جديد حداد

 
 
 
 
 

حسن حداد يتحدث عن ثقافة الفيلم القصير

ورقة قدمت في نادي البحرين للسينما

بتاريخ 12 يوليو 2009

 
 
 
 
 
 
 
   
 
تعقيب الناقد أمين صالح
 
   
 
 
 
 
 
 

أعزائي الحضور.. مساء الخير جميعاً..

أشكر لكم حضوركم الجميل هذا.. وأشكر الصديقين أمين صالح ومحمد فاضل، على قبولهما التعقيب على ورقتي المتواضعة هذه.

 

السينما بوصفها ثقافة..!!

السينما.. أو بالمعنى الأشمل، الصورة مطلوبة في كل مكان وزمان.. والدليل هو هذا الكم الهائل من الإنتاج السينمائي في العالم، والمستهلك بشكل خرافي عندنا في البلاد العربية.. هذا إضافة إلى طابور القنوات الفضائية التي تتناسل بشكل لا يدع مجالاً للشك في أهمية الصورة المتحركة..!!

لذا يجدر بنا كمتابعين ومهتمين بالسينما.. وعلى كل الجهات المختصة بهذا المجال (رسمية وأهلية).. أن تبذل قصارى جهدها لنشر الثقافة السينمائية الحقيقية.. وتوصيلها بشكل بسيط ومناسب حتى نرتقى بهذه الثقافة.. ونشجع الجيل الحالي على القراءة والمتابعة المستمرة لكل ما يتعلق بهذه الثقافة..!!

وأعتقد ـ من حيث المبدأ ـ بأن من يُقْدِم على الاشتغال بالصورة المتحركة.. لابد له أن يهتم كثيراً بصقل ثقافته، عبر المشاهدة المكثفة للأفلام.. بوصفها المصدر الأهم لتعلم السينما، ثم بعد ذلك يأتي دور التثقيف الذاتي.. القراءة عن كل شيء يخص السينما.. عن المخرجين السينمائيين.. عن الأساليب والتيارات السينمائية.. عن تراث السينما بشكل عام..!!

ثمة عامل مهم آخر سيدخل على خط الثقافة السينمائية.. ألا وهو المهرجانات.. فقد أصبحت احد الضرورات للنهوض بالنشاط السينمائي.. وكثير من النقاد يعتبرها محكا رئيسيا لاكتساب الخبرة والتعارف بين السينمائيين.. هذا إضافة إلى التعرف على التيارات والتجارب السينمائية العالمية الجديدة.. لابد أن يكون هناك مهرجانات ومحافل سينمائية تثري الساحة الفنية بشكل عام.. وتشكل الأسس الصحيحة للثقافة السينمائية.. سنلاحظ مثلاً ما أضافه مهرجان قرطاج السينمائي في تونس.. مكن الجمهور التونسي من امتلاك ثقافة سينمائية متميزة لا نجدها عند بقية الجماهير العربية.. وهذه نتيجة هامة من نتائج وإرهاصات مهرجان قرطاج السينمائي.

الثقافة السينمائية في مثل هذا الوضع الثقافي العربي الفقير.. والذي تسيطر عليه ثقافة الاستهلاك.. شبه معدومة. ازعم بعد المتابعة والمكابدة اليومية للسينما العربية على وجه التحديد وما آل إليه واقعها أن جيل السينمائيين الجدد تنقصه الثقافة.. ينقصه أن يقرأ ويشاهد ويتعرف على كل شيء متعلق بالسينما.. فكيف لفنان أن ينتج من غير متابعته لما ينتجه غيره من الفنانين..؟! هذا هو حال السينمائيون.. فما بالك بالمهتمين بالسينما..؟؟؟

 

ثقافة الفيلم القصير..!!

الفيلم القصير.. من وجهة نظر خاصة، هو فيلم سينمائي مكتمل الملامح الفنية يقوم أساساً على فكرة لماحة تقدم بشكل مركز ومختزل في زمن قياسي، يستثمر مخرجه كل ثانية فيه لتوصيل ما يريده مبتعداً عن المباشرة، ومتخذاً الصورة التي تقول ولا تفسر كوسيلة لتوصيل ما يريده من أفكار ومفاهيم..!!

