شعار الموقع (Our Logo)

 

 

كان و ما يزال على العراق و العراقيين أن يدفعوا ثمنا باهضا جراء السياسة الغبية- الإجرامية للنظام السابق و رئيسه المخلوع. ثم أصبح على بعض الدول أن تدفع أيضا ثمنا و لو أقل تكلفة، جراء تحالفاتها الدولية و تطلعها لبعض المنافع الاقتصادية و السياسية.

وبما أن مثل هذه المنافع لا يمكن تحقيقها بدون المساهمة العسكرية كعربون لإثبات حسن النية من جهة و الولاء للاعب الدور الرئيس في المعادلة العراقية و العالمية من جهة أخرى، قامت تلك الدول، كل حسب طاقتها و إمكانياتها، بتنفيذ الأدوار الموكلة لها. تعتبر بولندا إحدى دول "التحالف" التي تسعى أن "تكون وفية لالتزاماتها الدولية" حسبما عبر عن ذلك رئيسها الكسندر كفاشنيفسكي قبل شهور، و أن تعمل ما بوسعها.

ماذا بوسع بولندا أن تقوم به على الصعيد العراقي؟ منذ عدة شهور و البولنديون منهمكون في حوار يهدف لإيجاد جواب على هذا السؤال.

غالبيتهم تعتقد أن على البولنديين تكثيف جهودهم في مجالي الثقافة و الاقتصاد.
إن تجربة بولندا في حقل الثقافة غنية و عميقة و نعتقد أنها يمكن أن تزجي للعراقيين خدمة لا يمكن حتى للأمريكيين أن يقوموا بها، فيما لو استفاد منها العراقيون. بالمناسبة على العراقيين أن يستغلوا الوضع الدولي المواتي لهم حاليا قبل فوات الأوان لإعادة بناء بلدهم.

علينا أن لا ننسى دور الفنانين و المثقفين البولنديين أثناء الأربعينيات و ما بعدها في تطوير الحركة التشكيلية العراقية المعاصرة، ربما سنعود لهذا الموضوع لاحقا. مساء يوم الأربعاء المنصرم (18.02.2004) دعيت لمشاهدة حلقتين من مسلسل فيلم"babilon. Pl" الوثائقي المعد لحساب هيئة الأفلام الوثائقية في التلفزيون البولندي القناة الأولى و وكالة PRS.

أُعِدّ السيناريو وفقا لفكرة السيدة دوروتا روشكوفسكا(Dorota Roszkowska) بالاشتراك مع السيد ياتسيك كَفيزداوا (Jacek Gwizdala)، و قامت مجموعة من الفنانين البولنديين بإخراجه و تصويره، نذكر من بينهم: فويتشيخ ماتشيييفسكي(W. Maciejewski) و كشيشتوف كالوكين ((K. Kalukin. أعد له الموسيقى سوافيك فيشخوفسكي(S. Wierzchowski).و عمل مونتاجه مارتشين باستكوفسكي(M. Bastkowski). جرى عرض الفيلم في سينما (مورانوف) في وارسو و هي دار لعرض الأفلام الممتعة و التجريبية. يقوم الفيلم على فكرة تعتمد على احتكاك البولنديين المباشر بالعراقيين، من خلال إدارتهم للقاطع الأوسط الجنوبي في العراق ضمن" قوات التحالف".  يقدر عدد البولنديين المتواجدين في العراق في غضون الأشهر الأخيرة بالآلاف من عسكريين و مدنيين من ضمنهم صحافيون و رجال أعمال و أطباء و ممرضات و رجال آثار. تتابعهم الكاميرا منذ لحظات إقامتهم الأولى، حيث نتعرف على حياتهم اليومية و معاناتهم الناجمة عن ابتعادهم عن أسرهم و وطنهم، و عن المخاطر التي تتربص بهم في بلد ذي مناخ صعب و غير مستقر بعد. نتعرف على مشاعر أفراد أسرهم من الزوجات و الأطفال و الآباء و الأمهات الذين يعانون بسبب الفراق المفروض عليهم. يقدم الفيلم مشاهد لإعادة إعمار العراق بعد الحرب و مساهمة البولنديين فيها، ثم كيف يتعامل العراقيون مع الواقع الجديد. يحاول الفيلم أن يجيب عن أسئلة حيوية و مهمة، لم نعثر على أجوبتها بشكل متكامل و واضح، أسئلة من قبيل: هل سيتقبل العراقيون الحرية المنقولة لهم بأيد أجنبية؟ هذا الفيلم كما ورد في الدعوة يدور حول "تأثير السياسة العالمية على مصير البولنديين و كيف يساهمون في تشكيل العالم المعاصر". لكننا نرى مشاهد مروعة عن بؤس قطاعات واسعة من العراقيين، عن كفاحهم اليومي المستميت في كسب رزقهم و المحافظة على  ذويهم و ممتلكاتهم. مشاهد من بلاد أقامت الدنيا و لم تقعدها بعد! مشاهد تبين إصرار غالبية البولنديين على مساعدة العراقيين في محنتهم و جزع نفر منهم بسبب ما يرونه من فوضى و ظروف صعبة.

نلاحظ أيضا نفاد صبر الناس و عصبيتهم، فهم يستعجلون في كل شئ، كأن القيامة ستحل غدا. طبعا، من يستقرئ واقع الحال، لا يشك في أن ما يراه إنما هو علامة على الانحطاط الذي آل إليه العراقيون. فبعد أن سُحقت أرواحهم و عقولهم هدرت حقوقهم من قبل قوى متخلفة عمياء ماحقة تحكمت بمصائرهم لعشرات السنين. أغلب المشاهد تدور ما بين بابل و قصر الطاغية الذي أصبح مقرا للقوات البولندية و ما يحيط به من بيوت هي في الواقع أطلال لرسوم دارسة! أزقة قذرة، بيوت لبشر من عصور منقرضة بوجوه مُصْفَرّة  شاحبة و نظرات منطفئة. ثم تتسع مساحة التصوير لتشمل أحياء و مناطق سكنية أخرى من بابل و المناطق المجاورة لها. كما و يكشف لنا الفيلم مشاهد حية للجريمة المنظمة و لعصابات مافيوية مجرمة و لأعمال إرهابية و تخريبية. المعادل الموضوعي لكل هذا الخراب يكمن في الشيء الذي يسر الناظر فيما نراه من إصرار عجيب يستشري في صفوف هؤلاء الناس على تجاوز المحنة، مصحوب بغريزة رهيبة للبقاء على قيد الحياة. هذه بعض الإشارات التي يمكن الخروج بها من مشاهدة هذا الفيلم، و إذا ما أضفنا إليها الخراب الروحي الذي يراه المشاهد و الذي عم الفرد العراقي، نستطيع القول إن هذا الفيلم البولندي، رغم بعض التسطيح الذي يرافق بعض تقاسيمه الناجم عن ضعف السيناريو، وثيقة حية مثيرة على شعب حيّ ينزف على مذبح الحرية الموعودة.

موقع "إيلاف" في  23 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم وثائقي عن العراق

هاتف جنابي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة