة نفس» من العرض. جادة · لماذا لم نعد نشاهد مثل هذه العروض الجادة الهادفة؟ - نفتقر الى الكاتب الجيد والبحث عنه ليس بالأمر السهل، حيث لم يعد هناك من هم على دراية بالاوضاع العامة او من هم متحصنون بثقافة وفكر، والدليل على ذلك انني اضطررت إلى كتابة عمل استغرق مني ثلاث سنوات وهو «حبل المودة» ولم يقدم لنا اي احد من الادباء عملا او نصا لنأخذه كعمل درامي متميز. · هل هذا يعني ان القادم من الايام اصعب وننظر إلى المستقبل بقتامة؟ - بالفعل وهذا هو الواقع فالقادم اصعب والدلائل تشير إلى ذلك. فبعد 45 عاما من العمل الفني ما زلنا نفتقر الى صالة عرض مسرحي على مستوى جيد، والدولة نفسها لم تقدم شيئا بهذا الخصوص. بمعنى آخر، هناك مؤسسات تحارب المسرح وتضغط على الدولة لتجاهله وكل من امسك بحقيبة وزارة الاعلام لم يفكر في المسرح او حتى تجهيز صالات تليق باحتفالات الدولة كالعيد الوطني وعيد التحرير، والجيل القادم لن يحرك ساكنا في هذا الموضوع لكونه حتى الآن لم يفعل شيئا وكل ما يقدم الآن له علاقة بالفكر التجاري بعيدا عن العمق الثقافي والفني البحت واذا كانت هناك جدية في هذا الأمر على الأقل فلابد من انشاء مسارح للفرق الأهلية وتقوم هذه الفرق باستثمارها اذا كان القصد من وراء ذلك النفع العام كما تحظى به النقابات والجمعيات الأخرى. مسرح · هل سعيت في اتجاه انشاء مسرح او تبني هذه الفكرة؟ - بالفعل، وقد اشتريت ارضاً وما زالت موجودة، الا ان البلدية رفضت ترخيصها. ثم قمت بطلب موقع لبناء مسرح وجرى تحديد الموقع لأبنيه على حسابي الخاص، وعُرقل هذا المشروع ايضاً في المجلس البلدي مما يدل على محاربة هذا الفن. القبس الكويتية في 7 يناير 2006 |
فيلم «ميونيخ» يثير سجالاً في العالم اليهودي... ستيفان سبيلبيرغ: دعاء من أجل السلام في الشرق الأوسط الجليل - نظير غانم مع مباشرة العرض الأول لفيلم «ميونيخ» في الصالات الأميركية والاسرائيلية في وقت واحد، لا تبدي اسرائيل الرسمية ارتياحها من الفيلم ومن اسلوب مخرجه الهوليوودي الشهير ستيفان سبيلبيرغ، لكنها تتحفظ عن الهجوم عليه خشية أن يؤدي الهجوم الغريزي على الفيلم الى زيادة في مبيعاته وهو ما حصل بعيد انتقادها لفيلم «آلام المسيح» للمخرج ميل غيبسون الذي بدا في نظرها كأنه يحمّل اليهود مسؤولية عذاب يسوع الناصري وهي مفاهيم تاريخية ارتبطت بنشوء الفكر العنصري في أوروبا الكنسية. المخرج سبيلبيرغ الذي وصفه النقاد مراراً في الصحافة الرصينة بالذي تأجرح بين السطحية والعمق طيلة أربعين عاماً، بين الأفلام الأميركية العادية المسلية وبين الطابع التاريخي ذي الدلالات المؤثرة، يتوجه الى القضية الفلسطينية مثيراً عاصفة بعض الأطر اليمينية في العالم اليهودي بعد أن كانت صفقت له طويلا عام 1993 على فيلمه «قائمة شنايدر» حول الكارثة النازية الذي فاز بسبع جوائز أوسكار، والفيلم يحكي قصة رجل الأعمال أوسكار شنايدر الذي أنقد كثيرين من اليهود في الحقبة النازية وتم تصويره بالأبيض والأسود باستثناء فستان لطفلة صغيرة ظهر باللون الأحمر مستثيراً عواطف المشاهدين. وكان الفيلم واجه إنتقادات في بعض أوساط الثقافة الأوروبية في حينه وسمت سبيلبيرغ بتحوير التفاصيل واحتكار الحقيقة لكنه تبرع بأرباح الفيلم البالغة مئة مليون دولار للمؤسسات اليهودية. تدور أحداث فيلمه الجديد «ميونيخ» الذي يلعب أدوار البطولة فيه الممثل دانييل كرايغ وأيريك بانا وأييليت زورار حول عملية ميونيخ التي نفذها فلسطينيون من تنظيم «أيلول الأسود» عام 1972 قتل فيها أحد عشر رياضياً إسرائيلياً في الاستاد