فيلم (المدمن - 1983) بطولة أحمد زكي ونجوى إبراهيم وعادل أدهم، ومن إخراج
يوسف فرنسيس، وهو مخرج عرفه الوسط الفني كفنان تشكيلي وناقد سينمائي وكاتب
سيناريو، قبل أن يعرفه مخرجاً سينمائياً. فقد كتب السيناريو لأفلام (الناس
اللي جوه، أبي فوق الشجرة، بئر الحرمان، الخيط الرفيع)، ثم بعد ذلك قدم
أولى تجاربه الإخراجية في فيلم (زهور برية)، ثم تلاه بفيلم (المدمن، عصفور
من الشرق).
قصة فيلم (المدمن) تدور حول شاب اسمه خالد (أحمد زكي) يذهب مع زوجته وابنه
لقضاء العطلة في الشاليه الخاص به، وفي الطريق يقع لهم حادث تصادم يكون
ضحيته زوجته وابنه، يدخل خالد المستشفى للعلاج، ويضطر الطبيب إلى إعطائه
حقن مورفين حتى يتغلب على آلامه وينسى.
وبعد فترة من العلاج تمنع عنه هذه الحقن، فيهرب طلباً لها نتيجة الإدمان
التام عليها. يقبض عليه خلال حملة على مدمني المخدرات، ويتعهد الطبيب أحمد
(عادل أدهم) صديق والده بعلاجه من الإدمان في مستشفاه الخاص، وتصر ابنة
الطبيب الدكتورة ليلى (نجوى إبراهيم) على علاجه، خصوصاً أن خالد كان زميلها
أيام الدراسة، إضافة إلى أنها تريد أن تثبت لنفسها وللآخرين أنها قوية
وتستطيع التغلب على أزمتها وفشلها العاطفي.
تكون مهمة ليلى صعبة في البداية، لكنها تنجح في علاج خالد من حالة الإدمان،
بل وتظهر بوادر علاقة حب بين المريض والدكتورة، لكن ليلى لا تريد أن تتورط
في علاقة عاطفية ثانية فاشلة. لذلك نراها تضع خالد تحت الاختبار، خارج
المستشفى ومن خلال حياته السابقة. يجتاز خالد هذا الاختبار بعد مروره
بحالات نفسية صعبة، لينتهي الفيلم بلقاء الحبيبين التقليدي.
محتوى الفيلم ينبهنا إلى عنصر هام، وهو اعتبار المدمن مريضاً وليس مجرماً،
وهذا شيء مهم في حد ذاته، أما السيناريو الذي كتبه فرنسيس أيضاً، قد وقع في
مغالطات وإخفاقات أثرت على القيمة الفنية للفيلم. لقد نجح فرنسيس كمخرج في
جعلنا مشدودين إلى ذلك الأداء التمثيلي الجيد من أحمد زكي، ومعاناة الشخصية
التي يؤديها، حتى كاد أن ينسينا كل تساؤلاتنا عن منطقية الأحداث التي أخفق
السيناريو في تصويرها. لقد كان الحوار في بعض المشاهد مكرراً وتعليمياً..
صحيح أن السيناريست قد وفق في رسم شخصية المدمن المحورية، وقدمها بشكل مقنع
وجميل، إلا أنه لم يوفق في رسم بقية الشخصيات. حيث كانت ضعيفة وأقل
تماسكاً. هذا إضافة إلى وجود زوائد كثيرة ليس لها مبرر في الفيلم إطلاقاً.
فمثلاً علاقة الحب أو الاستلطاف التي برزت بين عادل أدهم وليلى طاهر لم تضف
إلى الموضوع أي شيء، بل أضعفت من قوته وتماسكه. أما أن يكون الدكتور أحمد
حريفاً في مجابهة المجرمين عندما يذهب ليسترد حقنة المورفين، فهذا شيء
متناقض كلياً مع مضمون الفيلم ورسم الشخصية. صحيح أن عادل أدهم قد أجاد
تمثيل المشهد، كون الدور ليس بجديد عليه، إلا أن ذلك لا يتناسب مع شخصية
الدكتور إطلاقاً، إلا إذا كان هذا الدكتور له سوابق إجرامية من هذا النوع.
