جديد حداد

 

ندوات ولقاءات ومقالات متفرقة

حسن حداد في صحف ومجلات ومواقع متعددة في البحرين وخارجها

ملحقات

 

حسن حداد يتحدث عن الرواية والفيلم في أسرة الأدباء والكتاب

الرواية والفيلم

ورقة معدة لتقدم في ندوة في أسرة الأدباء والكتاب ـ البحرين بتاريخ 30 يونيو 2008

 
 
 

تغطية صحفية للندوة في الصحافة

الوطن البحرينية

الوقت البحرينية

الوسط البحرينية

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

أعزائي الحضور..

مساء الخير جميعاً..

الرواية والفيلم.. عنوان هام ومثير ومتجدد على الدوام.. وبقدر ما هو هام، فهو أيضاً محور لجدل قديم وطويل لم ولن ينتهي..!! 

فالعلاقة بين الرواية والفيلم علاقة تاريخية وثيقة ومتشابكة، بدأت مع السنوات الأولى لظهور السينما، حيث تلك الأفلام التي اعتمدت على روايات عالمية مشهورة، وحققت نجاحاً كبيراً حينها، وأبرز تلك الروايات، "أوليفر تويست" لتشارلز ديكنز، و"الجريمة العقاب" لديستوفسكي، و"العجوز والبحر" لهمنغواي.. وعلى المستوى العربي، هناك "دعاء الكروان" لطه حسين، و"قنديل أم هاشم" ليحيي حقي، و"الثلاثية" لنجيب محفوظ، وآخرها كانت رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني. 

وبالرغم من أن هذه العلاقة وثيقة ومتشابكة، إلا أن هناك العديد من السينمائيين الذين طالبو بضرورة فصل السينما تماماً عن الأدب، والتأكيد على ضرورة الكشف عن العلاقات التي تربطها بالأشكال الفنية الأخرى وإظهار الفروقات الجوهرية بينها، والبحث عن شكل فني وماهية خاصة لطبيعة السينما.. باعتبار أن للسينما لغتها الخاصة وجوهرها التعبيري المختلف، التي لا يزال البحث جاري عنها.. حيث ذكر العبقري الروسي الراحل تاركوفسكي بأن السينما ما تزال تبحث عن لغتها، وقد بدأت الآن فقط تقترب من إمكانية الإمساك بهذه اللغة.

كما كان تاركوفسكي يعارض بشدة المفهوم القائل بأن الصورة السينمائية مركبة من عناصر فنية مختلفة، ويراه مفهوماً خاطئاً لأنه يدل ضمناً على أن السينما قائمة أو مؤسسة على خاصيات تابعة لأشكال فنية شقيقة، ولا تملك على الإطلاق شيئاً خاصاً بها. وهذا يعني إنكار حقيقة أن السينما فن.. ويرى تاركوفسكي أيضاً، بأن ما يؤلف لغة السينما هي ليست بسيطة، كما أنها ليست واضحة بعد حتى بالنسبة للمحترفين.. وأن ما يقرر ويحدد اللغة السينمائية مسألة لم يتم حلّها بعد. 

الرواية والفيلم.. جدل لن ينتهي:

الجدل فيما بين صناع السينما وصناع الأدب.. كما أشرنا سابقاً.. قديماً ومتجدداً، ومازال مستمراً.. ما بين رافض تماماً لتدخل صانع الفيلم، في تغييره لما تقوم عليه الرواية.. وبين روائي يمنح المخرج حق التصرف في روايته، بل ويعطيه مطلق الحربة في الاختيار والحذف.

أكثر الأمثلة على ذلك، هي صرخة همنغواي: (إنها ليست روايتي..!!).. في المقابل نرى بأن نجيب محفوظ لا يحب التدخل في أي سيناريو مأخوذ عن رواياته، رغم تمكنه من كتابة السيناريو، لأنه أدرك بأن هناك مبدعاً آخر هو صاحب الفيلم.

وهناك الكثير من الحالات والقضايا والمواقف التي تتوالى من جراء الخلافات حول الرواية وتحويلها إلى فيلم.. ويمكن الإشارة إلى تلك المعركة التي قامت بين ستانلي كوبريك وستيفن كينج عندما تم إنجاز فيلم (إشراق) عام 1980، فقد اعترض كينج على معالجة روايته واتهم كوبريك بأنه أضاع روحها وأغرقها في معالجة فكرية ذهنية وجودية رمزية لم يقصدها أبدا.

