(الطائرة المفقودة) هو الفيلم الاول لمخرجه أحمد النحاس، وهو محاولة لكسر الموضوعات المكررة في السينما
المصرية. فكرة الفيلم تتحدث عن إنعزال مجموعة من الناس في مكان واحد،
وتحت ظروف صعبة واحدة.. وهي فكرة شاهدناها كثيراً في المسرح والسينما في
مصر. ففي المسرح شاهدناها في مسرحية (سكة السلامة) كتبها سغد الدين وهبة
وعرضت في الستينات. كما قدمت في افلام: البناية، بين السماء والارض،
البداية، التفاحة والجمجمة، نهر الخوف.
وفيلم (الطائرة المفقودة) يقدم لنا شخصيات ونماذج إنسانية اجتماعية متباينة، ويتابع احاسيسها ومشاعرها تجاه الخطر، والخطر هنا هو سقوط طائرة ركاب
مدنية في الصحراء.
في البدء يقدم لنا الفيلم شخصياته وظروفها: الطيار برهان (محمود ياسين)
الذي يعاني من تصدع في علاقته الزوجية رغم انجابه لطفلين، واتجاهه بكل
عواطفه الى المضيفة الفاتنة احلام (سهير رمزي).. وهناك زميلهما مساعد
الطيار (محيي اسماعيل) الذي يدرك طبيعة العلاقة بينهما. ولان الطائرة
متجهة الى الوادي الجديد، وهي منطقة استصلاح اراض زراعية جديدة، وبالتالي
تمثل نمرذجاً لمجتمع جديد، فنحن نرى ان ركاب الطائرة اما مدرس منقول للعمل
هناك (احمد بدير)، او عالم بيولوجي في رحلة للبحث العلمي (فؤاد خليل)، او
طبيبة وزوجها في رحلة عمل، او رجال اعمال ذاهبون للبحث عن او تحقيق اعمال
جديدة هناك، بالاضافة الى مجموعة من الشباب الطموح والهارب من زحمة
المدينة وتعقيداتها، والباحثين في الصحراء عن المستقبل. كذلك الباحثة
الاجتماعية الشابة (فايزة كمال) مع مهندس في مثل سنها، هاربان كل على حدة
من علاقة عاطفية فاشلة.. يلتقيان في ظروف مختلفة في علاقة حب جديدة، لم
يكتب لها النجاح. كما لا يمكن نسيان تلك الممثلة المشهورة القادمة لتوها
من امريكا (رجاء يوسف) ـ منتجة الفيلم ـ والتي لا مبرر لتواجدها في طائرة
متجهة الى مجتمع جديد مازال قيد البناء.
عموماً.. كل هؤلاء هم ضحايا الطائرة المفقودة في الصحراء، والتي من
الطبيعي ان يكتشف مكانها في نهاية الفيلم. وبين الحدثين فقدان الطائرة
واكتشاف مكانها، تقع الكثير من المواقف والمفارقات بين الشخصيات في
محاولاتها للخروج من الازمة. مواقف واحداث محشورة وزائدة احياناً، وساذجة
ضعيفة وغير متماسكة احياناً اخرى، اخفق السيناريو في صياغتها.
الفيلم بمقاييس الحكم على التجربة الاولى للمخرج، ينطوي على بعض اللمحات الاخراجية الفنية الجيدة، لكنه يفتقد الى وحدة الاسلوب. ففي الجزء الثاني
من الفيلم عند خروج ابطال الفيلم الى الصحراء نجد بعض اللمسات الفنية
التشكيلية المعبرة ذات التأثير الجمالي للتكوينات في الكادرات ودلالاتها
التعبيرية. اما بخصوص ما ذكرناه في البداية، من ان الفيلم يعتبر محاولة
لكسر الموضوعات المكررة، فهو حقاً يقدم موضوعاً جديداً، الا انه ليس
جديداً كفكرة، وانما هو موضوع ظلت السينما العربية بعيدة عنه لانه يحتاج
الى امكانيات تقنية وديكورات ضخمة بالاضافة الى التكاليف المادية المرتفعة
جداً. كما ان مثل هذه الافلام تعتمد على اسلوب الاثارة والتشويق اساساً.
لذلك يأتي فيلم (الطائرة المفقودة) فقيراً وغير مقنع في ديكوراته، ولم
ينجح كثيراً في الحفاظ على عنصري الاثارة والتشويق في كل مشاهده. وفي
اعتقادنا انه اذا كان لابد للسينما المصرية من تناول مواضيع كهذه فيجب
عليها توفير الانتاج الضخم اولاً. ولان ذلك غير ممكن في ظل سينما فقيرة
جداً، فعليها تجنب مثل هذه المواضيع والتفرغ امواضيع اخرى اهم واشمل تمس
قضايا الانسان العربي الاجتماعية والسياسية والنفسية. |