الأولومبي في مدينة ميونيخ الالمانية، تلك الحادثة التي جعلت الأعلام الاولمبية تنكس وتعلق المباريات وسط احتجاج عالمي ومأزق ديبلوماسي صب في مصلحة اسرائيل. وكعادة سبيلبيرغ يقتحم المغامرة السينمائية من دون تردد أو وجل، فهو يرسم دائرة الانتقام التي وسعتها سياسة رئيسة وزراء اسرائيل آنذاك غولدا مئير على الأرض اللبنانية وأرجاء واسعة من العالم ضد القيادات الفلسطينية، ومن هنا يأتي الموقف الاسرائيلي المعارض للفيلم الذي يبدو وكأنه يتهم اسرائيل بانها انتهجت سياسة العين بالعين عوض تقديم الجناة الى محاكمة دولية، ويرى بعض نقاد السينما في الصحافة العبرية أن سبيلبيرغ يقدم في هذا الفيلم مشاهد تجيز التعاطف مع العنف الفلسطيني ضد الابرياء، ويرى آخرون أن فيلماً هوليوودياً إضافياً لن يغير شيئاً في ما هي الأمور عليه من ركود وفاجعية على خطوط التماس، ويرى المراقبون أن الفيلم سيفوز بالأوسكار عام 2006 نظراً الى عدم وجود فيلم مرشح آخر بحجمه وموازناته وقدراته الفنية العالية. أما سبيلبيرغ فبدا متفائلا في حديثه الى مجلة «التايم» الاميركية معتبراً هذا الفيلم «صلاة للسلام» وأنه لا يوجد فيلم أو كتاب أو عمل فني يمكنه اليوم ايجاد حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي لكن من المجدي أن نحاول... سبيلبيرغ الذي يعتزم الوصول الى اسرائيل وفلسطين قريباً في نطاق علاقات عامة لترويج فيلمه سيحمل معه مئات الكاميرات اليدوية كهدية للاطفال الفلسطينيين والاسرائيليين ليتسنى لهم تصوير واقعهم اليومي وسيقوم بعرض ما صوره كل جانب للجانب الاخر كي يثبت أن لا فوارق تفصل بين طرفي النزاع. ولد ستيفان سبيلبيرغ عام 1946 لعائلة يهودية في الولايات المتحدة وظهرت ميوله السينمائية في جيل مبكر، عرض فيلمه «أمبلين» في العشرين من عمره في مهرجان سينمائي في أطلنطا أثار اهتمام لجنة التحكيم فتلقى عرضاً تلفزيونياً من شركة «يونيفيرسال» الأمر الذي مهد أمامه الطريق لأن يلج عالم الفن السابع من أوسع ابوابه، أنجز فيلمه الطويل الأول «شوغرلاند اكسبرس» عام 1974 وكان فيلم جريمة ومطاردة لعبت بطولته الممثلة غولدي هول، عام 1975 أخرج فيلم «القواطع» الذي جنى ارباحاً عالمية قدرت بـ 470 مليون دولار وضعت المخرج الشاب في مقدمة الأسماء السينمائية الشهيرة في أميركا، هو المخرج الذي يتذكر كثيرون في العالم أعماله «لصوص الصندوق الضائع» 1977 وفيلم «إي.تي» عام 1981 الذي أثار ضجة رقابية في عهد الرئيس رونالد ريغان ويعتبره البعض مؤسس الغرائبية الحديثة في السينما الأميركية. وفي عام 1997 أخرج فيلم «أمستاد» الذي يحكي عن تمرد السود الأفرو - أميركيين على سفينة للزنوج وهي تقلهم من القارة السوداء الى العالم الجديد وتلاه «انقاذ العريف ريان» 1998 حول الجنود الاميركيين في الحرب العالمية الثانية. الحياة اللبنانية في 6 يناير 2006 أرض الرماد: تراب افغانستان في مهب السينما المدهشة ... رحيمي من الرواية الى الشاشة نزار آغري عرفنا عتيق رحيمي كاتباً. قرأنا له نصاً بعنوان «ارض الرماد». كانت تجربة روائية بدائية غلبت عليها البساطة، بل السذاجة، والمباشرة في سرد شبه تقريري. لم تكن بداية ناجحة، هذه المحاولة الروائية. غير اننا نظلم الرجل اذ نعاينه بضوء الفن الروائي. هو لم يزعم انه روائي على أي حال. هاجسه الابداعي يكمن في مكان آخر. لقد درس الاخراج السينمائي في باريس منذ انتقل اليها عام 1984 قادماً من كابول افغانستان التي ولد فيها عام 1962. على الدوام كان ينظر الى الاشياء بعين سينمائية. نصه كان كذلك. تصوير حال ناس