الفيلم القصير عليه أن يعيش حالة من الظلم المبرر موضوعيا، باعتباره محجوباً عن الجمهور العريض فيما الفيلم الطويل يملأ صالات العرض في كل مكان في الدنيا.. وهذا أمر يعد حقاً خسارة للمتفرج وللفيلم في نفس الوقت.. هذا الظلم جاء نتيجة طبيعية لسيطرة الفيلم الطويل على الساحة السينمائية وبالتالي على دور العرض العامة.. واقتصرت عروض الفيلم القصير على المهرجانات والملتقيات والمناسبات الخاصة.. مما جعل جمهوره مقصوراً على النخبة من المثقفين المتابعين.. وكنتيجة طبيعية لهذا الواقع أصبحت ثقافة الفيلم القصير لدى الجمهور العريض قاصرة بل فقد القدرة على التعامل مع هذا  النوع من الأفلام السينمائية حتى أن الغالبية يعتبرون الأفلام القصيرة هي مرحلة تدريب للمخرجين حتى يتمكنوا من إخراج أفلاما طويلة فيما بعد، رغم إن الأفلام القصيرة ستمكن المخرجين من نضج أدواتهم الفنية –بلا شك- إلا أنني ارفض جملة وتفصيلا  تلك النظرة القاصرة للمعنى الحقيقي للفيلم القصير.

الأصوات التي نادت بعرض الفيلم القصير في دور العرض العامة كثيرة.. ولكن التفاعل مع هذه الأصوات في أغلب الدول العربية، اقتصر على بعض المؤسسات الرسمية، وعلى شركات القطاع العام السينمائي خاصة..!!

اذكر بأن دور العرض السينمائي في البحرين، عند نشأتها وحتى نهاية الستينات من القرن الماضي، كانت تعرض أفلاماً قصيرة قبل عرض الفيلم الطويل، تقتصر هذه الأفلام القصيرة على الأخبار الرسمية وبعض الفعاليات والمناسبات الخاصة والعامة التي تقام في تلك الفترة بالبحرين، أنتجتها شركة بابكو في مجملها.. وكانت بالفعل أفلاماً توعية وتثقيفية وحتى إخبارية، يستفيد منها المتفرج ويستمتع بها.. إلا أن ذلك توقف منذ زمن طويل..!!

من خلال مشاهداتي للفيلم القصير.. في عدد من المسابقات والمهرجانات واللقاءات السينمائية.. سنحت لي الفرصة لمشاهدة تجارب عالمية وعربية رائدة ومذهلة، بل أن هذه الأفلام (التجارب) قد ساهمت في تطور مفهوم ووعي معين لدي كمتفرج وناقد.. أبرز هذه اللقاءات كانت مسابقة أفلام من الإمارات في أبوظبي، ومهرجان الخليج السينمائي في دبي، وغيرها من المناسبات التي تهتم بالفيلم القصير.

هذا في منطقة الخليج العربي.. أما في البحرين فالاهتمام بفن الفيلم القصير يعد فقيراً جداً، بمعنى أن حتى الجمعيات والمنتديات الثقافية والفنية لم تنتبه إلى أهمية الفيلم القصير.. مما جعل تقبل المتفرج البحريني لفيلم بحريني قصير صعب وعسير عليه.. اكتشفت ذلك في تلك الأمسية الخاصة بعرض فيلم (غياب) في الملتقى الثقافي الأهلي.. ساعتها تمنيت لو أن هذا المتفرج قد سنحت له الفرصة لمشاهدة تجارب فيلمية قصيرة عالمية أو عربية، ليكون استقباله لهذا الفيلم البحريني مناسباً للجهد الذي بذل في إنجازه..!!

سنصادف تجارب سينمائية خليجية في إطار الفيلم القصير أكثر تطورا من التجارب البحرينية، وذلك لأسبقيتها في التعامل مع هذا النوع من الإنتاج السينمائي، وتوفير ثقافة خاصة به، كانت في السابق مغيبة.. حرص على توفيرها السينمائي الإماراتي المتميز مسعود أمرالله، الذي قدم الكثير لشباب الإمارات خصوصاً، وشباب الخليج عموماً.. حيث بدأ منذ العام الماضي على إقامة مهرجان الخليج السينمائي الذي احتضن كل التجارب الفيلمية الخليجية، ونجح في تحقيق حلم جميل، راود الكثيرين من السينمائيين الخليجيين، منذ أكثر من عشرين عاماً..!!

لعل نجاح الإماراتيين يكون دافعا لبقية الجهات المعنية بالثقافة والفنون عموماً بدول الخليج العربي بالتوجه للاهتمام بعرض الفيلم القصير وتقديمه بشكل يليق به وبمبدعيه.. ونحن كمهتمين بالسينما ندعو قطاع الثقافة والفنون لعمل أسابيع للفيلم القصير، موسمية أو دورية، وذلك ليتناسب وتوجه الإدارة ووزارة الثقافة والإعلام نفسها بالعمل على توفير وتوصيل كافة الفنون إلى المتلقي..!!

