جديد حداد

 
 
 
 

رؤية..

"هائمون" خمير المتجدد

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

لنتخيل.. بأن مخرجاً قدم فقط فيلمين روائيين طويلين خلال عشرين عاماً.. هذا هو حال المخرج التونسي المتصوف "ناصر خمير". وهذا لم يأتي إلا لأن هذا المخرج قد أصر على عدم مجاراة المناخ السائد في السينما العربية، مثله مثل العبقري شادي عبد السلام.. الذي رحل وترك في ذاكرة السينما فيلمه الإستثنائي "المومياء".

ولنتخيل أيضاً.. بأن فيلماً مثل "الهائمون" مضى على إنتاجه عشرين عاماً.. لم يعرض قط في البحرين.. إلى أن جلبه المقيمون على الأسبوع الثقافي التونسي مؤخراً. هذا بالرغم من أهمية فيلم كهذا.. حصل على تقدير عالمي وجوائز كثيرة (جائزة افضل مخرج في قرطاج عام 1984، الجائزة الذهبية في مهرجان فالنسيا بأسبانيا عام 1985).. ومازال يعرض في المحافل السينمائية العالمية.

"الهائمون".. كان واحداً من الأفلام التي قرأنا عنها كثيراً ولم نشاهدها.. وكان مثار الرغبة الجامحة لمشاهدته.. لذا كانت مشاهدتنا المتأخرة له مختلفة على أكثر من صعيد.. الأول هو أنه فيلم من إنتاج الثمانينيات من القرن الماضي.. زمن السينما الجميل.. وثانياً، لإحساسنا بأننا نشاهد فيلماً فيه طعم سينما العبقري "شادي عبد السلام"، وهذا بالفعل إحساسنا الصادق.. لأن صانعه، فنان ومفكر أكثر منه سينمائي. كانت الصور والمناخ الذي وفره لنا خمير في الفيلم.. يوحي بتلك الحضارة المفقودة عند العرب.. حضارة علمت الغرب الكثير.. لاحظ.. "علمت"، ولا وجود لتأثيرها الآن بالطبع. ثم ذلك التداخل بين الحلم والواقع.. الإسطورة والحلم. إنه جمال أخاذ يوحي لك بذلك العمق الجمالي لدى ناصر خمير.

تربى ناصر خمير منذ طفولته، على الحكاية وثقافتها الخارجة من ألف ليلة وليلة. ليهيم بعدها بالتصوف الذي كان مادة لأفلامه التي أثارت انتباه النقاد إليه. تعلم كيف يسرد الحكاية وكيف يطورها من خياله الخاص بطريقة ساحرة جعلت "أنطوان فيتز" يدعوه عام 1982 ليروي قصص "ألف ليلة وليلة" على خشبة مسرح شايلو الوطني الفرنسي، حيث كان يحكي أمام النظارة المشدودين إليه طوال ساعة ونصف من ذاكرته وخياله.

قال خمير.. ذات مرة، في وصفه للحال السينمائية: (أرى إن للسينما بعدا ً روحيا وهو غائب عن العقلية العربية، لذا فلا سينما عربية. فيبدو أن الفهم العربي للتطور هو إلى الأسفل وليس للأعلى الذي تم نسيانه. فبات كل ما يجري الآن هو الاهتمام بالأسفل فقط! أما السينما العربية فهي لا تنفك عن إعادة نفسها. نشاهد أفلاما ً مستنسخة عن أفلام أخرى وأفلاما ً مستنسخة عن تلك المستنسخة!  وهذا ينسحب على معظم الإنتاج السينمائي العربي). 

ناصر خمير.. فنان ـ أخشى ـ أن يصبح مصيره كمصير صاحب "المومياء".. الذي رحل بعد أن كان عنيداً في حربه مع الجهل المتفشي في مؤسسات وأجهزة ثقافية أحجمت عن إنتاج فيلماً، كان سيعتبر مفخرة لمن يصنعه.. فهل خشيتي هذه في محلها.. لا أرجو ذلك!!

 

هنا البحرين في

04.02.2004

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)