هشمتهم الحرب وصدعت عالمهم. افراد عائلة واحدة قطعت يد العنف شرايين الحياة فيها. كتب المؤلف قصتهم بحبر السينما. لاحق قيامهم وقعودهم، سيرهم وسلوكهم. خوفهم وأملهم. هو حاول ان تحل الكاميرا محل القلم. ان تعوض العدسة ما عجز عن قوله على الورق. لقد ولد الكاتب في قلب الحرب الافغانية وعاش في ربوعها وتشرب من مناظرها. حين كبر وتطلع الى حياة اخرى غير تلك التي تشكلها الدماء والشظايا والخراب، هرب من البلاد. في باريس سعى الى التسلح بالكاميرا وتعلم الاخراج ليستعيد تلك الاحداث التي عايشها والوقائع التي مرت من امام ناظره. أراد ان يقبض من ذاكرته على منظر الهلاك المأسوي الذي حل ببلده. دوّن ذلك في نصه ثم اسرع ليترجم النص المقرر الى مشهد مرئي. لقد انتشر الكتاب على نطاق واسع. غدا «بيست سيلرز» لا لجودته الادبية بل لعلاقته بالوضع الافغاني الذي جعله الطالبان، والاميركيون من بعد، مشهداً يومياً من مشاهد العيش في هذا الكوكب. الآن يحول عتيقي حروفه وكلماته الى صور. يصنع من الكتاب مشهداً سينمائياً كي تراه العين وتدرك ما تفعله الحرب بالانسان، أي انسان. رؤية الكاتب، التي كان بدأ بها مسيرته، تجعله يمضي أبعد من اللقطة ليقبض على الحزن الدفين القابع خلف الخراب المادي. في الحرب موتى وجرحى ودمار. ولكن هناك، في الاعماق، ذلك اليأس المدمر الذي يخنق الجميع. بطاقم مؤلف من افغان وأوروبيين، وبتمويل متعدد الجهات، وبممثلين متطوعين جرى تصوير الفيلم في جبال كوش على بعد 200 كلم شمال كابول. القصة بسيطة وقصيرة. فلاح عجوز ينتظر على الطريق مع حفيده البالغ خمس سنوات كي تأخذه سيارة عابرة ما، شاحنة على الاغلب، الى منجم للفحم ليقابل ابنه. والد حفيده. مهمته مأسوية. سيترتب عليه ان يخبر ابنه بموت جميع افراد العائلة في القرية. الأم، الاعمام، الاخوال، الخالات و... زوجة الابن. هل في وسعه انجاز مهمة شاقة كهذه؟ لا يظهر الابن في الفيلم ابداً. يتخذه عتيقي رمزاً لذلك الجيل الذي كاد ان يندثر في حروب الافغان. الابن في عمر عتيقي تقريباً. في ذلك الحين، كانوا شباباً في مقتبل العمر. ولكنهم كانوا تحولوا الى كهول أحنت القسوة ظهورهم. تركوا الفرح واللهو وطيش الشباب وراء ظهورهم ومضوا الى الجبهات يقتتلون ويموتون او الى السجون ليفنوا اعمارهم فيها. من نجا، مثل عتيقي، رحل من البلاد بروح مهشمة. الحفيد الصغير فقد سمعه ولكنه يعتقد في قرارة نفسه ان المشكلة ليست مشكلته. في نظره ان الآخرين غدوا عاجزين عن الكلام. الامر لا يتعلق بسمعهم بل بعدم قدرتهم على الكلام. يحاول الفيلم ان يجاري قسوة الواقع وفظاعة مجرياته. ان يصور جانباً من الهول شبه الميتافيزيقي وشبه السوريالي الذي هبط على تلك البلاد وأنشب اظافره في جسدها الذي كان جميلاً قبل ان تشوهه القنابل والبنادق والرصاصات والحراب. من بعد ذلك جاء الطالبان ولفوا ما تبقى من جسد البلاد في براقع ثقيلة تحبس الانفاس. تلك بلاد تعاون الجميع على وأدها حية في مقبرة عملاقة. في الفيلم تركض ام الصبي عارية، مذعورة، تريد انقاذ ابنها من ألسنة اللهب التي تعتقد انها التهمته. تركض حول ألسنة الناس وترقص قبل ان تقذف بنفسها في الأتون. مشهد مدمر في قسوته ومذهل في فرط واقعيته. كأن المخرج يحرر المرأة من الاكفان التي أحاطت بها من كل جانب فإذا بها تخلع كل شيء وتنطلق سامية بعريها وخوفها وجمالها ذاهبة الى موت مأسوي نبيل تحرر به نفسها من القيود التي كبلتها كل هذه السنين. في الفيلم ينقل عتيقي القصة من رتابة النص وصمته الى صخب الصورة المدهشة. الحياة اللبنانية في 6 يناير 2006
|