 

السينما الفنية..!!

السينما.. كما هو معروف، هو الفن الأكثر انتشاراً.. بمعنى هو فن شعبي.. يتعامل معه غالبية الشعب، الفقير والغني، الصغير والكبير.. ولكن هذا لا يعني أن يكون التوجه الأساسي هو التعاطي مع السينما كفن استهلاكي، خال من الإبداع الجمالي.. مقدماً ما يطلبه المتفرج من تسلية وترفيه فقط.. لابد أن يتعامل المشتغلون بالصورة مع السينما بشكلها الأشمل.. فالسينما صناعة وتجارة وفن.. ثلاث مرتكزات يقوم عليها هذا الفن الساحر..!!

حديثنا هذا، يمكن اعتباره بداية لحديث خاص عن صناعة الصورة السينمائية في البحرين.. فربما يختلف معي الكثيرون، عندما أقول بأن الاشتغال على هذه الصورة في البحرين، لابد أن يتجه لتقديم السينما الفنية.. أي انه علينا الابتعاد عن السينما الاستهلاكية التي تسعى وراء الربح ودغدغة غرائز الجمهور العريض وتلبية رغباته غير المشروعة.. فالأفلام الأمريكية والهندية والعربية التي تقوم بهذا الأمر كثيرة.. بل وتسيطر على مجمل العروض السينمائية في البحرين.. ومن المنطقي أن نجزم بأن صانع الصورة البحريني لن ينجح في مجاراة تلك السينما السائدة.. لذا لابد له من تقديم شيء آخر، وهو السينما الفنية، التي تعتمد على نواحي إبداعية خلاقة.. تسعى لرفع مستوى التلقي لدى المتفرج والاستحواذ على اهتمامه.

وبصرف النظر عما شاهدناه من تجارب طموحة لشباب السينما في البحرين.. فهي تعد تجارب متواضعة مقارنة بما هو مطلوب منها.. حتى لدى هؤلاء الشباب أنفسهم..!!

بصفتي متابعاً ومهتماً بما يقدمه المشتغلين بالصورة السينمائية عندنا.. فدائما ما تبرز أمامي الكثير من الملاحظات التي سبق وتحدثت عنها كثيراً وأعيد وأكرر ذكرها في كل المناسبات..!!

لن أدخل في تفاصيل تلك الملاحظات التي أشرت إليها مسبقاً.. وإنما أردت التأكيد على أن صانع الصورة عندنا.. عليه أن يكون أولاً وأخيراً..مثقفاً سينمائياً، ومتابعاً لما تنتجه استوديوهات ومطابع العالم، من أفلام وكتب.. هذه الثقافة والإطلاع سيكونان عوناً حقيقياً له في تقديم المختلف والمبهر في تناوله لأي موضوع عادي وتقليدي.

السينما الفنية، حديث لم ينتهي بعد.. وأعتقد بأنه لن ينتهي، على الأقل في الوقت الحالي، باعتبار أن المصطلح غامض للكثيرين، وبالذات لمن يختلف معنا في المفهوم أساساً..!!

أتذكر حواراً جانبياً مع المخرج المبدع داود عبدالسيد، عند لقائي به في مهرجان الخليج السينمائي الأول، وكان حينها رئيساً للجنة التحكيم.. حينما قال وأكد على ضرورة الاهتمام من قبل هؤلاء الشباب بالسينما الفنية.. التي تسعى إلى السينما كفن وإبداع، باعتبارها لم ولن تنجح في مجاراة ما تصنعه استوديوهات هوليوود وبوليوود والقاهرة..!!

وربما يتساءل أحدهم.. ما المقصود بـ"السينما الفنية".. وهل هو مصطلح متفق عليه أم مجرد شطح..؟!

السينما الفنية، من وجهة نظر شخصية.. ربما لا تشكل مصطلحاً بالمعني التقني للكلمة.. ولكنه بالطبع مشتقاً من المفهوم الدلالي للكلمة.. أي أنها السينما التي تسعى لتقديم الفن والصورة المعبرة عن مشاعر وأفكار وحالات معينة.. متحاشية الخوض في التفسير والتكرار للمعنى من غير سبب. وهي بالتالي ستختلف عما تسعى إليه غالبية الأفلام التقليدية..!!

