جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

الخوف ( 1 )

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

فيلم (الخوف ـ 1972)، للمخرج سعيد مرزوق، يعد من أبرز الأفلام المصرية التي تناولت موضوع الخوف بطريقة مختلفة، واستخدام لغة الصورة السينمائية، في التعبير عن ذلك، حيث كان الفيلم محاولة ناجحة إلى حد كبير، للانطلاق إلى أعماق النفس البشرية والبحث في مكنوناتها. متحرراً من أسوار الحدوتة التقليدية.

فالفيلم يقدم الإنسان في صراعه مع الخوف.. الخوف من الحاضر، الذي يحمل تساؤلات كثيرة دون إجابات.. الخوف من المستقبل المجهول، وما سوف يحمله من أحداث ومفاجآت.. الخوف من الموت والخراب، الذي يتجسد في الحرب. وكل هذه أشكال متعددة للخوف، تناولها سعيد مرزوق في فيلمه هذا، والذي دعا فيه ـ أيضاً ـ الإنسان بمحاربة خوفه الاجتماعي والنفسي، حفاظا على إنسانيته.

لقد تعرض مرزوق في (الخوف) لأعنف الاهتزازات التي واجهها الشعب المصري، والشعب العربي بشكل عام، إثر هزيمة يونيو 67. فهو يقدم لنا قصة فتاة (سعاد حسني) نزحت إلى القاهرة بعد أن قاست مرارة وقسوة العدوان على مدينتها السويس.. هذه المدينة التي أصبحت، بفعل الحرب، مجرد أطلال وحطام من المساكن، اختلطت بجثث أهلها وأصدقائها وذويها. وهي تأتي للقاهرة، مع الكثيرين من المهجرين والمغتربين، لتجدها مدينة مزدانة بالأضواء ومزدحمة بالمقاهي العامرة.. الحياة العامة فيها طبيعية، لا يعكر صفوها سوى ذكرى العدوان الغاشم. تلتقي بمصور شاب (نور الشريف) في أحد معارض الصور الفوتوغرافية، والتي يطل بها أهل القاهرة على مأساة وبشاعة الحرب من خلال هذه الصور، دون العيش في المأساة نفسها. تبدأ بين الاثنان قصة حب رقيقة.. استطاع سعيد مرزوق أن يقدمها في إطار إنساني شاعري.. دون أن ينسينا الحدث الأهم، فهو يذكرنا دائماً بآثار الحرب النفسية على بطلته، والمتجسدة في الخوف الساكن في أعماقها. إن سعيد مرزوق يضعنا بصدد مقارنة بين هذه الفتاة المنكوبة، والتي عاشت مأساة الحرب واكتوت بنارها، وبين أناس يعيشون حالة الطمأنينة المزيفة، متناسين قرب النار منهم، وإن عليهم أخذ الحذر منها ومقاومتها.

وفي الجزء الأخير من فيلمه (الخوف)، يتخذ سعيد مرزوق من حارس العمارة رمزاً لمصدر الخوف الذي تعيشه مصر وبطليّ الفيلم في نفس الوقت، فالحارس هو الذي يهدد خلوتهما ويخلق لديهما الإحساس بالخوف، إضافة إلى استفزاز الخوف الكامن في أعماق الفتاة، ومن ثم تفجير خوفها هذا في وجه الشاب، واتهامه بالسلبية والجبن، وبالتالي استفزازه هو أيضاً وهجومه على الحارس والقضاء عليه.

لقد أراد سعيد مرزوق ـ هنا ـ الإيحاء بأن التخلص من الحارس يعتبر تخلصاً من الخوف وهزيمة الهزيمة نفسها. إلا أن مرزوق قد أخفق في ما أراده، وكان تعامله مع الحارس خارجياً فقط، متناسياً المضمون الاجتماعي والنفسي الذي تجسده شخصية الحارس، وبأنه ـ في النهاية ـ مجرد إنسان خاضع لنفس ظروف القهر والخوف التي يخضع لها البطلين. لذلك جاءت النهاية مباشرة وساذجة بعض الشيء، بل وتذكرنا بالقصص الكلاسيكية الرومانسية، والتي تنتهي عادة بانتصار المحب على الشر وتخليص حبيبته من براثنه، ومن ثم نهاية سعيدة بزواجهما.

 

هنا البحرين في

26.01.2011

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)