حرب تشارلي ويلسون: هل هي حقيقة..؟!
أثناء مشاهدتي لفيلم توم هانكس
الأخير (حرب تشارلي ويلسون)، كانت التساؤلات تلوح
في داخلي.. هل يعقل أن يكون مصير أمة في يد شخص
واحد..؟! وهل صحيح بأن طرد الجنود السوفيات من أرض
أفغانستان كان على يد شخص واحد..؟!
بالفعل.. بل إن الفيلم مع نهاية
أخر مشاهده.. يؤكد بأن حرب تحرير أفغانستان من
الاحتلال السوفيتي في أواخر الثمانينات من القرن
الماضي، جاء تحقيقاً لرغبة شخصية لعضو الكونغرس
الأمريكي تشارلي ويلسون بالارتباط بثرية حسناء من
تكساس.. وإن كافة الأسلحة والعتاد الحربي الذي
أرسلته أمريكا إلى المجاهدين الأفغان ومكنهم من
الانتصار على العدو المحتل، كان وراءه جهود ودوافع
شخصية.
هذا ما يقوله الفيلم.. بل ويؤكده
بالحقائق والأحداث.. ويقول بأن حكاية الفيلم
حقيقية ومأخوذة من كتاب للسيناتور الأمريكي تشارلي
ويلسون.. إذن ليس هناك شكوك في حقيقة الموضوع..
إنها الحقيقة..!!
والحقيقة بحذافيرها كما يرويها
الفيلم، تدور حول هذا السيناتور الأمريكي العابث
والجاري وراء شهواته الجنسية والحسية، حيث يظهره
الفيلم في أولى مشاهده، وهو يتناول المخدرات..
وغارق في ملذاته وسط حسناوات عاريات في الحمام..
ولا يتواني الفيلم من تقديم الإيجابي والسلبي في
شخصية هذا السناتور الذي يحمل الفيلم اسمه.. فهو
إضافة إلى ما تقدم، داعم مهم للإجهاض، ومناهض
للشيوعية، وأنصاره غالبيتهم من السود، وله خيارات
سياسية ليبرالية.. ولكنه في خضم ذلك كله، سيكتشف
ومن خلال برنامج تلفزيوني ذلك الصراع الدائر بين
الأفغان والسوفيت.. نشاهده لا يبالي في البداية،
إلا أن غرامه واشتهائه لتلك الثرية الحسناء (جوليا
روبرتس) التي تضع شروطاً قاسية للحصول على ودها،
يدفعه من الانتصار لقضيتها، وهي جمع المال لمساعدة
نساء الأفغان الواقعات تحت سيطرة الرجعية، ليجد
نفسه متورطاً في هذا الأمر تدريجياً.. ويشارك
الاثنان العميل السابق في وكالة الاستخبارات
الأمريكية (فيليب سايمور هوفمان)..!!
في البداية نشاهد تشارلي يتحرك في
الكونغرس لتوفير 5 ملايين دولار، إلا أن المبلغ
يتزايد بالتدريج، ويدخل في هذه العملية أكثر من
متورط.. شخصيات وحتى دول.. لتصبح المعركة دولية،
فكلما اقترب الثلاثة من ساحة المعركة، احتاجوا
لداعمين أكبر ودعم أقوى.. فتدخل باكستان وإسرائيل
والسعودية ومصر الصراع بشكل خفي طبعاً.. فإسرائيل
قادرة على إرسال صواريخ روسية، والسعودية
بأموالها، وباكستان بجهاز استخباراتها
وعلاقاتها..!!
حرب تشارلي ويلسون لم تنتهي هنا..!!
يبدأ فيلم (حرب تشارلي ويلسون) في
سرده لبعض الحقائق بشكل ساخر، مجسداً ذلك التناقض
الكوميدي الذي يؤدي لمأساة حقيقية.. فالسيناريو
طريف في سرده الدرامي المحبوك بعناية.. مستعرضاً
شخصية تشارلي بكل تناقضاتها الإيجابية والسلبية..
والمخرج المخضرم مايك نيكولز يعجبه هذا السيناريو،
فنراه يترك نفسه له ولطرافته ولقدرات الممثلين في
صنع دراما تهاجم الأخلاقيات والسياسات الأمريكية..
ويحاول المخرج بذلك أن يصنع فيلماً كلاسيكياً، على
طريقة هوليوود المعروفة.. فنظام النجوم يدعمه (هانكس
وروبرتس وسايمور)، والبطولة الفردية موجودة في
شخصية تشارلي، أما النهاية السعيدة فتتجسد في
انتصار المجاهدين الأفغان على احتلال السوفيت..
هذا عدا أساليب السياسة وما يدور خلفها من ألاعيب
ومهادنات، كلها تدل على أننا نشاهد فيلماً
تقليدياً، نجح المخرج في جمع كل هذه العناصر،
ولكنه لم ينجح في أن يصنع فيلماً مهماً
واستثنائياً، هذا لأنه اعتمد على سيناريو تقليدي
لا يقدم أي مفاجآت تذكر.. فالكل يعرف ماذا سيحصل
للأفغان، حيث تدور أحداث هذا الفيلم.
تكمن قوة السيناريو ورسالته (الذي
كتبه إيرون سوركين)، في الخلاصة الدرامية التي
أعلنها في نهاية الفيلم.. عندما قال بأن الحرب لم
تنتهي هنا، أي مع نهاية الصراع المسلح.. إنما هي
تبدأ هناك حيث الحياة الصعبة التي يعانيها الإنسان
الأفغاني، في ظل سيطرة المجاهدين على مجريات
الأمور هناك.. وأن الامتناع عن بناء مدرسة لتوعية
هذا الإنسان وتحسين وضعه، سيكلف الولايات المتحدة
الأمريكية الكثير.. الكثير من الإرهاب والإرهاب
المضاد.. وأن عدم الاستماع لنصيحة تشارلي ويلسون،
كان بمثابة التأسيس لهجمات سبتمبر، التي كانت قدر
أمريكا المحتوم.
ومع تقديم هذه النصيحة المهمة..
ينتهي الفيلم الذي بذل فيه الممثل توم هانكس
مجهوداً مضاعفاً لينتشل الفيلم من الفشل التجاري..
فنراه يقدم الكثير من قدراته لتجسيد شخصية تشارلي
ويلسون، بكل تناقضاتها.. وينجح في ذلك أيضاً، ولو
أنه قدم أدواراً أكثر قوة في سابق أفلامه.. جوليا
روبرتس لم يكن أداؤها إضافة فنية لتاريخها.. ولكن
الموهوب فيليب سايمور هوفمان، هو الذي استحق
الثناء أكثر، في دور متميز.. بل إنه يسرق أنظار
المتلقي من الآخرين ساعة ظهوره على الشاشة.. دوره
هذا جدير بأن يرشح عنه لأوسكار أفضل ممثل مساعد..
التي خطفها منه الأسباني خافير فاردام عن دوره في
فيلم (لا وطن للمسنين)..!!
|