فيلم (أيوب - 1984) هو الفيلم المصري الذي عاد به النجم العالمي الكبير عمر
الشريف إلى مصر ممثلاً.. بعد تجوال جاوز العشرين عاماً متنقلاً بين
استوديوهات السينما العالمية، وهو أيضاً فيلم تلفزيوني، اختار به عمر
الشريف العودة إلى جمهوره العربي من خلاله.. واختياره للتلفزيون بالذات
لهذه العودة جاء لإيمانه التام بأن للتلفزيون جمهور عريض وواسع، باعتبار
أنه ضيف دائم على العائلة ويدخل كل البيوت.
وعمر الشريف.. الفنان العالمي الكبير هو الذي اختار قصة الفيلم التي كتبها
نجيب محفوظ وكتب السيناريو لها محسن زايد.. كما أنه اختار أيضاً السينمائي
الشاب هاني لاشين ليقوم بإخراج الفيلم.. علماً بأنه يقوم لأول مرة بإخراج
عمل درامي.. وكانت تربطه بعمر الشريف صداقة فنية، حيث اشتغلا معاً في تنفيذ
أفلام سياحية عن مصر.. ويقوم بأداء الأدوار الأخرى كل من: مديحة يسري، فؤاد
المهندس، محمود المليجي، آثار الحكيم، مصطفى فهمي.
ويحكي الفيلم عن عبدالحميد بك (عمر الشريف)، وهو رجل أعمال هائل الثراء،
قاس وغليظ القلب، ويمثل المركز الذي يلتف حوله دائرة كبيرة من أفراد عائلته
ومعاونيه وأعدائه ومنافسيه الكثيرين وقلة من الأصدقاء.
يصاب عبدالحميد بالشلل، ويصبح عاجزاً حبيس المقعد المتحرك، وتبدأ الدائرة
التي فقدت مركزها في التشتت.. فالابن الذي تعلم من مدرسة والده النرجسية
يدير أعمالاً خاصة به وحده.. والزوجة تعطي بعض وقتها فقط لزوجها وتريد أن
تتأقلم مع أحداث حياتها الجديدة.. ويبدأ هو في العودة إلى ماضيه قبل أن
يصبح عبدالحميد بك المليونير.. يعود إلى أصدقائه القدامى، الذين يذكرونه
بشبابه النقي، يوم أن كان ممتلئاً بالرغبة في خلق مجتمع أفضل.
ما الذي يمكن أن يحدث للعملاق عندما يقع.. إنه لا يستطيع إلا أن يجالس نفسه
ويتأمل بعمق ويكتشف من خلال محنته، مدى الزيف والكذب والنفاق والخداع الذي
كان يعيش فيه، لقد انصرف عنه الأصدقاء وزملاء العمل، فلا وقت عندهم
للوفاء.. حتى أفراد عائلته ساعدهم الزمن في احتواء مشكلته وتحويلها إلى
عادة.
من هنا يقرر عبدالحميد بك، أو أيوب العصر الحديث، أن يفتح أوراقه ويسجل من
خلالها الحقيقة في مواجهة ذلك الكذب، وأن يتيح بهذه الحقيقة للناس الدخول
إلى كواليس عالم المال والأعمال.. وأن يبدأ بنفسه كمثال ونموذج من الإجابة
على السؤال: كيف أصبح مليونيراً؟
وفي هذه المذكرات، والتي يقرر أن ينشرها في كتاب بعنوان "أيوب يفتح
أوراقه"، يعترف بتفاصيل صعوده من وظيفة كاتب حسابات بسيط إلى أن أصبح
مليونيراً.. إنه يتحدث في مذكراته هذه عن كل شيء.. عن التنازلات التي قدمها
على حساب ضميره وكرامته، عداواته وتضحياته بكل شيء في سبيل الوصول إلى
الثراء والنقود.. فهو يروي حقائق مخجلة في حياته تؤثر على كل الذين يحيطون
به، حتى أفراد أسرته.
لقد أراد عبدالحميد أن يروي الحقيقة للناس.. إلا أنه يكتشف حين يشرع في ذلك
أنه قد عاد من جديد لأهميته، إذ أصبح محوراً خطيراً لأحاديث رجال المال
والأعمال الذين سوف تفضحهم سطور هذه المذكرات.