كذلك نتذكر بأن فيلم (زوربا) الذي أخرجه مايكل كاكويانس وفيه ضيع إلى حد ما روح رواية نيكوس كازننتزيكس. هناك أيضاً تلك المعركة التي قامت بين دوفراك وكافكا عام 1975 عندما اخرج دوفراك رواية المسخ لكافكا وجعل هذا المسخ عبارة عن صرصور ضخم وهو ما لم يقصده ابد فرانز كافكا. هذا بالرغم من الجهد الخرافي الذي بذله دوفراك كمخرج في توضيح الألوان التي كان يرى بها البطل حالة العالم من حوله.

وتتفاوت المواقف والآراء إزاء تحويل الأعمال الأدبية إلى الشاشة.. فقد اتخذ همنغواي موقفاً عدائياً من هوليوود لأنه كان يكره تغيير الحبكة، ويمقت الرقابة ويستاء من النهايات السعيدة غير المناسبة وعقود المنتجين.. ويمثل همنجواي واحداً من الكتاب الكثر الذين لا يرغبون في تحويل رواياتهم إلى الشاشة، حيث يرون في السينما وسيطاً محرفاً أو مشوهاً لأعمالهم.

في المقابل، هناك كتاب آخرين يعون تلك الفوارق بين الوسطين، ويبدون مرونة عالية في تعاملهم مع السينما.. فالإيطالي ألبرتو مورافيا يقول:

»أشياء كثيرة في الرواية تتعرض للحذف والإقصاء عندما تتحول إلى الشاشة لان للسينما حدوداً.. السينما تستطيع أيضاً أن تنجز أشياء رائعة ومدهشة لا يستطيعها الأدب.. في السينما، المخرج يستخدم الكاميرا من أجل خلق واقع جديد تماماً«.

ويقول أمبرتو إيكو: »ليس سهلاً دائماً التعبير في الفيلم عن أشياء موصوفة على الورق، أشياء سوف يفهمها القارئ آلياً«.

ويقول مؤلف رواية »الساعات« مايكل كنجهام: »عليك أن تعطيهم النص وتقول لهم: هيا، أدهشوني«.

ويقول آلان روب جرييه: »بالنسبة لي، السينما والأدب عالمان مختلفان، ليس بينهما أي رابط«.

أما ميلان كونديرا، فيقول عنه المخرج فيليب كوفمان الذي حقق »خفة الكائن التي لا تحتمل»: »كونديرا قال لي - في المقابلة الأولى معه - كلمة لم أسمع روائياً يقولها من قبل إلى كاتب سيناريو، إذ مال إلى الأمام وقال: احذف«.

كما يشير الناقد هاشم النحاس في كتابه »نجيب محفوظ على الشاشة« إلى أن محفوظ لم يعد أياً من رواياته إلى السينما بل اشتغل على قصص وسيناريوهات مكتوبة خصيصاً للسينما مستمداً موضوعاته من أحداث واقعية. 

عالم للرواية وعالم للفيلم:

لكل من الرواية والفيلم، عالمه الخاص في التعبير السردي.. فالرواية تتخذ من اللغة وسيلة لتصوير مفردات الواقع.. والفيلم يتخذ من الصورة لغتها البصرية والسمعية للتعبير عن الواقع أيضاً.. ولكن بقدر ما تأثرت السينما كثيراً بالأدب من رواية وقصة وشعر، كذلك تأثرت الرواية بالسينما ـ خصوصاً الجديدة منها ـ من خلال نظريات المونتاج وسرد الحدث الدرامي التصويري، والمزج واللقطة الكبيرة والحركة الاستعراضية للكاميرا.

فالمخرج، عندما يبدأ في قراءة أي سيناريو، فهو يشاهد الشخصيات والأحداث برؤية بصرية، أي يراها بعين الكاميرا والعناصر الفنية الأخرى.. ثم يبدأ بتحويل كل شيء مكتوب على الورق إلى تكوينات بصرية، يوظف فيها إمكانيات الضوء والظل والنسق اللوني، كما يعالجها وفق تجربته وإدراكه وعاطفته وحساسيته الجمالية والفكرية.. وكل هذا يعني أن العمل السينمائي يحمل اسم مبدع آخر.. ألا وهو المخرج السينمائي.

