شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تبدأ أولى مشكلات "رؤى حالمة" بعنوانه الذي يعاني من لغو بتكرار المعنى الواحد مرتين, وكان يمكن الاكتفاء برؤى أو أحلام (ما معنى البيـضة البيضـوية؟!) عـلى رغم ان حـظ الفيلم من الكوابيس أكبر من الاحـلام, الفيـلم كـابـوس طـويل لبطـلتـه (نموذج المرأة المضطهدة)؟ والعنوان لا يعكس مضمون الفيلم تماماً وربما كانت عناوين أخرى أولى به مثل: "مذكرات صبية" أو "شقاء نسوة" أو "اسم الشوكة" (على طريقة امبرتو ايكو في العناوين؟) أو أي عنوان آخر...

لا شك في ان الاحلام التي تقصدها المخرجة هي الطموح الى مستقبل افضل لبطلة الفيلم وتبدو ملامح السيرة الذاتية واضحة في حكايته لكن حكاية المرأة السورية والعربية عموماً. وهي تستدعي الحديث عن مشكلة الفيلم الثانية وهي انشغاله بوظيفته فهو ملتزم بقضية وطنية, بالمضمون الكبير, ويمكن ادراجه ضمن سينما المرأة وكذلك ضمن السينما الوطنية او السينما الجادة او سينما القضية, هو أمر بسيط على فكر كل المخرجين السوريين بدرجات متفاوتة (محمد ملص, عبداللطيف عبدالحميد, سمير ذكرى, أسامة محمد, ريمون بطرس...) وكل هذا مشروع ولا غبار عليه. (الذي عليه غبار هو هذا الانشغال (الطبي او الاصلاحي) بمعالجة مشكلة اجتماعية ووطنية وابتلاع الايديولوجي للذاتي). وقد تم من خلال ادوات نمطية. فالفيلم نمطي بامتياز: الحكاية نمطية عليها كومة غبار (صبية من اسرة متوسطة تحمل تناقضاتها وتعاني من أب مستبد وتقرر الهرب من بطش الأب تاركة رسالة تخبره فيها انها خارجة للدفاع عن لبنان... الخلفية الوطنية في الاستعادات موجودة ايضاً في موت عبدالناصر والهزائم العربية). الأب المستبد نمطي والأم المسكينة نمطية والمثقف القوال نمطي. الابن المسكين نمطي, العاهرة نمطية... الفيلم يمكن ان يذكر بأفلام عالمية كثيرة أميركية وهندية وتركية وعربية... لكن من الأولى رده الى قيم من الذاكرة القريبة ومن الحارة (حارة السقايين) نفسها: فيلم "ليالي ابن آوى". الأب ضابط متقاعد في كلا الفيلمين ويعانيان الازدواجية بين المظهر والجوهر بين السلوك والمثال.

المرأة في الفيلمين هي التي تدافع عن الأسرة (الصبية في "رؤى حالمة" تنفق على الدار وتهب للدفاع عن لبنان الشقيق) "رؤى حالمة" نسخة مدينية لفيلم "ليالي ابن آوى" الريفي مع الفارق الفني وسبق الريادة والخبرة طبعـاً ومهـارة الاشتـغـال بخيـط الذاكرة الشخصية على القماشة الوطنية.

يمكن ان يثير هبوب البطلة للدفاع عن لبنان اشكالية فكرية فهو يتم في ظروف غير صحية نتيجة عـسف الأب - مع تأكيد السرد على عشق البطلة للقضية - اي في ظروف غير صحية, الاشكالية الثانية ان البطلة (البطولة بمعناها الايجابي) تغرم بحبيبها وحلمها (باسل خياط) في كباريه وهو أمر يثير إشكالية اخـرى لبـطلة طهرانية حالمة. حتى الضـوء الذي يظهر للبطلة الهاربة او المتطوعة للدفاع عن لبنان (الشقيق) في آخر النفق الجبلي الذي لجأت اليه هو ضوء نمطي (في آخر النفق) ويذكر بالمقولات التبشيرية الاكاديمية عن الواقعية الاشتراكية.

لا بد من الاشارة الى تقنية الفلاش باك العتيدة البائدة التي لجأت اليها المخرجة في حل مشكلة (المواصلات) بين الماضي والحاضر لرسم لوحة عريضة, وهي تقنية يصفها الناقد والأكاديمي الهوليودي سيد فيلد بأنها تعني وجود مشكلة في السيناريو وينصح المخرجين والكتاب بالابتعاد عنها. يبقى القول انه الفيلم الأول لمخرجة سورية جديدة وهو يعج بالرموز و لا يخلو من بصريات طارئة (الكوابيس مثل ثوب الحيات التي كانت الام تخوف بناتها به) لكن زقزقة واحدة لا تصنع ربيعاً. ولا يفوتني الإشادة باداء الممثلات نادين سلامة, ريم علي ورجاء قوطرش والتمنيات لصانعة الفيلم بأفلام خالية من كوليسترول الايديولوجيا.

