فيلم (اللعنة) هو الفيلم الاول للمخرج حسين الوكيل، وبطولة نور الشريف،
مديحة كامل، جميل راتب، عبدالرحمن أبو زهرة، محمد نوح. وهو من إنتاج عام
1983.
عندما عرض هذا الفيلم لاول مرة في القاهرة، إستقبله النقاد بحفاوة وتقدير،
وأكدوا على ان هذا الفيلم يقف وراءه مخرج متمكن قد يضيف جديداً الى مستقبل
السينما المصرية، إلا ان حسين الوكيل، وبعد فيلمه الاول هذا، قد خذل الجميع
ولم يتمكن من الاستمرار (أخرج ايضاً فيلم الانثى) ولم نسمع عنه شيئاً بعد
ذلك، ليصبح حسين الوكيل حالة من حالات فنية كثيرة، تشكل طارئاً فقط على
السينما المصرية.
كتب السيناريو لفيلم (اللعنة) المخرج نفسه، مستوحياً فكرته من فيلم (SHOCK
CORRIDOR) للامريكي صامويل فوللر، إنتاج عام
1963، ومستفيداً ايضاً من قدرات الفنان صلاح جاهين كاتب الحوار.
تدور أحداث الفيلم، في أغلب مشاهده، في مستشفى للامراض العقلية، حيث يدخل
الصحفي (نور الشريف) متنكراً في هيئة مريض خطر، ليكشف السر وراء حوادث
القتل المتكررة في المستشفى، والتي كان آخرها مقتل مريض إسمه «سلومة».
تعترض زوجته (مديحة كامل) في البداية، إلا انها ترضخ أمام إصراره في تنفيذ
خطته هذه. وفي سبيل هذه الخطة كان عله تخطي كل حواجز الخوف وإنتظار الفرصة
الملائمة للقبض على لحظة عودة الوعي الى ثلاثة شهود شاهدوا القاتل. الاول
عانى من الانحطاط الاجتماعي أثناء عمله بالسلك الحكومي، حيث سقط في براثن
الرشوة، ولانه كان غير مستوعب لطبيعة الحتميات الاجتماعية والنفسية التي
أجبرته على قبول الرشوة، لذا فقد عقله وأصبح يخلط بين وضعه كموظف مرتش
ووضعه كمسئول في جهاز الرقابة الادارية. والثاني (عبدالرحمن أبو زهرة) تزوج
من إمرأة لعوب بطبيعتها، بالرغم من قناعاته المحافظة والمتزمتة، إلا انه لم
يستطع مقاومة تطلعاتها الاجتماعية التي إنتهت بها الى إحتراف الدعارة، حيث
تحول تدريجياً من الرفض الى القبول ثم المسايرة فالمساهمة الايجابية. وقد
ولد سقوطه هذا رد فعل عميق وعنيف في نفسه أدى به لحالة من الهوس والخلط
العقلي. أما الثالث (جميل راتب) فهو طبيب ذو نزعة إنسانية نبيلة وشفافة
تعرضت زوجته لسرطان ميؤس منه جعله يحقنها بحقنة الموت، تخليصاً لها من
آلامها الفظيعة، لكنه وقع فريسة للصراع النفسي بين ما أملته عليه الشفقة
وبين الواجب التقليدي للطبيب.
هناك ايضاً شخصية رابعة رئيسية إحتواها الفيلم، وهي ذلك الفنان المحبط
(محمد نوح) الذي يبحث عن كل الاساليب الممكنة لعلاج الارق المستبد بكيانه،
ويبدو شخصاً طيباً إلا انه عاجز عن إستيعاب مفارقات هذه الحياة.
هذه الشخصيات التي مثلت عالم الجنون الرهيب بدهاليزه المخيفة، يحتك به
الصحفي ليتحول بحثه عن الجريمة الى بحث مرهق في إستيعاب غيبوبة العقل
الانساني وإضطرابه، تصل الى إصابته هو نفسه بالاضطراب، في نفس الوقت الذي
تكتمل في ذهنه تفاصيل الجريمة التي دخل المستشفى من أجلها، ليكون قد فقد
توازنه العقلي الى الابد، وليدفع ثمناً باهظاً لمغامرته المثيرة تلك.
لقد نجح السيناريو في رسم وتشكيل هذه الشخصيات المركبة والمليئة بالصراعات
النفسية والزاخرة بمجموعة من الاحاسيس والمشاعر المتناقضة. كما ان هذه
الشخصيات كانت حقاً فرصة مناسبة وجيدة لتقديم مباراة مذهلة وممتعة في فن
الاداء التمثيلي.
وبالرغم مما قيل ويقال عن صعوبة الافلام التي تعتمد على الحبكة
السايكولوجية باعتبارها صعبة المراس والتنفيذ، إلا ان ذلك لم يمنع المخرج
من تقديم هذا الفيلم كأول افلامه، ليس هذا فحسب بل انه حقق نجاحاً متميزاً
في هذا المجال، حيث إستطاع إثارة المتفرج طوال الوقت وإبقائه في حالة ترقب
مستمر. هذا إضافة الى ان الفيلم باعتباره إقتباساً إجتهادياً قد ظهر فيه
أثر العمق الفكري والثراء النفسي في موهبة كاتب الحوار صلاح جاهين، الذي
إستطاع ان يلتقط تفاصيل إجتماعية وسايكولوجية غنية بالدلالات، عبر عنها من
خلال ذلك الحوار الواضح الاخاذ والذكي.
أخيراً.. يبقى ان نشير الى ان المخرج قد أكد، من خلال فيلمه الاول، مقدرة
واضحة في إدارة فريقه الفني من فنانين وفنيين للوصول بالفيلم الى مستوى فني
وتقني جيد. |