النهاية أيضاً كانت تقليدية، حيث النهاية السعيدة المعتادة في غالبية
الأفلام التجارية المصرية.
أما بالنسبة للإخراج، فقد نجح يوسف فرنسيس، وهو الفنان التشكيلي، في تقديم
لوحات (مشاهد ولقطات) تشكيلية جميلة قوية ومبهرة، واستطاع التحكم في أدواته
الفنية والتقنية بشكل بارز. خصوصاً إدارته للكاميرا التي كانت تحت إدارة
الفنان (مصطفى إمام). فقد شاهدنا لقطات ومشاهد جديدة وغير مألوفة في الفيلم
المصري قبل ذلك. وكانت على مستوى عال من التنفيذ.
في البدء يمكن الإشارة باهتمام إلى توازي الحدث في المشاهد الأولى، توجه
ليلى إلى المطار للقاء حبيبها، حيث نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى بالنسبة
لمسار الشخصية درامياً، ثم توجه خالد مع عائلته حيث يقع الحادث، والذي
بدوره ينقل الشخصية إلى مرحلة درامية جديدة. هذا التوازي يهيئ الشخصيتين
للالتقاء في محور واحد، وهو استعادة قواهما الداخلية، كل على حسب ظروفه.
وفي هذا المشهد بالذات (حادث التصادم) تبرز لنا لقطات قوية، مثل اللقطة
التي جمعت السيارتين قبل التصادم. فقد أخذت بشكل موح ومؤثر من تحت سيارة
اللوري لنرى سيارة خالد وهي تقترب لهذا المصير. كذلك لقطات الكاميرا
البطيئة أثناء الحادث التي أشعرتنا بمدى بشاعة الحادث. هذا إضافة إلى مشاهد
(الفلاش باك) التي كانت منسجمة مع طبيعة الحالة النفسية والدرامية للشخصية
المحورية التي أداها أحمد زكي بتمكن. فقد وفق المخرج في تأكيد قوة الترابط
الأسري والسعادة التي كان يعيشها خالد قبل الحادث. فلم يكن هناك أي قطع عند
الانتقال إلى الماضي، بل أننا نلاحظ اندماج الحاضر بالماضي في لقطة واحد،
تأكيداً على أن هذا الماضي لم ينته حتى الآن، وهو قريب بالنسبة لخالد، بل
هو الحاضر بعينه.
ثم لا ننسى أن نشير إلى أن المخرج قد نجح في إدارة فريقه الفني من فنيين
وفنانين. فقد كانت الموسيقى التصويرية (جمال سلامة) منسجمة إلى حد كبير مع
تصاعد الأحداث وتطوراتها. كذلك المونتاج (سعيد الشيخ) الذي كان موفقاً،
خصوصاً في مشهد الحادث. وكذلك توازي الحدث بين شخصيتي خالد وليلى الذي
جعلنا في تأهب لحدوث شيء ما.
أما بالنسبة للأداء التمثيلي، فقد كان أحمد زكي مذهلاً في دور المدمن، حيث
أتاحت له الشخصية، المرسومة بعناية إبراز القدرات الأدائية والطاقة
التمثيلية لديه. كذلك نجوى إبراهيم، التي عودتنا منذ دورها الأول في فيلم
(الأرض) على أداء أدوار مختارة بعناية شديدة، فكانت مقنعة في حدود الشخصية
المرسومة لها. هناك أيضاً الفنان عادل أدهم، الذي بدأ يختار أدوراً متنوعة
يخرج بها من السجن الرهيب الذي وضعه فيه المخرجون، ألا وهو دور الشرير
والمجرم، فكان أداؤه موفقاً.
يبقى أن نقول بأن فيلم (المدمن) جيد.. بعيد عن الإسفاف. |