يقول الناقد بول واردن: »إن عملية تحويل شكل فني إلى شكل فني آخر تؤدي بالضرورة إلى خلق عمل جديد تماما، فعملية التحويل تولد شعوراً جماليا يختلف تماما عن ذلك الشعور الذي تولده قراءة الرواية نظرا لاختلاف اللغة واختلاف الإمكانيات التعبيرية لكلا الوسطين«.

المخرج الفرنسي باتريس شيرو.. يقول: »الرواية الممتازة صعب جداً تحويلها إلى فيلم.. الرواية العادية، المتوسطة الجودة، تمنحك بعض التلميحات، بعض الإشارات الخفية، منها تنطلق وعليها تؤسس عملك«.

ويقول جون هيوستون: »حين يحول المخرج رواية إلى فيلم فينبغي عليه أن يتجنب النصوص العظيمة، لأن ما يعتبر تحفة فنية في وسط ما يمكن أن ينحدر إلى الحضيض في وسط آخر«. 

بين الرواية والفيلم:

في بحثه القيم حول الرواية والفيلم، يحدد الناقد الصديق أمين صالح، المشكلات التي تعترض المخرج في معالجته للرواية.. ولكن قبل ذلك، يتحدث عن الفروقات بين الوسطين: الرواية والفيلم.

فالرواية تحلل بينما الفيلم يرصد، الرواية داخلية أما الفيلم فيصور الخارج، الرواية هي عن ما تفكر فيه الشخصيات الفيلم هو عما تفعله الشخصيات - الفيلم يتعامل مع الجوهر بدرجة أقل ومع التفاصيل بدرجة أكبر.

الفيلم بخلاف الأدب لا يملك لغة ذات قوانين منسقة وقواعد وعلم نحو وصرف وبناء الجمل الفيلم - كما يرى بازوليني - فعال في تعبيره عن الرؤية أكثر من كونه وسطاً لتوصيل أفكار مركبة. الأدب الذي هو مرتبط ببنى وتراكيب من القواعد اللغوية منذ مئات السنين هو وسط متجانس وملائم أكثر لتلك الأفكار.

الرواية تعتمد على نظام من الإشارات اللفظية بينما الفيلم يعتمد على البصري والسمعي واللفظي. اللغة الأدبية حافلة بالمجازات والرموز والتشبيهات والصورة الأدبية - كما تقول فرجينيا وولف - تستدعي العديد من الإيحاءات ليست الإيحاءات البصرية إلا واحدة منها وترى فرجينيا وولف إن نتائج تحويل التعبير اللغوي إلى صور مرئية تكون خطيرة بالنسبة لهما معاً فالخلاف بينهما على قدر من الاتساع لا يمكن تجاوزه فاللغة لها قوانينها الخاصة ولا يمكن فصل الشخصيات الأدبية عن اللغة التي تشكلها.

اللغة الأدبية تقوم على الحروف والكلمات أما السينما فسمعية ومرئية تعتمد على الكاميرا والإضاءة والمونتاج والصوت والموسيقى والألوان والملابس في تمديد وإثراء وتعميق المنظور أو المادة. وبالتالي فإن الوصف اللفظي للشخصيات والأمكنة والأفكار لا يمكن نقلها إلى وسط آخر لا يعتمد على اللفظ. أما الرمز فيوجد في الفيلم كفكرة أكثر منه كصورة.

السينما تقدم صورا متتابعة والتي تفرض نفسها على المتفرج بماديتها وليس باحتكامها إلى التجريد. إن تعاقب الصورة يخلق الحس الخاص بها والذي هو مستقل تماماً عن التراكيب المنطقية حتى عندما تحاول الأفلام أن تقدم قصة منطقية فإن الصور تتجلى في سرعة هائلة إلى حد أن المتفرج بالكاد يجاري ما يفسر منطق الصور.

