شعار الموقع (Our Logo)

 

 

ثمة استثناء ما في ترشيحات الاوسكار لهذا العام. ويتمثل هذا، حسب اجتهادنا، في تسمية فيلمي "الجبل البارد" و"في امريكا " للتسابق على نيل جوائزها. فليس من المألوف ان يتسع صدر اللجنة لأحتضان أكثر من فيلم لسينمائيين، من خارج حدودها، يقدمون فيها منظورا مختلفا لأحداث تاريخية شهدتها بلادهم، أو تتناول حيوات أناس عاشوا فيها.

 

الحرب الأهلية الامريكية ..

كما رأها الانكليزي انطوني مانغيلا 

            كتب المخرج الانكليزي مانغيلا سيناريو فيلمه "الجبل البارد" اعتمادا على رواية، تحمل نفس الاسم، لتشارلز فيرزاير، والتي تدور احداثها حول الحرب الاهلية الامريكية. وأعتمد على طاقم مختلط من الممثلين الامريكيين والاوربيين، كما صور معظم مشاهده في سهول رومانيا، فالفيلم ليس امريكيا خالصا، لا بكادره ولا بشكل المعالجة السينمائية لقصته التي خرجت عن النمطية الهوليودية، الجاهزة، في تحديد ملامح وهويات الشخصيات السينمائية، ونقصد هنا بالتحديد: شكل التصعيد الدرامي التقليدي، ووصم الشخصيات الثابت، فيبقى الشرير شريرا ويخسر، ويظل الطيب طيبا ودوما النصر حليفه النهائي. في هذة الحرب المروعة لا تنحصر المأساة على سوحها فقط، بل تدخل عميقا في كيان المجتمع وهيكيليته السياسية. فالبطل اينمان ( جاد لو ) لم يكن سيئا، ورغم ذلك قتل في النهاية على يد اصحاب النفوذ الاقتصادي في منطقته الجنوبية والذين تولوا مهمة تجهيز الجيوش بوقودها البشري وتشكيل ميليشيات لمطاردة الفارين من أتون حربهم المجنونة. ستغير هذة الحرب احوال الناس وتجبر الشابة المنعمة آدا ( نيكول كيدمان ) على تغير اسلوب حياتها السابقة، ستتخلى عن كل عاداتها الراقية من العزف على آلة البيانو وأرتداء الملابس الانقية وغيرها الى الاعتماد على نفسها في زراعة الأرض وحصد غلتها، وسترضى بالعيش مع فلاحة مساعدة، فضة السلوك ولكنها طيبة، علمتها قسوة ابيها وأهماله لها ان تتشبث بصخور الجبل للحصول على لقمة عيشها، مثل عنزة برية، كما كان يصفها ابيها السكير. حتى هذا الأخير غيرت الحرب سلوكه وخففت لاأباليته. لقد أشتغل مانغيلا على تقديم جهتين من مسار الحرب. الاولى مدنية تمسها الويلات بطريقة غير مباشرة وأخرى دموية، بشعة يعيشها الجنود، ومنهم الجندي اينمان الذي ترك حبيبته في قرية "الجبل البارد" وهو بالكاد قد بدأ التعرف عليها. على هذة الجبهة البعيدة سيبذل مانغيلا كل جهده السينمائي ليجسد قساوة الحرب في شريطه: كتل بشرية ممزقة وصفوف من الجنود متصارعة فيما بينها دون رحمة، يلفها دخان المدافع وتطمرها الوحول المجبولة بدمائهم. في غمرة هذا العذاب وبين لحظات التوقف الحذرة، كان اينمان يقرأ رسائل حبيبه، التي تصف فيها له مشاعرها باقتضاب، كزمن الحب في وقت الحرب. اشتياقه لحبيبته سيدفعة للهروب من الجبهة، سيشهد في طريقه اليها اهوالا وصعابا ليست اقل هولا من الحرب نفسها، هذة المرة سيواجه بشاعة الناس وقساوتهم التي بينتها الحرب وزادت منها. رحلة العودة/الهروب ستأخذ معظم مشاهد الفيلم وفيها تتجلى أكبر القدرات الفنية المستخدمة فيه، أي التصوير والتمثيل، فأدارة هذا الحشد الكبير من الممثلين تثير الاعجاب وتعكس قدرة المخرج المتميز على الأمساك بالخيط الدرامي الرابط لهم، في ذات الوقت، أستثماره لقوة التعبير التصويرية لتقريب العمق الانساني والدراماتيكي لعلاقة اينمان وحبيبته آدا وسط هذا المناخ المتمزق، يعد فصلا مكتوبا بلغة سينمائية راقية. من أختلاف العلاقة وتناقضها بين مفهومي الحب والحرب طور مانغيلا فيلمه عن حرب الجنوب والشمال الامريكية. ومن قدرته على خلق المناخ الديناميكي لابطاله ولأحداثها ميز عمله عن التحفة السينمائية "ذهب مع الريح". فالتقارب الشكلي بين الفلمين موجود بوضوح، ولكن التناول مختلف بوضوح أكبر. ولو نجح مانغيلا في شد الأواصر الدرامية بقوة أكبر بين شخوصه والاحداث التي مرت بهم لجاء فيلمه افضل بكثير مما هو عليه، أو لدنى من رائعته السابقة " المريض الانكليزي" والذي حصل بفضله سابقا على جائزة الأوسكار لأفضل مخرج.  