من هنا يثور عليه الجميع، عندما يعرفون بقراره.. ويبدأ الصراع والصدام
قاسياً. يحاولون تدمير المذكرات قبل أن ترى النور، ويحاول هو أن تطبع بأي
ثمن وبأية طريقة، وحتى النهاية.. لتكون معركته الشرسة الجديدة وهو
المشلول.. أما تلك القوى العاتية القادرة على تفتيت أقوى الخصوم.
و(أيوب) فيلم جيد، يثير قضايا اجتماعية ونفسية هامة، وينجح في تفادي الوقوع
في القوالب السينمائية التقليدية المعروفة للسينما المصرية. ولقد التزم
كاتب السيناريو بتتابع الأحداث التي كتبها نجيب محفوظ في قصته القصيرة..
وبقدر ما أفاده هذا الالتزام في أغلب مشاهد الفيلم، بقدر ما تسبب في وقوع
الكثير من الأخطاء. فالأديب الروائي يملك حرية أكثر في الانتقال بين
الأحداث ولا يضيره مطلقاً أن يستخدم الصدفة في حل ما يعوق أبطاله من
مشكلات.. فالصدفة موجودة في الحياة، ولها منطقها في الأدب الروائي.. ولكنها
ليست كذلك في السيناريو الدرامي.. بل أن أكبر عيب يوجه للسيناريست، عندما
يلجأ إلى حل مشاكله بالصدفة.
وهذا هو ما حدث في مأساة البطل في فيلم (أيوب)، الذي يشفى لمجرد أن يرى
كابوساً، فيصبح قادراً على الحركة.. وكان على السيناريست أن يبحث عن
المعادل السينمائي.
أما بالنسبة لشخصية البطل (عمر الشريف) فقد كانت في حاجة إلى دراسة
سيكولوجية أكثر عمقاً.. حيث أن دوافع المرض واليأس من الحياة هي التي دفعته
إلى هذه المواجهة مع النفس.. وكان من المنطقي بمجرد شفائه وعودته للحياة من
جديد، أن يعيد النظر ويعيد حساباته مرة أخرى.. باعتبار أن هذه المواجهة
ستقتله أولاً قبل أن تقتل الآخرين.
لذا كان على السيناريست أن يبين لنا لحظات التردد والصراع الداخلي بين أن
يكتب المذكرات أو لا يكتبها.. وربما أراد السيناريست مزيداً من التعاطف مع
عمر الشريف، إلا أن هذا لم يكن في مصلحة الشخصية كبناء درامي.
وأما الإخراج فقد امتاز بالبساطة والنعومة البعيدة عن التكلف واستعراض
العضلات، فالمخرج هاني لاشين في أولى تجاربه الدرامية السينمائية، نجح في
لفت الانتباه، وتقديم أسلوب بسيط ساعده على تجاوز الكثير من الأخطاء.. حيث
أن أخطاءه لم تزد عن مجرد هنات قليلة لا يدركها المتفرج العادي.. هذا إضافة
إلى نجاحه في قيادة فريقه الفني من فنانين وفنيين.
فقد أدى عمر الشريف دوراً كبيراً يليق بعالميته، وحافظ في شخصيته (أيوب)
على ألا يقع في مأزق الأداء الميلودرامي، خاصة وأن الشخصية تسمح بذلك،
ولكنه ظل حريصاً على ألا يعبر الخيط الرفيع. أما فؤاد المهندس، فقد أدى
واحداً من أهم أدواره على الشاشة، حيث تنبع الكوميديا دائماً من الأعماق،
محافظاً في دوره على روح السخرية المستمرة. افتقد دور آثار الحكيم المكتوب
على الورق للصدق والواقعية.. فلم تستطع أن تضيف شيئاً، حيث غاب الصراع
الداخلي في الشخصية تماماً، والذي يعطي للممثل القدرة على الإبداع والعطاء.
أما المليجي العملاق، فقد افتقدناه حقيقة في الفيلم.. ويبدو أن رحيله
المبكر قبل انتهاء دوره في الفيلم، أدى إلى عدم ظهوره إلا في مشهدين لا
يستحقان موهبته. |