وأهم المشكلات التي تعترض المخرج في تعامله مع الرواية، كما حددها أمين صالح، هي:

قبل كل شيء أن يكون أمينا لأي شيء بالضبط: للفكرة، للمضمون، للشخوص، للإصلاح، للحوار، للأمكنة، للأزمنة؟ كيف يمكن تحقيق المصداقية أو الموثوقية بشأن التفاصيل الدقيقة في عمل تاريخي مثلا؟

الأمانة الحرفية غير ممكنة لاستحالة أن يكون الفيلم ترجمة بصرية دقيقة، وبسبب صعوبة إيجاد مرادفات بصرية لكل ما هو لفظي في النص الأدبي. وحتى الزعم بأن الفيلم أمين لروح أو جوهر النص هو أمر مشكوك فيه لأنها عملية ترتبط بقراءة النص وتأويله الذي يختلف من شخص إلى آخر.

هناك أفلام التزمت بالنص الأدبي إلى حد كبير، وكمثال: فإن المخرج جون هيوستون في تحويله لرواية داشيل هاميت «الصقر المالطي» قد التزم بالحبكة والحوار سطراً سطراُ تقريبا. ومايك نيكولز مع مسرحية إدوارد ألبي «من يخاف فرجينيا وولف» أضاف تسع كلمات إلى النص الأصلي. والمخرج البرتغالي مانويل دي اوليفيرا اخرج «الحب الملعون» عن رواية شهيرة كتبها كاميلوا كاستيللو برانكو في القرن التاسع عشر.. وعلى مدى أربع ساعات ونصف الساعة نقل اوليفيرا كل صفحة من الكتاب إلى الشاشة ولم يسبق في تاريخ السينما أن صور عمل أدبي بمثل هذه الأمانة والدقة.. لكن وفقا لرأي النقاد فإن هذا الفيلم الذي يبدأ كعمل أدبي ينتهي بأن يكون سينما نقية خالصة. إذ هو ليس توضيحا للرواية بل بحثا في طبيعة السرد، في التوتر المستمر بين الصوت والصورة، بين السرد خارج الشاشة والأحداث التي تدور على الشاشة.

إذن ليس ثمة مبادئ أو قواعد ترشد السينمائي عند إعداده لنص أدبي، وليست هناك شروط محددة تحكم علاقة السينمائي بالمصدر الأصلي. لكن يجب التوكيد على أن فكرة الإعداد نموذج مثالي للتقارب أو التفاعل بين الفنون وفق مفهوم النقد الحديث بشأن التناص. 

أعزائي الحضور..

لقد ساهمت السينما إلى حد كبير في رواج الأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة عند جمهور من المتفرجين لم يقرأ الرواية، أو لم تكن لديهم فكرة عنها، وبذلك كانت السينما الوسيط السهل في توسيع نطاق جمهور الأدب.

هذا، إضافة إلى أن الرواية الجديدة قد تأثرت بتقنيات السينما، من خلال الإيقاع السريع، الانتقالات المفاجئة، الاعتماد على الأحداث لا الأفكار، الحبكة الواضحة المباشرة بل أن بعض كتاب القصص البوليسية يكتبون ببناء وبأسلوب السيناريو.

ولا يخفى على أحد من أن عدداً غير قليل من الروائيين والشعراء اتجهوا إلى كتابة السيناريو مثل فولكنر، ريموند شاندلر، جيمس كين، الان روب جرييه، مرجريت دورا، بازوليني، ميلان كونديرا، ماركيز. بل إن بعضهم تحول إلى الإخراج مثل: جان كوكتو، بازوليني، مرجريت دورا، روب جرييه، يوكيو ميشيما، نورمان ميلر.

ويقول بيير باولو بازوليني: «لو أخذت صفحات معينة من روايتي الأولى (أبناء الحياة) فسوف ترى كم هي بصرية بمعنى أن أعمالي الأدبية تحتوي على جرعة قوية من العناصر السينمائية«

إذن لابد، في ختام حديثنا، التأكيد على أن العلاقة بين السينما والأدب علاقة وثيقة ومتشابكة، وأن النقاش حول هذه العلاقة، هو مسألة خلافية لم تحسم بعد، وربما لأنها ليست للحسم، بل ستظل كذلك مع كل تحويل لعمل أدبي إلى الشاشة.

وشكراً لكم جميعاً..!!

حسن حداد ـ أسرة الأدباء والكتاب في

30.06.2008

صور من الندوة

  

  

 

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)