 

فيلم " في امريكا".. تجربة

الايرلندي جيم شيريدان في نيويورك 

امريكا، سنشاهدها من منظور معاصر، اخر، مختلف قدمه المخرج الايرلندي جيم شيريدان في فيلم يحمل أسم سهل يعكس روح التجربة "في امريكا". كتبت قصته وسيناريوه ابنته نعومي، نقلت فيه جزءا من قصة حياة عائلتها الايرلندية المهاجرة الى امريكا ونشأتها فيها. لقد منح السيناريو" العائلي" لشيريدان الأب سهولة كبيرة في رسم الخطوط الاخراجية لفيلمه، فجاء كحتوتة انسانية مست بدرجات متفاوته تجارب اغلب المهاجرين الى هذا البلد وعكست ملامح تجربة خاصة سجلتها عائلة شيريدان بمنجز سينمائي مهم.

الرؤية المختلفة في هذا الفيلم تكمن في النظرة الى العلاقة بين الزنوج والبيض، وبين الامريكيين والمهاجرين الجدد. فحكاية الفيلم التي تسرد هجرة عائلة ايرلندية مكونة من زوج وزوجة وطفلتين الى نيويورك عبر الحدود الكندية بحثا عن عمل ومستقر جديد يعوض فقرهما، سرعان ما تأخذ بعدا انسانيا أخر تتكشف فيه النوازع الحقيقة لهذة الهجرة، ودور الناس الذين سيحكتون بهم في تقرير مصيرها. بالتدريح سنعرف ان العائلة الصغيرة تعاني من عقدة فقدان طفلها الصغير بمرض السرطان. وان الشعور العالي بالذنب هو الدافع الحقيقي لتركهم بلادهم. ومثل كل مهاجر جديد يحتاج الى مساعدة، ستحتاجها أيضا عائلة جوني. وستأتيهم على غير المتوقع من السود. من شخصيتين، محورية وهامشية. الاولى يجسدها الفنان التشكيلي الزنجي الذي يقطن في نفس العمارة البائسة والمليئة بالمدمنين والعاطلين عن العمل. والاخرى من العاملة في محل لبيع الحلويات، التي تقدم المساعدات وترعى الأطفال في الاوقات العصيبة من حياة العائلة المضطربة. يقدم لنا شيريدان في بداية الأمر، الفنان الزنجي، كشخص غامض ومثير للريبة، وهي انعكاس للنظرة المسبقة الحكم التي يحملها الأب جوني ( بادي كونسيدين) والذي يخشى من اذيته لطفلتيه. الكاسر القوي لهذا الخوف يأتي من الطفلتين، اللتين سرعان ما تقتربان منه وتدخلان بيته دون خوف ووجل وبدرجة أقل أمهما سارا ( سامانثا مورتون). عبر هذين السلوكين يحاول المخرج كسر الحواجز القائمة بين النظرة الخائفة والأخرى المنفتحة البريئة. لأنه سرعان ما سيقدم رؤية واضحة ومختلفة تماما لهذا الموضوع الشائك، تتلخص: في امريكا هناك سود هم أكثر عونا وطيبة من بعض البيض. الحكم هنا بالتجربة وليس بالتوازن السينمائي الذي يجبر على تقديمه الكثير من المخرجين الامريكيين، والذي يأخذ طابعا شكليا، وأحيانا وخارج ارادتهم، ينكشف دوره المعمول لتجنب تهمة التمييز العرقي التي قد توجه الى بعضهم إذا ما قدموا صورة تفضيلية للأبيض على الأسود. عكس شيريدان، فهو يقوم هنا بدور مترجم، لتجربة أبنتيه. اللتان جسدتهما سينمائيا الأختان كريستي واريل ( سارة و أيما بولغر ). تجربة تعرفوا فيها على فنان زنجي يعاني من مرض مميت، سيلعب دور الساحر في ابعاد شبح تمزيق وضياع عائلتهما البيضاء. بل سيتحول في نهاية الفيلم وبعد موته الى مرهم يشفي جراحهم النفسية في المهجر الأمريكي. وستقف العاملة السوداء بالضد من موقف ادارة المستشفى التي تطالب وتهدد الأب الفقير بدفع ثمن علاج زوجته ومولوده الجديد قبل الخروج منها بأي شكل. ستقف بالضد من مدمني المخدرات البيض الذين سيهددوا حياته. هذا المنظور الانساني والخالي من أي موقف عنصري سيفرض سؤاله علينا.. هل قدمت حقا السينما الامريكية، على طول مساحة انتاجها، زنوج امريكا كما هم عليه في الواقع، مثلما قدمت الهنود الحمر سابقا؟

موقع "إيلاف" في  29 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"الجبل البارد" و"في أمريكا" ضمن ترشيحات الأوسكار:

رؤيا سينمائية لأمريكا وتاريخها من خارج حدودها

قيس قاسم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقال ذات صلة