وقد ذكرنا بأنه ليس هناك مواصفات متفق عليها لهذه السينما.. وإنما الصفة الرئيسية التي تفرقها عن السينما الأخرى، بأنها لا تقع تحت شروط العرض والطلب.. بالرغم من أنها أيضاً سينما مطلوبة من قطاع كبير من المتفرجين.

ثم لا ننسى التأكيد على أن الأفلام القليلة التي تنتج في البحرين أو في دول الخليج الأخرى، لم ولن تنجح في تغطية مصاريفها الإنتاجية من ثمن بيع التذاكر، وذلك نظراً للكثير من الأمور، أبرزها تلك الكثافة السكانية الضئيلة في المنطقة..!!

هنا يبرز السؤال التالي: لماذا إذن التعويل على السينما الشعبية أو الجماهيرية في هذه الدول، هذا بالرغم من أن إيرادات شباك التذاكر من هذه النوعية من الأفلام لن تحسم القضية لصالحها..؟!

هنا أريد التأكيد من جديد.. على أن صانع الصورة عندنا عليه أن لا يسعى لصنع السينما الشعبية التي نشاهدها تملئ دور العرض عندنا.. فمن يتفرج على هذه العروض، سيرى بأن فنانينا غير قادرين على مجاراة هذه السينما، بما تحمله من إمكانيات وميزانيات ضخمة تحاول بها النيل من اهتمام هذا المتفرج.. لذا من المفيد أن يتجه هؤلاء لصنع السينما الفنية، التي هي أيضاً ناجحة في صالاتنا عند عرضها من حين إلى آخر..!!

هذا بالنسبة للفيلم الطويل.. أما بالنسبة للفيلم القصير والذي لا يعرض في دور العرض العامة.. فنحن ننتظر من هؤلاء الشباب الطموح، صناع الفيلم القصير في البحرين، سينما فنية تهتم بالصورة المتحركة كفن وثقافة، باعتبارهم لا ينظرون للسينما كتجارة تدر الأرباح من شباك التذاكر.. وإنما هو عشقهم لهذا الفن الخلاق..!!

 

السينما تاريخ..!!

نرى بأنه من الضروري التأكيد على مقولة، (السينما تاريخ).. ونرى أيضاً، بأنه لا بد لبلد كالبحرين، زاخراً بالطاقات الفنية والأدبية، أن تكون لديه أفلاماً ومشاريع سينمائية تحمل اسمه في الأوساط السينمائية العربية والدولية..!!

فمن المعروف للجميع، بأن ميزانية مسلسل واحد فقط.. لهي قادرة على إعطائنا فيلمين كل عام.. يمثلان البحرين خير تمثيل في تلك المحافل السينمائية..!!

والسينما كفن.. أصبح موضوعاً حيوياً كثر الحديث حوله بشكل واضح في الفترة الأخيرة بين الأوساط الثقافية والفنية بالبحرين.. وإن ذلك الحراك السينمائي الحالي لهو أكبر دليل على أهمية السينما كفن، وضرورة تواجدها بقوة على الساحة الفنية عندنا..!!

ومشاركات الفيلم السينمائي البحريني في المحافل العربية والدولية، أصبح يشار لها بالبنان.. بل وتثير الكثير من الأسئلة والحيرة.. كيف لبلد صغير لا يوجد به سينما، يقدم أفلاماً بهذا المستوى.. كيف..؟! لهذا.. لابد من الانتباه لما يفعله صانعو الصورة المتحركة عندنا والتأكيد على دعمهم بشكل فعال.. فهم شباب مجتهدون ولديهم طموحات ليس لها حدود.. فقط يسعون لذلك الدعم الذي ينتشلهم من ذلك التخبط في البحث عن ممول لتحقيق طموحاتهم هذه وتحويلها إلى واقع..!!

والحديث عن الدعم.. الدعم لصنع أفلام.. كان وما يزال حديث له شجون.. حيث أشرنا في أكثر من مناسبة، بأن هذا الدعم لابد وأن يأتي من القطاع العام.. فلا يمكن التعويل تماماً على القطاع الخاص لقيام سينما في البحرين..!!

 

وأخيراً.. لا بد من الإشارة إلى أن هذه الورقة.. ربما تبدو غير وافية، أو أنها تحتاج إلى تعميق وشرح للأفكار المطروحة.. وهي فرصة لإتاحة المجال للنقاش بأن يثري الحديث من زوايا كثيرة.

 

وشكراً لكم جميعاً..!!

حسن حداد في

12.07.2009

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004