"فيلم هندي" لمنير راضي

ينطلق هذا الفيلم من قضية أيضاً, لكنها تأتي في الخلفية, القضية ذائبة في الفيلم كما السكر في كوب الشاي. القضية هي (الطائفية المستجدة في مصر وغيرها من الأقطار العربية) مخبأة وراء معنى انساني, وراء معنى الصداقة الحميمة بين سيد (أحمد ادم) المسلم وعاطف (صلاح عبدالله) المسيحي. أحمد يعمل حلاقاً في محل أبيه وعاطف في تركيب الأطباق اللاقطة وكلاهما متأخران في الزواج. سيد يحب عايدة (منة شلبي) وعاطف يعثر بعد مشقة على ماري (رشا مهدي) التي تعاني من انفضاض الخطاب عنها. تبدأ الأزمة والعقدة عندما يعثران على الشقة نفسها, شقة عش الزوجية, وهي شقة "لقطة" ويصعب التفريط بها. يتعرضان إلى ضغوط من الخطيبتين الأنانيتين للاستئثار بها لكنهما يتبادلان التضحية بالشقة وتكون نتيجة لذلك انهما يفقدان خطيبتيهما ويحتفظان بصداقتهما فالصداقة في الفيلم أعلى قيمة من المادة ومن الحب أيضاً؟!

المقولة الفكرية النقدية التي قيلت عن فلسفة هيغل (التي كانت مقلوبة فاقامها ماركس على قدميها) تنطبق على منير راضي الذي أقام الفيلم الهندي - المشطوح في شوارع المصادفادت والعواطف المفتعلة - على قدميه بتوفير عنصر الإقناع لأحداث ووقائع الفيلم.

ما الذي يجمع فيلم منير راضي المصري مع الفيلم الهندي حتى سماه به؟ إذا كان في الفيلم رقصة واثنتان فهي رقصات بسيطة. الأغاني وهي أغان تذاع من مسجلة غالباً وسيد مطرب شعبي وفاشل ويأكل العلقات في الموالد والأعراس. وهو خال من الاستعراض بمعناه المعروف بل أن الأفلام المصرية في السبعينات اكثر هندوستانية منه بكثير. والأبطال - ذكوراً واناثاً - غير وسيمين مثل الأبطال الهنود, انهم يشبهوننا, وسامتهم داخلية, لا قصور ولا حدائق غناء ولا بهرجة ولا زينة. والبطلان يتساويان في البطولة. ليس بينهما شيبوب فكلاهما عنترة, وليس كما في الأفلام الهندية حيث مساعد البطل دائماً مسلم. الرقص و الاستعراض في حدهما الأدنى. بقي المعنى الكبير لأمثولة الصداقة الذي طالما تم تناوله بوليوديا في السينما الهندية. الفيلم ينمو ويترعرع برشاقة متغذياً بحواراته الذكية وبروح الظرافة المصرية العريقة والملاحة الكوميدية النقية والشعبية.

يشك بوجود بعد درامي مهدور في الفيلم, ربما بجرعة الكوميديا الزائدة, أو بأداء احمد ماهر السيـاحي (والممتع) مع الحياة. وقد تساءلت ماذا لو أدى عادل امام الدور بملامحه (التاريخية) التي ترواح بين المأساة والملهاة. تاريخ الممثل يدخل أحياناً كعنصر مساعد في الفيلم نفسه. ملاحظة هامشية أخرى حول الأغنية التي يؤديها سيد أمام المذيع طارق لاقناعه بإظهاره في برنامج تلفزيوني شهير حتى يأخذ فرصته في الظهور فهي تؤدى كما في الأفلام الهندية فمصدر الموسيقى (خيالي) او داخلي. في بقية الأغاني هناك فرقة (في الأعراس أو المسجلة كما في صالون الحلاقة ؟) والفيلم يبني اكثر مشاهده كوميدية عليه وهو مشهد انطلاق سيد بمكبر الصوت في الشوارع داعياً الناس لمتابعة أغنيته في البرنامج الذي لن يظهر.

أذاً لا معجزات في الفيلم. المعجزة الوحيدة هي في قلب الإنسان. وكان يمكن لصناع الفيلم تقوية حيثيات تبرير تخلي عايدة عن سيد, عنصر الإقناع فيه خفيف برفع شأن صاحب الميكرو الذي يظفر بالزواج منها (غنى, شباب...) أو زيادة الضغوط الحياتية على عايدة, ضيق المكان, قطار العمر السريع... التصوير (رامي ماهر) هادئ ويخلو من التوتر ويتناسب مع رقة الفيلم وعذوبته. الضوء والظل طبيعيان ويتناوبان المهمة بلا إسراف فعين المشاهد مرتاحة ومنصرفة إلى الكوميديا, ملاحظة ثالثة تتعلق بالمفاجأة التي يحدثها تدين عاطف المسيحي المفاجئ في المشاهد, ربما بسبب انتشار ما يسميه البعض بالأصولية الإسلامية وآخرون بالصحوة الإسلامية, ولتدين عاطف تفسير منطقي فالأقلية عادة اكثر تمسكاً بثقافتها وهويتها.

ختاماً: سلام مربع لمنير راضي وهاني فوزي على "مش فيلم هندي" الممتع.

جريدة الحياة في  20 فبراير 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

المضمون الوطني بين "فيلم هندي" و"رؤى حالمة"

أحمد عمر

مقالات ذات صلة:

"رؤى حالمة" أول فيلم طويل بتوقيع واحة الراهب ـ لقاء مع المخرجة