أول ما يلفت إنتباهنا في فيلم
(حلق حوش ـ 1996) هو الثنائي الكوميدي محمد هنيدي وعلاء ولي الدين في أول
بطولة مطلقة لهما، بعد أن قدما العديد من الادوار الثانوية المساندة.
يقومان بالبطولة أمام ليلى علوي. وفيلم (حلق حوش) من إخراج محمد عبدالعزيز.
في البدء لا بد من الاشارة الى أن السينما الكوميدية تحتاج الى دماء جديدة
باستمرار، حتي تستطيع أن تحافظ علي مكانتها في قلوب الجماهير. ومما لاشك
فيه بأن هناك طاقات كوميدية جديدة نجحت في شق طريقها الى قلب الجمهور. من
تلك الطاقات يؤكد الثنائي محمد هنيدي وعلاء ولي الدين في كل دور يقدمانه
قدراتهما على الاضحاك حيث تزداد شعبيتهما من فيلم الى آخر، بقض النظر عن
نوعية الفيلم أو مستواه. وتأتي أهمية فيلم (حلق حوش) كونه يعهد بالبطولة
الكاملة لهذا الثنائي أمام نجمة متألقة ومحبوبة هي الفنانة ليلى علوي. بعد
أن كانا يقومان بأدوار مساندة ثانوية الى جانب الاسماء اللامعة التي تحمل
الفيلم علي عاتقها.
يحكي الفيلم عن ثلاث شخصيات رئيسية.. وهي شخصيات هامشية تعيش فوق سطح إحدى
العمارات الذي يطل على دار سينما صيفية. نتابعهم يسعون جاهدين للبحث عن
عمل يساعدهم في الحصول على لقمة العيش، إلا أن سوء الحظ لا يفارقهم.
أحدهم إسمه فرج (محمد هنيدي) وهو يتمتع بقدرات تتيح له الحصول على عمل،
لكن ردود أفعاله الحادة وتصرفات صديقه وزميله السابق في الاصلاحية حسونة
(علاء ولي الدين) غالباً ما تؤدي الى طرده من العمل. وهما صديقان لا
يفترقان، حسونة شديد التعلق بفرج ويتسبب بصراحته الزائدة أحياناً أخرى في
الكثير من المواقف والمشاكل الحرجة، مما جعلانا نتذكر الثنائي العالمي
الشهير (لوريل وهاردي) النحيف والبدين، واللذان نجحا منذ عهد السينما
الصامتة في تكوين ثنائي كوميدي قوامه المفارقة الظاهرة بين الاثنين، في
الحجم ومستوى الذكاء.
أما الشخصية الثالثة شادية (ليلى علوي) فهي فتاة جميلة يطاردها الجميع
ويطلب ودها، ولكنها كأبنة بلد واعية تعرف كيف تدافع عن نفسها. وتبحث هي
الاخرى عن لقمة العيش ولكن في إطار أحلام اليقظة التي تعيشها مع أبطال
وبطلات الافلام التي تشاهدها من على السطح، مما يعرضها لمواقف ومآزق
متعددة. وبالتالي فهي تعيش في الخيال، مضيعة عمرها في الاوهام، هرباً من
واقع حياتها المرير تحلم بفرصة ثراء مفاجيء يجيئها هبة من السماء.
هذا الثلاثي الذي تربطه علاقة جوار متينة بصفتهم يعيشون جميعاً على سطح
واحد.. يشتركون فيه مع أم بيسة (ماجدة الخطيب) وهي أرملة مكافحة تعمل
بائعة ذرة أمام بوابة إحدى دور السينما لإعالة نفسها وإبنها الصغير،
وتعتبر نفسها الأم لهذا الجمع كله، والناصحة والمرشدة والصديقة الحكيمة
التي تحاول أن تعوم على سطح هذه الحياة القاسية التي أصبحت لا ترحم أحداً.
يقرر الرفاق الثلاثة، بعد أن أعيتهم الظروف، وفشلت مشاريعهم جميعاً، أن
يقوموا بسرقة بنك صغير.. مقلدين فيلماً أجنبياً شاهدوه بالسينما الصيفية
التي يطل عليها سطحهم، يدور حول عملية سطو على أحد البنوك.
في فيلم (حلق حوش) نتابع مشاهد متلاحقة على شكل إسكتشات فكاهية تختلط فيها
الكوميديا بالنقد الاجتماعي الخفيف. إلا أن هذه الاسكتشات ينقصها الكثير
من التوازن والانسجام. صحيح بأن بعضها وصل الى درجة من الاتقان كمشهد
الغناء في الكباريه، إلا إن ذلك لا يستمر، خصوصاً عندما يقرر الثلاثة
القيام بمغامرتهم بسرقة البنك، حيث يتحول الفيلم الى مزيج غير متناسق من
الفانتازيا والكوميديا، بهدف الاضحاك فقط وبأي شكل من الاشكال، دون تقديم
أي فكر ودون مراعاة لأي منطق درامي سليم.
وحديثنا هذا، يحتم علينا الاشارة الى تلك الافلام الكوميدية الراقية التي
قدمها الفنان الكبير فطين عبدالوهاب. أفلام جميلة وهادفة إعتمدت على
سيناريوهات كتبها نخبة من الكتاب المتميزين أمثال أبوالسعود الابياري وعلي
الزرقاني وسعدالدين وهبة. وإعتمد بعضها على مؤلفات أدبية لتوفيق الحكيم
وإحسان عبدالقدوس ومحمد التابعي ويوسف السباعي. كانت في معظمها تعكس وعياً
حقيقياً بمتطلبات الفيلم الكوميدي ودوره الاجتماعي والانساني والفكري بل
والسياسي أيضاً.
وهذا بالضبط ما ينقص السينما الكوميدية في الوقت الحاضر. هذه السينما التي
تعاني من ندرة في العناصر الفنية المميزة للفيلم الكوميدي خاصة في مجالي
كتابة السيناريو والاخراج. علماً بأن الافلام الكوميدية تشكل حيزاً كبيراً
في مسيرة السينما المصرية.
والمخرج محمد عبدالعزيز يشكل علامة هامة في مجال الكوميديا، فقد اعتبره
النقاد خليفة للراحل فطين عبدالوهاب. فمنذ بداية مشواره الفني في
السبعينات حقق إنجازات في الكوميديا الاجتماعية رسخت إسمه في عالم السينما
الكوميديا. هذا بالرغم من أنه في الثمانينات قد إتجه الى الميلودراما
والدراما الاجتماعية. وها هو مرة أخرى، يعود الى الكوميديا بفيلم (حلق
حوش). وفي فيلم (حلق حوش) حاول محمد عبدالعزيز، بخبرته في الكوميديا
ونظرته الواعية لها، حاول التغلب على السلبيات التي إحتواها السيناريو،
بل وأعطى شيئاً من التوازن الضاحك، بالرغم من حبكة السيناريو وبنائه
الضعيف.
لقد قدم السيناريو في جزئه الاول كوميديا إجتماعية زاخرة بالشخصيات
والمواقف الضاحكة، راصداً مجموعة من الهامشيين البسطاء، في حياتهم دائما
عناصر جوهرية للدراما الجيدة، كان على كاتب السيناريو فقط أن يستثيرها كما
ينبغي. فبدلاً من أن يوسع السيناريو نظرته الى عالم الهامشيين والعناصر
المساندة لإنحرافهم تجاه الجريمة، نراه يقدم مواقف مفرغة تماماً من أي
مضمون إجتماعي حقيقي، أو من أي لمسات كوميدية تعوضنا عن الفكر المفقود.
وبالتالي لم ينجح كاتب السيناريو في رسمه للشخصيات التي بدت ضعيفة وغير
مقنعة في تصرفاتها. كذلك المواقف والمشاهد التي بدورها لم تساهم في تقديم
مستوى فني وفكري واضح. |